أنا أؤمن بأنه توجـد عدالة سماويّة, وأن جميع ما يُصيبنا في الحياةِ الدنيا من مُنغصات انَّ هـو الاّ جـزاءٌ وفاق لِما أجترحناه في أدوارنا السابقة من آثـامٍ وشـرور.ولهـذا يجب علينا أن نستقبلَ كلّ مـا يحـلّ بنـا من آلامِ الحياةِ ومآسيها غير مُتبرّمين ولا متذمّرين , بل قانعين بعدالةِ السماء ونُظمها السامية.

Highlighter
أحبُّ الكُتُبَ حبَّ السُكارى للخمر , لكنَّني كلَّما أزددتُ منها شرباً, زادتني صَحوا
ليس مّنْ يكتُبُ للهو كمَن يكتُبُ للحقيقة
الجمالُ والعفّــة فـردوسٌ سماويّ .
لا معنى لحياةِ ألأنسان اذا لم يقم بعملٍ انسانيٍّ جليل .
اعمل الخير , وأعضد المساكين , تحصل على السعادة .
من العارِ أن تموتَ قبل أن تقـوم بأعمالِ الخير نحـو ألأنسانيّة .
الموتُ يقظةٌ جميلة ينشُدها كل مَنْ صَفَتْ نفسه وطَهرت روحه , ويخافها كلّ من ثقُلت أفكاره وزادت أوزاره .
ان أجسامنا الماديّة ستمتدّ اليها يـد ألأقـدار فتحطِّمها , ثمّ تعمل فيها أنامل الدهـر فتتَّغير معالمها , وتجعلها مهزلةً مرذولة . أمّا ألأعمال الصالحة وألأتجاهات النبيلة السّامية , فهي هي التي يتنسَّم ملائكة اللّه عبيرها الخالد .
نأتي إلى هذا العالمِ باكين مُعولين، و نغادره باكين مُعولين! فواهً لك يا عالمَ البكاء والعويل!
جميعنا مُغترٌّ مخدوعٌ ببعضه البعض.
العدلُ كلمة خُرافية مُضحكة.
أمجادُ هذا العالم وهمٌ باطل، و لونٌ حائل، و ظلٌّ زائل.
لا باركَ الله في تلك الساعة التي فتحتُ فيها عينيّ فإذا بي في مكانٍ يطلقون عليه اسم العالم .
أنا غريبٌ في هذا العالم، و كم احنُّ إلى تلك الساعة التي اعود فيها إلى وطني الحقيقيّ.
الحياةُ سفينةٌ عظيمة رائعة تمخرُ في بحرٍ، ماؤه الآثام البشريَّة الطافحة، و امواجه شهواتهم البهيميَّة الطامحة، و شطآنه نهايتهم المؤلمة الصادعة.
كلّنا ذلك الذئبُ المُفترس , يردع غيره عن اتيانِ الموبقاتِ وهو زعيمها وحامل لوائها , المُقوّض لصروح الفضيلة , ورافع أساس بناءِ الرذيلة .
الحياةُ سلسلة اضطراباتٍ وأهوال , والمرءُ يتقلَّب في أعماقها , حتى يأتيه داعي الموت, فيذهب الى المجهولِ الرهيب , وهو يجهلُ موته , كما كان يجهلُ حياته .
من العارِ أن تموتَ قبل أن تقومَ بأعمالِ الخير نحو الانسانيّة .
المالُ ميزان الشرِّ في هذا العالم .
السعادةُ ليست في المال , ولكن في هدوءِ البال .
