إلى مطلع حزيران
بمناسبة الذكرى الثامنة والثمانين لمولد الدكتور داهش
زينا حداد
تراءتْ لي في الجَلَد إحدى الإلهات وقد اكتست بالأزهار والأثمار، وتصدَّرَتْ مركبة الشمس. كالكوكب كان وجهها، والنجومُ كانت تكلِّل شعرها الذهبي. تقدمت في أنفةٍ ومهابة، فإذا بجرمها يعظم رويدًا رويدًا حتى يحجب السماء.
قالت وهي تحتضنُ بذراعيها طفلاً وليدًا:
"أنا حزيران، حزيران البهيج، شهرُ الأزهار والأثمار، ولكم أن تقطفوا منها ما تشاؤون.
لقد جئت أهبكم، في مطلع أيامي، شجرةً سماوية من غرس الله.
غرسةُ الخلود هي. من يتذوَّق ثمارها، يتزوَّد بالنِّعم الإلهيَّة".
ثمّ ما لبثت أن وضعت الطفل على الأرض بعد أن قبَّلته قبلة أمٍّ. وانطلق صوتها الصداح يتردَّد في أربعة أقطار المعمور:
"هوذا طفلٌ مقدّس يحمل في كيانه النِّعم الإلهيَّة كافةً، كما يحمل صولجان العدالة.
"عجيب"، هذا الزمان هو، ونبراسُ المُستقيمين.
في كيانه شعلةٌ إلهيّة سرعان ما ينشرُ نورها في أرجاء العالم.
أنا حزيران، الشهرُ المُبارك، المولود في النور، أزفُّ الآن النورَ إليكم.
وهذا الطفل إنما هو شجرةُ الحياة المثقَّلة بثمار الخلود. وهو، أيضًا، "الوريثُ" الذي باركه الله.
سيدعو البشر إلى اقتطاف الثمرات الفاتنة بجمالها. ولن يبخلَ بعطاياه على من يتشوّقون إليها". وشبَّ الطفل عن الطوق مُزودًا بحكمة سليمان، وفي صدره تستقرّ مشيئةُ الله ووصاياه.
إنَّ لحزيران في كل عام أوبةً إلى الأرض. لكنه اكتسب الخلود منذ أن ولد الطفل فيه. اليومَ يحتفلُ بمقدمه. وسيحتفل به إلى الأبد. إن فيه شجرةَ الحياة، وفيه وصايا الله.
إنما حزيران حجرٌ كريمٌ يرصّعُ الأعوام.
ودوَّى في أرجاء العالم صوت سماوي يقول:
"ثمة هادٍ روحيّ حيّ خالد أبدًا. وهذا الهادي هو شجرةُ الحياة الكونية الجَنى.
فاقطفوا وكلوا من ثِمارها الإلهيَّة القرمزية؛ ففي كل ثمرةٍ عطية.
اقطفوا الذكاء. اقطفوا الحكمة. اقطفوا المعرفة.
ها هي تلك الشجرة الأزلية قد أطلعت الحقيقة،
الحقيقة العظيمة التي لا بدَّ من انتشارها في العوالم كافة، وفي هذا العالم أيضًا.
اقطفوا الصلاح. اقطفوا الجمال.
اقطفوا الشمائل الكريمة كلَّها حتى تبلغوا بنفوسكم الكمال.
اقطفوا تلك الثمرات، هباتِ الله.
اقطفوا المحبَّة والإخاء. اقطفوا التواضع. اقطفوا العدالة.
ما أطيب جَنى تلك الشجرة السماويَّة التي يجري الإكسيرُ الإلهيّ في ثمارها السحرية
كيما نقوى على التحليق في المتاهات الأزلية".
هوذا حزيران الدافق السخاء يحمل إلينا جناه المُقدَّس.
انظروا الآن إلى شجرة الحياة الأزليّة. إنها تسكبُ عطاياها شلالاتٍ.
فاغنموا من ثمراتها، تلك الكتب التي يحي القلوبَ ما فيها من تعاليم.
أيها الهادي الحبيب،
يا ابن حزيران الذي تقدّس بولادتك فيه،
لقد زرعتَ فينا بذرةً من غرستك، وأنت الآن تنتظرُ جنانا نحن.
كما أعطيتنا، كذلك علينا أن نُعطي.
وكما أشرعتَ لنا أبوابَ قلبك،
كذلك علينا أن نُشرِع أبوابَ قلوبنا للذين ما يزالون يجهلونك.
إنما حزيران ناقوسُ الربيع، ولا بد لصدحه من أن يملأ الأكوان.