السيدة آسيا الفيتوري
زوجةُ الشاعر محمد الفيتوري. من رائدات المسرح السوداني. حازت بكالوريوس المعهد العالي للفنون المسرحية بأكاديمية الفنون في القاهرة، وماجستير معهد الخرطوم الدولي للغة العربية، وتُعِدُّ الدكتوراه في التربية في جامعة القاهرة. زاولَت التدريس والصحافة. أنشأتْ عدة مؤسساتٍ تعليمية منها "روضة أمّ إيهاب النموذجية" ببحري (1967)، و"مؤسسة أم إيهاب للتربية والتنشئة الاجتماعية" ببحري (1990). ومن المهرجانات التي شاركت فيها "مهرجان الأخطل الصغير" (لبنان 1969)، و"مهرجان جرش" بالأردن (1970)، و"مهرجان دمشق المسرحي" (1972). ولها عدة بحوث ودراسات.
ما قلَّ ودلَّ عن تميُّز الدكتور داهش
يسرُّني أن أبدأ بآياتٍ من الذكر الحكيم برغم أنها معروفة ومعلومة.
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى: (ق والقرآن المجيد) (ق: 1)؛ (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعًا مُتصدعًا من خشية الله) (الحشر: 21)؛ (إنه لقولٌ فصلٌ، وما هو بالهزل) (الطارق: 13 – 14)؛ (حَم والكتاب المُبين. إنا أنزلناه في ليلةٍ مُباركة. إنا كُنا مُنذرين. فيها يُفرقُ كلُّ أمرٍ حكيم. أمرًا من عندنا إنا كُنا مُرسلين. رحمةً من ربك إنه هو السميع العليم، ربِّ السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم مُوقنين. لا إلهَ إلا هو يُحيي ويُميت ربُّكم وربُّ آبائكُم الأولين) (الدخان: 1 – 8).
(قُل لو كان البحرُ مِدادًا لكلماتِ ربي لنفدَ البحرُ قبلَ أن تنفدَ كلماتُ ربي ولو جئنا بمثله مددًا. قل إنما أنا بشرٌ مثلكم يوحى إليَّ أنما إلهُكم إلهٌ واحدٌ فمن كان يرجو لقاءَ ربه فليعمل صالحًا ولا يُشرك بعبادة ربه أحدًا) (الكهف: 109 – 110).
إن القرآن الكريم معجزةٌ من معجزات الله سبحانه وتعالى لكافة الخلق ولعامة البشرية ورسالةُ خاتم الرُسل والأنبياء سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم. فمعجزاتث القرآن هي الخالدة والوحيدة حتى يرثَ الله الأرضَ ومَن عليها. وإعجازُ القرآن لفظًا ومعنًى جاء بلغةٍ عربية فصيحةٍ حيةٍ متطورة أفصحت عن الماضي عن الماضي والحاضر والمستقبل.
قال تعالى (ومَن يَبتغِ غيرَ الإسلام دينًا فلن يُقبَلَ منه وهو في الآخرةِ من الخاسرين) (آل عمران: 85).
فالدينُ الواحدُ الأوحدُ هو الإسلام. قال تعالى: (أفغير دين الله يبغون وله أسلمَ من في السموات والأرض طوعًا وكرهًا وإليه يرجعون) (آل عمران: 83).
ومَن أرادَ الله به خيرًا فقهه في دينه وعلَّمه البيان: (الرحمنُ، علم القرآن، خلقَ الإنسانَ، علمه البيان) (الرحمن: 1 – 4). (افمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نورٍ من ربه) (الزُّمر: 22)
إن اختلاف ألوان البشر وتعدُّد لُغاتهم واختلاف أشكالهم وَسحناتهم من آياتِ قُدرة الله سبحانه وتعالى وحكمتِه البالغة في خلق السموات والارض وجميع المخلوقات وإبداعه في خلق الإنسان. قال تعالى: (ومن آياته خلقُ السموات والأرض واختلافُ ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآياتٍ للعالمين) (الروم: 22).
(يا أيها الناسُ إنا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكُم شعوبًا وقبائلَ لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكُم. إن الله عليمٌ خبير) (الحُجرات: 13).
لقد منَّ الله تعىل على خاتم الرسل والأنبياء بأنه رحمةٌ للعاملني، وخاطبه: (وكان فضلً الله عليكَ عظيمًا) (النساء: 113)، (وإنك لعلى خُلُقٍ عظيم) وخصة (إن الله وملائكته يُصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا) (الأحزاب: 56).
