هل نحنُ وحيدون؟
لبول ديفس
Are we Alone?
By Paul Davies
عرضٌ ونَقد
بول ديفس هو أستاذ الفلسفة الطبيعية في جامعة آديلايد Adelaide في جنوب أستراليا، وحائز جائزة تمبلتُن Templeton المرموقة، عام 1995، على إسهامه في توسيع دائرة الوعيّ الروحيّ والدينيّ بكتبه الفلسفية العلميَّة التي أربت على العشرين.
يقول في مقدِّمة كتابه "هل نحن وحيدون؟". "إن اكتشاف وجود حتى جرثومة واحدة غير أرضية يمكن أن يحدث تغييرًا في نظرتنا إلى العالم كما في مجتمعنا يكونُ بعُمق التغيير الذي أحدثته الثورتان الكوبرنيكية والداروينية، هذا إذا أمكنت البرهنة على أن الجرثومة قد تطورت تطورًا مُستقلاً عن الحياة في الأرض؛ بل إن هذا الإكتشاف يُمكن أن يعدَّ أعظم اكتشاف علميّ في التاريخ. أما في الحالة القصوى التي يثبتُ فيها التقاطُ رسالة من كائنٍ غريبٍ عن الأرض، فإن التأثير المُحتمل لذلك من كائنٍ غريبٍ عن الأرض، فإن التأثير المُحتمل لذلك سيكون ذا نتائج مهيبة على البشريَّة".
أهمية كتاب ديفيس تكمنُ في تسليطه الضوء على التأثيرات العميقة التي سيحدثها اكتشافُ حياةٍ راقيةٍ خارج الأرض في العقائد الدينية التقليدية كما في النظريات العلمية الرائجة اليوم.
فعلى الصعيد الديني، يرى ديفس أن الاكتشاف، إذا حصل، فإنه سيُلقي الشكّ على كل ما يمنح الإنسان مكانةً مميَّزة سواء بالنسبة للكائنات الأخرى أم بالنسبة لله. فالأرض لا يتعدَّى عمرها أربعة بلايين ونصف بليون سنة، وهو عمر قصير قياسًا إلى أعمال كثيرٍ من الكواكب التي تأهلُ الكون. والحضارةُ البشرية التاريخية إنما نشأت منذ بضعة آلاف من السنين فقط، وهي مدة جدُّ قصيرة لا تتيحُ للعقل أن يتطوَّر وينمو في خلالها إلا بمقدارٍ ضئيلٍ جدًا إذا وجدت في الكون حضاراتٌ ما زالت تنمو باطرادٍ منذ مئات الألوف من الأعوام. فمرتبة الإنسان العقلية ستبدو، إذ ذاك، أقرب إلى الدرجة الدنيا في سُلَّم التطور الإدراكي. ووضع الإنسان الزري نسبيًا لن يسمح له بالإدعاء بأنه سيّد الكائنات، بل سيدفعه إلى التبصّر في مكانته المتدنيَّة.
والرأي الدينيّ القائل بأن الغاية الإلهيَّة من خلق الإنسان هي أن يتمجَّد الله به سيبدو سقيمًا فبأي مجدٍ من الناس سيُحظى الخالق متى اكتشفت حضارات فائقة بنتها كائناتٌ أعظم جدًا من البشر برقيها العلميّ والروحيّ!
كذلك القول بأن الله تجسَّد في الأرض من أجل الإنسان لتمتعه بمكانةٍ عُظمى في الكون سيبدو قولاً لا أساس له من الصحَّة.
ومن الممكن، برأي ديفس، أن تكون تلك الكائنات الفائقة قد تخلَّت عن مفاهيم البشر الدينية التقليديَّة، واعتبرتها بدائية جدًا، وأن تكون قد أخذت بمفاهيم روحية جديدة تختلف عن المفاهيم التقليديَّة اختلافًا كبيراً، فإذا ذاك سيدفع المنطق الصحيح معظم الناس إلى تبنّي مفاهيم الكائنات المتفوقة. بمعرفتها.
