أنا أؤمن بأنه توجـد عدالة سماويّة, وأن جميع ما يُصيبنا في الحياةِ الدنيا من مُنغصات انَّ هـو الاّ جـزاءٌ وفاق لِما أجترحناه في أدوارنا السابقة من آثـامٍ وشـرور.ولهـذا يجب علينا أن نستقبلَ كلّ مـا يحـلّ بنـا من آلامِ الحياةِ ومآسيها غير مُتبرّمين ولا متذمّرين , بل قانعين بعدالةِ السماء ونُظمها السامية.

Highlighter
أحبُّ الكُتُبَ حبَّ السُكارى للخمر , لكنَّني كلَّما أزددتُ منها شرباً, زادتني صَحوا
ليس مّنْ يكتُبُ للهو كمَن يكتُبُ للحقيقة
الجمالُ والعفّــة فـردوسٌ سماويّ .
لا معنى لحياةِ ألأنسان اذا لم يقم بعملٍ انسانيٍّ جليل .
اعمل الخير , وأعضد المساكين , تحصل على السعادة .
من العارِ أن تموتَ قبل أن تقـوم بأعمالِ الخير نحـو ألأنسانيّة .
الموتُ يقظةٌ جميلة ينشُدها كل مَنْ صَفَتْ نفسه وطَهرت روحه , ويخافها كلّ من ثقُلت أفكاره وزادت أوزاره .
ان أجسامنا الماديّة ستمتدّ اليها يـد ألأقـدار فتحطِّمها , ثمّ تعمل فيها أنامل الدهـر فتتَّغير معالمها , وتجعلها مهزلةً مرذولة . أمّا ألأعمال الصالحة وألأتجاهات النبيلة السّامية , فهي هي التي يتنسَّم ملائكة اللّه عبيرها الخالد .
نأتي إلى هذا العالمِ باكين مُعولين، و نغادره باكين مُعولين! فواهً لك يا عالمَ البكاء والعويل!
جميعنا مُغترٌّ مخدوعٌ ببعضه البعض.
العدلُ كلمة خُرافية مُضحكة.
أمجادُ هذا العالم وهمٌ باطل، و لونٌ حائل، و ظلٌّ زائل.
لا باركَ الله في تلك الساعة التي فتحتُ فيها عينيّ فإذا بي في مكانٍ يطلقون عليه اسم العالم .
أنا غريبٌ في هذا العالم، و كم احنُّ إلى تلك الساعة التي اعود فيها إلى وطني الحقيقيّ.
الحياةُ سفينةٌ عظيمة رائعة تمخرُ في بحرٍ، ماؤه الآثام البشريَّة الطافحة، و امواجه شهواتهم البهيميَّة الطامحة، و شطآنه نهايتهم المؤلمة الصادعة.
كلّنا ذلك الذئبُ المُفترس , يردع غيره عن اتيانِ الموبقاتِ وهو زعيمها وحامل لوائها , المُقوّض لصروح الفضيلة , ورافع أساس بناءِ الرذيلة .
الحياةُ سلسلة اضطراباتٍ وأهوال , والمرءُ يتقلَّب في أعماقها , حتى يأتيه داعي الموت, فيذهب الى المجهولِ الرهيب , وهو يجهلُ موته , كما كان يجهلُ حياته .
من العارِ أن تموتَ قبل أن تقومَ بأعمالِ الخير نحو الانسانيّة .
المالُ ميزان الشرِّ في هذا العالم .
السعادةُ ليست في المال , ولكن في هدوءِ البال .
كلُّ شيءٍ عظيمٍ في النفسِ العظيمة , أمّا في النفسِ الحقيرة فكلُّ شيءٍ حقير .
الرُّوح نسمةٌ يُرسلها الخالق لخلائقه لأجل , ثم تعودُ اليه بعجل .
الرُّوح نفثةٌ الهيَّة تحتلُّ الخلائق , وكل منها للعودة الى خالقها تائق .
الرُّوح سرٌّ الهيٌّ موصَدْ لا يعرفه الاّ خالق الأرواح بارادته , فمنه أتتْ واليه تعود .
أنا أؤمن بأنه توجـد عدالةٌ سماويّة , وأنَّ جميع ما يُصيبنا في الحياةِ الدُّنيا من مُنغِّصاتٍ وأكدارٍ انَّ هـو الاَّ جـزاء وفاق لمِا أجترحناه في أدوارنا السابقة من آثـامٍ وشـرور . ولهـذا يجب علينا أن نستقبل كلَّ مـا يحـلُّ بنـا من آلام الحياة ومآسيها غير م
الحرّيةُ منحة من السماءِ لأبناءِ ألأرض .
الموتُ ملاكُ رحمةٍ سماويّ يعطف على البشر المُتألّمين , وبلمسةٍ سحريّة من أنامله اللطيفة يُنيلهم الهناء العلويّ .
ما أنقى من يتغلّب على ميولِ جسده الوضيع الفاني , ويتبع ما تُريده الرُّوح النقيّة .
ما أبعدَ الطريق التي قطعتها سفينتي دون أن تبلغَ مرفأ السلام ومحطَّ الأماني والأحلام .
الراحة التامّة مفقودة في هذا العالم , وكيفما بحثت عنها فأنت عائدٌ منها بصفقةِ الخاسر المَغبون .
ليس أللّــه مع الظالم بل مع الحقّ.
ان الصديق الحقيقي لا وجود له في هذا العالم الكاذب.
ما أكثر القائلين بالعطف على البائسين وغوث الملهوفين والحنو على القانطين , وما أقلَّ تنفيذهم القول.
يظنُّ بعض ألأنذال ألأدنياء أنّهم يُبيّضون صحائفهم بتسويدِ صحائف الأبرياء , غير عالمين بأنَّ الدوائر ستدور عليهم وتُشهّرهم.
ما أبعدَ الطريق التي قطعتها سفينتي دون أن تبلغَ مرفأ السَّلام ومحطَّ الأماني والأحلام .
رهبة المجهول شقاء للبشرِ الجاهلين للأسرارِ الروحيَّة , وسعادة للذين تكشّفت لهم الحقائق السماويَّة .
الموتُ نهاية كل حيّ , ولكنه فترة انتقال : امّا الى نعيم , وامّا الى جحيم .
الحياةُ خير معلِّمٍ ومُؤدِّب , وخيرَ واقٍ للمرءِ من الأنزلاقِ الى مهاوي الحضيض .
حين تشكُّ بأقربِ المُقرَّبين اليك تبدأ في فهمِ حقائق هذا الكون .
مَنْ يكون ذلك القدّيس الذي لم تخطرُ المرأة في باله ؟ لو وجدَ هذا لشبَّهته بالآلهة .
المرأة هي إله هذه الأرض الواسع السُّلطان. و هي تحملُ بيدها سيفاً قاطعاً لو حاولَ رجالُ الأرض قاطبةً انتزاعه منها لباؤوا بالفشلِ و الخذلان .

