1-6-1909 مولد النبي الحبيب الهادي
مولد النبي الحبيب الهادي
في القدس , مدينة الأنبياء , ولد الدكتور داهش , في مطلع حزيران سنة 1909 .
والده موسى الياس أليشي ( نسبة الى أليشع النبي ) , و والدته شمونة ابنة حنا مراد كانون . عاشا , قبل زواجهما , في مـا بين النهرين , الأب في بلدة إفسس , و الأم في بلدة آزخ ؛ و كانا ينتميان الى الطائفة السريانية , تلك الطائفة التي تتكلم الآرامية , لغة المسيح , حسب كثيرين من المؤرخين .
ثم اعتنق موسى البروتستنتية , و أنشأ مدرسة , في مسقط رأسه , انصرف فيها الى تعليم الناشئة بنفسه .
و كانت شمونة احدى تلميذاته , فاجتذبت نظره باستقامتها وذكائها , فمال قلبه اليها , و اقترن بها .
ثم هاجرا الى فلسطين , في ظروف خطيرة و مؤلمة , و استقرا في القدس , حتى ولد لهما صبيّ , بعد ثلاث بنات .
و تشاورا في ما يسميانه ,فقر رأيهما على ان يفتح الوالد الكتاب المقدس , عفوياً , و يضع إصبعه , دونما نظر , على احدى الصفحتين .و اذا بأنمله على عبارة وردت في العهد القديم : " فولدت ابناً , فدعاه سليمان , و أحبه الرب" ( سفر الملوك الثاني 12: 24) . فسميا طفلهما سليمان , ثم خففا اسمه , فصار (سليم) (2).
و ما إن أخذ الصبي يدرج , حتى ترك والداه القدس الى حيفا , ثم انتقلا , مع أولادهما , الى بيروت , حيث سكنوا في حي المصيطبة , بملك جرجي ناصيف.
و في فلسطين , حرّف اسم العائلة من (أليشي) الى (العشي) .
ولكنّه أُلهِم روحيّاً بأنّه يجب عليه أن يغيّر اسمه ويتّخذ له اسماً روحيّاً، فدوّن أسماء كثيرة على قصاصاتٍ من الورق واختار بنفسه واحدةً منها وكان فيها اسم "داهش" فعُرِفَ بعدها بهذا الاسم الروحيّ .
يومُ مولدي
منذ ستين عامًا مضت
وفي مثل هذا اليوم ولدتني أمي.
في مثل هذا اليوم خرجتُ للوجود.
في مثل هذا اليوم أبصرتُ نور هذا العالم،
وشاهدتُ ظلام هذا الكون المُخيف.
ومضت الأيام تركض، فإذا بها تُصبح أسابيع،
ثم كوَّنتْ شهورًا فأعوامًا.
وإذا بي أشبُّ عن الطوق.
وما بلغتُ من العمر الثامنة ونيفًا.
حتى كان والدي يرقد رقاد الأبد.
ومكثتْ أثقالُ الحياة الباهظة على كتف أمي.
بعرق جبينها أطعمتني، وبأوجاع نفسها كستني.
ومرت الأعوام تباعًا، وأنا أُشاهدُ من خلالها وقائعَ مُرعبة:
فالغشُّ هو السائدُ بين العباد،
والكذبُ جلس على عرشه في البلاد،
والقويُّ يُحطِّمُ الضعيف،
والغنيُّ يدوسُ على عنق الفقير،
والفوضى ضاربة أطنابها في أرجاء الكرة الأرضية،
والحق للقوة الغاشمة، فهي الآمرة الناهية.
وشاهدت الجميع يتكالبون على المادة
كتكالب الضباع على الجيف النتنة،
يبيع كل منهم ضميره، ويُلحد شرفه
في سبيل حصوله على النضار،
مُلتحفًا، للوصول إليه، بكافة الأوزرا والأوضار.