كلُّ شيءٍ عظيمٍ في النفسِ العظيمة , أمّا في النفسِ الحقيرة فكلُّ شيءٍ حقير .
الرُّوح نسمةٌ يُرسلها الخالق لخلائقه لأجل , ثم تعودُ اليه بعجل .
الرُّوح نفثةٌ الهيَّة تحتلُّ الخلائق , وكل منها للعودة الى خالقها تائق .
الرُّوح سرٌّ الهيٌّ موصَدْ لا يعرفه الاّ خالق الأرواح بارادته , فمنه أتتْ واليه تعود .
أنا أؤمن بأنه توجـد عدالةٌ سماويّة , وأنَّ جميع ما يُصيبنا في الحياةِ الدُّنيا من مُنغِّصاتٍ وأكدارٍ انَّ هـو الاَّ جـزاء وفاق لمِا أجترحناه في أدوارنا السابقة من آثـامٍ وشـرور . ولهـذا يجب علينا أن نستقبل كلَّ مـا يحـلُّ بنـا من آلام الحياة ومآسيها غير م
الحرّيةُ منحة من السماءِ لأبناءِ ألأرض .
الموتُ ملاكُ رحمةٍ سماويّ يعطف على البشر المُتألّمين , وبلمسةٍ سحريّة من أنامله اللطيفة يُنيلهم الهناء العلويّ .
ما أنقى من يتغلّب على ميولِ جسده الوضيع الفاني , ويتبع ما تُريده الرُّوح النقيّة .
ما أبعدَ الطريق التي قطعتها سفينتي دون أن تبلغَ مرفأ السلام ومحطَّ الأماني والأحلام .
الراحة التامّة مفقودة في هذا العالم , وكيفما بحثت عنها فأنت عائدٌ منها بصفقةِ الخاسر المَغبون .
ليس أللّــه مع الظالم بل مع الحقّ.
ان الصديق الحقيقي لا وجود له في هذا العالم الكاذب.
ما أكثر القائلين بالعطف على البائسين وغوث الملهوفين والحنو على القانطين , وما أقلَّ تنفيذهم القول.
يظنُّ بعض ألأنذال ألأدنياء أنّهم يُبيّضون صحائفهم بتسويدِ صحائف الأبرياء , غير عالمين بأنَّ الدوائر ستدور عليهم وتُشهّرهم.
ما أبعدَ الطريق التي قطعتها سفينتي دون أن تبلغَ مرفأ السَّلام ومحطَّ الأماني والأحلام .
رهبة المجهول شقاء للبشرِ الجاهلين للأسرارِ الروحيَّة , وسعادة للذين تكشّفت لهم الحقائق السماويَّة .
الموتُ نهاية كل حيّ , ولكنه فترة انتقال : امّا الى نعيم , وامّا الى جحيم .
الحياةُ خير معلِّمٍ ومُؤدِّب , وخيرَ واقٍ للمرءِ من الأنزلاقِ الى مهاوي الحضيض .
حين تشكُّ بأقربِ المُقرَّبين اليك تبدأ في فهمِ حقائق هذا الكون .
مَنْ يكون ذلك القدّيس الذي لم تخطرُ المرأة في باله ؟ لو وجدَ هذا لشبَّهته بالآلهة .
المرأة هي إله هذه الأرض الواسع السُّلطان. و هي تحملُ بيدها سيفاً قاطعاً لو حاولَ رجالُ الأرض قاطبةً انتزاعه منها لباؤوا بالفشلِ و الخذلان .

