نجتمعُ لكي لا ننسى المحبَّة التي تجسَّدت بيننا حبيباً أخذاً العهد على نفسه وامام الله جُلَّ اسمه لأنقاذنا من براثن الشر التي تختلج في قلوبنا الحاضرة والمبعثرة في العوالم الماديَّة والدركات الجحيميَّة , ومُتحمِّلاً شتى أنواع العذاب والأضطهاد حبَّاً بنا ورحمةً منه، غارساً تعاليماً الهيَّة في صحراء جهلنا المتراكم من خلال تقمُّصاتنا التي لا تنتهي عبر الزمن، محاولاً تقريب الحقائق الى نفوسنا التي ما عرفت يوماً سوى التشبُّث يالمادّة. مُخاطباً عقولنا حسب ادراكها وهي الدائمة الأنغماس بالأفكار الدنيويَّة , منبِّهاً ايَّانا من السقوط في شرك الرذيلة, حاثَّاً ايانا على السير في طريق الحق والنور واليقين, تاركاً لنا أبواب الجهاد والتضحيّة مشرَّعةً في سبيل أعلاء كلمة الرسالة الداهشيَّة الحبيبة.
ف لأجلنا هبط من عليائه، تاركاً وراءه سعادته الألهيَّة، وعوالمه البهيَّة، صارخاً في أرض الشقاء ، ومعلناً ولادةً طفلٍ يحملُ صليبه مُجَدَّداً بيمينه وجذوة الشعلة الألهيَّة بيساره، مُبشِّراً بسطوع فجرٍ جديد .
ولِد هذا الطفلُ في بيت فقيرٍ، وما لبثَ أن أصبح يتيماً وهو ما يزال في سن الطفولة، ولم يكن في الأمكان الذهاب الى المدرسة لنهلِ العلوم كما الأطفال ، فكان أمِّياً. حياةٌ بائسة بكلِّ ما لهذه الكلمة من أبعاد.
وحيدٌ بين أخواته، وأمٌ تعمل وتكافح لتقيهم شبح الجوع، وهو صغيرٌ على العمل للأعالة والمساعدة، يعيشُ الوحدةٌ والفراغٌ بعد موت والده، فقرٌ ويتمٌ وقلَّة علمٍ. صفاتٌ لا تُشعرَ صاحبها براحة البال والطمأنينة ولا بغدٍ مُشرقٍ أو مستقبل زاهي.
ومن خضمِّ تلك الحياة البائسة التي لا يُحسَدُ عليها، أنتفضَ على الحياة، وتغلَّب على الصِعاب، والتزم الأخلاق الحميدة، والسيرة الحسنة، وداس الميول الوضيعة تحت قدميه، وقاوم الرغبات الشريرة بقوَّة ايمانه، وطرد الأفكار الخبيثة بصلواته وابتهالاته. ليكون لنا مثالاً في الرقي، وكما المعلّم يكون التلاميذ، وكما كان هو يمكنُنا أن نكون.
نجتمعُ لكي لا ننسى التضّحية التي عاهدت الله بالوفاء بالتزاماتها لمساعدتنا بالتوبة النصوحة والأعتراف بخطأنا الفادح، واعادتنا الى الحظيرة الروحيَّة، بعد أن تمرَّدنا على الناموس الألهي، وكان سقوطنا الأول والثاني، ثمَّ نسقط مُجدَّداً ومجدَّداً، في وسط التجارب التي لا تنفك تعترضنا، ونحن نبرِّرَ الضُّعف، ونجِدُ له مخرجاً، وكأنَّنا بذلك نحاول الأحتيال على الله عزَّ وجلّ. يرمقنا الحبيب بعين عنايته الساهرة، ويأخذنا برحمته وعطفه اللامتناهيين، ويحاول ارشادنا مُجدَّداً ، راثياً لحالنا، ومتألِّماً لضعفِنا، ومتحمِّلاً معنا الآلام الجسام في الحياة والممات، ومُنغصات السقوط في دنيا الكذب والرياء، وصابراً الى ما لا انتهاء، مُعلِلاً النفس بجدوى الأمل، لعلى وعسى أن ترتقي سيَّالاتنا بعد طول انتظار، مُتحمِّلاً بذلك ضروباً من العذاب، وألواناً من الشقاء، على أيدي زبانيَّة الشرِّ البغيض في عالم المكر والخداع، عالم االأثم والهوان. فمن أهانةٍ وأعتقالٍ الى سجنٍ وجلدٍ وشتمٍ، فتجريدٍ وتشريد. وما علينا الاَّ قراءة " رسالة الدكتور داهش الى أدوار نون لنستزيد عمَّا تعرَّض له الحبيب في تلك المرحلة من الأضطهاد.
ورغم ذلك، أبى الدكتور داهش الاَّ اكمال المسيرة، ولم يستسلم أو يتوانى عن نشر رسالته المُحقّة. ففيها خيرنا، وبها خلاصنا ،رغم وجود المارقين الوصوليين.
نجتمعُ لكي لا ننسى مدينة العلم والتي هبطت من عالم المعرفة مُمثَّلةً بعشرات الكتب ، خطَّتها يراعة الدكتور داهش، وفيها الشيء الكثير من التعاليم الألهيَّة والوصايا السماوية، مؤلِّفةً رسالةٍ روحيَّة، نحتفلُ اليوم بعيدها.
هذه الرسالة هي الرسالة الداهشيَّة الحبيبة، هي ثمرة جهاد النبي الحبيب الهادي، والتي ذاقَ من أجلها الأمرَّين، فالحفاظ عليها واجب، والألتزام بها واجب ، ونشرها واجب. وهؤلاء مجتمعين يشكِّلون لنا ولغيرنا طريقاً الى برِّ الخلاص.
فالجهاد هو أسمى مراتب العمل، وطريقه طويلٌ تملئه الأشواك، ودربه موحش وشاق، فليكن لنا في صاحب الرسالة اسوةٌ حسنة، وكما قال منذُ الفي سنة: " مَنْ أَحَبَّ أَبًا أَوْ أُمًّا أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي، وَمَنْ أَحَبَّ ابْنًا أَوِ ابْنَةً أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي، ". لنعمل فنستحقَّه.
وكذلك قوله: وَلاَ تَفْتَكِرُوا أَنْ تَقُولُوا فِي أَنْفُسِكُمْ: لَنَا إِبْراهِيمُ أَبًا. لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ:
إِنَّ اللهَ قَادِرٌ أَنْ يُقِيمَ مِنْ هذِهِ الْحِجَارَةِ أَوْلاَدًا لإِبْراهِيمَ
إنجيل متى
فامَّا نحنُ وامَّا تلك الحجارة.
وكلُّ عام وأنتم بخير.
حسين يونس