أما على الصعيد العلميّ، فاكتشاف حياةٍ راقية خارج الأرض سيكون، برأي ديفس، أشبه بزلزال يُقوض عدَّة نظريَّات ما زالت رائجة من غير أن تكون قد اكتسبت صّحة علميَّة نهائية. من الأمثلة على ذلك:
أ – ستقوِّض نظرية أنريكو فرمي Enrico Fermi القائلة بأنه يستحيل وجود حياة عاقلة خارج الأرض بسبب أن الكون أقدم جدًا من الأرض، ولِمُضي عدة بلايين من السنين لم يظهر في خلالها أي برهان ملموسٍ على وجود كائناتٍ راقيةٍ غير أرضية.
ب – ستقوِّض النظرية الداروينية في جانبها القائل بالتطوّر وفق الانتخاب الطبيعي والتحوُّلات الفجائية العشوائيَّة. فإذا كان يستحيل على الانتخاب الطبيعي – الذي ينحصر هدفه بتأمين التناسل الناجح – أن يفسر ظهور مواهب عليا في التاريخ البشريّ كالمواهب الفنية والأدبية والعلمية التي لا علاقة لها بإنجاح التناسل على الإطلاق، فإنه بالأحرى يستحيل عليه أن يُفسر نشوء قدرات إدراكية وروحية راقية جدًا، ولا تمتُّ بأية صلةٍ إلى انجاح التناسل.
ج – ستقوض الداروينية الجديدة في جانبها القائل بنشوء الحياة العاقلة صدفةً، وبأن الكون أشبه بساعةٍ دقيقةٍ معقَّدةٍ صنعها صانعٌ أعمى. من الآخذين بهذا الرأي رتشارد دوكنز, صاحب كتاب "صانعُ الساعات الأعمى" The Blind Watchmaker" وجاك مونود Monod J. ، وس. ج. غود S.J.Gould.
د – ستقوِّض نظرية التطوُّر التصاعدي التي أخذ بها تيلار ده شاردان teihard De Chardin والناهجون نهجه من علماء الكثلكة ممن يعتبرون الإنسان ذروة التطور الحياتيّ والكائن المؤهل لبلوغ الألوهة.
ه – ستقوِّض النظرية القائلة بأن اللانظامية (أو الفوضوية)Chaos تسود الكون، لأن وجود حضاراتٍ متفوِّقة في رحاب الكون سيؤكد وجود تخطيطٍ ذكي فائق لأصل الحياة ولانتشارها.
وهكذا يتوقع ديفيس أن يكون لاكتشاف حياة عاقلة خارج الأرض تأثيرٌ خطير في التفكير البشري، يحدث تغييرات أساسية بل انقلابات في المفاهيم الدينيَّة والعلميَّة.
***
لكن ديفِس، على رحابة آفاقه الفكرية، وقع في عدة مغالطات، منها:
أ – مجاراته فريق الباحثين الزاعمين، بأن عدم تيقنهم من وجود نوع من العقل الواعي غير المجسد يدفعهم إلى افتراض عدم وجوده. ومنطق هذا الرأي يشبه زعم انريكو فومي بأن لا وجود لحياةٍ عاقلةٍ خارج الأرض بسبب أنها لم تثبت وجودها على الأرض. فالآخذون بمثل هذا الرأي يغيبُ عن بالهم أن العقل البشري، على تقدمه، قاصرٌ عن الإحاطة بجميع مظاهر الحياة وأشكال الإدراك الواعي في الكون، كما هو عاجز عن إدراك الأسباب التي تمنع الكائنات الأرقى من إثبات وجودها لنا وفق ما نرغب.
ب – يذهب ديفِس إلى أن ظهور العقل الواعي، سواء في الأرض أم خارجها، إنما يحدث نتيجة للتنظيم الذاتي في العضويات، بعد أن تبلغ مرحلة بعيدة في التعقيد complexity. لكنه لا يوضّح كيف يتمُّ التنظيم الذاتي، ومن يضع صورته. فإذا لم تكن وراءه طاقة روحية عاقلة تحرِّكه إلى غايةٍ معيَّنة، فما الذي يحركه؟
ج – يرى ديفِس أن التنظيم الذاتي في العضويات ينتج عن القوانين الطبيعية. فإذا كان هذا صحيحًا، فكيف وجدت القوة المُنظمة في تلك القوانين، وما هو جوهرها؟
هذه المُغالطات وأمثالها مما يتعلق بتفسير الحياة والعقل الواعي وتعليل ظهورهما مردّها إلى رفض معظم الباحثين في العلوم الطبيعية أن يأخذوا بأي تفسير أو تعليلٍ لا يمكن إخضاعه للاختبار المادي، الأمر الذي أفقدهم صورةً بالغة الأهمية لحقيقة الكون الجوهرية ولحقيقة مصدر الحياة، وهما الحقيقتان اللتان كشفت عنهما التعاليم الداهشيَّة.