وشاهدتُ الداعين إلى الفضيلة- إنما هم أول الفاسقين،
فذُعرت، وتملَّكني يأسٌ قاتلٌ وحزنٌ لا نهائي،
إذ عرفتُ أن عالم الفضيلة المثالي
لا يوجد في دنيانا الرهيبة الأحداث.
إن كرتنا الأرضية هي سجنٌ مُخيف
يحيا في أرجائه البشرُ مُرغمين،
وعوضًا عن تآخيهم تراهن يفتكون بعضهم ببعض،
ويقوضون قُراهم ويُردمون مُدُنهم،
فيسودُ الخراب العالم، وتعمُّ الفوضى، ويضطرب حبلُ الأمن.
ستّون عامًا تلاحقت، ومشاهد الرُّعب هذه تمثلُ أمام نظري،
لأن الشرَّ مزَّق الفضيلة، وانتصر عليها انتصاراً عظيمًا.
إنَّ من كُتِبَ عليه الشقاء، ومن سيذوق مُرَّ البلاء
هو من يولَد في هذا العالم الغائص بالتعاسة،
وهو من يزور كوكب البلايا،
ومن تُعشش في ربوعه الرزايا
فهل يأتي يوم تزول فيه هذه الشرور
فتعمُّ السعادة أرجاء هذا الكون المسعور؟
إن هذا الحلم جميل، إنها أمنيةٌ سماويَّة، بل رغبةٌ وهميَّة
لا ولن تحقِّقها الأيام.
فمرِّي يا أيام، والحقي بها أيتها الأعوام،
لأن نفسي قد تعبت من سيرها في عالم لا رحمة فيه،
وبتُّ أترقَّب اللحظة التي فيها يأمر الخالق فيدعوني إليه
ففي موتي فرحي، وبمغادرتي الدنيا ابتهاجي.
بروكسل – بلجيكا، أول حزيران 1972
الساعة الثامنة والنصف صباحًا
- نجمةُ الأنبياء -
الى النَّبيّ الحبيب الهادي، في ذِكرى ميلاده المجيد-
للشاعر: موسى معلوف
يَدُكَ الشَّمسُ ، خُطَّ بالأَضـواءِ ، واحْرقِ الرَّمـزَ للعَلـيِّ صَـلاةً فرَمادُ الحُروفِ نَثـْرٌ منَ الطِّيبِ هُـو سيـَّالَـكَ الحياةُ تَجلَّـى ، جَذَبَ الصَّوتُ كلَّ نفسٍ تَشهَّـتْ بَشَّرَتْنـا بـهِ العُصـورُ نَبيـًّا ذَكَّرتْنـا يَداهُ في النَّهرِ والبَحْر ذَكَّرَتْنا خُطاهُ في الرِّيحِ والعِطْرِ ذَكَّرَتْنـا بمَجـدِهِ بَسَمــاتٌ ، أنَّـهُ الهَادي بالصّليـب أتَانا ، كلُّ حيٍّ.. مَصيرُهُ في ارْتقاءٍ طَائراً كانَ أو دُوَيبةً رمْـلٍ ، يَلْبَسُ الطِّينَ دَوْرةً ثُمّ يَمْضي، فكــــأنَّ الأكـــوان بالجَوهَــرِ الحـــيِّ إحمَدِ اللهَ ... دَاهِشيًّا هَـداكَ رِحْلةُ الحبِّ في العَوالمِ تَرويها قِصَصٌ بلْ عجائبٌ وأَسَاطيـرُ نَحنُ فيهِ تقمُّصـاتٌ وأسْمـاءٌ عادَ رَعْمونُ([1]) بالمِسلِّـة عِشْقاً |