للباحثين عن الحقيقة

بسبب العديد من المغالطات في المعلومات حول الدكتور داهش والداهشيَّة، والتي تَردُ في بعضِ وسائل الإعلام ، سواءً المرئي منها او المكتوب، أو فيما تتناقله وسائل التواصل الإجتماعي على إختلاف أنواعها، ارتأينا أن نُصدر سلسلة أفلامٍ وثائقيَّة قصيرة، مُلقين فيها الضوء على  حياته ، تعاليمه، ومبادئه، كاشفين الحقيقة من مصادرها، ليتثنَّى للجميع التمييز بين مفاهيم الحق السماوية وأوهام الباطل الأرضيَّة . فالداهشيَّة رسالةٌ روحيَّة، فكريَّة، علميَّة وفنيَّة، غايتها توضيحيَّة، توحيديَّة وإصلاحيَّة، هدفها إثبات وجود الرُّوح وخلودها، ووجود الخالق والثواب والعقاب، ببراهين حسيَّة ماديَّة ،أقرب الى عقولنا ويحتاجها عصرنا الماديّ والمتطوِّر، لا تتناقض مع الأديان أو  مع العلم الصحيح، ثابتة في تاريخها، تدعو الإنسان للعودة الى جوهر الأديان، بعيداً عن قشور التأويل والتفسير والتحليل وفزلكاتها، والتمسُّك بتعاليم السماء ووصاياها ، والإلتزام بها، والسير على خطى الأنبياء في طريق الحقّ والنور واليقين والفضيلة ، فهذا هو طريق السماء الواضح والجَليّ للرقي الروحيّ والخلاص من عوالم المادّة الى عوالم الروُّح.

ولكن قبل البدء بما نصبو اليه من إيصالٍ للرسالة التي نؤمن بها وبصاحبها، نلفت نظر الباحثين عن الحقيقة ، إلى  الأخذ بعين الإعتبار مسألتين مهمَّتين للتأكد من صحة خبرٍ ما . الأولى أن يكونَ ناقلُ الخبر ذو ثقافةٍ وعلمٍ ومعرفة، يميِّز بين الواقع والخيال ولا تنطلي عليه الخدع والأوهام ، يُفكّر ويُحلّل ويُمحّص، والثانية أن يكونَ ذو سيرةٍ حسنة وعلى قدرٍ من الأخلاق لا يُباعَ وضميره لقاء حُفنةٍ من الدراهم, خدمة لأصحاب السياسة والسلطة ورجال الدين، أو الترويج لِما هو كذب وافتراء لمصالحٍ شخصيَّة أو أنانيَّة.

يقول الدكتور داهش: " الحقُّ أحقَّ أن يُقال ".

 وليس أصدق من حقيقةٍ تكون مستندة الى أقوال صاحبها الثابتة والموثَّقة من خلال مؤلّفاته وكتاباته التي أربت على المئة والخمسين مُجلَّداً، كما الى كتابات المؤمنين به وبها، ذوي الثقافات العالية، والمراكز الرفيعة، والأخلاق الفاضلة، والنزعة الإنسانيَّة، بالإضافة الى شهادات المعاينين لظاهراته الروحيَّة ومُعجزاته الباهرة السنيَّة، وتأكيدهم حدوثها بالرغم من إختلاف تآويلهم  حولها .

