آدمَ وحــــوّاء
" مستوحاة من قصّة الخلق الداهشيّة المُوحاة "
همــسَ الــربُّ مـن وراء الغيـبِ
بكلمـة ٍ هــي سـرُّ الأســـرارِ
منهــا انبثقـت العوالمُ و الكواكـبُ
فنثَرتْ السُــدُمَ والمجـرّات كالغبـارِ
قُسّمـتْ إلـى عـــدّةِ أقســامٍ:
عوالـمَ مـن نـورٍ، و دركاتٍ من نارِ
و بينهمـــا تسبــحُ افـــلاكٌ
هــي حقـولُ تجـاربَ و اختبـارِ
كـونٌ ليـسَ فيـهِ مــنْ نقيصــةٍ
كـلٌّ يسيــرُ فـي محـورٍ سيّــارِ
سُكِنـَتْ جميعهـا دون استثنـــاءٍ
لأجــلٍ يسمّيـه مُقسّـمُ الأقـدارِ
وفوقهـا عالـمٌ روحيٌّ مضيٌّ خالـدٌ
فيــه يرْتــعُ أطهـر الأبـــرارِ
يتمتّـعون بسعادةٍ فائقـةَ البهــاءِ
تعجـزُ عنْ وصفهـا أعقبُ الأبصـارِ
راودْتْ ساكني الفراديس فكرةَ العصيانِ
وسرعان مـا انتشرتْ فـي الجـوارِ
فمنهـم مـنْ عــارضَ و أبــى،
ومـنْ أذْعـنَ أقـدمَ علـى الإنتحارِ
طمِحوا الى نيـلِ المعرفـةِ العظمــى
و الوصـولِ إلـى الأعلـى باقتصـارِ
فتألّمــتِ العوالـمُ العلويّة لفعلتهـم
و بكـتْ الملائكـةُ و ناحتْ الحـواري
و حزنـــتْ عرائــسُ المــروجِ
واضْطرَبـتْ نفـوسُ الأخيـــــارِ
و سُمِـعَ صوتٌ من وراء الحُجُــبِ
خافـتٌ، هـو صـوتُ القدير الجبّـارِ
متأسّفـــاً لعصيانهــم الأوامــرَ
لكــنْ القانـونَ على الجميـعِ سارِ
قائــلاً:" أهبطــوا..أهبطـــوا
مــنْ عوالـمِ النعيـمِ و الأنــوارِ
متّحديــــنَ بشخـصِ , ...آدم
وقد نفُخَتْ فيــهِ نسمـةَ البـاري
وارتعـوا في جنّـة ٍ أرضيّـةٍ بهيّـــةٍ
فيهــا مـنْ كـلّ الأشجـار و الأزهارِ
لا يقتــــربُ منهــا احــدٌ
فهـي حصينـةٌ منيعــةُ الجـدارِ"
وقال الملاكُ لك:" كلْ مـا شئْــتَ
إلاّ مــنْ التفّــاحِ أشهى الأثمـار"
عــاشَ آدمَ ردحـاً مـن الزمـــنِ
وحيـداً، بعيــداً عــن الاخطــارِ
إلـى أنْ ألقــيَ عليـه يــــوماً
سُبـاتٌ عميـقٌ، وهو مسجّى فوق الغبارِ
فانْتُـــزِعَتْ مـن ضلوعـه ضلعٌ
و كوِّنّت امـرأةٌ في سحـر الأنظـارِ
تؤنـسَ وحدتــه, ووحشتـــه
فـي الليــلِ كمـا فـي النهـارِ
فكانــا يمرحـان معـاً فرِحيــنِ
يتسلّقان الهضابَ, يجولان في البـراري
يداعبـان جميــعِ حيواناتهـــا
سوى مخلــوقٍ كريـهٍ، مكّــارِ
مسخـهُ اللـه فـي هيئتـهِ هــذه
جـزاءً وفاقـاً علـى سوءِ الأفكـارِ
بعد ان كان ملاكاً في عالمِ النعيـــمِ
فأصبحَ شيطاناً في دركـات ِ الأقذارِ
هذا المخلوقُ الزحّافُ على شكلِ أفعى
إنفردَ بحواءَ...وإلتفّ على الشجرة في مدارِ
قـال:" كُلِ منهـا وأطعـمي آدم
فتنكشفَ المعرفةَ لكما، بِلا ستـار "ِ
فهرولتْ مسرعةً إلـى وسطِ الجنّةِ
واقتطفتْ مـنْ شهيِّ الثِمـارِ
فـرآها آدمُ...وصرخ يـا امـرأةٌ
ويلكِ...وويـلٌ لعملكِ الشنّـارِ
فأغوتـه بسحرهـا, ودلالهـا
وبكلماتها المعسولةِ و نعومةَ الحوارِ
فسَمِــعَ لهـا و قَضَـمَ مـنْ يدهـا
فبانـت سؤتهمــا... يـا للعــارِ!
