وَأخيراً أُسقِطَ الطاغيَة
وطُرِدَ المرتكِبُ البَاغِيَة
هذه القُنبلةُ المدَمِّرة أُلقِيَتْ عَلَى ضَرِيْح زَنبَقَةِ الرسَالَة ، الشَّهيدة مَاجِدا حدَّاد ، حَيْثُ تثوي وَالِدَة مؤسِّس الداهشيَّة . وقد أُلقِيَتْ في 20 أيلول 1952 ، أي بَعدَ يَومين من طَردِ الشعبِ للمُجرمِ بشَارَة الخوري . (1945-1952).
يا روحَي أُمّي وماجدا العزيزتَين عليَّ !
هي بُشرى أزفُّها إلى روحيكما ،
فاسمعاها من عالَمكما الروحانيِّ الطاهر :
لقد طَردَ الشَّعبُ ذلك المرتكبَ الجاني شرَّ طردة ،
وأَهانَه شرَّ إهانة .
فهرول الضخمُ الجسم والصغيرُ العقل
يتعثَّر بأذيال الخَيبة ويرتطم بالذلِّ والمَهانة .
طرده بعدما استفحلَتْ شرورُه ، وعمَّ ارتكابُه ،
وشاعَ ظُلمه ، وعَظُم اختلاسُه .
طرده بعدما باع للشيطان روحَه ، وسلَّمه ضميره ، ووهبه وجدانه .
طرده عندما امتدَّت يدُه الملوَّثة إلى صندوق الأُمَّة
يغترفُ أَموالها ليُنفقها على ملذَّاته الآثمة .
طرده عندما تاجر بالنفوذ ، وحكَّم الأغبياء من آله في رِقاب اللبنانيِّين ،
يسومونهم الذلَّ ، ويسخِّرونهم لقضاء مآربهم الوضيعة .
طرده عندما أَفسد ضميرَ قدسِ أقداس العدالة
ممَّا لم يرتكب بعضَه حتّى نيرون طاغيةُ زمانه .
طرده عندما عرف أنَّه حمَّل زوجته
الملايين المسلوبة من الفقير والمسكين ،
فطارت بها وأودَعَتْها في مصارف أُوروبَّا ،
طرده عندما أصبحَت البلاد تعيش على شريعة الغاب ،
فالوحوش الأكثر ضراوةً هو الفائزُ في الميدان .
طرده عندما شاهده يزجُّ بالأَبرياء من خصومه في السجون ،
ويُطلق سراح أَعوانه المُعتَدين .
طرده عندما رآه يدوس على بنود الدستور الذي أَقسم أن يُحافظ عليه ،
فكان كاذباً لئيماً ، ومجرماً أَثيماً .
طرده عندما سخَّر القوانين لمصلحته ومصلحة ذويه
ممَّن تكدَّسَتْ في خزائنهم الأموالُ على ظهر الشعب الكادح
طرده عندما ضجَّت شياطين جهنَّم الحمراء نفسُها بابنه
وتهريبه للحشيش ومتاجرته به .
طرده عندما جعل لبنان "مزرعةً " له ولآله ،
وبقرةً حلوباً تدرُّ عليهم الخير الوفير ، وَلْيمُت الشعب رغم أَنفه .
طرده عندما سوَّد سمعة البلاد إذْ شهَّرها تشهيراً مرعباً ،
وهبط بسمعتها إلى الدَّرك الأسفل ، لَعنه الله .
طرده عندما لم يتورَّعْ وهو حامي الدستور – يا لَلمهزلة –
من ارتكاب جريمة التزوير الدنيئة ليبقى متربِّعاً على عرشه ،
ناشراً لِسُموم إفكه ، موزِّعاً بين الأنام مَكْره ، وباسطاً عليهم شرَّه .
طرده عندما أصبحت البلاد لا تنام إلاَّ على أنباء الاغتيالات ،
يقوم بها الأَنصار في وَضَح النهار ،
ولا تستيقظ إلاَّ على هجوم عصابات المقرَّبين
على الذين لم يرضخوا لأَوامر هذا المعتدي على الحقِّ ،
والدائس على أَشلاء الفضيلة .
لقد أَصبح لبنان في عهد المجرم يئِنُّ أَنيْنَ المُحتضَرين
تحت ضغط هذا الكابوس العنيف المخيف .
وظنَّ الجميع أنَّ ليلهم الثقيل الفاحم الدجنَّات سيستمرُّ لأَعوام طويلة ،
فهلعتْ قلوبُهم ، واضطربتْ نفوسُهم ، وخارتْ عزائمُهم ،
وحارتْ أرواحُهم المتألِّمة من هذا الطاغية المرتكب ...
وإذا بصوتٍ من عالمَ الغيب يُدوِّي في آذان الزمان وهو يقول :
" لقد دنَتْ ساعةُ المجرم ، ودُقَّتْ نواقيسُ نهايته ،
وحلَّتْ دقيقةُ خَلْعِه وطرده ."
فطرب الشعب ، وثارت حماسته ، وتأجَّجت حميَّته ، فثار ثورتَه العنيفة ، وقام قومةَ رجلٍ واحد مطالباً برأس المجرم المعتدي على حقوق الشعب قاطبة .