أضف الى ذلك الإرتباط الوثيق بين تعاليم الدكتور داهش ودعوته ووصاياه وبين دماثِة أخلاقه، فهو صاحب الإرادة الفولاذيَّة في مرضاةِ الربِّ العظيم والخاشعِ الأبديّ لله جُلَّ جلاله حبَّاً وإجلالاً، متمسِّكا ً بالحقّ والمنطق، وصدقه الصادق  فيما يقول وفيما يفعل، المحترم لحريَّة الآخرين وأرآءهم ، وهو صاحبُ الحقَّ الذي لا يُدينُ أحداً ، إنَّما  قد  ترك الحسابُ لربِّ الحساب، فقال:

ترى ماذا سيقولُ الناسُ عنّي بعد موتي وزوالي ؟

إنّ البعضَ سيستمطرون على إسمي اللعنات والنقمات

كما إنّ آخرين سيردّدون ذكري بالتقديسِ والرحمات ,

أمّا أنا , فحسبي أن اكونَ بين يديّ الديّان لعرض أعمالي؟

كما نلفتُ نظر المشاهدين والباحثين وحتى الفضوليين، بأنَّ  ما تمّ من ظاهراتٍ وخوارقٍ مُذهلة على يديّ الدكتور داهش هي خوارقٌ ومعجزاتٌ حقيقيَّة، وقد شملت الإنسان و الحيوان و النبات والجماد , و كلها ماديٌّ محسوس ثابت : ثابت في بقائه, ثابت في الصور الفوتوغرافية . و من يستطع أن ينظر إليها جميعاً دفعة واحدة, بألوفها و شمولها وعظمتها الخارقة , لا يسعه إلا أن يخشع و يمجد القوة الروحية الجبَّارة التي تصنعها .   فاجتراحُها كان في وضَحِ النهار، وتحت الأنوار الساطعة، في المنزل كما على الطريق، في لبنان والخارج على حدٍّ سواء، فليس للمكان أو الزمان أهميَّةً في حدوثها، وقد دوِّنت وقائعها تدوينًا  فورياً مع أصحابها وشهودها، والتي أربت على العشرينِ مًجلَّداً بقلم الشاعر حليم دمّوس أولاً، ومن بعده بقلم الدكتور فريد أبو سليمان والأديبة ماري حدَّاد، ومن ثمَّ الدكتور غازي براكس، كما أنها دونت بدقةٍ  في الرحلات الداهشيَّة حول الكرة الأرضية . مع الأخذ بعين الإعتبار بأن الكثير منها قد صِّورت وسُجِّلت بكاميرات التسجيل كشاهدٍ للذكرى والتاريخ .

كما أنَّه لا يُمكن أن تُصنَّف بين ألعاب الخفَّة أو الإيهام أو السحر أو مناجاة الأرواح أو التنويم المغناطيسي  كما يدَّعي أصحاب العلوم الكاذبة. فالحقائق الروحيَّة تنقض إدِّعاءاتهم وتقوّض معتقداتهم التي لا تمتَ الى الحقيقة بصلة.

وهنا لا بُدَّ أن نَلفِتُ إنتباههم كمُعاينين وشاهدين ومؤمنين بإن الخوارق والظاهرات والمعجزات الروحيَّة التي ظهرت على يديِّ الدكتور داهش كانت هبةً من الله ولم تكن علماً، و لم تكن بقدرته البشريَّة ولا بمشيئته، فإرادته كإرادة أيِّ إنسان، خاضعة لقوانين الأرض التي ولد فيها،  بل بقوَّةٍ روحيَّة غير أرضيَّة، لا تخضع لقوانين عالمنا، فالرُّوح العليّ هو الذي اتَّخذه وسيطاً روحيَّاً وإناءً مُختاراً ليصنع مُعجزات الهداية على يديه. أما قال الله عزَّ وجل في كتابه الكريم:

" رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ ".

 وإن كنتم في شكٍّ مما صنعه الرُّوح العليّ على يديّ مؤسِّس العقيدة الداهشيَّة من أعمالٍ خارقة ، نردِّد ما قاله الوحي الإلهي:

" وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَآءكُم مِّن دُونِ اللّه إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِى وَقُودُهَا النّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ " .

أمَّا الغاية العامّة من كلِّ مُعجزة هي مُساعدة شهودها والسامعين بها على الإيمان بالله، وما يستلزم ذلك من إيمانٍ بخلودِ الروُّحِ وبالثوابِ والعقاب وبالقيمِ الروحيَّة وممارستها, ذلك بأنَّ حدوث المعجزة يؤكّد تأكيداً مباشراً وجود روحٍ خارقِ القدرة والمعرفة يجترحُها, والروُّحُ قوَّةٌ إلهيَّةٌ تشهدُ لمُبدعِها الأزليّ, وتخشعُ لذكره.

أما عن ما يتداوله البعضُ من الناس، لمعجزاتٍ لم تَردْ في أيٍّ من الكُتب الداهشيَّة، فهي محضُ إفتراء، هدفها الأساس  بلبلة العقول في المجتمع اللبناني والعربي كي لا يُميِّز بين الواقع والمُلفَّق، بين أمِّ الحقيقة وما نُسِجَ من وحي الخيال، وما ذلك إلاَّ بإيعازٍ من بعض رجال السلطة ورجال الدين، هدفه التعتيم على المبادىء الداهشيَّة وتعاليمها، التي تدعو فيما تدعو الى الإيمان بالله واليوم الآخر، والعودة الى الوصايا العشر جوهر الأديان الإلهيَّة وركيزتها. كما الى الإلتزام الخُلقي، ونبذ التعصُّب والتمييز والتضييق على الحريَّات، وفتح أبواب العلم والوعي والمعرفة أمام الجميع ليحلَّ على الأرض السلام.

