لبنان الى زوال
في احدى الجلسات المليئة بالأخوَّة والصدق والمحبّة, أخبرني الدكتور فريد أبو سليمان عن لسان الدكتور داهش بأن لبنان سيتعرض للمجاعة ومن ثمَّ الى الزوال. نعم, سيزول عن خريطة العالم. وبالحرف الواحد قال: حين تنظر الى خريطة العالم , وما بين سوريا وفلسطين ستقول: " لبنان كان هنا " .
ولقد سمعت الكلمات نفسها فيما بعد من الأخت المجاهدة زينة حداد فقالت: " لبنان الى زوال ".
وكما أعلم فان هذه النبوءة تعرفها الأكثرية الساحقة من الداهشيين , وذلك من خلال تداولهم فيما بينهم ما كان يقوله الحبيب :" بأن الخارج من لبنان مولود والداخل اليه مفقود " .
وطبعاً جميعهم كانوا يُقرِنون هذا التحذير بأنذارٍ على لسان الدكتور داهش نفسه بوجوب العودة الى جوهر الدين, أيَّاً تكن الأنتماءات الروحيَّة, وبعيداً على العصبيَّات الطائفيَّة, مُلتزمين الفضيلة بكل أشكالها, مُبتعدين عن الرذيلة بكل مكوِّناتها, خاشعين عابدين مستغفرين وجه الله الأعظم جُلَّ اسمه.
لبنان اليوم على طريق المجاعة والزوال, فاذا استعرضنا التطورات التي حدثت في لبنان على مدى العشر سنوات الأخيرة , نرى في المجاعة:
أن نسبة المتساقطات من الأمطار في تراجع, و نسبة الثلوج المتساقطة وذوبانها خلال فترة قصيرة بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وبالتالي فأن منسوب المياه الجوفية لم يعد بالقدر الكافي, ونرى ذلك بوضوح من خلال شح الينابيع وجفاف العديد من الآبار.
فالكثير من المزارعين يشكون اليوم نقص المياه التي كانت تروي مزروعاتهم, وبالتالي فالأراضي الزراعية تتجه نحو التصحّر.
وأذا ما حدث وتساقطت الأمطار بغزارة لأيام معدودة , فتضرب السيول والفياضانات المزروعات, وتتلف المواسم في العديد من القرى والمدن اللبنانية. أضف الى ذلك الصقيع الذي تتعرض له الأشجار المثمرة في مواسم التزهّر, و حبات البرد التي تضربها. حيث لا تبقي ثمر ولا شجر.
وشكاوي المزارعين الى الادارات الرسمية والمعنيين بغية التعويض عليهم من جراء تلف محاصيلهم لا تعد ولا تحصى.
بالأضافة الى الحرائق التي تندلع في فصل الصيف في العديد من المناطق اللبنانيّة, حيث تتلف الكثير من الأشجار على مختلف انواعها وخصوصاً اشجار الزيتون .
ومن البوادر التي تزيد من وقوع المجاعة , ذلك التضخّم المالي الناتج عن العجز الهائل في الميزانية العامة, والمديونية الكبيرة جداً اذا ما قيست لمساحة لبنان وعدد سكانه,وضعف أنتاجه المحليّ, أضف اليها الفساد المتفشي في القطاع العام والخاص على السواء.
كما تشير بعض الدراسات الى أن التضخم المالي في لبنان قد بلغ 11.2 في المئة خلال الأربع سنوات الأخيرة, وتعود اسبابه الى زيادة الأسعار في العقارات السكنية والمعدات الأساسية التي تشكل 10 بالمئة من نفقات المستهلكين. . كذلك أرتفاع الأسعار في السلع والحاجات الضروريَّة نسبةً للحدِّ الأدنى من الأجور.وتراجع القيمة الشرائيَّة لمداخيل اللبنانيين. وما ينتج عنه من ركودِ اقتصادي.
كما ان التضخّم أصبح لفترة طويلة نسبياً، ظاهرة شاملة, وملازمة للنمو الاقتصادي, مع ما لهذه الظاهرة من آثارِ سلبيَّة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.
أما في الزوال:
تلك الجمهورية المزعومة في الشرق الأوسط كما يصفها البروفيسور مايكل هدسون, جمهورية بلا رأس, فليس فيها من يستطيع اتِّخاذ القرارات النهائية لحسم الخلافات بوسائل فعَّالة. كما تقوم هذه الجمهورية على انقسام المجتمع الى قوى متعدِّدة ومتوازنة بحيث تضيع معالم المجتمع المتكامل والمتلاحم, فكل جماعة أو طائفة أو فئة تُعتبر مجتمعاً قائماً بحدِّ ذاته, والنتيجة المنطقيَّة لهكذا مجتمع أن تتحوَّل السياسة الى عمليَّات ضغط أو عنف أو تهديد باللجوء الى القوّة كما قال البروفيسور الفرنسي جان كلود.
فكيف يمكن لجمهورية منقسمة على ذاتها أن تستمر, وسط أزماتِ قائمة من المحيط الى الخليج؟ أضف اليها عنصر التطرف المتفشي في أغلبية دول الشرق الأوسط, والصراع الطائفي والمذهبي الذي بات يهدّد وحدة الدول وكيانها. أضف اليها اطماع الدول الكبرى بخيرات وموارد الدول الصغرى, فكيف بالحري الدول الضعيفة.
ولبنان تلك الدولة الضعيفة التي تعاني أزمة مصير من جراء الأطماع الأسرائيليّة من الخارج والأقطاعيّة الطائفيَّة من الداخل, أنشئت على اسسٍ ركيكة, وازدواجية المعايير القانونية, قوامها التبعيّة. تنوء تحت سياساتٍ كيديّة, فلا حول لشعبٍ خانعٍ خاضعٍ لزعماء أبوا الاَّ أن يكونوا رهينةً للقوى الخارجية, يؤتمروا بأوامرهم, حتى أنهم لا يستطيعون أنتخاب رئيسهم من غير املاءات خارجيَّة, تحدِّد لهم ملامح رئيسهم العتيد. أضف على ذلك حكومةً وبرلماناً ليس لهم من القوّة والحريّة في اتّخاذ قرارٍ ينصر مظلوماً, أو يعترف بظلم.
لقد بتنا على قاب قوسين أو أدنى من تقسيم دول الى دويلات, والغاءَ حدودٍ كانت للأمس القريب من السيادة التي لا مساومة عليها, ولبنان لن يكون بمنأى عن ذلك التقسيم أو الغاء الحدود.
بالأمس القريب صرَّحَ أحد المسوؤلين الأميركيين بأنَّ دولاً في الشرق الأوسط ستُمحى من على الخريطة هي العراق وسوريا ، ولبنان دولة فاشلة.
الأخطار تتربّص في لبنان, من الداخل والخارج على حدٍّ سواء. وزيادة التوتر على مستوى المنطقة العربية وعلى المستوى الدولي كفيل بتغيير خارطة الشرق الأوسط.
ولنتذكّر عبارة أفلاطون حيث يقول: إنّ الدولة التي تغلّ أيدي نوابغها وأنبيائها، وتقيم العقبات في سبيلهم، لهي دولة متعسِّفة تاعسة, بشّرها بسقوط عظيم لا تقوم لها من بعده قائمة. "
انَّنا نشهد موت السياسة والثقافة والأقتصاد، وقد نشهد موت الكيان , فهل يزول لبنان؟
حسين يونس
بيروت في 18 تمُّوز 2016