أنا أؤمن بأنه توجـد عدالة سماويّة, وأن جميع ما يُصيبنا في الحياةِ الدنيا من مُنغصات انَّ هـو الاّ جـزاءٌ وفاق لِما أجترحناه في أدوارنا السابقة من آثـامٍ وشـرور.ولهـذا يجب علينا أن نستقبلَ كلّ مـا يحـلّ بنـا من آلامِ الحياةِ ومآسيها غير مُتبرّمين ولا متذمّرين , بل قانعين بعدالةِ السماء ونُظمها السامية.

Highlighter
أحبُّ الكُتُبَ حبَّ السُكارى للخمر , لكنَّني كلَّما أزددتُ منها شرباً, زادتني صَحوا
ليس مّنْ يكتُبُ للهو كمَن يكتُبُ للحقيقة
الجمالُ والعفّــة فـردوسٌ سماويّ .
لا معنى لحياةِ ألأنسان اذا لم يقم بعملٍ انسانيٍّ جليل .
اعمل الخير , وأعضد المساكين , تحصل على السعادة .
من العارِ أن تموتَ قبل أن تقـوم بأعمالِ الخير نحـو ألأنسانيّة .
الموتُ يقظةٌ جميلة ينشُدها كل مَنْ صَفَتْ نفسه وطَهرت روحه , ويخافها كلّ من ثقُلت أفكاره وزادت أوزاره .
ان أجسامنا الماديّة ستمتدّ اليها يـد ألأقـدار فتحطِّمها , ثمّ تعمل فيها أنامل الدهـر فتتَّغير معالمها , وتجعلها مهزلةً مرذولة . أمّا ألأعمال الصالحة وألأتجاهات النبيلة السّامية , فهي هي التي يتنسَّم ملائكة اللّه عبيرها الخالد .
نأتي إلى هذا العالمِ باكين مُعولين، و نغادره باكين مُعولين! فواهً لك يا عالمَ البكاء والعويل!
جميعنا مُغترٌّ مخدوعٌ ببعضه البعض.
العدلُ كلمة خُرافية مُضحكة.
أمجادُ هذا العالم وهمٌ باطل، و لونٌ حائل، و ظلٌّ زائل.
لا باركَ الله في تلك الساعة التي فتحتُ فيها عينيّ فإذا بي في مكانٍ يطلقون عليه اسم العالم .
أنا غريبٌ في هذا العالم، و كم احنُّ إلى تلك الساعة التي اعود فيها إلى وطني الحقيقيّ.
الحياةُ سفينةٌ عظيمة رائعة تمخرُ في بحرٍ، ماؤه الآثام البشريَّة الطافحة، و امواجه شهواتهم البهيميَّة الطامحة، و شطآنه نهايتهم المؤلمة الصادعة.
كلّنا ذلك الذئبُ المُفترس , يردع غيره عن اتيانِ الموبقاتِ وهو زعيمها وحامل لوائها , المُقوّض لصروح الفضيلة , ورافع أساس بناءِ الرذيلة .
الحياةُ سلسلة اضطراباتٍ وأهوال , والمرءُ يتقلَّب في أعماقها , حتى يأتيه داعي الموت, فيذهب الى المجهولِ الرهيب , وهو يجهلُ موته , كما كان يجهلُ حياته .
من العارِ أن تموتَ قبل أن تقومَ بأعمالِ الخير نحو الانسانيّة .
المالُ ميزان الشرِّ في هذا العالم .
السعادةُ ليست في المال , ولكن في هدوءِ البال .
كلُّ شيءٍ عظيمٍ في النفسِ العظيمة , أمّا في النفسِ الحقيرة فكلُّ شيءٍ حقير .
الرُّوح نسمةٌ يُرسلها الخالق لخلائقه لأجل , ثم تعودُ اليه بعجل .
الرُّوح نفثةٌ الهيَّة تحتلُّ الخلائق , وكل منها للعودة الى خالقها تائق .
الرُّوح سرٌّ الهيٌّ موصَدْ لا يعرفه الاّ خالق الأرواح بارادته , فمنه أتتْ واليه تعود .
أنا أؤمن بأنه توجـد عدالةٌ سماويّة , وأنَّ جميع ما يُصيبنا في الحياةِ الدُّنيا من مُنغِّصاتٍ وأكدارٍ انَّ هـو الاَّ جـزاء وفاق لمِا أجترحناه في أدوارنا السابقة من آثـامٍ وشـرور . ولهـذا يجب علينا أن نستقبل كلَّ مـا يحـلُّ بنـا من آلام الحياة ومآسيها غير م
الحرّيةُ منحة من السماءِ لأبناءِ ألأرض .
الموتُ ملاكُ رحمةٍ سماويّ يعطف على البشر المُتألّمين , وبلمسةٍ سحريّة من أنامله اللطيفة يُنيلهم الهناء العلويّ .
ما أنقى من يتغلّب على ميولِ جسده الوضيع الفاني , ويتبع ما تُريده الرُّوح النقيّة .
ما أبعدَ الطريق التي قطعتها سفينتي دون أن تبلغَ مرفأ السلام ومحطَّ الأماني والأحلام .
الراحة التامّة مفقودة في هذا العالم , وكيفما بحثت عنها فأنت عائدٌ منها بصفقةِ الخاسر المَغبون .
ليس أللّــه مع الظالم بل مع الحقّ.
ان الصديق الحقيقي لا وجود له في هذا العالم الكاذب.
ما أكثر القائلين بالعطف على البائسين وغوث الملهوفين والحنو على القانطين , وما أقلَّ تنفيذهم القول.
يظنُّ بعض ألأنذال ألأدنياء أنّهم يُبيّضون صحائفهم بتسويدِ صحائف الأبرياء , غير عالمين بأنَّ الدوائر ستدور عليهم وتُشهّرهم.
ما أبعدَ الطريق التي قطعتها سفينتي دون أن تبلغَ مرفأ السَّلام ومحطَّ الأماني والأحلام .
رهبة المجهول شقاء للبشرِ الجاهلين للأسرارِ الروحيَّة , وسعادة للذين تكشّفت لهم الحقائق السماويَّة .
الموتُ نهاية كل حيّ , ولكنه فترة انتقال : امّا الى نعيم , وامّا الى جحيم .
الحياةُ خير معلِّمٍ ومُؤدِّب , وخيرَ واقٍ للمرءِ من الأنزلاقِ الى مهاوي الحضيض .
حين تشكُّ بأقربِ المُقرَّبين اليك تبدأ في فهمِ حقائق هذا الكون .
مَنْ يكون ذلك القدّيس الذي لم تخطرُ المرأة في باله ؟ لو وجدَ هذا لشبَّهته بالآلهة .
المرأة هي إله هذه الأرض الواسع السُّلطان. و هي تحملُ بيدها سيفاً قاطعاً لو حاولَ رجالُ الأرض قاطبةً انتزاعه منها لباؤوا بالفشلِ و الخذلان .

