لأنّنا داهشيّون ومؤمنون بالرسالةِ الداهشيّة الحبيبة, فذلك خير دليلٍ على إيماننا بالنبيِّ الحبيبِ الهادي وتعاليمِه. وإذْ لم يكن إيمانُنا بالسيفِ أو هرباً من دفعِ جزية، كان إيمانُنا إثباتاً للحقّ، ولسنا من المُسلِّمين تَسْليما.
وعليه فالمؤمنُ الصادق والشاهدُ الأمين هو لاعبٌ أساسيٌّ في ملعبِ الحقيقة، وليس إحتياطيًّا أو متفرًجاً، ولا يجوزُ له تركُ الملعبِ ساعةَ يشاء إلا طرداً.
وبما أنّ الجميعَ سواسيَة في ملعبِ الحقيقة، وأمام سُدّةِ العدالةِ الإلهيّة وعنايتِها، كان على الجميع مسؤوليّةُ العمل على نشرِ الرسالةِ الحبيبة بدون استثناء. وبما أنّ اللهَ عزّ وجلّ لم يُحمّلِ المرءَ أكثرَ من استطاعتِه، وَجَبَ العملُ على نشرِها ورَفعِ رايتِها وخدمتِها كلٌّ حسب استطاعتِه، على أن لا يكونَ تأويلُ "حسبَ الإستطاعة" حُجّةً للتملّص من العمل. ولا فرقَ بين كبيرٍ أو صغير، قديمٍ أو جديد، إلا بالتقوى، فالكلُّ سَواسيَة إلا بما جنَتْ أيدينا.
كلُّنا مؤمنون، والإيمانُ ليس كلمةً تُقال، بل هو حصيلةُ دوراتٍ لا تُعَدّ ولا تُحصى من العمل الشاقّ والمُضني. الإيمانُ هو خُلاصةُ المعرفةِ الروحيّة التي أنعمَتِ السماءُ بها علينا. وعلى الرغمِ من ذلك فهو نسبيّ، وعلى درجاتٍ متفاوتة، كلٌّ حسبَ استحقاقِه.
الإيمانُ يُرتّب علينا إلتزاماتٍ أخلاقيَّة وروحيّة، منها أن يتحلّى المؤمنُ بالمعرفة والقيادة.
أمّا المعرفة فهي الاضّطلاعُ الكامل بتعاليمِ النبيِّ الحبيب ومبادىء الرسالةِ الحبيبة، ولامن سبيلٍ إلى ذلك إلا من خلال العَودة إلى كتبِ الدكتور داهش ومؤلَّفاتِ الإخوة الأحبّاء حول الدكتور داهش والداهشيّة، ومن خلالِ تبادُلِ الآراء فيما بيننا، والتمحيصِ بها، وتحليلِها، ودراستِها حتّى الإلمامِ بكلِّ مكنوناتِها إلماماً تاماً. فلا نستطيعُ مُخاطبةَ الآخَر، وكمَّ الأفواهِ المُتعالية، والمُتطاولة، ونُصْرةَ الحقّ ونحن نتلكأُ هنا ونتعثّرُ هناك .
المعرفةُ هي الإلمامُ التامّ بالقرآنِ والإنجيلِ والتوراة، وحفظُ ما أمكنَ منها، وفهمُ ما تبقّى,حتّى نُخاطبَ الآخَر بلُغتِه، ومُقارعةِ حُجّتَه بالبرهانِ الساطع، ونوضّحَ له ما خَفِيَ عنه وما ساءَ فهمُه في الرسالاتِ السابقة واللاحقة لدينِه. حتّى إذا ما بدأنا نُخبرُه عن تعاليمِ دينِنا ومبادئه، كان لديه الحدُّ الأدنى من الأسُسِ الصحيحة بمعرفةِ التعاليمِ الإلهيّة وشرائعِ الأديان وسُنَنِها، كما بمعرفةِ وجودِ الرُّوح وخلودِها والسببيّةِ الروحية والجزاءِ العادل، والسيّالاتِ الروحيّة التي هي نسيجُ الكون وقوامُ كائناتِه، وأخيرًا معنى التقمُّص بمدلولاتِه الجديدة.
المعرفةُ هي في نَيلِ القسطِ الأكبر من كتُبِ الفلاسفةِ والأدباءِ والشعراء، حتّى يكونَ لدى الداهشيّ ثقافةً لا يُستهانُ بها؛ وبها يستطيعُ خَوضَ غِمارِ المُقارعة في شتّى الميادين، فلا يُنظَرُ له على أنّه سطحيّ وبسيط، أُخِذَ على حين غِرّة أو أنّه تراءَى له، فسار في طريقِه على غيرهُدى. حينئذٍ لا يُسْمَعُ له، إذْ لا يكونُ أهلاً للاستماعِ لرأيِه، ويُعتبَرُ ضالاًّ ومُضلِّلاً. المعرفةُ هي أن تعرفَ بأنَّ هذا المنزلَ هو منزلُ النبيِّ الحبيبِ الهادي، ومنزلُ الرسالةِ الداهشية، ويجبُ أن يبقى. إنّه صخرةُ بطرس، وصرخةُ بولس، إنّه صليبُ الناصرّي، وسيفُ عليّ، فيه هبطَ الوحيُ الألهيّ, وصُنِعَت الآياتُ الإلهيَّة وعُقِدَت الجلساتُ الروحيَّة. إنّه تاريخُ الاضطهاد، ففيه عانى داهش من زبانيةِ الشرِّ ما عانى، وبه ذاق الأمرَّين، وعلى دَرَجِه كانت المعركة, وقربَ بابِه أطلقَ المُجرمون النارَ عليه، ويدُ الغدرِ طالت جبين عليّ، وبه سكتَت ضرباتُ قلب ماجدا عن الخفقان إحتجاجاً على الطاغية والطُّغيان، ومنه شُرّعَت الأقلام في وجه أَبالسةِ لبنان.