 هدفه تشويه صورة الرُّسل والأنبياء، رجال الله المُوحى إليهم، أصابع الرحمة الإلهيَّة، المُرسلون، المُبشِّرون، المُنذرون والشاهدون على أعمال البشر، فتارةً يدعونهم بالشعراء أو المجانين، وطوراً بالسحرة والمشعوذين. فقوله تعالى واضحٌ في سورة البقرة من القرآن الكريم:

" أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ " .

بعد هذه المقدَّمة القصيرة، ندخل صلب موضوعنا، فنبدأ الحديث عن حياة الدكتور داهش من المهد الى اللحد، ولو بطريقةٍ مختصرة، علَّنا نُسهب في توضيح الحقيقة من مصدرها، لمن خُفيَت عليه أو أساء فَهْمُها .

نبدأ بالطفل المعجزة:

في حيِّ باب العمود من مدينة القدس , مدينة الانبياء , ولد الدكتور داهش , في الأول من حزيران سنة 1909.

والده موسى الياس اليشي (نسبة الى اليشع النبي) ,و والدته شموني ابنة حنا مراد كانون .عاشا , قبل زواجهما , في شماليّ ما  بين النهرين , الاب في بلدة إسفِس , و الام في بلدة آزخ, اعتنق موسى البروتستانتيَّة الانجيليَّة ، وأَنشأَ مدرسةً ، في مسقط رأْسه ، انصرف فيها الى تعليم الناشئة بنفسه .

      وكانت شمُوني إحدى تلميذاته ، فاجتذبَت نظرَه باستقامتها وصلابتها وذكائها ، فمال قلبُه اليها ، واقترنَ بها ، بعد أن اعتنقَتِ البروتستانتيَّة بدورها . ثمَّ رحَلا الى فلسطين عام 1906 ، في ظروف خطرة ومؤلمة ، وسكَنا في القدس ، وهناك حُرِّفَ اسمُ العائلة من (أَليشي ) الى (العشِّي ) مثلما يجري في كثيرٍ من الأَسماء .

ووُلِدَ لهم صبيٌّ بعد ثلاث بنات . أسمياه سليم.

وما ان أخذ الصبي يَدرُجُ, حتى ترك والداهُ القدسَ الى حيفا. وعام 1911 انتقلا, مع أولادهما , الى بيروت, حيث سكنوا في حي المصيطبة, بمُلْك جرجي ناصيف.

وهكذا اصبحت الاسرة النازحة عربية اللسان, بروتستانتية المَذهب, وبعد عشرة أعوام ستصبح لبنانية الجنسية.

اليتيم المعذب:

في 25 كانون الاول سنة 1920 , توفي والدُ الطفل المُعجز, بعد ان اصيبَ بالسلّ. فوضع سليم و شقيقته الصغرى انتوانيت في مدرسةٍ للأيتام تابعةٍ للإرسالية الامريكية في غزير, احدى قرى لبنان.

لكن الصبيَّ ساءتْ صحتُه , بعد مضيِّ اشهرٍ قليلة , فتركَ المدرسة , و كان اخرُ عهده بها.

و قد لازمه داءُ الربو حوالي ثلاث سنوات, حتى قاربَ الموت , لكن العنايةَ الالهية انقذتهُ و عافتهُ.

الفتى الشغوف بالمعرفة:

كان سليم شغوفا بالمعرفة , لكن وضعَ اسرتهِ الاقتصادي لم يسمحْ له بمتابعةِ دروسهِ, ولا بإبتياعِ الكُتُبَ. فما ان تحسنت صحتُه مع بداية عام 1923 , حتى اخذَ يستأجرُ الكتبَ من المكتباتِ ,فيطالعُها و يطيلُ السهرَ عليها . فحصَّلَ مع الزمن معرفةً واسعةً شاملةً بنفسه دونما استعانةٍ بأحد. وفي 7/3/1923, حصَلَ سليم على تذكرة هُوِيَّة الجنسية اللبنانية, بعد ان حازتها والدتُه قبل عامين.

الفتى المؤدب:

ما ان بلغَ الفتى العجيبُ الرابعةَ عشرةَ من عمره , حتى اخذَ يَشْفَعُ خوارقه التي يصنعُها , في مدن فلسطين , بتقريعه رجال الدين على انحرافهم  عن تعاليمِ المسيح, و اتجارِهم بتعاليمه المقدَّسة , و بفضحِهِ سلوكَهم الشائن و اعمالَهم الخفيَّة المُنكَرة , داعياً الصبيةَ الكثيرين الذين كانوا يلتفُّون حوله, الى عدمِ الانخداعِ بأقوالهم؛ حتى بلغَ ذروةَ حملته عليهم , في بيت لحم , سنة 1927 , فضجَّ الكهنةُ منهُ , واستعدوا عليه رجالَ السُّلطة. و كانَ رجالُ الدين يتهدَّدونَه في كنائسِ بيتَ لحم , ويتوعدونَ كلَّ من يتردَّدُ اليه, مُحذِّرين الشعبَ منه . لكن خوارقهُ كانت تزدادُ, و نفوذهُ في الناسِ كان يتعاظمُ , على صغرِ سنه ,لانَّ اللهَ ايَّدهُ بسُلطانه.

 

داهش الناس:

ما ان ناهزَ الفتى الخارقُ العشرين من عمره , حتى اخذَ يلتفُّ حوله عددٌ من المُثقفين الفلسطينيين ممن مالت قلوبُهم الى الامور الروحية, فتتلمذوا له . و كان بينهم الشاعرُ مطلق عبد الخالق , و الوجيه توفيق العسراوي.