     الأستاذ أُسامة سمعان

كاتبٌ وصحافيٌّ وباحث في تاريخ الفكر السياسي. مُجاز في التاريخ من الجامعة اللبنانية – الفرع الأول. يحملُ شهادة الماجستير في التاريخ الحديث من الجامعة اللبنانية – الفرع الرابع. يستعدُّ لمناقشة أطروحة دكتواره في التاريخ الحديث في جامعة دمشق تحت عنوان: "اتجاهاتُ الفكر القوميَّ في المشرق العربي: 1945 – 1963".

 

الدعوة إلى وَحدة الأديان وبُعدُها الحضاريّ

بمناسبة المئوية الأولى لميلاد الدكتور داهش الذي وُلِد في مطلع القرن العشرين ليدعو الناس للعودة إلى تعاليم الأديان السماوية الواحدة التي هبطت على الأنيباء من لَدُن إلهٍ واحد بهدفِ تعميم السلام على العالم وترقية النفس البشرية، وتعزيز الحياة الإنسانية لمستقبلٍ أفضلَ وأسمى.

لم تكنْ دعوةُ الدكتور داهش يتيمةَ السَّنَد، بل هي دعوةٌ مؤيَّدةٌ بالروح من خلال المعجزات التي قام بها أمام آلاف الناس من الرجال والنساء.1 وهذا ما أربكَ، يومذاك، السلطات السياسية اللبنانية التي عجزتْ عن فهم ظاهرة الدكتور داهش، فعجزت عن استمرارها في تجريده من الجنسية اللبنانية، وذلك عندما تراجعت عن قراراتها الخاطئة،2 الأمر الذي وسَمَها بالظُّلم والغباء في آن، وأعطى الدكتور داهش اعترافاً، ولو غيرَ صريحٍ، بصدقه في ما قام به من معجزاتٍ لا يتصوَّرُها العقلُ البشري.

هذا هو الدكتور داهش الذي كان يُصِرُّ على تقديم نفسِه بأنَّه إنسانٌ عاديُّ كأي كائنٍ حيٍّ، ولا فضلَ له في اجتراح الخوارق والمعجزات؛ بل هي هِبةٌ من الله مُنِحَ إيَّاها.

----------------------------------------------------

1 راجع في هذا الشأن كتاب لطفي رضوان: "معجزات وخوارق الدكتور داهش" (الدار الداهشية للنشر، نيويورك 1997).

2 للمزيد من الاطلاع على قرارات السلطة اللبنانية وتراجعها، راجع اسكندر شاهين: "الدكتور داهش رجل الأسرار" (الدار الداهشية للنشر، نيويورك 2001)، ص 313 – 328.

------------------------------------------------------

بحيث يكون واسطةَ الروح التي تقومُ بالمعجزات1.

وهو يُقدمُ للناس معجزاته، إنما يقدم لهم معها مزيدًا من المعرفة بأُمورٍ كانت غامضةً لديهم، أبرزها مسألةُ السيالات الروحية التي لا عدَّ لها، ولا حصر؛ فهي منبثقة من الروح، تسكن المخلوقات جميعها، من إنسانٍ وحيوانٍ وجماد، وهي كأشعة الشمس تتوزع في شتى الأرجاء، وكالمغناطيس الذي يسكنُ جزئياتِ الذرات المكوِّنة لكل عناصِر المادة. وهذه السيالات تتنقل من كائنٍ إلى آخر بفعل "التقمُّص"، وذلك بمُوجبِ قانون السببية الروحية والجزاءِ العادل.2

ترافقت دعوةُ الدكتور داهش إلى وحدة الأديان مع أزماتٍ دولية متعددة، كان أبرزُها الأزمة الاقتصادية العالمية التي بدأت عام 1929، والأزمات السياسية بين ألمانيا والدول المجاورة التي كسبت أراضي ألمانية بموجب اتفاقية فرساي للعام 1919. ولم ترق هذه الأزماتُ إلى أسباب دينية واضحة، إذا اندلعت الحربث العالمية الثانية عام 1939 في أوروبا المسيحية، ولم يكن ظاهرُها كما كانت عليه الحروبُ الدينية التي شهدتها أوروبا في العصور الوُسطى بين البروتستانت والكاثوليك (1618 – 1648).3 فإيطاليا الكاثوليكية كانت متحالفةً مع ألمانيا البروتستانتية، وروسيا الأُرثوذكسية كانت متحالفة مع فرنسا الكاثوليكية وبريطانيا الأنغليكانية. ولذلك غلبت السمةُ السياسية على الحرب العالمية الثانية.

