الحمامة الذَّبيحة
أو
الشهيدة الداهشيّة الأولى
ماجدا حدّاد
قصَّة إضطهادها واستشهادها
ومراثي الدكتور داهش والداهشيين بها
جمعته
زينا حدّاد الداهشيّة
الدار الداهشيّة للنشر
نيويورك 1990
من ينصره اللّه لا غالب له
إنَّ جميعَ أعداءُ داهش سوف ينكسرون ،
وأحطّ ما في إنكسارهم هذا أنّهم سوف يحملونه الى قبورهم ،
لأن هذه الجريمة لا تتلاشى في الهواء ،
ولا تذوب عناصرها في الفضاء ؛
فهي تُرافق مُرتكبيها , مُلتصقةً بهم , مُندمجةً بخلاياهم،
فتُذكر كلّما ذُكروا، ويُذكرون كلّما ذُكرت،
فهم وهي عظة وذكرى للأجيالِ القادمة !
جبران مسّوح
نشر جبران مسّوح هذه الكلمة في مجلّة " المُختصر " الصادرة في بونس أيرس في العدد 10 من السنة الأولى , أيلول 1946
أين الملوك أين ؟ ..
أين الملوك والقادة العظام , وأين تلك المواقع الشهيرة ؟
أين الغُزاة الفاتحون وأصحاب السلطان ؟
أين الأكاسرة الجبابرة والقياصرة وأرباب التيجان ؟
أين الجنود والبنود وأين حدّ الحسام ؟
أين الأيّام الخوالي ومن يتباهون بالحوادث الجسام ؟
للّـه ... ها هم يرقدون جميعاً في بطنِ حفرةٍ صغيرةٍ حقيرة ...
الدكتور داهش
من كتاب " بروق ورعود "
العدالة الموؤدة
يا أعواد المشانق ... كم لك من ضحايا بريئة شريفة !
وكم من أثمةٍ لم يتأرجحوا بحبالكِ القويّة !
ولؤماء لم تطلهم يد الأحكام العدليّة !
إنّ دموعَ الآباء والأبناء تشقّ الفضاء !
وصرخاتهم العميقة تخترق السّحاب فالسماء !
لا كنت يا أحكام ... وتبّاً لك أيّتها القوانين السخيفة !
الدكتور داهش
من كتاب " بروق ورعود "
إذا انتصر الظُّلم على العدلِ بعض الوقت
فلا بدَّ من يومٍ يبطش فيه العدل بالظّلم
ثمّ يجعله عبرةً للأجيال الزاحفة
داهش
مهما حاول الطُّغاة البُغاة
أن يدفنوا الحرّيّـة فلن يستطيعوا
لأنّ الحرّيّـة خالدة حتى الأبد والى يوم يبعثون
داهش
- أسائل عنك الرّكب هل يخبرونني
بحالك كيما تستكنّ المضاجـــع
فلم يــــك فيهم مُخبر عنك صادق
ولا فيهم من قال إنّك راجــع
- ويأتيكم الموت ولو كنتم في بروجٍ مُشيّدة
- وفجأةً يبسط الموت علينا جناحيه الغدافيّين
فيُلاشينــــا بين غمضــــة عين وانتباههـــا
داهش
- أين الألى بالأمس كانـــوا جيرةً
أمسوا دفيــــن جنــــادل وتـــراب
ماتوا ولــــو أنّي قدرت بحيلــة
لأحدث صرف الموت عن أحبابي
- كلّ إبن أنثى , وإن طالت سلامته
يومـاً على آلــــة حدباء محمـــول
- إنّما الدنيا فناء , ليس للدنيا ثبوت
- إنّما الدنيا كبيت نسجته العنكبوت
- ولعمري عن قليل كلّ من فيها يموت
تعريف
بقلم ماري حدّاد الداهشيّة
ستة وعشرون عاماً توارت منذ رحلت إبنتي ( ماجدا الفتيّة ) من عالمنا الفاني , سافحةً دمها القاني كاحتجاجٍ على الجريمة المرعبة التي أوقعها المُجرم بشارة الخوري رئيس الجمهوريّة أللبنانيّة بمؤسِّس الداهشيّة في عام 1943 حتى 1952 . وقد إنتحرت إبنتي ( ماجدا ) لتُسمع صوتها للرأي العام اللبنانيّ والعالميّ , ولتوقظ ضمير الرأي العامّ .
وكانت وفاتها في 27 كانون الثاني 1945 ؛ لأنّ جريمة تجريد الدكتور داهش من جنسيّته اللبنانيّة ما كان ليُقدم عليها بشارة الخوري لو لم أعتنق الداهشيّة أنا وقريني السيّد جورج حدّاد وكريماتي أندره وزينة , ثمّ الفقيدة الغالية ( ماجدا ) قاطنة الفراديس الإلهيّة .