و ذات يوم من سنة 1929 , ألهمَ الفتى العجيب بأنه يجبُ ان يغيرَ اسمهُ , و يتَّخذَ اسما  روحيا, ولقباً، و بانه سيُعطى الاسمَ الجديدَ عن طريقِ القرعة. فأخبرَ تلاميذهُ بذلك , فعمدوا الى  كتابة اسماءٍ كثيرة , على قصاصاتٍ من الورق  , ثم طووها وخلطوها . واختار (سليم) واحدة منها , فإذا فيه اسمُ (داهش). ثمَّ كُتِبَت ألقابٌ كثيرة، وطويت أوراقُها وخُلِطت، ثمَّ اختيرت واحدةٌ منها، فإذا فيها لقب دكتور.  لقد اراد الله ان يعرف رسوله , من بَعد بهذا الاسم الروحيّ , وبه تشيعُ عجائبهُ بين الشعوب , ليكونَ داهشَ الناس . ورافقه لقبُ "دكتور" مثلما رافق لقب "الحكيم" سليمان النبي. وبذلك تحققت نبوءة أشعيا النبي القائل:" لأنه قد ولد لنا ولدٌ, اعطيَ لنا ابنٌ, فوضعتِ السيادةُ على عاتقِه, وسيُلقب بالعجيب المُشير [ داهش الحكيم ], جبَّارِ الله, الأبِ الأبديّ , أميرِ السلام." (أشعيا6:9).

وكما ذكرنا آنفاً، فقد تجلَّت على يديّ الدكتور داهش بقدرة الروح العليّ مئات الأنواع من  المُعجزات الروحيَّة المُذهلة،

ومن أصناف تلك المعجزات :

- شفاء الامراض المُستعصية شفاء فورياً؛

- الإنقاذ من الموت , أو من أضرار الحوادث الجسيمة ؛

- تصوير وقائع الحياة , و تسجيل أحاديث الناس الحرفية , مهما كانت خفيّة و أينما كانوا , بصورة عجائبية ؛

- التنبؤ بتفاصيل الأحداث المقبلة , مهما تعقدت و تعددت وتنوعت ؛

- معرفة الفكر و الحلم وما يكتمه الإنسان ؛

- التكلم بأي لغة كانت ؛

- إحياء الجماد و ميت الحيوان ؛

- تجسيم الصور؛

- تكوين الأشياء قبل وجودها المحسوس, و إعادتها الى الجمود بعد فنائها ؛

- إنماء النبات , و إنضاج  فج الثمار , بلمح البصر ؛

- تغيير طبائع الأشياء و وظائفها , و تكبيرها و تصغيرها وإطالتها و تقصيرها و تغيير أشكالها و ألوانها ؛

- تحويل المعادن العادية الى معادن كريمة , و الأوراق العاديّة الى عملة فعليّة ؛

- تحويل أوراق اليانصيب الخاسرة الى رابحة لشتى القيم ؛

- معرفة الضائع و استحضاره بلمح العين ؛

- نقل الأشياء المادية من مكان الى آخر بطرفة جفن , و إن وزنت الأطنان, و بعدت ألوف الكيلومترات ؛

- و إن أعظم معجزاته ، هو تعدد شخصياته و قدرتها الروحيّة الخارقة.

 

هذا بعض من أصناف العجائب التي تجري على يدي رجل الروح الخارق , معجزة القرن العشرين . و سأكتفي , لضيق المجال , بذكر  مُعجزة يونان النبي :

بعد ان اتسعت شهرةُ داهش , و تناهتْ اخبارُ معجزاته الى المحافل العلمية في باريس, ارسلت اليه " الجمعية النفسية الدوليَّة " في باريس تستضيفه على نفقتها. فسافر اليها برفقة شقيقته انتوانيت, وذلك على يقينه ان تلكَ الجمعية وغيرها مما يُماثلُها بعيدةٌ عن فهم الحقائق الروحية بُعدَ السماء عن الارض.

و اذ طُلبَ  اليه  ان يُري المُجتمعين مُعجزةً من معجزاته , اجابهم انه سيريهم ايةَ يونان النبي.

فطلبَ ان يوضعَ في صندوقٍ حديدي , و يُحْكَم اغلاقه , ويُدْفَن في قعر نهر السين , سبعةَ ايام , تحت الحراسة المشدَّدة .

اجفلَ المجتمعون , اولاً , لخطورة العرض , لكنهم عادوا فقبلوا , عندما كتبَ لهم اقراراً بأنَّهُ هو المسؤول عن عاقبةِ طلبه.

و بعد ان فحصتهُ لجنةٌ طبيةٌ ,استحضروا صندوقاً حديدياً, وأنزلوه فيه, واغلقوه عليه اغلاقاً مُحْكَماً, ثمَّ اسقَطوا الصندوق الى قعر نهر السين.

و بعد مضيِّ سبعةِ ايام من الحراسة المُشدَّدة مدى الليل والنهار, وأمام150 شاهداً من المهتمين بالامور النفسية , رُفِعَ الصندوق , وفُتِحَ . واذا بالجثمانِ الساجي يتحرك , و بالوجهِ الواجِمِ يبتسِم.