يومذاك لم يكن يدورُ في خلد الناس أن الحروبَ الدينية ستعود، وقد سيطرت الأسبابُ السياسية على الدينية، ولا سيما أن بُؤرَ التوتُّر الديني كانت محصورةً. ولكن الاستشراف الفذَّ للداهشية جاء مُغايرًا للمفهوم السائد. وهنا تكمنُ عظمةُ الدعوة الداهشية. إلى وَحدة الأديان.

لقد استنطقت الداهشيةُ التاريخ، فوجدته زاخرًا بالحروب الدينية، إذ الصراعُ الذي دار في الحربين العالميتين لم تكن أسبابُه الحقيقية سياسية بحتًا، زدْ أن ما تلا الحرب العالمية الثانية من حربٍ باردة بين الشيوعية والرأسمالية لم يكن إلا حدثًا سطحيًا زائلاً،

----------------------------------------------------

1 مجلة "صباح الخير"، العدد رقم 185، تاريخ 16/3/1970.

2 يراجع "الدكتور داهش رجل الأسرار"، ص 254 – 261.

3 راجع محمد مخزون: "مدخل لدراسة التايخ الأوروبي" (دار الشمال، بيروت 1990)، ص 178 – 186.

----------------------------------------------------

إذا ما قورن بالصراع بين المسيحية والإسلام. يقول جون إسبوسيتو John Esposito: "لقد ُوجدت المحركاتُ التاريخية للمجتمعين (المسيحي والإسلامي) في حالة تنافس دائم، وثُبتت في صراع قاتل للقوى والأرض والناس"1

سحابةَ قرونٍ طويلة، كانت نوباتُ انبعاث تصدر عن العقيدتين، المسيحية والإسلامية، تمثلت في اكتساح المسلمين لشمال إفريقيا2 وإيران وصولاً إلى شمال الهند في القرن السابع، بينما حدثَ انبعاثٌ مسيحيٌّ في أواخر القرن الحادي عشر بدأ بالحملات الصليبية التي حاول خلالها المسيحيون، ولمدة قرنين من الزمان، إقامةَ حُكمِ مسيحي في الارض المقدسة والمجاورة.3 وفي القرن الخامس عشر، كان الانبعاثُ الإسلاميُّ المتجدد على يد الأتراك الذين استطاعوا أن يُضعفوا بيزنطية المسيحية، ويستولوا على البلقان، ويحتلُّوا القسطنطينية، عاصمة الدولة المسيحية في العام 1453، ويحاصروا فيينا في قلب أوروبا عام 1529. 4 يقول برنارد لويس Bernard Lewis في هذا المجال: "لفترة قاربتْ ألف عام، كانت أوروبا تحت تهديد مستمر من الإسلام".

وبالرغم من السمة السياسية العامة للحرب العالمية الأولى، فإنَّ ما حدث بين العامين 1757 و1909 هو 92 حالة استيلاء على أراضٍ إسلامية من قبل حكوماتٍ غير إسلامية. و"بحلول سنة 1920 لم يكنْ هناك سوى أربعة دُوَلٍ مستقلة على نحوٍ ما عن الحكم غير الإسلامي وهي: تركيا والسعودية وإيران وأفغانستان:"6 وهذا لا يلغتي حقيقةَ الصراع الداخلي في أوروبا الذي هدف إلى توحيدها من أجل السيطرة على العالم. ولقد تنبهت لهذا الأمر الولايات المتحدة الأميركية التي دخلت الحربين العالميتين من أجل منع

-------------------------------------------

1. John L. Esposito. The Islamic Threat: Myth: Myth or Reality. (New York Oxford university press, 1992) p. 46..

2 راجع ابراهيم بيضون: "الدورة العربية في إسبانيا" (دار النهضة، بيروت 1986)، ص 17 – 60.

3. راجع كتاب أمين معلوف: "الحروب الصليبية كما رآها العرب"، تعريب عفيف دمشقية (دار الفارابي، بيروت 1989).