وذَهِل "الوصوليُّ" ، واصطكَّت فرائصُه رعباً وهولاً . وانقضَّت عليه أخبار الثورة الحاسمة انقضاضَ الصواعق ترشقها السماء رشقاً مزلزلاً .
وجحظت عيناه من هول الموقف ، وطلب النجاة بعدما شاهد أنَّ سفينتَه التي كان يقودها قد تحطَّمت بسبب سوء قيادته لها . ولم يعدْ بالإِمكان إنقاذُها ، فرضخَ ذليلاً وأَنفُه راغم . وتفجَّرت من عينيه دُموعُ الغيظ والقنوط الهائلَين لمصيره الأَسوَد الذي سَداه الذلُّ ، ولحمته العار ، هذان الأُقنومان اللذان لحقا به نتيجةً لتصرُّفاته المجرمة طوال أَيَّام حكمه البغيض .
وهكذا انتهى هذا العهد الملوَّث يا أُمَّاه ، ويا ماجداه !
انتهى على أشنعِ صُوَرِ الإذلال المُخجِل لمثل هذا الوصوليِّ المرتكب .
قاتله الله وقَتَله !
حالما تنفَّست البلاد الصُّعداء ، بعدما طُرِد سارق الجنسيَّات في ظلمات الليالي الحندسيَّة ، تذكَّرتُ ، يا ماجدا العزيزة ، يومَ تراءيتِ لي في الحُلم منذ عام ، وبشَّرتِني بسقوط هذا المجرم قريباً ، فتأَكَّد لي أنَّها كانت رؤيا حقيقيَّة ، وأنَّك زُرتِني بروحكِ حقاً ، وبشَّرتِني بما تمَّ الآن . فيا لعالَم الروح الذي لا تخفاه خافية !
إنَّ المجرمَ الأكبر سَرق جنسيَّتي في شهر أَيلول ، وفي شهر أيلول سُرِق سلطانُه ، وتحطَّم صولجانُه ، وكُشِف زُورُه وبهتانُه ، وتلَجْلَج فيه من الخوف لسانُه . فيا لَعدالَة السماء ما أعظمَها !
ويسقوط الباغية الطاغية انفضَّ عنه أَنصاره وأَتباعه ، وابتعد عن دائرته أَشياعه ، وفرَّ منه أَعوانه ، وهوى سلطانه ... فإذا هو وحيدٌ فريد إلاَّ من أشباح الجرائم الهائلة التي ارتَكبها ، وهي تحومُ حواليه ، وتبعثُ الذعر في روحه الآثمة .
وساعتذاك عرف أَن جميع من كان يظنُّهم مخلصين له إنَّما كانوا عبيدَ مصالحهم المادِّيَّة ، وقد ربطتهم به أواصرُ الغايات الدنيويَّة دون سواها .
فتأَلَّمتْ روحه ، وناحتْ نفسه ، إذْ عَرَف أيَّ احترامٍ شخصيٍّ كانوا يُضمرونه له ، بدليلِ خذلانهم إيَّاه بعدما طرده الشعبُ ذلك الطردَ الموجِع الشنيع .
فيا أُمَّاه ، ويا ماجداه !
لقد تأكَّد بالبرهان أَنَّ الطاغية كان يستمدُّ قوَّته من منصبه . وعندما تحطَّم عرشُه ، وثُلَّ صولجانُه ، انفضَّ عنه أعوانُه ، فإذا به يندبُ جهله !
َأمَّا الداهشيُّون فإنّما يستمدُّون قوَّتهم العظمى من إيمانهم الجبَّار الذي يدكُّ الجبال دكّاً ؛
هذا الإيمانِ الوطيدِ الأركان الذي هزأَ ويهزأُ وسيهزأُ بكلِّ طاغيةٍ سفَّاك ، وباغيةٍ أفَّاك .
فالإيمانُ الصحيح هو الذي يثلُّ العروش ، ويحطِّمُ المناصب ، ويقوِّضُ أرائك الحكَّام ، ويلقِّن الطُغاة دروساً رهيبة على مدار الأيَّام والأعوام .
واعلمي ، يا أُمَّاه ، أنَّ السَّفينةَ الداهشيَّة الجبَّارة ستبقَى ماخرةً عُبابَ الأُوقيانوسات المهتاجة الثائرة ، تجتاز هُوجَ أَمواجها المُزمجِرة الغضوبة دون أن يعتريهَا أيُّ ضعفٍ أَو وَهَن ، وستُهاجم العواصف المحيطة بها من جميع نواحيها ، وستُذلِّل العقبات الكأْداء ، وستَسحق كلَّ من يعترضُ سيرَها الجبَّار ، حتَّى تنالَ ، بإذن الله ، كامل الانتصار .
أمَّا الطاغية المطرود سارقُ الجنسيَّات فإنَّني أُؤكِّد لكِ أنَّه سيُحاسَب من الداهشيَّة . وسيكون حسابُه عسيراً ، وسيكون انتقامنا مريراً . فمرتكبُ الإِثم لن ينجو من العقاب ، وطابخُ السمِّ آكلُه .
والآن ، أُودِّعكما ، أَيُّها الروحان الخالدان الراتعان في أَحضان الخلود ، هناك في جنَّات النعيم ذات المجد والبهاء الفائقَين .
داهش
18 أيلول 1952