أ – إن نسيج الكون – أي نسيج المادَّة منظورة كانت أن غير منظورة، عضوية أم غير عضوية – هو نسيجٌ روحيّ تسميه الداهشيَّة "سيَّالات" والسيَّالات وحدات من الطاقة الإشعاعية التي لا تلتقطها الحواس ولا الأجهزة العلمية لتردُّدها المُتناهي في سرعته. وهذا المفهوم من شأنه أن يعطي الجواب الشافي للعلماء الذين يتنافسون اليوم لتقديم نظرية موحَّدة لتفسير قوى الطبيعة بضمّها جميعًا في قوة واحدة. من أهم محاولاتهم النظرية المُسماة بـ"الخيوط الفائقة" Superstring theory".
ب – ليست الطاقة الإشعاعية أو الطاقة الكهربائية المغنطيسية التي في أساس الوجود الماديّ كلّه إلا تعبيرًا من تعابير سيّالات المادّة هذه، التي يمكن أن تسمّى "سيَّالات الشكل العامّ".
ج – هذه السيَّالاتُ ذاتُ جوهر روحيّ مُنخفض الدرجة، به تتوحَّد الموجودات وإن اختلفت مظاهرها المحسوسة. وهي تتصف بالإدراك. ولذلك فلا معنى للبحث عن ظهور الإدراك في العضويات المعقّدة، لأنه في أساس المادّة، في جوهرها، سواء أكانت عضوية أم غير عضوية.
د – ليست "النفس" سوى سيَّالات روحية تندمج بسيَّالات المادّة أي الشكل العامّ.
هـ - قد تكون السيَّالات الروحية طليقةً، مثلما يحدث لحظة انطلاقها من الجسد عند الوفاة مثلاً؛ وإذ ذاك لا تخضع للقوانين الطبيعية، ولا لقيود الزمان والمكان.
و – بما أن النوع الإنسانيّ، باعتراف ديفِس، ليس فريدًا لا في شكله ولا في قدرته العقلية، فليس واجبًا أن تكون اشكال الحياة الراقية في الكون شبيهة بالإنسان لا من حيث بنية الجسد ولا من حيث النَّمط التفكيريّ.
ز – إذا اختلف أيّ عالم عن عالمنا اختلافاً أساسياً بنسيجه الماديّ بحيث يخضع لقوانين طبيعية غير القوانين المعروفة لدينا، فلن نستطيع أن ندرك طبيعته، لأنه بتركيبه وأنظمته خارج مقدراتنا العقلية المبنية على مقدراتنا الماديَّة.
فضلاً عن ذلك، إذا كانت الحياة المألوفة قائمةً بالدرجة الأولى على عنصر الكربون، فما الذي يؤكد أن لا تكون عناصر أخرى أساسًا لأنواع أخرى من الحياة، لا سيَّما أن الاكتشافات الأخيرة في أعماِق البحار أظهرت وجود أنواع من العضويات لا علاقة لها البتة بالكربون، بل تقوم حياتها على الاستفادة من عنصر الكبريت بالدرجة الأولى. ولذلك لا يُستبعد أن يكون للحياة مظاهرُ مختلفة في كوكب المريخ مثلاً. هذه النظرية يتكاثر أنصارُها بين العلماء. من أبرز هؤلاء العالم البيولوجي الألماني كارل شتيتر، حائز "جائزة لايبنتس" العلمية الألمانية البالغة الاعتبار، وأول من اكتشف "حياة جرثومية (ميكروبية) في براكين كما في حقول نفط مرتفعة السخونة تحت بحر الشمال الأوروبي" وقد استطاع أن يربِّي هذه الجراثيم في مختبره بجامعة ريغنسبورغ في أجواء حراريَّة لا تتدنى عن 113 درجة مئوية. والجراثيم تتعيش بأكل الكبريت ومواد معدنية أخرى، ولا تحتاج إلى الهواء. ويعتقد شتيتر أن أمثال هذه الجراثيم يمكن أن تكون عائشة في كوكب المريخ.