4 راجع في هذا المجال كتاب محمد فريد المحامي "تاريخ الدولة العلية العثمانية"، (دار النفائس، بيروت 1988)، ص 160 -215.

4Bernard Lewis. Islam and the west. (New york. Oxford University press, 1993) p. 13.

                6 صامويل هنغتون: "صدام الحضارات"، تعريب طلعت الشايب (الطبعة الثانية، 1999)، ص 340.

-------------------------------------------

توحيد أوروبا لتبقى وحدَها زعيمةَ العالَم؛ الأمر الذي حققته بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.

أجل، لقد أدركَت الداهشية، بعُمقٍ، طبيعةَ الحروب التي سادت قرونًا متعدِّدة، وسببت كثيرًا من الضحايا البشرية والخراب العمراني. يقول الدكتور داهش بُعيد انتهاء الحرب العالمية الثانية في العام 1946: "إن سلسلة الحروب التي نشبت في خلال القرن البائدة، حتى أيامنا الحاضرة، اتخذ لها مُثيروها اسباباً واحدة لم تتغير رغم قدمها.

فهم يزعمون أنهم يُعلنونها حربًا مقدسة، ويخوضون غِمارها إعلاءً لكلمة الحق، ونشرًا لمبادئ الطمأنينة، إزالة الخوف، وإحلالِ السلام والوئام."1 أما النتائج الحقيقية الصادرة عن هذه الحروب فهي مغايرةٌ للأهداف التي يُثيرها المتحاربون. يُردِف صاحبُ الدعوة الداهشية قائلاً: "ينتظرُ الشعبُ العدالة التي وُعدِ بها، فإذا كلُ ما سمعه كان عبارةً عن كلماتٍ خياليةٍ مثالية. والرخاءُ الذي أصبح لديه يقينًا، لكثرةِ ما ردده الساسةُ على مسامعه، قد استحال إلى جوعٍ جارفٍ يحتلُّ المدن والقرى، ويفتكُ بالعباد أكثر مما فتكت الحربُ الجنونية بجيوشها اللجبة. ويبقى القويُّ قويًا يُسيطر على الضعفاء، كعهده السابق، والغني يمكثُ متحكمًا بالفقير مثلما اعتاد قبل الحرب الضروس". ويُتابع: "إن الحرب لا تجني في نهايتها إلا الخراب على الظافر والخاسر، سواءٌ بسواء".2

والواقع أن يريطانيا، ومعها الدول الغربية التي كانت تشكل المجلس الأعلى لـ"مؤتمر الصلح"3 في باريس عام 1919، لم تهدف إلى تحقيق الحُلم اليهودي في "البيت الآمن" بقدر ما كانت تهدفُ إلى منع قيام نهضةٍ عربية وإسلامية، وذلك بزرع كيانٍ غريب في ظل رفض عربي كامل وإسلامي شامل متمثلٍ بالدول التي كانت منتسبة إلى الإمم المتحدة عام 1947 وهي: العراق، وسوريا، ولبنان، ومصر، والعربية السعودية، واليمن، وتركيا، وأفغانستان، وإيران، وهذا مؤكد في قرارات الأمم المتحدة في التصويت على تقسيم فلسطين بين العرب واليهود.4

-------------------------------------------

1الدكتور داهش: "مذكرات دينار"، ط 2 (الدار الداهشية للنشر، نيويورك 1986)، ص 105.

2 المرجع نفسه، ص 106 – 107.

3" الدول الأعضاء في المجلس الأعلى لمؤتمر الصلح هي: الولايات المتحدة الأميركية، بريطانيا، فرنسا، إيطاليا، واليابان؛ وهي التي اشتركت في جريمة تشريد شعب فلسطين من دياره بالتزامها وعدَ بلفور في مؤتمر سان ريمو 1920.