جبران خليل جبران

في الذكرى المئوية لهجرته إلى بلاد الحرية

بقلم الدكتور غازي براكس

منذ مئة عام، وطئ أرض أمريكا فتًى في الثانية عشرة من عمره. كان واحدًا من آلاف المهاجرين إليها، لا يميزه عن سواه إلا بذورُ عبقريةٍ أدبية كانت تنتظرُ أن تحضنها تربةٌ صالحة.

هذا الحدث، وإن بدا في حينه غير ذي شأن، لم يكن عارضًا في حياة جبران خليل جبران. ذلك أن أمريكا كانت تلك التربة الصالحة؛ فقد أتاحت له من الحرية الفكرية والمناهل الثقافية المتنوعة ما لم يكن عهد ذاك موفورًا في وطنه. زدْ إلى ذلك أن من أبنائها مَن أدركَ ملامحَ عبقريته، فرعاها؛ وفي رأْسهم ماري هاسكل.

فلو لَم يُكتَبْ لجبران أن يُهاجرَ إلى أمريكا لاتخذت حياتُه، ولا ريب منحًى آخر، ولَما كان لنا "النبي" و"يسوع ابن الإنسان"، ولَما نشأَت "الرابطةُ القلمية"، فعُدِم الأدَبُ العربيُّ حركةً مباركةً مدَّتْه بنسغ الحياة. فمن الأحداث ما لا يستطيعُ واحدُنا يُدركَ أبعادَه الحقيقية إلا عندما يكتملُ نسيجُ حياته، أو يكاد. ذلك أن ثمةَ نظامًا روحيًا خفيًّا يربطُ الأسباب بالنتائج، ويضعُ خطةً لمسيرة حياته وفقًا لاستحقاقاته.