طِلْسَمَ الحـقِّ، نجمـةَ الأَنبياءِ! و َتَبخّـَـرْ بِنعْمـةِ العَلْيـاءِ ، تَـروَّى بالنَّـار والأَنْــدَاءِ . حِكْمـةَ اللهِ للنُّفـوسِ الظِّمـاءِ! ثَورةَ النُّورِ فـي دُنَى الظَّلمـاءِ؛ فَشَهِدْنا.. أنَّا مـنَ الأحيــاءِ ! وَدَفْقِ السَّنى على الأنْــواءِ... وَهزْجِ الأسْحَارِ في الصَّحراءِ ، وَعُيـونٌ سَواطِـعٌ بالعـَزاءِ : يا ارْتِحالاً لنَا عَنِ الغَبْـَراءِ...! وَهُبوطٌ .. بينَ الثَّرى والسَّماءِ ؛ زَهرةً كانَ او طُيوفَ المسـَاءِ . فَلَهُ الوَحْيُ كَرْمـةُ الأَصفيـاءِ ! تَنـاهَـتْ إليـكَ بالإيحــاءِ . الحـقُّ.. أَعْظِمْ بوَحْدةِ الأنبياء ! فَرادِيسُ عُمــرهِ اللاَّنهائي! لمـاضٍ لـنَـا بألـفِ ردَاءِ ، تَوارَتْ ظِلالُها فـي الماءِ... ! سَحَقَـتْ أَمْسِ قلبَــهُ بالوَفاءِ |
|
أَيَنَ نحتيتُ ؟ أينَ رَمسيسُ يُزْجى هو مَاهودُ([2]) بينَنا، فُضَّ ، أَنْبِئْ كانَ سيَّالَ أيكـةٍ ذَلكَ اللــوحُ دُقَّهُ إيلُـوارُ واسْحـقْ زَنيمـاً ، ذُرَّهْ..ذُرَّهُ على الأَربعِ الكُبْـرى فـرحٌ أنّنا نمـوتُ لنحيَـــا فالرِّسالاتُ تُطلِعُ الهَـدْيَ فجْـــراً هذهِ المُتْرعاتُ شوقاً الى الــرُّوحِ شِعْرُها، نَثْرُها على الفَوحِ والبَـوحِ كوثَرٌ أَخضَرُ السًّطورِ، بَخـــورٌ، أدَبٌ في بيَانِـهِ تنتشي الحُـــورُ فيهِ سَجْعُ الأطيارِ..قيثارةُ الفِردَوسِ، زفَّةُ النَّاي في البُكـورِ وأحــلامُ الرِّفقُ ريشةً في يـدِ الرُّوحِ عَتَّقتنـا الأدهــارُ فـي مُقْلتيـهِ خُطَّنا.. خُطَّنا على الماء والجمْـرِ ماتَ لبنانُ، ماتَ أرزُ سَواريــهِ وامْتطتْ شُمّهُ الثّعالبُ والغِربـانُ فالصّواريخُ بالشّياطينِ تهـــوِي والقبورُ التي تضِجُّ مطاويهـــا أيـــنَ كُهّانُهـا يدِبُّـون ليـلاً وبشــاريُّهُا يكَنِّسُ أَجيـافـــاً تَحصُدُ الناسُ زَرْعَهُ غضباً يهمِي فإذاها لا عَقْلَ، لا قلبَ يَهديهــا عَبَدُوا المالَ، ألَّهوا الرِّجسَ حوَّاءَ هَجَرتْ أرزَهم رسَالةُ فَادينـــا نجمةٌ تَنتَشي وأُخــرى تُغَنِّــي في حَزيرانَ فولدي، أُختُ هاتـِي غُرَّةُ الزّهرِ عيدُهُ في السَّواقِــي، هُوَ عيسَى في دَاهِشٍ يا عّـذارى ، كُتَّ عِشْتارَ في الجِرَاحاتِ تحيـا ، خَطراتٌ لَهُ على هُدْبِ نجـــمٍ و َلَهُ ها هُنا عـُروشٌ وسِـدْراتٌ وَيلَ أرضٍ عَمْياءَ كـم رَجَمتْـهُ، فشتاءُ الذَّراتِ طافَ على الأحياءِ إفرحي أُختُ.. واطربي، فَحَبيبي كم أناجيكَ داهشي في غُـروبٍ ، أَتَملاّكَ في سُهـادِيَ تَطْــوي لا سَلامٌ إلاّ وأنتَ بعمْـــري، زَمنُ الشّوقِ، ما سِواكَ، كذوبٌ أيُّ جَوزاءَ ما ترنَّتْ جَنَاحيْـكَ، |