إنّ بشارة الخوري هاله وهال زوجته إعتناقي مع جميع كريماتي وقريني وصهرنا جوزف حجّار الداهشيّة , إذ تفانينا في سبيلها ممَّا جعل بشارة الخوري زوج شقيقتي لور يصدر مرسوماً جرّد بواسطته الدكتور داهش من جنسيّته اللبنانيّة وأنف الدستور في الرّغام!
وإذ ذاك أصدرتُ عشرات الكتب السوداء مندّدةً بالعمل الإجراميّ الذي إرتكبه رئيس الجمهوريّة , شارحة مراحل الجريمة النكراء , ووزّعت هذه الكتب السوداء سرّاً على الشعب اللبنانيّ الذي كان يستيقظ ليرى طرق بيروت وقراها قد فرشت بالكتب السوداء وفيها تفاصيل الجريمة الهائلة .
وقد سجنني بشارة الخوري مدّة عام كامل قضيته مع المُجرمين والمُرتكبين القبائح , إذ لم يكفه إنتحار إبنتي المُفدّاة ماجدا , بل تكملةً لأحزاني الهائلة وإتماماً لأشجاني المُرعبة زجّني في أعماق السجون . والسجن كان حريّاً بمن إعتدى على الحرّيّات وعلى الدستور اللبناني الذي أقسم يمين المُحافظة عليه , وكان أول من حنثَ بيمينه ومزّق أشلاءه , وبعثرها الى جميع الجهات .
إنّ التاريخ لا يرحم . والتاريخ قد سجّل مراحل هذه الجريمة بعشراتِ الكتب التي ستملأ الخافقين ليقرأها جميع شعوب الأرض ويلعنوا من إرتكبها مثلما لعنوا وسيلعنون من إعتدوا على السيّد المسيح .
إنّ الحمامة الذبيحة ماجدا حدّاد التي قدّمت نفسها قرباناً لن يذهب دمها هدراً .
وما دام رجل واحد أو سيّدة تقرأ كتاباً واحداً من سلسلة الكتب السوداء التي صدرت والتي ستتوالى طبعاتها ما دامت الأرضُ أرضاً والسماءُ سماءً , فسيبقى دمها المسفوح هو الدليل لمن سيقرأ تلك الكتب التي تشرح مراحل الجريمة الشنعاء الرهيبة .
إنّ ذكرك , يا ماجدا , لا ولن يبرح خاطري .
ونُبلك أراه مائلاً دوماً أمامي .
ولطفك لن أرى له مثيلاً أيّتها اليمامة الذبيحة .
ورقّتك , ويا لها من رقّة لا يمكنني وصفها .
وتضحيتك سيذكرها الداهشيّون ,
وسيخلّدونها في بطون كتبهم التي سيؤلفونها .
وخيالك لن يبرح أفكارهم .
لقد كنت , يا ماجدا , في إبّان صباي , عندما أطلقت الرصاصة على صدغك فأردتك. واحرّ قلباه عليك !
والآن مضى , منذ تلك الدقيقة , ستة وعشرون عاماً بما كانت تحمله من أهوالٍ مُرعبة وأثقالٍ رهيبة .
وقد تقدّم بي العمر وفعلت السنون فعلها الذريع بي , ولكن هذه السنين المُنصرمة لم تستطع إزالة صورتك التي حُفرت في قلبي , ولن تُمحى حتى ولو طواني الموت بين ذراعيه الرهيبتين .
فإليك , الى روحك النقيّة ,
إلى فتنتك التي ضمّها اللحد بين جنبيه ,
إلى حماستك المُلتهبة في سبيل الرسالة المقدّسة ,
إلى شبابك الريّان الذي طواه اللحد في أعماقه الرهيبة .
إلى روحك البهيّة التي أصبحت تعاين اللّـه
في فراديسه الخالدة ببهجاتها التي لا يمكن لقلم بشريّ أن يصفها ,
ضارعةً إليه أن يجمعني بك قريباً
لأحيّي بطولتك التي سجّلها التاريخ بين دفّتيه !
وإلى اللقـاء أيّتها الشهيدة الغالية !
بيروت , 20 شباط 1971
الساعة السادسة مساءً
ماري حدّاد الداهشيّة
والدة الشهيدة ماجدا
سيف الحقيقة الرهيف
سيبتر المُجرم والمجرمين
بقلم الكتور داهش
منذ سبعة وعشرين عاماً مضت , أطلقت ( ماجدا حدّاد الداهشيّة ) الرصاص على صدغها وضحّت بحياتها , وذلك إحتجاجاً على الظُّلم الرهيب الذي أوقعه أقرباؤها بي , إذ جرّدت من جنسيّتي , وأبعدت , وشرّدت في مشارقِ الأرضِ ومغاربها .