والنظرية القائلة بوجود أكوان كثيرة متوازية لا تروق ديفِس، لكنه لا يقدّم أية حجّة علمية ضدَّها. وهذه النظرية، في رأينا، صحيحة، إذ إنها تجعل لكلّ مجموعة من العوالم قوانين طبيعية خاصَّة بها، وعناصر مادية تكون أساسًا لأشكال الحياة فيها.
كذلك في رأي عالم الفلك فرد هويل Fred Intellingent Universe أن أصل الحياة لم ينشأ في الأرض، بل نشأ في عوالم أخرى. أما نشأتها على الأرض فقد بدأت عندما أمطرت كوكب الأرض عضوياتٌ مُتناهية في صغرها نفذت إليه من الفضاء الخارجي. ويرفض هويل النظرية القائلة بنشوء الحياة على الأرض نتيجة للصدفة أو لعمليات كيميائية وفيزيائية عشوائية. وهو يرى أن وراء أشكال الحياة تخطيطًا متفوقًا في ذكائه يدلُّ على وجود كائناتٍ عاقلة متفوِّقة في رحاب الكون تتدخل حيانًا في ظروف الأرض، وأن وراء تلك الكائنات السامية عقلاً أسمى يُديرُ العمليات الكونية.
أما أقوالُ الشهود الكثيرين ممن يزعمون رؤية مركباتٍ فضائية غريبة أو يدَّعون نقلهم إليها أو إجراء تجارب عليهم من قبل ركابها الهابطين من الفضاء الخارجي، فلم يناقش ديفِس صحَّتها في كتابه، ذلك لأنه وجد أن أقوالهم بمعظمها ليست كاذبة، لكن تغلبُ عليها الصفة الذاتية الدينية. وتعليله لتفشي هذه الظاهرة أننا نعيشُ في عصر أخذت فيه المؤسسات الدينية التقليدية تميل إلى التراخي والإنحلال، والناس بدأوا يبتعدون عنها باحثين عن عزاء – لم يجدوه فيها – في حضاراتٍ راقية خارج الأرض، حضاراتٍ قادرةٍ سامية تكون بديلاً عن حضارة الأرض الحالية التي باتت تلهو بالتفاهات وتبعث على السام. فالهابطون من الفضاء الخارجي يمثلون اليوم، في رأي ديفِس، دور الملائكة في الأزمنة القديمة؛ إنهم وسطاء بين الله والناس، والناس توَّاقون لإقامة علاقاتٍ مع الآلهة.
وهنا، لا بدَّ من الإشارة إلى المؤتمر العلميّ الذي عقد في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا M.I.T. (13 – 17 يونيو 1992) حول المركبات الفضائية الغريبة وما يتعلق بها من روايات الشهود المخطوفين. وقد رئس المؤتمر أستاذ الفيزياء المرموق في M.I.T. دايفد بريتشاردD.Pritchard ، وأستاذ الطب النفسي البارز في جامعة هارفرد جون ماك Mack J. ، حائز جائزة "بوليتزر" على كتابه "خطف: لقاءات بشرية غير متوقعة مع كائنات غربية" الذي أحدث ضجة صحافية كبيرة. وقد أصدر بريان C.D.Bryan وقائع المؤتمر ملخّصة ومعزَّزة بعدِّة مقابلات مع العلماء المحاضرين والشهود في كتاب عنوانه "لقاءات غير متوقعة من النوع الرابع.