فأفضلُ الصلاةِ وأكملُ التسليم على هذا النبي الرؤوف الرحيم وعلى آألهِ وصحبِه أجمعين، والتابعين له بإحسانٍ إلى يوم الدين. كل ذلك متغلغلٌ في أعماق نفقوس المسلمين.
فالدكتور داهش استغرقه إيمانه بالله الحق الواحدِ الأحد، ورمزُ الداهشية هو "بحق الله والنبي الحبيب الهادي". وقال تعالى: (والذي خلق فسوى والذي قدر فهدى).
فقد اهتدى الدكتور داهش إلى سواء السبيل، فحلق بوعيه وحسه تأملاً في عظمة الخالق الأعظم (ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنتُ متخذ المضلين عضدًا) (الكهف: 51).
وليس تأملاً فحسب، بل تدبر وبحثٌ في معجزات الله تعالى والتحامٌ وتوحد. ولِذا حباه الله سبحانه وتعالى بقلبٍ عامرٍ بالعشق والمحبة المُطلقة للذاتِ الإلهية برغم المستجدات والتطورات في الحياة؛ فحبُّ الله ومحبته أعظم قوة، وما أشدها تأثيرًا في القلوب النقية والأرواح الزكية. لذلك تميز الدكتور داهش بشيم التواصل والتفاعل مع الإنسان؛ فالإنسانُ هو محور الكون، وأمتثاله لله تلقائيث وعفوي لأنه نابعٌ من ذاته. فخلقه الله في أحسن صورةٍ وفضله على جميع المخلوقات، ومنحه عقلاً وعلمًا وبيانًا. فروَّض الإنسانُ الطبيعة نُواةَ الحضارة الإنسانية، بإذن الله تعالى، حتى أصبح العالمُ قريةً صغيرة.
ومن ملامح شخصية الدكتور داهش الإرادةُ القوية والعَزمُ والمُثابرة والجدّ والثقة بالنفس والعقل، وفلسفته في الحياة والموت. ولا يخفي أن كل إنسانٍ يولدُ وتولدُ معه القُدرةُ الإلهية وتلازمُه. (وكل شيءٍ خلقناه بقدر). وكلُّ إنسانٍ مؤهلٌ لما خُلِق.
فقد وهبَ الله تعالى الدكتور داهش مقدراتٍ هائلةً وإمكاناتٍ كبيرةً ومواهبَ إبداعيةً متعددة، وآتاه الحكمة. قال تعالى: (يُؤتي الحكمة َمن يشاءُ، ومَن يُؤتَ الحكمة فقد أُوتي خيرًا كثيرًا) (البقرة: 269)، (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، إنما يتذكرُ أولو الألباب) (الزُّمر: 9).
فقد كرَّمَه الله بالعقل والعلم ليستثمره فكرًا منطقيًا وبيانًا للحقائق الكونية وهُيامًا في الملكوت الأعظم الذي ألهمه إبداعًا متفردًا وإنتاجًا غزيرًا بخيراتٍ ومعارفِ لا حدود لها، وأقسم الله تعالى: (نَ والقلم وما يسطرون) (القلم: 1). وقال تعالى: (وما أُوتيتُم من العِلمِ إلا قليلا.) سبحان الله ربِّ العرشِ العظيم، فكلنا مسؤولٌ فيما أفنى شبابه وقضى وقته وأنفقَ ماله.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. "إذا ماتَ ابن آدم انقطع عملُه إلا من ثلاث: صدقةٍ جارية، أو علم يُنتفعُ به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له". فالدُعاءُ معروف، ولكن هناك دعاءٌ آخر هو الاستمراريةُ بإحياء ذكرى الدكتور داهش العطرة بنشر إنتاجه والكتابة عنه وتبيان محاسنه والاستفادة من المعجزات، خاصة من محبيه وتلاميذه، لإبراز تاريخه، واستدامةِ علمِه للأجيال الحاضرة والآتية. فحكمةُ العارفين من القلوب التقية تصلُ إلى النفوس النقية، وهُم التلاميذُ والمُريدون والمحبُّون.
فجديَّةُ الدكتور داهش في غوصِه على الحقائق، وتفوقِه في عَصر العولمة والاختراع والفضاء. إذن هو ذاتُه المعجزةُ الحقيقية من معجزات الله سبحانه وتعالى التي لا تُعدُّ ولا تُحصى. (له النعمةُ والفضلُ وله الثناءُ الحسن).
هذا هو سرُّ تميُّز الدكتور داهش الروحي والفكري والعلمي. وفي مُحكَم تنزيله تعالى: (إنما يخشى الله من عبادِه العُلماء). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم. "العلماء أُمناء الله على خلقه... ويوزنُ مِدادُ العُلماء ودماءُ الشُهداء يوم القيامة فلا يفضل أحدهما على الآخر".
