الرسالات السَّماويَّة
الرسالات السماويَّة ،هي محبَّة الله الكلِّيَّة والأبديَّة لأبنائه الغارقين في مستنقعات الرذيلة. هي المحبَّة التي تُعطي من ذاتها ، وفي ذلك العطاء أمثولةٌ وعلمٌ للمخلوقات جميعاً وعلى إختلاف أنواعها، معروفها ومجهولها، أن تبادلَ اللهُ حبَّاً بحبّ، ومعاملةً بالمثل، وتعاملاً نبيلاً بين السيَّالات مهما تكن راقية أو منحطَّة، فالمحبَّة ليست حكراً على أحدٍ دون الآخر، فبالمحبَّة وحدها نرتقي، ونبلغ الكمال، وما يطلب الله أمراً من عبدٍ ما لم يكن فيه، فالمطلوب واحد، وإن اختلفت الرؤيا بيننا.
الرسالات السماويَّة هي عهد الأنبياء مع الله، لهداية الساقطين الى العوالم الجحيميَّة، ورحمةٌ منهم على السيَّالات الضَّالة في دياجير الظُّلمة وسوادُها الأعظم. هي شوق الأحبَة لسيَّالاتهم الضعيفة والمبعثرة في العوالمِ كافةً. تُرشدها لطريق الحقِّ والنور واليقين، تحثُّها للإلتزام بتعاليم السماء، والتقيَّد بوصاياها، تسألها العمل على ترقية سيَّالاتها للعودة الى عوالمها الأصليَّة. غير آبهة بما يعترضها من منغِّصاتٍ دنيوية، وعذاباتٍ وإضطهاداتٍ وإفتراءات ما انزل الله بها من سلطان، آملة بإنقاذ البعض منها، ومهما كان الثمن.
الرسالات السماويَّة هي أنوارٌ الهيَّة تَنشرُ إشعاعاتها في الكون لتنير طريق المُتعبين، النادمين على العصيان الألهيّ، المتعثّرين في دروب النار والنور، المتألمين لبعدهم عن وجه الله، التائبين على ما اقترفته أيديهم من فسقٍ وفجور، المستغفرين لإرتكابهم الآثام الجسام في ساعة ضعفٍ ، طمعاً برحمة السماء ، غير مُدركين القانون الإلهي، ولا العدالة الإلهيَّة التي تأبى إلاَّ أن تستوفي الثمن، ورغم محبَّة الله عزَّ وجلّ ورحمته، فبعمل الصلاح فقط، نرى تلك الأنوار وإشعاعاتها، وتشملنا العناية الإلهيَّة بعين عنايتها الساهرة.
الرسالات الروحيَّة هي رؤيا الحقِّ والخير والجمال في عوالم الجهل والظلمة والرذيلة. هي الله له المجد، ولا رؤيةَ لله إلاَّ من خلال رسله ودعواتهم، وأنبيائه ورسالاتهم، فتكون مبادئهم وتعاليمهم دافعاً لنا لنقف مع الحقِّ حبَّاً بالحق، ولو بكلمةٍ في وجه سلطانٍ جائر، ونجسَّد الخير عملاً من أجل الخير، مع الفقير والضعيف أولاً وبدون أجرٍ ولا شُكورا، ونرى الجمال الإلهي متربِّعاً على عرش الجمال في كلِّ زمانٍ ومكان، من غير شهوةٍ تكبِّلُنا بقيودٍ ماديَّة.
الرسالات الروحيَّة هي رسالاتٌ انسانية واحترامٌ للرأي الآخر ومعتقداته قبل ان تكون مدخلاً للايمان بالله ورسله. تُعلِّمُنا كيفيَّة التعامل فيما بيننا، ومع الآخر، فلا مجادلةً في الدين، ولا مكان لفرض رأينا على من ليس له رأي، ولا الإحساس بالتفوٌّق والمعرفة، وإشعاره بالدونيَّة والجهل، فالأديان جميعاً تحمل الحقّ، وتدعو الى اصلاح الذات، فالهدف واحد، وهو الرقيّ الروحيّ، بالإلتزام بتعاليم السماء ونُظمِها السامية، وعملك الصلاح قد يكون أشدَّ فعلاً في نفسه، وتأثيراً على روحه ، فأفضلكم عند الله أتقاكم.
الرسالات السماويَّة هي العلمُ الآتي لمستقبلٍ أفضل. فلا مكانٌ للجهل في ديانتنا، ولا علينا الإستهزاء بأصحاب الثقافة والمعرفة لعلَّةٍ في نفوسنا، وليكن لنا في الحبيب قدوةٌ حسنة. فلأولادنا حقُّ العلم علينا، وحقُّ التوعية الروحيَّة، والتأهيل الداهشيّ، والإلتزام الأخلاقي، فعليهم تُبنى الأجيال اللاحقة، والأرتباط بيننا وبينهم كما بيننا وبين النبي الحبيب الهادي، ونشر الرسالات الروحيَّة يلزمه أصحابُ علمٍ وإختصاص، وواجبنا توجيههم لإختصاصاتٍ تخدم رسالتنا الحبيبة، فلا نحتاجُ من لا سيرةً حسنة له، لأنَّه لا يؤتمن على عهد، فلنستفد منهم قبل فوات الأوان، فالوقت قصير ، ولا يمهل أحداً، ولنعطِ كلَّ ذي حقٍّ فرصته، ليكون الغدُ الأخلاقيّ مُشرقاً.
وإذ نحتفلُ اليوم في ذكرى ولادة الرسالة الداهشيَّة الحبيبة، والتي هي من الرسالات السماويَّة، أرى دموعاً تسيلُ على وجنتيها بصمت، تُلهِبُ الضمير الحيّ، حزناً وأسىً على إخوة طريق النور والإيمان، ورفاق درب الهادي الحبيب، أن يبقوا في بُعدٍ وجفاء، ولا يسعونَ لِلمِّ الشمل والإنطلاق نحو الهدف المنشود الأعظم لتكتمل فرحة آذار وصاحب الرسالة.
حسين يونس
بيروت 23 آذار 2019.