أوراق النعوة الداهشيّة
لم يمض يومان على دفن إبنتي العزيزة ( ماجدا ), حتى رأينا أن نعلن نبأ وفاتها على طريقة الديانة الداهشيّة, التي ماتت إبنتي وهي مُعتنقة إيّاها بعد إنسلاخها عن الكنيسة الكاثوليكيّة .
ولم نضع لورقة النعوة إطار حزن, مثلما اعتاد الجميع أن يشاهدوه ليدلّلوا به على حزنهم. لآنّنا نتأكّد أنّها غادرت أرض الشقاء الى فراديس الهناء. وفي الوقت نفسه أعلنّا أنّنا متمسّكون بالديانة الداهشيّة, بكلّ ما لدينا من قوّة عقيدة.
وفي سبيل هذه العقيدة نضحّي بجميع ما نملكه من مال وعقار وقوّة. وقد طبعنا النعوة بعدّة لغات وأرسلناها إلى المؤسّسات الرسميّة والدينيّة وقناصل الدول والصحف وسواها.
ولم يسمح لرجال الدين بالحضور, لأنّ ( الديانة الداهشيّة ) تحظّر الإعتراف بسلطة رجال الدين تحظيراً باتّاً.
* * *
وقد سلّمنا أحد الأشخاص كمّية من أوراق النعوة كي يلصقها في الشوارع ليطّلع عليها الجميع.
ولكن أوامر أعطيت من قصر الرئاسة الى البوليس... كي يمنعوا نشرها. وقصدهم من ذلك أن لا يدعوا الرأي العام يعرف بحقيقة جريمتهم التي سبّبت إنتحار ( ماجدا ), الضحيّة الأولى البريئة, إحتجاجاً, على مذبح رغباتهم الفاضحة, وأهوائهم الجامحة, قبّحهم اللّه. وسرعان ما طارد البوليس حامل النشرات وصادرها منه.
فما كان من زوجي ( جورج ) إلاّ أن اتّصل بمركز مخفر ميناء الحصن, وسأل مفوّضها عن الأسباب التي دعته لمصادرتها, بعباراتٍ ونبراتٍ إستحقّها هذا الموظّف المُنقاد لأوامر رؤسائه الغير العادلة.
فتهرّب الموظّف من الجواب وأحاله الى مركز البوليس العامّ. فاتّصل بمدير البوليس الذي راوغ بالجواب, وأحاله الى المدّعي العامّ المركزي الذي أنكر وصولها إليه.
وفي مساء اليوم نفسه زارنا الأستاذ وديع نعيم, وزير الداخليّة, معزّياً, وبرفقته زوجته. فذكرنا له حادثة مصادرة أوراق النعوة. واحتججنا على هذا العمل الغير القانوني. وأكّدنا له أنّنا سنطبع عشرات الألآف نملأ ونغمر بها المدن والقرى والأقطار المجاورة , ما دامت السلطة قد تحدّت شعورنا العميق في ساعة حزننا على إبنتنا الشهيدة.
فاستنكر الوزير هذا العمل, ووعد بأن يتلفن لمن صادروا الأوراق كي يعيدوها.
وفي اليوم الثاني ذهب زوجي جورج الى المدّعي العام واستلم منه الرزمة المصادرة.
وها إنّ القارىء يجد الرقعة التي كتبها معاونه المفوّض, ووقّعها بإمضائه عن مصادرة الأوراق وعددها.
وثيقة مصادرة أوراق النعوة
وهذا هو نصّها:
إنّ هذه النشرات تصادرت من قبل المعاون أبو سلوان, مخفر ميناء الحصن, من يد المدعو ( ميشال الباروكي) بينما كان يوزّعها ويلصقها على الجدران, وعددها أربعمئة وثمانية وعشرون نسخة من أصلها ثلاث نسخات رفعت عن الجدران.
إمضاء المدّعى عليه إمضاء المعاون
ميشال الباروكي أبو سلوان
وهكذا نكون قد إسترجعنا الأوراق المصادرة ووزّعناها في كلّ مكان وأنوف هؤلاء اللئام معفّرة في الرغام !!...