وقد دُعي إلى المؤتمر عدّة شهود ثقات اختيروا من بين كثيرين ممن يزعمون أنهم خطفوا إلى صحون طائرة ثم أعيدوا بعد أن أجريت عليهم تجارب مُختلفة. وقد أثار اهتمام المؤتمرين اشتراكُ الشهود ممن حضروا المؤتمر أو ممن أدلوا بشهاداتٍ سابقة أمام عدّة باحثين في اعطاء روايات متشابهة بمعظم تفاصيلها عن كيفية خطفهم، كما عن خصائص المركبات الفضائية وصفات ركَّابها غير الأرضيين، وأنواع التجارب التي أجريت على الشهود الذين ينتمون إلى بلدانٍ وجنسيَّاتٍ مختلفة، كما إلى مذاهب دينية متنوعة، ومنهم المتزوجون والعازبون والرجال والنساء والأولاد، وخريجو الجامعات وذوو الثقافة الثانوية. وهذه أهم النقاط المشتركة التي أسترعت اهتمام الدراسين:
1 – عمليات الخطف حدث أكثرها ليلاً. والأشخاص المعنيون كانوا، في الغالب، يسحبون من أسرَّتِهم أو سياراتهم أو الأماكن التي هم فيها بواسطة حزمةٍ من الأشعة الغربية، كانت ترفعهم مقلةً إيَّاهم إلى المركبة الطائرة التي كثيراً ما تكون شبه ثابتة في الفضاء. أما رفاق المخطوفين فكانوا يجمدون في أماكنهم ريثما تتوارى المركبة الفضائية.
2 – الأشعة الغريبة المسلَّطة على المخطوفين كانت تخترق بهم الحواجز المادية أبوابًا كانت أم نوافذ أم جدرانًا، ثم تلقي بهم على طاولةٍ مستطيلة داخل المركبة. والجدير بالذكر أن الشهود أجمعوا على أن قوّة المقاومة لديهم كانت مشلولة.
3 – المركباتُ الفضائية كان أكثرها بشكلٍ صحون مستديرة تتوهجُ من الخارج والداخل بنورٍ برتقالي يميل إلى الحمرة.
4 – أجمع معظمُ الشهود على أن رجال الفضاء كانوا إما قصارًا (2/1 3 – 2/1 4 أقدام)، نحافًا، يميل أديمُهم إلى اللون الرمادي، وإما طوال القامة أقرب من البشر.
أما رؤوسهم فكبيرة، لا شعر فيها ولا في أبدانهم؛ وأفواههم كناية عن شق مستقيم صغير بلا شفاه تتحرَّك، وآذانهم كأنما غير موجودة؛ وعيونهم واسعة جدًا، وحالكة السواد، لا بياض فيها ولا بؤبؤ، ولا أجفان؛ وهي جامدة لا رأرأة فيها.
وقد أجمع الشهود على أن رجال الفضاء لا ثياب عليهم، وأن أجسامهم لا تماثلُ أجسام البشر، فلا بطن لهم، ولا سرة، ولا أعضاء تناسلية، ولا صدر؛ وهم لا يبدون أنهم يتنفسون الهواء. أيديهم بلا مرافق، وأرجلهم بلا ركب، وهي متساوية في ثخانتها من الفخذ حتى أدنى السَّاق. ومنهم من تنتهي أيديهم بأربع أصابع، ومنهم من تنتهي أيديهم بثلاث.
5 – أجمع الشهود على أن رجال الفضاء كانوا يخاطبونهم بالفكر لا بالكلام؛ وكانوا يجرون عليهم تجارب مختلفة، منها أخذ عينات من سوائلهم الجنسية أو جلودهم، أو إجراء حمل سريع في النساء من غير جماع. ثم يعاد المخطوفون إلى منازلهم أو الأمكنة التي خطفوا منها. وأحيانًا، كانوا يعيدون خطف المرأة الحامل، بعد عدة أيام، فيسحبون منها الجنين بطرق خفية. وقد رأى كثيرون من الشهود عشرات الأجنِّة في المركبات الفضائية موضوعة في سوائل خاصة ضمن آنية شفافة.
كذلك روى كثيرون منهم أن رجال الفضاء (وأحيانًا نساء الفضاء وهن لا يختلفن عن الرجال إلا بنحافة أجسامهن) كانوا يعرضون أمامهم مشاهد وصورًا مختلفة الموضوعات ويدرسون انفعالاتهم تجاهها.