ولور قرينة بشارة الخوري رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة , يومذاك , هي خالة ماجدا حدّاد الداهشيّة .
وفي أواخر عام 1942 , إعتنق الداهشيّة كلّ من ماري حدّاد وقرينها جورج حدّاد , وكذلك كريماتها : ماجدا الشهيدة , أندره , وزينة , كما آمن بها صهرهما جوزف حجّار قرين السيّدة أندره .
وقد حاول أقرباء آل حدّاد أن يُبعدوا السيّدة ماري وقرينها وكريماتها عن مؤسِّس الداهشيّة , واستعملوا كافة الطرق , ففشلوا وكان فشلهم ذريعاً .
وإذ ذاك صدر مرسوم النفي والإبعاد . فما كان من ماجدا صاحبة العقيدة الداهشيّة الراسخة إلاّ الإحتجاج الصارخ , إذ أطلقت الرصاص على صدغها مُضحّية بحياتها الغالية في سبيلِ إيصال صوتها للرأي العام , إستنكاراً لهذا النفي المُجحف والتشريد الذي تجاوز حدود القانون والدستور .
إنّ هذه المأساة المُرعبة قد مضى عليها سبعة وعشرون عاماً , وما تزال كأنّها ( إبنة ساعتها ) .
وستمضي آجال وتتصرّم أجيال , وستؤلّف كتب كثيرة شارحة مراحل هذه المأساة الهائلة .
والشعوب القادمة ستكون الحكم إذ ذاك ,
ويكون التاريخ القول الفصل .
وسوف يميّز الصالح من الطالح .
وسيكون حكمه صارماً ولكن عادلاً .
وبما أنّني أعتقد إعتقاداً راسخاً بخلود الأرواح , وأنّها تنتقل بعد الوفاة الى عوالم مادّية أخرى , إذاً بوسعي أن أؤكّد تأكيداً جازماً أنّ الحساب لم يسدّد بيني وبين من إرتكب الشرّ الفاضح , وأنّ الإقتصاص سيبتدىء فور إنتقالي من عالمِ المادّة الدنيويّ هذا .
وسيكون الحساب عسيراً , وسيدفع الثمن غالياً . وإذ ذاك تنتصر العدالة بعد أن يُساط الظلم سوطاً رهيباً , إذ لكلّ جريمة ثمن ستدفعه عاجلاً أم آجلاً . وإنّ ربّك لبالمرصاد .
وما أروع الكلمة الخالدة التي تفوّه بها الأديب الروسي العالميّ تولستوي , إذ قال : إنّ اللّـه يُمهل ولكنّه لا يُهمل .
وإذ ظنَّ المُعتدي أنّه قد نجا بعدما انطلقت روحه من عالم الأرض ولم يقتصّ منه على ما إرتكبه من أهوال جسيمة , فظنّه باطل وتخيّلاته وهميّة .
وستوقظه الفجيعة التي ستنقضّ عليه إنقضاض الصواعق في عالمه الذي أوصلته إليه أعماله الرهيبة .
وليثق الجميع بأنّ كلّ آت قريب .
ومن يتهكّم بأقوالي هذه , فإنّما يتهكّم بنفسه وغبائه الشديد . وإنّي أسأل بدوري , من أين أتيت أيّها العلاّمة العارف الغارق في العلوم والفلسفات . ولكنّه سيصمت , ولن يستطيع إعطائي الجواب .
وما دام الإنسان يأتي ولا يعرف من أين كان مجيئه , فما أحراه أن يجهل إلى أي مكان ستكون عودته , عند إنتهاء أيّامه على أرض الشقاء هذه .
ولكنّي أعتقد إعتقاداً راسخاً أنّ كلّ إبن أنثى سيذهب , بعد وفاته , الى عالمٍ ماديٍّ آخر , ويبدأ , هناك , حياةً جديدةً أخرى .
وهكذا يتسلسل موته وبعثه من عالمٍ الى عالم حتى يبلغ عالم الروح , بعدما يكون قد تدرّج في سلسلة إختبارات وتجارب هائلة , وبعدما تكون روحه قد بلغت الكمال , بعد سلسلة مرورها في عوالم عديدة .
هذا هو رأيي الخاص , ولكلٍّ رأيه الخاصّ .
وإنّي أستشهد بالآية القرآنيّة القائلة :
( إنّك لا تهدي من أحببت . إنّ اللّه يهدي من يشاء ) . والسلام .
بيروت في 15 – 2 – 1972
داهش