ملائكةُ الحبِّ يلهون ويمرحون
من أقاصيص: زينة حداد
ترجمة: سمير الحداد
ملائكة الحب لهم عالمهم. هم يُحبون اللهو واللعب بفرحٍ كل حسب صباه وطيشه. الجمال والصفاء يسودان في عالمهم الفردوسي الأبيض الذي هو انعكاس لبراءة نفوسهم. عالمهم شبيه بزهرة بيضاء نورانية، عالمٌ ضبابي الكيان تحسبه غيمة خفيفة.
الملائكة الصغار هذه ترفرف بأجنحتها وتحلِّق في مُستقرها من بتلة إلى بتلة، وتهتز جنيحاتها مُحدثة في الهواء أصواتًا موسيقية الجرس، تحيط بها طيور فردوسية الرياض وتدور حولها بفرح. وفي بعض الأحيان يقوم أحد هذه الأحبة بالاختباء تحت غيمة من العطر، ويطل براسه الطفولي بشعره الأشقر المعقوص وكأنه مُستحمٌ بأريجٍ سماويّ.
آه! هل من أحد لا يتمنَّى المقام في جنَّة العدن هذه حيث الخبث منبوذ؟
كل من ملائكة الحب هؤلاء، لديه مل جعبته سهامٌ مسحورة وينصرف كل منهم إلى لعبته المُحبَّبة. لقد دربهم كيوبيد على هذا الفن، وكان الجميع تلامذة مُطيعين يصغون بانتباه لمعلمهم، وكم من الأشخاص كانوا ضحايا لهم، أصابتهم سهام الحب التي لا ترحم.
هل هناك من خيارٍ حيال مشيئة القدر الذي يلهم هؤلاء الأطفال في ألعابهم؟ هم يلهون على هواهم. لا شيء يعكّر صفوهم وعذرهم في ذلك براءة صباهم. ها هم الآن ينخرطون في عملهم.
هناك في سقيفة بسيطة تعيش عجوز بشعه؛ فقيرة ومتسولة، قبيحة وعازبة، نفسها طاهرة وجميلة غير أنها غالباً ما تكون حزينة في وحدتها. ويعيش قبالتها في مسكن له سيدٌ شابّ جميل كأبولون! وفي أحد الأيام، كان الأحبة الصغار يجولون بأنظارهم في أرضنا الشريرة، فرأوا المرأة العجوز في مأواها وقد أثقلت السنون كاهلها وحنتْ ظهرها، وقبالتها رأوا الشاب وهو يبدو كأمير من أمراء ألف ليلة وليلة. قام أحد هؤلاء الملائكة، مُستهتر ولعوب، قام برمي سهامه فأصاب قلبي المرأة العجوز والسيد الشاب نزيل القصر.
هذه بالحقيقة قصة تثير الدهشة إذ أن الشاب راح لتوّه يدنو من المرأة الذابلة المحدودبة يبثها لواعج حبِّه لها ويذوب هيامًا بها في حين أن كل شيء ينبغي أن يباعد ما بينهما، فما من شيء يجمع بينهما.
لكن ويا للأسف، فقد اصابت سهام الحب قلبيهما وما من شيء يحول دون حصول هذا الأمر، فيطلق الحبيبان العنان لعواطفهما وملائكة الشيروبيم السماوية يتسلَّون بمزاحهم وهزلهم، وراحت باقات من الرؤوس الطفولية تطلُّ من نوافد الفردوس وقد اعتراها الفرح والبهجة لرؤية هذا المشهد.
أيها الصغار الخبثاء، الم يكن من الأجدر بكم تجنيب العجوز المسكينة هذه المهانة؟ وكان الصغار على سذاجتهم وعدم مبالاتهم يضحكون لكل قبلة يتبادلها هذان العاشقان. أوليس الحبُّ بأعمى؟
غير أن المرأة المسكينة قضت نحبها فجأة من فرط سعادتها، وأسلم الشاب روحه من شدة الأسى والحزن عليها. عندئذٍ هبَّ الملائكة الصغار وراحوا يقودهم شعاع من أشعة الشمس صوب هذين الشخصين الغريبين، فحملوا أنفسهما على أجنحتهم الرقيقة وسلكوا طريق العودة وهم ينشدون أناشيد الترحيب.
ويهتف صوتٌ مُفاجئ:
ها قد التقى قلبان أحبّا أحدهما الآخر منذ البدء وسيظلاَّن يحبُّ واحدهما الآخر على الدوام، فلا شيء سيفرق بينهما أبدًا، لا المرض، لا التجاعيد، لا الشيخوخة، لا الفقر ولا الغنى. لقد جمعهما الماضي وها الحاضر يوحدهما من جديد وإلى الأبد. النفوس لا تعرف الشباب ولا الشيخوخة فهي موجودة منذ الأزل.