4John H. Davis. The Evasive Peace. (New York, New world Pres, 1970( p. 381

-------------------------------------------

وبعد الحرب العالمية الثانية وبروز الاتحاد السوفياتي في العالمين الأوروبي والآسيوي ودوره في دعم حركات التحرر الوطني والقومي، وقدرته على إحداث التوازن العالمي مع القطب الأميركي وضعت الولايات المتحدة شِعارَها "التكنولوجيا في مواجهة الإيديولوجيا" في إطار حربها الباردة ضدَّ الاتحاد السوفياتي.

          ولما انتصرت الولايات المتحدة في حربها فتفكك الاتحاد السوفياتي، أطلقت شعار "الديمقراطية والعولمة" الذي استهدفت منه فتح بلدان العالم أمام الشركات التجارية العملاقة. يقولُ رمزي زكي: "إن الخطر الذي تُفرزُه الرأسمالية المعولمة من جراء هذا التطور الفوضوي في البورصات والأسواق النقيدة العالمية يعد أشد خطرًا إذا ما حدث انهيارٌ اقتصاديٌّ عالميٌّ بسبب ضعفِ وهشاشة ضوابط الرأسمالية على صعيدها العالمي، وغياب ضوابطها على الصعيد المحلي". 1

          وها هي الأزمة الاقتصادية العالمية تلفُّ العالم، وتنذر بأشد العواقب الوخيمة على الرفاهية النسانية. وهذا ما نبهت إليه الداهشية منذ أكثر من خمسين عامًا، وذلك حين دعت إلى عولمة من نوع آخر: "إن على ساسة العالم، في أربعة أقطار المعمور، أن يبنوا (عالمًا واحدًا) إذا رغبوا في أن يسود السلام العام أرجاء هذه الكرة اللعينة"، محددة الكيفية في بناء العالم الجديد بـ"الاتفاق العام بين زعماء الممالك الكبرى وملوكِ الدول القوية، وإجماع الآراء المخلصة، لا المزيفة، حول هذا الموضوع البالغ في خطرة وجلال قدره وشأنه، وطرح الأطماع جانبصا من الجميع في سبيل سعادة الأسرة الإنسانية، وعدم التكالب على المادة بجشعيهم الجارف الخطير، وبنيانهم قانونًا عالميًا شاملاً يدخلون فيه الدول الصغرى التي تنقادُ إلى آرائهم، وتوحيد أهدافهم السامية ومُثْلهم العُليا... وهو ما يؤدي إلى السلام العام".2

          ثم عادت الولايات المتحدة لتطور شعارها السابق، فيصبح "التكنولوجيا الصليبية في مواجهة الأصولية الإسلامية". وكان غزوُها لأفغانستان والعراق؛ وقد جندت عدة دول غربية إلى جانبها. وهذا ما حذرت منه الداهشية على لسان مؤسسها وباعثها بقوله:

-------------------------------------------

1 رمزي زكي، في هانس بيتر مارتين وهارالجشومان: "فخ العولمة – الاعتاء على الديمقراطية والرفاهية" تعريب عدنان عباس علي (سلسلة "عالم المعرفة" عدد 238، الكويت 1998) ، ص 17.

2 "مذكرات دينار"، ص 108.

----------------------------------------------------

" إن الحرب إثمٌ رهيبٌ فادح لا يغفرُ الله لمن ارتكب جريمته."

تبين من خلال هذا العرض أن طبيعة الحروب على مدى ما يقارب ألف عام ونيفا

كانت في معظمها حروبًا دينية وصفتها الداهشية على لسانِ باعثها في قوله:

"يا أبناء الأرض المساكين،

منذ عشرات الآلاف من السنين

وأنا أُشاهدُ أعمالكم، وأسمع أقوالكم،

وأُراقبُ أفعالَكم،

وأقرأُ ما يجولُ في أفكاركم،

وإذا هي هي لا تتغير"2

          ولأنها لم تتغير كانت الإرادةُ الداهشية في فعل التغيير الجذري وفق وسالات السماء. ألم تعترف المسيحية بالموسوية! والمسيحُ هو القائل: "لا تظنوا أني أتيتُ لأنقضَ الشريعة والأنبياء. إني لم آتِ لأنقض، لكنْ لأُتمم."3