إنّه تاريخُ الرسالة، ومَن ليس له تاريخ ليس له كرامة.
المعرفةُ هي أن تعرفَ أنَّ لك أخًا وأختًا في مكانٍ ما من هذا العالم، يؤمنون بما تؤمن، ويعملون من أجل الرسالة كما تعمل,فلا يضرُّكَ السؤالُ عنهم، أو مدُّ يَدِ العَونِ لهم إن إستطعتَ إلى ذلك سبيلاً.
كما إنَّ لك أخوةً قد أصابتهم الأيّامُ بحاجةٍ، أو مرضٍ، فلا تبخلْ عليهم بما هم بأمسِّ الحاجة إليه. فلا هم مع أهلهم، ولا أنت معهم. والقليلُ خير من العدَم.
أمّا القيادة، فهي أنكم كلُّكم قائدٌ وكلّكم مسؤول.
أن تكونَ قائدًا هو أن تَتسلَّمَ زِمامَ الأمور وحُسنَ المبادرة، وتتحلَّى بأدنى قدرٍ من الحكمة، وتستنهضَ مَنْ هم حولك، وتجمعَ المؤمنين والأنصار والمُحبّين، وتغرسَ فيهم بذورَالمعرفة، وهو أن تُقلِّمَ أَظافرَ اليأس، وتنصرَ الحقّ، وتدعو إلى الجهاد، وتكونَ في طليعةِ المُجاهدين، لا تهابُ الموتَ ولا لومةَ لائم، وأن تصدحَ بالحقِّ في وجهِ حاكمٍ جائر.
أن تكونَ قائداً هو أن تكونَ مثالاً، تفعلُ ما تقول، فمَقُتَ عند الله أَن نقولَ ما لا نفعل؛
وأن تكون قدوةً يُقتدى بك، مُلتزماً تعاليمَ الرسالة ومبادئها، تُذلِّلُ الصِعابَ وتتخطّى المِحَن؛ تدعو إلى السلام والمحبّة؛ تنصرُ المظلومَ وتُساعدُ الفقير، وأن لا تخافَ أهلَك وأصحابَك أوعشيرتَك. بل لِتكنْ مخافةُ اللهِ وحدَه نُصبَ عَينيك.
أن تكونَ قائداً هو أن يكونَ الله مثلَك الأعلى في السماء، وداهش على الأرض، أن تجعلَ العدالةَ والحقَّ شِعارَك، ومُناصرةَ الحرّياتِ المسؤولة وحريّةَ المُعْتَقد هدفَك، وأن تنبذَ البذخَ والإسرافَ في عيشِك، وأن تكونَ قويًّا بالحقِّ، مُدافعاً عنه بدفاعِكَ عن الرسالة وعن سِمعةِ الحبيب التي شوّهَتها الصحافةُ المأجورة إبّانَ حُكمِ الطاغية سليلِ الأبالسة وخليلِها.
أن تكونَ قائدًا هو أن تتحلَّى بالمروءة والشجاعة والمسؤوليّةِ الروحيّة. فبكَ تُنارُ أقطارُ المعمور، ويندثر الظلام، وتندحرُ شياطينُ الجحيم.
أن تكون قائداً هو أن تكونَ صوتاً صارخاً يُفتِّتُ الصخرَ الأصمّ، ويرعبُ الكواسرَ في عرينها؛ وأن تكونَ حجرَ الزاوية في أيِّ بناءٍ داهشيّ، لا أن تكونَ حجرَ عَثْرةٍ لغايةٍ في نفسِ يعقوب. فمن لا يُريدُ البناء، لا يحقُّ له وضعُ العثرات. ففي الرسالاتِ الروحيّة إمّا أن تكونَ أو لا تكون. ولا سبيلَ إلى ما بين بين.
فالواجبُ يدعوكَ للمشاركة في الرأيِ وفي البناء، ولو لم يُؤخَذْ برأيِك. كما إنه لا يحقُّ لك الاعتكاف ولا النأيُ عن الآخَرين ولا اتّخاذُ المواقفِ المُسبِّبة للتباعُدِ والانفصال.
إنّها المسؤوليةُ مِن غيرِ منفعةٍ مادّية من أيِّ نوعٍ كانت، إنَّها العملُ الدائم لتحقيقِ الخيرِالعامّ. إنّها العطاءُ بدون حدود، تتعبُ ليرتاحَ الآخرون، يرتقون فترتقي. إنّها العملُ السديدُ النافع من أجل خيرِ النفس.
الداهشيُّ المؤمن لا بُدَّ له من أن يكونَ صاحبَ معرفة وصاحبَ قيادة.
حسين يونس الداهشيّ