مجاعة
من أقاصيص: زينة حداد
ترجمة: سمير الحداد
إنه ليومٌ مضنٍ! الغيوم الكثيفة توشّح السماء بلونها الداكن، ويزداد الإحساس بحرارة السلاح. الأرض القاحلة جافةٌ تتفسّخ تحت الأقدام، وأوراق الشجر الميتة تتراكم أكوامًا كأنها أعدت للإحراق، والزمن يحمل التهديد والخطر. وتمرّ أيام تلو أيام. الجفاف في هذه البلاد حيث الطبيعة القاسية، الصلبة يجتاح المزيد من الأرضي والمناطق.
وتتلقى الأدغال والجبال والسهول النتائج الرهيبة التي يخلفها المناخ الثائر البغيض. الحيوانات توشك أن تموت عطشًا، المجاعة تنتشر وتمتد، الأشجار تتعرى من أوراقها، النباتات تحتضر وغالباً ما تُدفن لتعود فتنبشها أقدام الحيوانات بحثاً عن كلاءٍ تتبلغ به.
كل ما به نأمة من حياة يرنو إلى الخالق المُبدع راجيًا عونه ونعمته.
لماذا يعاني العالم من الجوع؟ لما هذا العذاب الجهنمي؟ لما هذا الألم وهذه المُعاناة؟ لماذا هذا الكرب وهذا الاحتضار البطيء الذي ينزل بعالم الحيوان والنبات؟ إن شكواها غير مسموعة لكنها على أي حال تخترق أجواز الفضاء وتطاول الغيوم.
الغيوم تحجب وجه السماوات وتشكل عالمًا قائمًا بذاته له استقلاليته، ولديه حرّية انتاج المطر أو الطقس الجميل، وحرّية ري الأرض أو عدمه. لا أحد اليوم يعترف بفضل السماء ويقدِّر كرمها. لذا راحت الأرض تتحول إلى صحارى، فقد تناست الكائنات وجود الله وإحسانه.
لقد منّت علينا العناية الإلهية بالماء، هذا الإكسير المقدَّس، منذ أن ابتدأت الأزمنة. لكن الأمل يستفيق كل صباح وسط المجاعة والجفاف ينتظر ويتلهّف لقطرة المياه التي غدت معبودة على الأرض.
وذات يوم شهدت أمرًا لا يصدق، فقد دوى صوت رعدٍ وانقسم عالم الغيوم فوق رؤوسنا إلى معسكرين الغيوم البيضاء والغيوم الداكنة واشتعلت حرب شعواء بينهما وراح المعسكران المُتخاصمان والمزودان باسلحة ٍغير مرئية، راحا يقتتلان باندفاع وحماسة. وانطلقت بروق والسنة لهب جرّاء احتكاك الشفار، وتشكّلت جيوش نظامية من المُشاة ومن الخيّالة وتزودوا بكامل العتاد، ودوّت أصوات المركبات كالرعد وهي تسير واتخذت كل غيمة شكل جندي أو خيّال أو جواد، أو شكل قطعة من سلاح. شعبان يتجابهان بشراسة. شعبان من غيوم يكونان لأنفسهما نقط عالمًا يحاكى أرضنا من حيث الكبر.
وكان المحاربون الذين يسقطون في المعركة يتحولون إلى مطرٍ لكي نرتوي نحن هؤلاء المحاربون، الشهداء من أجل قضيتنا كانوا يريدون مساعدتنا بأي ثمن فيضحُّون بأنفسهم لأجلنا، في حين كان أعداؤهم يريدون إعادة الخصب إلى أرضنا القاحلة. إلاّ أن طيبة هؤلاء المحاربين لها حدودها، فهم حين يدركون أن لا أحد يقدّر تضحياتهم وإحساسهم سيصلون إلى قناعة بأن لا أحد في هذا العالم يستأهل عطايا الله وإحسانه عندئذٍ سيتوقفون عن ذرف نسغ إحسانهم.
المجاعة بليّة الاله، ستسود من جديد ومن كل مكان. فالزوال مصير كل من تدبّ في أوصاله نسمة حياة بشر، حيوانان أو نبات، لأن الغيوم ستكون قد غادرت سماءنا، ستجتذبها أماكن أخرى أكثر حلمًا واعتدالاً، وإلى كواكب أكثر استحقاقاً لعطاياهم. هناك ستكون الغيوم بيضاء ولن تعود إلى الحرب مجددًا، لأن النجم، موطنها الجديد، لن يقيم فيه سوى المُحقِّين العادلين.