رحلَ فريدُ مُبتسِماً، ولم يعُد، وعلى الأرحج أنَّه لن يعود، فقد انتصرت ذاته الفُضلى على الشرِّ الكامن في نفوسنا، وحطّمَ قيود المادَّة التي أسرتنا لمئاتٍ من السنين، نهض من بين ركام تقاليدنا فكسَّرها، أبالسة الدنيا لم تنل منه ليجوس ربوع الرذيلة ,ولم تُخضعه لسلطانها.
فلا الفتيات الدعجاوات أغرته بجمالهنَّ وأنوثتهنَّ ولا بدلالهنَّ وفتنتهنَّ، وهو مازال في ريعان الشباب، حيثُ كان طيف الصبية يأسر العقول ويذهبُ بالألباب، فتكتوي القلوب من لوعة الفراق حسرةً على أمل اللقاء.
ولا المال الذي أتاه صاغراً تملَّك منه، وهو ابن الحسَبِ والنسب، ومن عائلةٍ ميسورة، تكتنز المال، وتبيع العقارات، وتعيش في رغدٍ وبحبوحة، فكان له الوسيلة لعمل الخير مع أضعف خلقِ الله, وفيما بعد، باباً من أبواب الجهاد والتضحية في سبيل اعلاء كلمة الحقِّ والنور واليقين.
ولاالعلم الرفيع الذي كبَّ على نهله أجحده عن معرفة الله والأديان، فكان عالماً بها، ينهل من معينها فلسفةً ، عمادها الأخوة الأنسانيَّة، وهدفها الخلاص من براثن الشرِّ المحيط بنا، المتمثِّلة بالعصبيَّات الطائفيَّة والمذهبيَّات الأثنيَّة، والتي تختلجُ به نفوسنا، وبتحريضٍ من آباءنا وأجدادنا، الى أن قيَّض الله له نوراً الهيّ يدعو الى وحدة الأديان، فكانت له منارةً يهتدي بها في بحور الظلمات، مُلتزماً الأخلاق الحميدة.
ولا الطبُّ الذي أمتهنه أبعده عن مساعدة الفقراء والمحتاجين، فهم اخوةً لنا امّا في الدين أو الأنسانيَّة، جارت عليهم الأيَّام، فكان يعمل على التخفيف من معاناتهم، راسماً بسمةً على شفاههم التعيسة، مُبرداً حرارة لوعتهم بكلماتٍ تواسيهم، وتزرع الأمل في نفوسهم.
ولا ذو القربى استطاعوا أن يلزموه تقاليدهم وعاداتهم التي تربُّوا عليها، وتهديدهم بحرمانه من ميراثٍ لا يُغنِ ولا يُشبع مهما كثر، ولا نبذٍ من طائفة ، لم يأبه بوالدين شبَّ في كنفهما، ليس ظلماً ولا قلَّةَ وفاء، انما نصرةً للهادي الحبيب الذي رأى فيه نور الله المُتجلِّي لأبناء الشرِّ الوضيع.
ولا رجال الدين بسلطانهم الكهنوتيّ والقابضين على الدين استطاعوا أن يخضعوه لمآربهم ،وهو العارف، والعالم ، مُبيِّناً اختلاف الأصل عن تحريفهم للتعاليم السماويَّة والوصايا الألهيَّة، وما ذلك الاَّ لأبتزاز الناس وأموالهم ليكدِّسوها في قوة سلطانهم، فشهر سيف الحقِّ في وجه المتألِّهين من رجال فقهٍ وكهنوت، هزء بهم حين كان منفرداً، هاجمهم حين قلَّت الرجولة واختبأ الرجال، وعمِلَ على كشف خزعبلاتهم وأضاليلهم، غير عابىءٍ بظلمٍ ولا بطردٍ من كنائسهم، لعلمه اليقين أنَّه على حقّ، وهم على خطأ.
ولا وعودَ أو اغراءاتَ رجال السياسة بزيادة راتبه ومنحه المراكز الرفيعة في الدوائر الرسميَّة أغرَّته ليتنسَّم منها مراكزاً أعلى وأرفع، ولم يتمكنوا من استمالته اليهم، أو فرض سلطتهم عليه، وهو الأبيِّ الكريم، وهم المُسخِّرين للسلطة والدين لتنفيذ مآربهم والأنقضاض على الدستور بحجَّةِ الأمن والسلام ليحل على النفس الأنسانيَّة، والمُتَّخذين من قوانينهم الغير مرعية الأجراء قوَّةً للأنقضاض على الفقراء والضعفاء المساكين، ونهب المال العام.
رحل فريدُ مُبتسماً، ولم تُلِنْ من عزيمته الأعتداء عليه واهانته ثمَّ ضربه وسجنه، ، لم تثنه تهديداتهم وعويلهم، ولم يأبه بسلطتهم وسلطانهم، ولم تُغره اغراءاتهم، ولم يغيِّر ذلك في شيءٍ من ايمانه، وهو الصخرة التي ستُبنى عليها وحدة الأديان. لم يرحم قوتهم وهم الوصوليين، ، وقف في وجه دولةٍ ظالمة، بما تمثِّله من قياداتَ وأفراد، ورجال دينٍ ودولة، في حين لم يجروء الآخرين. ولم تنفع معه محاولاتهم لأسكاته عن قول كلمة حقِّ في رجل السماء البار، والوقوف معه في الضرَّاء قبل السرَّاء، فكان الرفيق الأمين، والمخلص الوفي، والمجاهد الصنديد، كان القوي الجبَّار، الحكيم وصاحب الحكمة، كان النور وسيف الحقِّ البتار الذي اشترى خلاصه من عالم الكذب والرياء، والحياة الفانية، بعوالمٍ من نور، وسعادةٍ أبديَّة.
رحل فريد مُبتسماً، بعد أن كسر قيود الجهالةِ، مُبشراً بنور الهدى، مصباح النجاة، يُنيرُ أمامنا طريق الهداية والسماء.
حسين يونس
كوانزو 20 نيسان 2017