الذهب
من أقاصيص: زينة حداد
ترجمة: سمير الحداد
ما هو هذا المعدن الثمين؟ من أين هو؟
إنه معدنٌ مُبارك لكنه ملعون في آن معًا!
كم من مرة كنت أيها الذهب هول الليالي!
كم ارتكب باسمك من جرائم!
ما أصله، ما مصدره حتى يجمع في ذاته جميع الحسنات وجميع السيئات؟
هو كائن منذ ولادة الكون، عالجته أياد متشنّجة، واشتهته عيون تائهة، أصبح هذا المعدن معبود البشر ولأجله ارتُكب العديد من الجرائم. ترى هل سنكتشف يومًا علّة وجوده؟
أجل، اسمعوني جيّدًا!
لكل شيء في هذا العالم السفلي علّة وجود، ولكل سؤال جواب.
فالذهب الذي اصبح للأسف مرتكز الحياة في هذا العالم، كان هو بذاته عالمًا بعيدًا تتوهَّج وتتألق فيه الوف من الأنوار وألوف من الشموس الذهبية. عالمٌ كلّيّ الجمال والبهاء. كان موضع اشتهاء من جيرانه الذين كانوا أصغر منه. كانوا يُعجبون به من بعيد ويرغبون بثرائه وروعته وإشراقه الذي يحاكي تالّق النجوم الكبيرة. كان اسمه "ذهب".
لم يكن "ذهب" ذلك المعدن الثقيل الذي يقاس بالأوزان بل كان مادَّة مجهولة بالنسبة لنا، خفيفة كخفة ندائف الثلج التي بلون الشمس. كان هذا الكوكب أرضًا مُباركة مأهولة بشموسٍ صغيرة هي مصدر الذهب، المعدن الثمين. أكمام الوفرة كانت تزهر وكانت الأشجار ملأى بأجراس التبر التي تتارجح في الهواء وترنّ رنينًا جميلاً، وشلالات الضوء تتدفّق من كل صوب على الجبال بلا انتهاء وعلى الوديان.
كانت حوريّة رائعة تملك على هذه الثروات. كانت الشموس مركبتها كلما أرادت الارتحال في أرجاء السماء التي هي مسؤولة عنها، وكان معاونوها في مسؤولياتها الكبرى كائنات شفافة اشبه بالسيَّالات النورانية، ويكنُّون لملكتهم محبَّة تُحاكي الشغف ويؤدون بكل إخلاص ما توكله إليهم من مهمَّات يروحون بعدها يمرحون في المروج المكسوّة بالزهور والنباتات ذات الأزهار الذهبية، فيعانقونها ليرقصوا معًا رقصة الهة الرقص "تيربسثيشور"، وينشد جوق من الطيور المتعددة الألوان ايقاعًا يقود خطوات الراقصين الذين يتنقلون بحركات دائرية، وأجنحة ترفرف ناظمة ألحان تضبط أوزان الرقص. وكانت تسمع زغردات وأغاني عشق تفوق بجمالها وروعتها الحان الموسيقيين العظام الذين نعرفهم. أجواق النحل تطنّ وتوقع رقصًا دائريًا وتمتصّ شعاعات النجوم، اكسير الذهب لأجل الآلهة، والأنوار المُتألقة تتأتى من كائن كلّي السموّ.
الله يمتحن سكان العوال غير الأرضية ويمتحن الأرواح كما يمتحن الإنسان على الأرض. امتحن الملائكة الذين هوَوا حتى بلغوا الدرجات السفلية، امتحن آدم وحوّاء اللذين طردا من عالم الفردوس.
ما سر هذا الكوكب المُهيب الذي كان فيما مضى يزداد روعةً ويتألق في الفلك ضاع واختفى وسط فوضى جهنمية. في الكواكب غير الأرضية تسود قوانين على ساكني هذه الكواكب التقيد بها. وكان عالم الذهب الشديد الغني يوزع عطاياه ينير النفوس ويحييها. إلا أن الله وضع نجمًا مهيبًا في وسط هذا الكوكب مرددًا على أهله وصاياه:
لا تلمسوا هذا النجم إطلاقاً، فالويل ثم الويل. أفيدوا إذا شئتم من جميع الشموس الأخرى، ليس هذا النجم والوصيّة هي الوصية، لا مَرَدّ لها.
ويتوالى الزمن الجميل غير آبه بالساعات لا ولا بالأيام والغبطة في كل مكان حتى ذلك اليوم حين استبدَّت الحشرية بواحد من السكان، طموح وطماع، فارتقى خفيةً في مركبةٍ نحو النجم المشعّ رغبة في الاستيلاء على ثرواته الهائلة.
ما الذي سيتوّج بطلنا هذا؟! أهو الذكاء أم هي العظمة أم المعرفة؟ وللأسف الشديد كانت الصدمة مُرعبةً، حلّت كارثة عظيمة جلبت معها العديد من الكواكب، والنجم البديع الذي أبدعه الله تكسّر بطرفة عين مكأنهُ من زجاج، ودوّت صاعقة هائلة، مُخيفة اخترقت السماوات البعيدة بأصداها، وتفتت عالم الذهب وتناثرت ثرواته نتفًا نتفًا في جميع العوالم الأخرى واستقرَّ بعض من جزيئاته على كوكبنا فوجدها الإنسان بحدس غير مسبوق.
هذه هي قصة معدن ثمين صار مصدرًا للتعاسة والبؤس. اسمعوا هذه الأسطورة جيّدًا ولا تنسوها البتّة فهناك نهاية لكل شيء خاصة البهجة والحبور.