صَـرَخَ الربُّ مـن عليائـهِ ثانيـة :ً
" أخرجا...أخرجا إلى دنيا الكفــارِ"
وقال لها:" بالألم تلدين و تكونين تابعة"
و قال له:" لتأكل بعرق جبينك المدرارِ"
وللأفعى أمُ الشرورِ والأفكارالسوداء:
" تُمسخيـن إبليسـاً فـي النــارِ"
* * *
خَــرَجَ آدمُ مــن روضِ الإلـهِ
ووراءه حــواءُ تجــرّ ُذيلَ الاوزارِ
و الندم فـي نفسيهمـا آخـذ ٌ مأخذه
ولاتَ ساعةُ ندمٍ تعيدهـما الى نعيمِ الدارِ
فمــا فـاتَ, .... قـدْ فــاتَ
وهيهــاتَ أنْ يعـودا الـى القطـارِ
عـــاشَ الإثنـانَ كمــا نعيـشُ
فأنجبـا ثلاثـــة أنفـــــــارِ
ومـــا هـــي إلاّ أعــــوامٌ
حتّـى شبّــوا من كثــرةِ التـكرارِ
يأكلــون مــن صيــدِ الوحـوشِ
ومــن زرعِ البقـــولِ و البِــدَارِ
فالحيــاةُ لــمْ تكـن ْ هنيئــــةً
و الشقـــاءُ عكّــرَ صفــوَ الأقدارِ
حتـــى استيقظــت في نفـسِ قايينِ
فكــرةً تعـــودُ إلـى سحيق القرارِ
فانْقــضّ علـى هابـيلِ اخــــيه
وفـــي قلبـه ثــورةَ الثـــوّارِ
فانْتزَع قلبه مــن بيـن أضلعـــه
ليصبــح فـي عالـــم ِالأخبـارِ
هـــام القاتــل علـى وجهــه
لا يــدري أنّـى وجهـةَ المســارِ
إلـى أن دخــل علـى بنـات البشـِر
و امِــنَ الحيــاةَ وحسـن الجـوارِ
وَعِــيَ آدمَ حقيقـة عصيانـــه
و نـــدم علــى فعلـة الأشـرارِ
واستعــاذ مـن الشيطـان الرجيـم
واستغفـر الربُّ العلـيّ البأسِ القهـار
و ســـارَ علــى درب الهدى
بإيمـانٍ و ثبـــاتٍ و إصــرارِ
نافخــاً فـي بــوقِ الحـقِّ
كارزاً في الأرض طوراً على أطوارِ
مبشّـراً بتعاليــم السمــــاء
فــي الأصقـاعِ والسهولِ والأغوارِ
حامـلاً مبــادئ رسالـة إلهيـة
داعيـاً لتطبيق الوصايا لكل الأعمارِ
وبيـده مشعل نـورِ الهِدَايــــة
يضــيء طريـق الصغار والكبـارِ
غيـرَ آبـهٍ بتهديـدٍ وإضطهـادٍ
أو وعيـدٍ أو بكثرة الأخطـــارِ
منتقـلاً مــن جيـلٍ إلى جيـلِ
مـا بيــن أحقـابٍ و أمصـارِ
حتى أذن الله لـه عـن استحقاقٍ
بالعودةِ إلــى عوالـم الأنـوارِ
متمتّعاً بسعـــادة لا توصـفُ
منتشيـاً مـن فرحـةِ الانتصارِ
فمن موسى إلى داوود و سليمان
إلى عيسى و محمد، أولئك الاطهارِ
ومـا انْ أتـمّ دورة الكواكـب
حتـى عاد إلــى عالم الأكدارِ
عالـم الشقـاء والتعاسة والبـلاءَ
العالم المملؤْ بالأشواكِ والصبــارِ