بعد هذه المعجزة المُذهلة , مُنح داهش شهادة العلوم النفسية من قبل " الجمعية النفسية الدولية" بتاريخ 6 ايار 1930 , ثم شهادة الدكتوراه من قبل " معهد ساج" Sage Institute الأميركي في باريس, بتاريخ 22 ايار 1930.

 

 ملاحظة: لمعرفة المزيد حول عاَلم المعجزات والخوارق الداهشيَّة المُذهلة، عليكم بالعودة الى كتاب أضواء جديدة على مؤسس الداهشيَّة ومعجزاته الروحيَّة للإطلاع على أنواعها وتفاصيلها وشهودها ومكانها وزمانها وكيفيَّة حدوثِها.

الاديب المعجز:

بدأ الدكتور داهش بتدوينِ افكارِه و عواطفِه من سنة 1927 ,حتى اذا بلغَ اواسطَ العام 1933 , قد انهى تأليفَ كتابِه الاول"اسرار الآلهة "بجزءين, وقبل تمامِ العام نفسِه, انجزَ كتابه الثاني "قيثارة الألهة" بجزءين, فالثالث "ضجعة الموت".

و مابين 1933 و 1950 توالتْ مؤلفاتُه حسبَ الترتيب التاريخي التالي: القلبُ المحطَّم, الالهات الست, كلمات, جحيم الذكريات, الدهاليز, النعيم, الجحيم, بروق و رعود, عواطف و عواصف, مذكرات يسوع الناصري, نشيد الانشاد,ناقوس الاحزان او مراثي إرميا,عشتروت و أدونيس, نبالٌ و نصال, من وحي السجن و التجريد و النفي و التشريد, اوهامٌ سرابية و تخيُّلاتٌ ترابية, الحمامة الذبيحة او شهيدة الداهشية الاولى ماجدا حداد, ابتهالاتٌ خشوعية, مذكرات دينار.

و بين 1950 و 1983 ألّفَ الدكتور داهش  عشراتِ الكتب الاخرى التي تضمُّ , فيما تضمُّ, مجموعةَ "قصص غريبة و اساطير عجيبة" بأربعة اجزاء, و سلسلة "حدائق الآلهة" و "فراديس الإلاهات"في عشرين جزءاً, وسلسلة"الرحلات الداهشية حول الكرة الارضية" في اثنين و عشرين جزاً, بحيث أربت مؤلفاته على المئة و الخمسين.

و قد خاضَ الدكتور داهش معظمَ الميادين الادبية, و جلّى فيها.

الرسالة الالهية:

إن المعجزات التي صنعها الدكتور داهش لم تكن غايةً بحدِّ ذاتها, بل وسيلة, و بكلمةٍ اصح شهادةً على صحة الرسالة الالهية التي كان الدكتور داهش يشعرُ بإرهاصاتها, و يرتقبُ بشوقٍ عظيمٍ ان يُحقِّقها الله على يديه, منذُ حداثتِه, حتى اذا ما بلغ السابعة و العشرين, سنة 1936, سجَّلَ في كتابه "كلمات " شعوره قائلاً:

" اشعرُ بأني احوي في اعماقي قوى روحيةً خفيةً هائلة تَودُّ الانطلاق, لتقومَ بعملٍ خطيرٍ عظيم, و لكنني أكبتها الى اجلٍ معلوم. و لن يمضي غير قليل حتى تتفجَّرَ ينابيعُها, و تجتاحَ في طريقها كلَّ ما يعترضُها من حواجزٍ و عقبات, ثم تبرزَ للعيان جلية, واضحة, لا لبسَ فيها ولا غُموض"

و ما ان انقضى العامُ المذكور حتى اثبتَ الدكتور داهش في كلمةِ استقباله للعام التالي هذا القسم العظيم:

" اقسمُ بكَ يا خالقي, انه لو وُجِدَ ملايينُ

من الاغبياء المارقين, او الخونة المماذقين,

و ملأوا طروسَ الارض,

لا, بل لو نقشوا حجارةَ هذا الكون بأسرِه , قائلين:

"ان رسالتي هذه غيرُ صادقة",

لمشيتُ رافعَ الرأس, موفورَ الكرامة.

و سأبقى على تبشيري وإذاعةِ رسالتي,

حتى تعمّْ الارض , و تنتشرَ في السماءِ ايضا.

و لن تثنيني البرايا بأسرها عن أدائها , يا الله,

ما دمتَ انت تَمُدُّني بقوتكَ الالهية.

و هذه يميني, يا خالقي ,

ارفعها لكَ من اعماقِ قلبي

الذي لا يخفقُ إلاّ بذكرِ اسمكَ القدُّوس,

برهبةٍ و خشوعٍ كُليّين"

و كان على الارض ان تنتظرَ حتى 23 آذار 1942, لتشهدَ تمامَ الحدث الجَلَل, اذ إن الارواحَ العلوية تنزَّلت, في هذا اليوم, على الدكتور داهش , بحضور المؤمنِ الاول الاديب يوسف الحاج, مُعلنةً قيامَ الرسالةِ الداهشية, و بدءَ التاريخ الداهشيّ في العالم, و ذلك في اول جلسةٍ روحيةٍ عقدها مؤسسُ الداهشية.

 

إضهاد مؤسس الداهشية و اتباعه:

بعد إعتناق الاديب يوسف الحاج الداهشية, تتابع المؤمنونَ بها من رجال الادب و العلم, و اعيان المجتمع. و كان بينهم رئيسة نقابة الفنانين , الاديبة ماري حداد, شقيقة زوجة رئيس الجمهورية اللبنانية الاسبق بشارة الخوري, فآمنت هي و زوجُها و افرادُ عائلتها , بعد معاينتهم معجزاته الدامغة.