في لَظَى هيكَلٍ رَهيبِ القضاءِ ؟ إيلُوارَ الإخاءِ سرَّ الإخَــاءِ ... الرّجيـمُ الملْعـونُ كالرَّقطـاءِ؛ وَحَقـوداً، برُوحـهِ السَّـوداءِ ، وَخلِّدْ عيداً خُلـودَ البَـقـاءِ...! في كتابِ الحبيبِ سِفْرَ ضِيـاءِ ! دُرراً من رُؤًى ، ومن آلاءِ ... قُلــوبٌ لِساكباتِ السْنـاءِ ؛ ثُريَّاتُ رَوضــةٍ عَــذْراءِ ! رَهِفُ الجرْسِ ، سَادرُ الأفياءِ ، علـى سَكْبِ أَدْمُعٍ صَهْبــاءِ ! أنَّتْ مَـدَى افْتــرارِ ذُكـاءِ ؛ الصّبايا.. شَجْوٌ منَ الشُّعـراءِ . بَاركَ لِسـَانَ العَـوالـمِ الغـَنَّـاءِ ! أَقْدَسُ الخَـمرِ منْ دمِ الشُّهداءِ ! وَطهِّـرْ مَجامـرَ الأهـواءِ ... فَوارتْـهُ أرجُـلُ الغُربـــاءِ. ترثـي رَواسـيَ الكبريــاءِ. صَاعِقاتٍ..منْ راجماتِ الفَناءِ ! عَرَتْهــا حُمـّى منَ الإعياءِ ! مَثلَ ديـدانها علــى الأشلاءِ؟ بهـا عهـدُهُ رَجيـمُ البَغَـاءِ ؟ براكيـنَ كبْـوةِ الآبــــاءِ ؛ ثَكالى فـي مْأتَـمِ الأبنــاءِ. وتاهُوا في الشَّبُقةِ الحمْـراءِ... فدارتْ بهمْ رَحَى الدَّهيــاءِ ! هُوذَ -ا العيدُ أُختُ ، شــفَّ غِنائــي. لي ربابي.. في الأَرضِ غَمْرُ انتشائي! صَحوةُ القلْبِ عيدُهُ فــي النَّمـاءِ .. طِرْنَ في عَدْنِهِ على الأَضــــواءِ ! خَالداتٌ أنتُنَّ بيـــــنَ النِّســاءِ ! أُنملاتٌ لَهُ على الاجـــــــواءِ ؛ " وسِتّ ٌ"[3] من خَافِراتِ النَّقــــاءِ ! وَيلَها والزَّمانُ بــدْءُ انتَهــــاءِ ، مَوتــاً، بقَاذفـــاتِ البَـــلاءِ... دُونَهُ الأرضُ دُميةٌ مــن هَبـــاءِ ! رُبَّ صُبْحٍ في مقلتيــكَ رَجـائـي ! بينَ جفـْنــيَّ ليلــةَ التُعســـَاءِ. لا هنــاءُ إلا وأنـتَ هَنــائــي ! وَنُفـوسٌ تــذوي بسُـمِّ الشَّقــاءِ ؛ فحلِّــقْ بنــاَ إِلــى الجــوزَاءِ؟ |
[1] إشارة الى "قصة الحبّ الأبدي أو مأساة في الهيكل المقّدس" من مجموعة " قصص غريبة وأَساطير عجيبة للدكتور داهش – الجزء الثاني.
2 إشارة الى قصة الشجرة المجرمة من مجموعة "قصص غريبة وأساطير عجيبة" الجزء الثاني.
3 إشارة الى الشخصيات العلوية الست للدكتور داهش.