وإنه ليسرُّ أسرة التحرير أن تُحيي الذكرى المئوية لهجرة جبران إلى أمريكا، لِما لها في حياته من أثرٍ بعيد، أولاً، ولِما بينه وبين الدكتور داهش من وشائج كثيرة، ثانيًا.

من تلك الوشائج أن كلا الرجلين هجر وطنه: الأول هجره فعلاً، والثاني هجره وهو مقيم فيه! وإذا كان جبران قد أطلق صيحته اليائسة: "لكم لبنانُكم، ولي لبناني"، فقد نعى الدكتور داهش لبنان قبل هبوب العاصفة المدمِّرة عليه. لكن كلا الرجلين كان إنساني النزوع تضيقُ به حدود الأوطان، بل كان يعاني غربةً روحيةً في هذا العالم.

فضلاً عن ذلك، فإن نظرتهما إلى الحياة تكاد تكون واحدةً كلاهما آمَنَ بأن وراء كلّ منظور قوةً حكيمةً لا يخفى عليها شيء، وأن الكائنات جميعًا تنتظمها وحدةٌ روحية. وما النفسُ الإنسانية، في اعتقادهما، غير جزءٍ منفصل من روحٍ علوي، وقد كتب عليها أن تتقمَّص على الأرض مرارًا ريثما تتطهَّر من أوشابها، وتندمجُ بمصدرها. ولن يتسنَّى للإنسان ذلك إلا إذا استطاع أن يحقّق أولاً حريته النفسية، أي انعتاقه من عبودية الأهواء والميول الوضعية... وهو أساس الحريَّات كافةً.

ويلتقي الرجلان أيضًا في ثورتهما على التقاليد البالية والقيم الزائفة، وفي إيمانهما بأن الاديان جميعًا واحدةً في الجوهر، وأنها ليست طقوسًا فارغة تمارسُ في اوقاتٍ محدَّدة، بل توقٌ إلى السمو نحِّققه في كل لحظةٍ من لحظات حياتنا.

إلاَّ أن ما عبر عنه جبران تعبيرًا رمزيًا أو اكتفى بالإشارة إليه، قد أوضحه الدكتور داهش في كتاباته وفصَّله. وحسبُنا بعد مئةِ عامٍ من وصول جبران إلى أمريكا أن نعمل من خلال صوت داهش لنستأنفَ مسيرتَه الروحية والأدبية.

 

أخي جبران

مرفوعةٌ إلى روح جبران خليل جبران

باريس، نيسان سنة 1935

للدكتور داهش

 

أي أخي، وعزيزي، وحبيبي،

ومُخلفي في عالم القسوة!

يا حبيبي جبران!

أي أعزَّ مخلوقٍ لدي في هذه الدنيا الزخَّارة بالشرور، المليئة بالآثام!

أيها (الطيفُ) الغير المنظور بأعيننا

التي لا ترى غير عالم المادة!

أيها المتغنِّي بالعالم الذي أصبحت الآن تنعمُ فيه

كما كنتَ تهوى وتروم!

أيها الصديقُ الذي غاب عنا إلى غير ما أوبة أو رجوع! ويلاه!

أيها الحبيبُ الذي تحنُّ إلى عالمكَ البهيّ روحي المعذَّبة

فوق هذه الأرض أرض الشقاء!

أي (أخي) جبران المُنطلق في الفضاء

بعد أداء (الرسالة) التي ألقيت على عاتقه!

يا رجُلَ الألم والحُزن والأسى واللوعة

والشفقة والحب الخالد العميق!

أيها النابذُ عالم المادة الحقير،

المتطلِّع إلى عالم الرُّوح الدائم السطوعِ والبهاء!

يا مَنْ تجاهلك البشرُ في الحياة،

فخُلِّد اسمك، بعد الممات!

أيها (الأخُ) الذي أشعرُ بقدسية اسمه، إذا ما ذُكرَ أمامي!