إزاءَ هذا المدِّ الايمانيِّ الجديد يغزو المجتمعَ اللبناني , في مختلفِ طوائفه , موحِّداً بينها , مُزلزِلا اوهامَها و تقاليدَها البالية, مُحدِثا ضجةً مُدوية في الصحافة اللبنانية و العربية , خافَ ذو و ماري حداد وانسباؤُهاـــ و لا سيما شقيقتها لور و شقيقها ميشال شيحا ـــ ان يضعفَ في لبنان نفوذُ الكثلكة التي كانوا يتعصبون لها, فأخذوا ينسجون المؤامرات على رجل الروح , متعاونين مع رئيس الدولة بشارة الخوري وزبانيته و المتواطئين معه من رجال الدين , مُهدِّمين بذلك املَ الشعب اللبناني بوحدة اجتماعية روحية.

حاولوا, اولا ,اقناع ماري حداد بالتخلّي عن عقيدتها الجديدة, لكن مساعيهم تحطمت على صخرةِ إيمانها الوطيد.

إذ ذاكَ , حاولتِ السلطاتُ احالةَ رجل الروح على المحاكمة , بتُهَمٍ راحت تُدبِّرُ من يَفتَريها عليه . ففشلت فشلا ذريعاً , المدعي العام المركزي الاستاذ ديمتري الحايك الذي كلفه رئيس الدولة بهذه المهمة فضّل ان يُقالَ على  ان يُصدرَ اتِّهاماً بحقِّ الدكتور داهش , وآمن برسالته السماوية.

حينئذ , عمدتِ السلطاتُ الى استمالة النواب بمختلفِ الاساليب الترغيبية و الترهيبية, ليقرُّوا مشروع قانون يمنعُ " مناجاة الارواح", و بالتالي يمنعُ الدكتور داهش من ممارسةِ نشاطه , و اجتراحِ معجزاته, ذلك مع العلم بأنَّ معجزات داهش لا علاقة لها " بمناجاة الارواح"؛ غير ان السلطة الغاشمة , آنئذ ٍ, اصرت على تسمية " الجلسات الروحية الداهشية " بـ " بمناجاة الارواح" لتتسنى لها ذريعةٌ لملاحقة رجل الروح البريء. لكنَّ مشروعَ الحكومة سقطَ , ايضا. عندئذ , نشطتِ السلطات, بالتعاون مع رجال الدين المسيحي , الى تشويهِ سمعةِ رجل الروح الطاهر بتلفيق الشائعات و الإفتراءات الخسيسة عليه, و تَذْييعِها بين الناس, في الكنائس, و المدارس , و الصحف . و مُنِعَ الداهشيون من الردِّ على تلك الحملات من الاكاذيب الدنيئة.

اخيراً , لجأتِ السلطاتُ الى اساليبها الجحيمية لمحاربة رجل الله , فألقتِ القبضَ عليه في 28 آب 1944 , و دونما مُحاكمة , زجَّت به في السجن. ثم ما لبثت ان سَجَنَتِ الداهشيين البارزين , تِباعا , و بينهم الاديبة ماري حداد نفسها دونما محاكمةً ايضا.

و في 9 ايلول 1944 , أبعدت السلطاتُ مؤسس الداهشية الى خارج الحدود اللبنانية , بعد ان جرَّدته من جنسيته اللبنانية بطريقةٍ تعسفية خرقت بها الدستور , وبعد ان سامته من الجلدِ و العذابِ والاهانةِ الواناً. ثم أُبعِدَ, بتواطؤٍ بين بشارة الخوري و محافظ حلب , الى الحدود التركية.

وهكذا , شُرِّدَ رجل الروح , و رُمي في بحار الاخطار تتقاذفه امواجها , من دون ان يعلو, في لبنان, صوتٌ واحدٌ يدافعُ عنه, من نائبٍ او صحافيٍ او قاضٍ او مواطنٍ عادي.

وحدها اصواتٌ من وراءِ البحار , من اميركا الجنوبية كانت تُسمعُ غاضبة, و كان اعلاها و اجرأها صوت الاديب جبران مسوح , صاحب مجلة " المختصر", الصادرة في بونس ايرس(الارجنتين). ومما قاله في حملته على مضطهدي الداهشية التي إمتدت نحو سنتين :

" جميعُ اعداءِ داهش سوف ينكسرون, و احطُّ ما في انكسارهم هذا انهم سوفَ يحملونه الى قبورهم, لان هذه الجريمة لا تتلاشى في الهواء, و لا تذوبُ عناصرُها في الفضاء.

فهي ترافقُ مرتكبيها, ملتصقةً بهم , مندمجةً بخلاياهم . فتُذْكرُ كلما ذُكِروا, و يُذكرون كلما ذُكِرَت. فهم و هي عظةٌ و ذكرى لكلِّ الاجيال القادمة"

رجل الروح يؤدب و ينذر متنبئاً:

بعدَ مُضيِّ شهرٍ واحدٍ على نفي مؤسس الداهشية , تمكنَ رجلُ الروح من العودةِ سراً الى لبنان  في 9/10/1944. و من عرينه , و رغم انوفِ الالوفِ ممن يترصدونه , نَجَحَ في شنِّ حملةً إعلاميةً رهيبة, لم تَعرِفِ الارض مثيلها, ضدَّ الطُّغاةِ و زبانيتهم. فوضعَ ووزعَ على نطاق واسع , 66 كتابا اسود , و 165 منشورا تناولت رجالَ الحكمِ و الدينِ ممن تآمروا عليه , ففَضَحت مخازيهم و قبائحهم  , و هَتَكتْ اسرارهم و مؤامراتهم على الشعب  وجعلتهم مُضغةً في افواهِ الدبلوماسيين الاجانب و رؤساء الدول.