باسم داهـش الزمـان و العالمين
يكلّمهــم بالعلانيـةِ والجِهــارِ
لدعـــوة خِرافــه الضالـــة
للعـــودة إلـى سماويِّ الأخــدارِ
ولإعطـاء البشر فرصــة اخيـرة
تكـون لهم انذارٌ وأيّ إنـــذارِ
حتى إذا لم يرتدعوا عن غيّهــم
أمــــر الله الأرض بالدمـارِ
فشَهَـــرَ سيـــفَ الحـقِّ
بوجـه رجـال الدنيـا و الأحبارِ
وذكّـرَ بالوصايــا العشـــر
وبالإنجيـل المقـدسِ، كتاب الأنوار
وبأنَّ محمّداً نبيٌّ والقرآنَ منزلٌ
بأمـرِ اللّه ومن السمـاء بقــرارِ
ليحفظـه أهـل العلـمِ والذكـر
عنوان النبـوّة الحقّـة كتذكــارِ
ظهرَ مُؤيـداً بمُعجـزاتٍ باهـراتْ
صدّقهــا كـلُّ مؤمــنٍ مختـارِ
ولــم ينكرهـا إلا قليلُ ذمّــةٍ
سافــلٍ، كافرٍ، و كاذبٍ ثرثـارِ
فأبتْ سيّالاتَ الشــرِّ الخبيثة
إلاّ أن ْتعصفَ بوجهه كإعصار
وكما في كلِّ زمـانٍ لم تعبأ
برسالته ولا بمشعله الإلهيِّ المُنارِ
ولا بعزفه موسيقى آيات السماء
على نـاي أو مزمـارٍ أو قيثـارِ
ولا بكتابتـه تراتيل أدب الصدق
أو بنظمه الأناشيد وجميل الأشعارِ
فكـلُّ هذا لم يكنْ لهــم بشـيءٍ
حتى اجتمع الكفرةُ, وكان يوم الذمارِ
فجنّدوا له كـلَّ سفّاكٍ و أفّـاكٍ
وصحافـيٍّ ومستزلمٍ وعشّـارِ
وكـل وصوليٍّ و أنانيٍّ ومتعجرفٍ
يتربـعُ علـى العـرش بافتخـارِ
فأُذيـقَ مـن العـذابِ أصنافـاً
هــو وإخوته ومن معه من أنصار
وأخيـراً تمكّنوا بسلطتهم وجبروتهم
و تعسّفهـم وخداعهـم من استصدارِ
مرســومٍ مُجحفٍ يقضـي بتجريده
ونفيـه إلى خارج حدود الأســوارِ
لكــنَّ الأنقيــاء أبـوا أنْ يسْتسْلِموا
لطغمــةٍ من الأوغــاد اللِئَامِ الفجّارِ
فاستحــال الشريــدُ إلى غضنفرٍ
يُرْعِدُ ويـزأرُ و يبطـش كمغـوارِ
كاشفـاً جرائم وفضائح مُضطهديه
مُلطخــاً جبينهم بوصمـةِ عـارِ
حتــى انتفـضَ الشعـبُ يومـاً
مُحطِّمــاً عرشهـم، فهرعوا بالفرارِ
ثــمّ استعــــادَ حرّيتـه السليبـة
وعــاش حيــاة الأبطـال الاحـرارِ
ناشـراً في الأرض رسالــة سماويــة
مُكللاً رأســه بإكليـلٍ مـن غــارِ
فسُمِعَ صـوتٌ مـن السمـاء قائــلا:ً
"هــذا هــو سيّال ابني الحبيـبِ البارِّ "
وكمـا كـان في الأرضِ محـطَّ زوّارٍ
فضريحــه سيكـون أقدس مــزارِ
مُخلّـــداً اسمـــه فــي السمـاءِ
والأرضِ على مـدى العصـورِ والأدهارِ.
بيروت, 20 آب 2004
حسين يونس الداهشيّ