أيها العزيز الذي لم يعرف غير عمل الخير،

وما هو إلى الخير بسبيل!

أيّها المتغنِّي بكلّ ما هو بعيدٌ عن هذه (الأرض) القذرة الموبوءة!

لقد (انطلقت)، يا حبيبي، من عالمنا\

كما ينطلقُ (العصفور) السجينُ من ققفصِه فرحًا مسرورًا!

فجأةً أتيتَ إلينا،

وفجأةً كان ذهابُكَ المريرُ عنا!

لقد سحقتَ قلبي، وفطرت مرارتي، باحتجابكَ، يا أخي، عني!

إنني أذكُرُ (إشارتَكَ في كتابك الخالد "النبي"

إلى قول إحدى السائلات بين الجموع المُحتشدة أمام مصطفاها:

"لا تدّعْنا نشتاق إلى رؤيةِ وجهكَ، ولا تذهبْ عنّا".

يا أخي،

إنّها (نبوءةٌ) قد تحقَّقتْ في "النبي"!

فهل، يا رعاكَ الله، كنتَ تعرفُ أو تشعرُ بقرب ارتحالكَ عنّا،

وعدمِ رجوعكَ إلينا؟

هل كنتَ تتأكدُ من سرعةِ احتجابِ وجهكَ الجميل عن هذه الدنيا؟

يا أخي، وأنا أيضًا مَلَلْتُ الحياة وسخافاتها!

آه! وسئمتُ أكاذيبها وأضاليلها!

أجل، وأنا أيضًا أودُّ أن (أطير) إلى مكانك؛

ولكن جناحي القصيرين يأبيان عليَّ ذلك،

ولا يساعدانني على (الطيران) الآن!

أوّاه! أنا أود الانطلاق... ولكن هيهات!

إنني عاجزٌ كل العجز عن دَرْكِ بُغيتي وبلوغ أمنيتي!

فهل لك أن تمدّ إلى هذا الذي يهوى ما كنتَ تهوى

يَدَ العونِ والمساعدة؟

هل لكَ في هذا، يا (أخي) جبران؟

أخي جبران،

ثِقْ أنني سأظلُّ، ما حييتُ، ذاكرًا شخصيتكَ العجيبة،

و(طيفك) المحبوب، ونفسيتكَ النبيلة،

وأخلاقكَ النادرة، وروحكَ الفاضلة!

أي أخي، إن روحي حزينةٌ بعد أفولكَ السريع!

أي أخي، إنني بائسٌ، شقي، معذبٌ،

أفيضُ بالألم، وأنضحُ بالأسى!

إنني أغبطكَ على نعيمكَ، وأرثي لنفسي المعذبة الهائمة!

أخي، وعزيزي، وطلبتي، وحبيبي!

تُرى، متى يحينُ يومُ اجتماعي بكَ؟

هل يكون هذا اليومُ بعيدًا؟

لا، يا أخي، أرجو أن يكون غير بعيد.

والآن،

سلامٌ عليك.

سلامٌ على أقوالكَ الخالدة، وأعمالكَ الباقية.

سلامٌ على آلامكَ العبقرية، وعلى آمالكَ العذاب.

سلامٌ على صرخاتكَ وهمساتكَ، على صخبكَ، وسكوتك.

سلامٌ على الربوع، تلك الربوع

التي تشرَّفت بدوسِ نعليك، وتطهَّرت بوطء قدميك.

سلامٌ على (الغرفة)،

الغرفة المتواضعة، الغرفة المتصوفة الزاهدة

التي كانت تضمُّ بين حناياها

الروح المتواضع المتصوّف الزاهد.

سلامٌ على جدثك المقدَّس الذي خَلَدْتَ إليه،

بعيدًا عن آلام الحياة المليئة بالحسرات، المُفعمة بالزفرات.

وسلامٌ على روحكَ الطاهرة في الملا العلويّ

حيثُ تشعُّ في أجواز الفضاء فرحةً مسرورة،

آمنةً، مطمئنة!

سلام، سلام.

                                                   من أخيك المُحِبْ

                                                المتطلِّع إلى عالمك الخالد

                                                 من كتاب "القلب المحطم"

Developed by Houssam Ballout        Copyright 2019 This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.nfo All Right Reseved This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.