          أوَلم تعترف المحمدية بما سبقها من رسالات السماء بقوله تعالى: (إن الذين يكفرون بالله ورسله، ويريدون أن يفرقوا بين الله ورُسله، ويقولون نؤمنُ ببعضٍ ونكفرُ ببعض، ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلاً، أُولئك هم الكافرون حقًا. وأعتدنا للكافرين عذابًا مهينًا. والذين آمنوا بالله ورُسُلِه، ولم يفرقوا بين أحدٍ منهم أولئك سوف يؤتيهم أُجورَهم. وكان الله غفورًا رحيمًا)4 أما الموسويون فلا يعترفون بالمسيحية ولا بالمحمدية، كما لا يعترف المسيحيون بالمحمدية؛ وهنا تكمن المشكلة. ولهذا يتابعُ صاحبُ الدعوة كلامَه في وصف الناكرين فيقول:

          "ٌقُسسُكم يتظاهرون بالتقوى وهم الأبالسة المتجسدون!

                دُستم على الوصايا!

----------------------------------------------------

1 المرع نفسه، ص 117.

2 الدكتور داهش: "مختارات من كحتب الدكتور داهش" (دار النسر المحلق للطباعة والنشر، بيروت، 1970)، ص 270.

3 إنجيل متى 17:5.

4 القرآن الكريم، "سورة النساء": 150 – 151.

------------------------------------------------------

وهزأتم بالشرائع الإلهية!

وكفرتم بالسماء!

وقدَّستم الأباطيل!

هزأتم بالتعاليم السامية!

واتبعتم شهواتِ قلوبكم الدنيئة!

قرأتم ما أوصاكم به سيد الأطهار،

ولكنكم، لغلاظةٍ في قلوبكم ولعدمِ إيمانٍ في أعماقكم،

لم تفعلوا بما جاء في هذه التعاليم السامية!

حتى... ولا ببعضها!"1

          ولكن الداهشية لا تتوقف عند التشخيص والتوصيف، بل تنتقلُ إلى المعالجة الجذرية والمواجهة الفعلية. يقول "المؤدب" على لسان مؤسس الداهشية:

"صممتُ اليوم أن أبلغكم (أمري) الذي لا يرد،

والقاضي بتدمير (عالمكم) الحقير هذا...

الذي لوثتموه بجرائمكم، وأطماعكم، وشهواتكم!"2

أما كيف سيتمُّ تدميرُ هذا العالم (الحقير)؟ الجواب هو في الدعوة إلى وحدة الأديان، لا على أساس تبادُل الاعتراف وحسب، بل على أساس تصديق السابق للأحق كما صدقَ اللاحقُ السابق.

          بتدمير العالم الحقير يعم السلامُ والأمن، ويسودُ العدلُ بانتقاء العصبيات الدينية التي لا يوازيها خطرًا إلا العصبياتُ العرقية؛ وهي عصبياتٌ تُناقي الدين والعلمَ والأخلاق.

          هذا هو الهدفُ العظيم الذي سعَتْ إليه الداهشية بدعوتها إلى وحدة الأديان السماوية. وهي بذلك تضعُ على أكتافِ أتباعها حملاً ثقيلاً وعبئًا كبيرًا لا يضطلعُ به إلا جبابرةٌ كبار، ببعدٍ حضاريٍّ لا سابقة له في التاريخ. وهو في بُعده الإنساني هذا سينتصر بالإرادة الصلبة التي ستكون هي القضاء والقدر.

-------------------------------------------------------

"مختارات من كتب الدكتور داهش"، ص 271.

"المرجع نفسه، ص 272.

Developed by Houssam Ballout        Copyright 2019 This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.nfo All Right Reseved This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.