6 – كثيرون من المخطوفين, رجالاً ونساءً، أدخلت عميقًا في أنوفهم أداةٌ دقيقة تحمل في رأسها كرة صغيرة جدًا، ثم سحبت وقد اختفت منها الكرة. ومعظم المخطوفين كانوا يصابون برعافٍ دموي نتيجة لهذه العملية، بعد أن يعادوا إلى منازلهم أو أماكنهم الأصليَّة. وقد رجَّح الباحثون أن الكرة الصغيرة قد تكون جهاز مراقبة يبثُ إشاراتٍ معينة يلتقطها رجالُ الفضاء.
7 – لم يذكر أي من المخطوفين الموثوق بهم أنه حدث له أي أذى نتيجة لخطفه أو للتجارب التي أجريت عليه؛ بل إن عدَّة مخطوفين ذكروا حدوث شفاءات لهم، منها شفاء أحدهم من مرض الإيدز المحقَّق، وبرءُ آخر من عمًى في رؤية الألوان. أما الشعور العامّ الباقي في المخطوفين فهو خشية مقترنة بالاحترام والخشوع أمام القدرة الخارقة التي واجهوها. واستخلاصًا للوقائع الصحيحة وفرزها من الروايات المختلفة، كان لا بد للباحثين من استبعاد أعداد لا يستهان بها من مدَّعي رؤية الصحون الطائرة ممن تحدوهم دوافع مختلفة لاختلاق الحكايات، والإبقاء على الشهود الثقات.
وقد أكد الدكتور جون ماك مصداقية الشهود الذين قابلهم معتمدًا على عناصر يمكن إجمالها بعشرة:
1 – إتِّزانُ شخصيَّاتهم.
2 – خلوهم من أي مرضٍ عقلي يمكن أن يكون علّة ما يروونه.
3 – ثبات رواياتهم وتماسكها وعدم تناقضها، على اختلاف أماكنهم وانتماءاهم القومية والدينية.
4 – شدَّة الانفعال الذي كان يعتري الشهود عند روايتهم ما حصل لهم، الأمر الذي يؤكد مُعاناة تجربة شعورية واقعية صادفة.
5 – حدوث تغييرات معينة في أجسامهم لا يمكن نسبتها إلى أمور نفسية أو طبيعية.
6 – ثبوت وجود تغيرات كيميائية في التربة حيث كان هبوط المركبات الفضائية.
7 – حصول حوادث خطف لأولاد لا يتعدى بعضهم الثالثة – وأحيانًا الثانية – من العمر، وتماثل روايات الأولاد عما رأوه.
8 – وجود شهود آخرين لعملية الخطف الحاصل، في أكثر الأحيان، ليس بينهم وبين المخطوفين أية صلة.
9 – معظم المخطوفين يحملون رسالةً فكرية من الفضائيين هي أن الحياة في الأرض باتت مهدَّدة بخطرٍ ماحق شامل، وأن هذا الخطر سيتفاقم إن لم يغير البشر نمط سلوكهم. وقد يستوجب استمرار الحياة على الأرض نشوء نوع جديد من الحياة.
10 – معظم المخطوفين أكَّد لهم رجال الفضاء أنهم قاموا بزيارات كثيرة للأرض منذ آلاف السنين، وأنهم سيقومون بزيارات أخرى من أجل متابعة دراسة الحياة فيها.
ختامًا، أناشد القارئ أن يعود إلى ما كتبه الدكتور داهش قبل حوالى عشرين سنة في موضوع الحضارات الكونية، في كتابة ذي الأجزاء الأربعة، "قصص غربية وأساطير عجيبة" (راجع مقال "العوالم العلوية" في الصفحة 38 من هذه المجلة)، فهو يفتح أمامه آفاقًا جديدة مثيرة، ويجعله يتبصَّر في مكانة الإنسان الحقيقيَّة بالنسبة للحضارات الكونية وفي الخطر الرهيب الجاثم على صدر الأرض، كما في الطريق الطويلة التي على الإنسان أن يجتازها ليستحق أن يُنعت بأنه كائنٌ راق. *
د. غازي براكُس