ونظرية الدكتور مصطفى محمد "أن قيمة الإنسان هو ما يُضيفُه للحياة من ميالده إلى موته." ولا شك فقد أضاء وأضافَ الدكتور داهش الشيءَ الكثير، وذلك بخبراته وعِلمِه وتجاربه وتعلُّمه وتأمُّلاته وخياله وطموحاته وإخلاصِه لتحقيق أهدافه نحو الآفاق والقِمَم، بما منحه الله من قُدُراتٍ كامنةٍ في مُعجزاته. فهو كظاهرةٍ استفحلت في العقول وآمنَ بها الكثيرون من الفئات الثقافية والعلمية والفنية المختلفة.
وفي الصفحة 11 من كتاب "معجزات وخوارق الدكتور داهش "للصحفي المصري لطفي رضوان (دار النسر المحلق للطباعة والنشر، بيروت 1979)، نجد هذا الإهداء بقلم فنان الشعب الدكتور يوسف وهبي: "السيد الدكتور داهش العظيم، إلى زعيم روحاني وشخصية من أحب الشخصيات التي شاهدتُ منها ما جعلني أؤمنُ بقدرة المولى على منحه المواهب الجبارة لمَن يشاء. أدعو لك بطول العُمر لخدمة الناس والإيمان".
( الإمضاء: يوسف وهبي، في 29/3/1970).
وأثرت فلسفةُ الدكتور داهش ومعجزاته في أعماق المثقفين العرب في أواسط القرن العشرين وحيَّرت البعض. هل الدكتور داهش هو معجزةٌ أم علمُه الخطير بالروحانيات هو المُعجزة، ومُمارستُه للروحانيات بأدلةٍ محسوسةٍ وملموسةٍ وواضحةٍ وأمام مرأى الناظرين والمتأملين، وتناوله في معجزاته لشتى أوجُه الحياة المُختلفة بدءًا من المسائل الدينية والثقافية والطبية وحتى الجمادات والطيور وكل ما هو مرتبط بحياة ومحيط الناس في الماضي والحاضر والمستقبل؟
لقد أصبح المذهبُ الداهشي حقيقةً لها أعداء ومؤيدون ومُريدون. وحوربَ من رجال الدين والسياسة، إلا أن استمراريته إلى الآن هي الحقيقة والمعجزة. فالدكتور داهش تفرد بالوسطية والاعتدال. فإبداعه الشعريّ نابعٌ من صدق ذاته الحقيقية وأحساسيه الإيمانية وتوحيده وتوحُّده وفلسفته في الحياة والموت. كما إن هناك إشارات لأسراره الروحية وخفاياه الذهنية ومشاعره وأحاسيسه العميقة بالتعظيم والإجلال وتعلقه اللامحدود واستغراقه في جمال الله وكماله، جل جلاله.
فشعراءُ الصوفية كابن الفارض وذي النون المصريّ وابن عربي تناولوا، في شعرهم الصوفيِّ، صفات الذات العليا وأسماء الهل الحسنى. فالاختلاف في المذهبين واضح. ثم لا ننسَ حسان بن ثابت، مادحَ النبي الأكرم، أُسوتِنا في الحياة وشفيعنا يومَ القيامة. ولا ننسَ عظمة "البُردة" التي شملت شمائل المصطفى المعصموم صلى الله عليه وسلم. فهذه ومضاتٌ من ملامح شخصية الدكتور داهش، أستاذ الأجيال الروحي.
وفي الختام، إن الكون قرآن ناطق، والقرآن كونٌ ناطق في فضاءات سماحة النور الإلهي ورحمة الله الرحبة. والتميُّز رمزٌ لقوة الله، مالك المُلك، جلَّ جلاله. فأسأل الله العظيم التوفيق، وآمل أن أكون أصبتُ الهدَف المطلوب في حقِّ الدكتور داهش. كما إني أؤكد أني قابلتُه في السبعينيات من القرن المنصرم، مع الشاعر العظيم محمد الفيتوري، ببيروت، وشاهدتُ ما ذكره شاعر إفريقيا والأمة العربية مما شاهده في الجلسة الروحية، وكان معنا الأصدقاء الأستاذ الصحفي الكبير ياسين رفاعية وزوجته الشاعرة القديرة أمل جراح، والأستاذ المرحوم فاروق البُقيلي وزوجتُه. ولا شكَّ في أن هذه الجلسة الروحية تركت أثرًا كبيرًا في نفوس الجميع، خاصة في نفسية الشاعر الفيتوري الصوفية، علمًا بأن ديوانه "معزوفة لدرويش متجول" سابقٌ لمقابلته للدكتور داهش.