و قد ساعدت هذه الكتبُ و البياناتُ السوداء على ايقاظ الشعب  واثارته ضدَّ حُكامِه البُغاة, فأسقِطَ بشارة الخوري من على كرسي الرئاسة سنة 1952 , و انتُخِبَ كميل شمعون رئيساً للجمهورية, فردَّ الجنسية للدكتور داهش , في اول عهده, سنة 1953.

نبوءة خراب لبنان:

في 4 كانون الثاني 1948 , نشرت جريدة "الحياة" البيروتية , و بعض الصحف اللبنانية الاخرى نبوءةً للدكتور داهش , مفادها ان بيروتَ ستحترقُ بالكبريتِ و النار, و ان الخرابَ سيعمُّ لبنان من اقصاه الى اقصاه , و ذلك نتيجةً لإضطهاد الدولة لمؤسس الرسالة الداهشية , ولسكوتِ الشعب الممثَّل بنوابه و قضاته و ادبائه و صحافييه عن هذه الجريمة.

  و لأن ابعادَ هذه النبوءة الرهيبة تخطتْ منطقَ المراقبين , و ناقضتْ رغباتِ الظالمين والطامعين , فقد وقفتِ الصحافة, آنذاك, منها موقفَ الساخر .

لكن التاريخ, اليوم , بعد نكبة لبنان  و شعبه , هو الذي يستهزىءُ بأولئك الساخرين.

 

إهتمام الدكتور داهش المُثلَّث :الرسالة و الثقافة و الفن.

بعد ان استرد الدكتور داهش جنسيته السليبة بكفاحه العنيد , انصرفَ الى اتمامِ رسالته الالهية , فكان , حتى ساعةٍ متأخرةٍ من الليل , يستقبل زائريه الذين كانوا يتقاطرون عليه بالعشرات , يوميا, فيعاينون معجزاته , و يستمعون الى تعاليمه الروحية, و بينهم كثيرون من الصحافيين الذين كانوا ينشرون  في صُحُفِهم تحقيقاتٍ مثيرةً عن معجزاته , مؤيدةً بالصور الفوتغرافية التي تسجِّلُ مراحلَ اجتراح الخوارق .

وبدءًا من سنة 1969 , باشر الدكتور داهش"رحلاته حول الكرة الارضية" التي دون وقائعها في سلسلة  تضم 22 جزءأ.  و قد سجَّلَ فيها مشاهداتِه , و إنطباعاتِه ,و احكامِه البتَّارة على مدنية القرن العشرين, حيثما حلّ , مُنذرا ً الشعوبَ بكارثةٍ شاملةٍ اذا لم يرعووا عن مظالمهم و معاصيهم المُتعاظمة .

فضلاً عن ذلك , و عن وضعه عشرات المؤلفات الاخرى , صرف مؤسس الداهشية قسطاً وافراً من وقتِه , لإتمامِ إنشائِه مكتبةً ثقافيةً جامعةً كان قد بدأ تجميع كُتُبها , منذ عنفوان شبابه , و قد ضمَّتْ , حتى الآن, نحو  نصف مليون  كتاب في لغاتٍ مُتعدِّدة, إختارها بنفسه من بلدان كثيرة , لتكونَ تراثا للداهشيين يستحثهم على الاستزادة من المعرفة.

كذلك تمكن , بفضلِ مراسلته للفنانين و معارضِهم , تلك المراسلة التي بدأها منذ عنفوان شبابه, وإشتملت على نحو نصفِ مليون رسالة , كما بفضلِ رحلاته الكثيرة ,من إنشاء مُتحفٍ داهشيٍّ للفنّ يضمُّ الوف القطع النفيسة في الرسم و النحت . و هوذا متحفه اليوم يقوم بنيويورك عاصمة الدنيا.

و في 1/9/ 1980 , غادر مؤسس الداهشية لبنان, ليتابع جولاته في بلدان العالم.و يتم رسالته الروحية.

و في 9/4/1984 عاد ابنُ السماء الى فردوسِه مُخلِّفا ً رسالةً الهيةً بدأت تغزو الشرق والغرب . و لن يطولَ الزمان حتى تمدَّ شجرةُ الداهشية المباركة اغصانها على الارض كلها, و تحت افيائها تتآخى شعوبُ العالم , و تسودُ الفضيلةُ و العدالة , و تنتصرُ الحرية, منحةُ الله للإنسان , و يعودُ كلُّ مؤمنٍ الى جوهر دينه النقيّ , القائم على المحبة و الرحمة و الاحترام لكل إنسانٍ آخر كما على التسامح و السَّماحة الخُلُقيَّة.

 

حسين بونس

المراجع: -كتاب أضواء جديدة على مؤسس الداهشيَّة

Developed by Houssam Ballout        Copyright 2019 This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.nfo All Right Reseved This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.