تحرير يندّد
بجرائمِ بشارة الخوري
سيّدي رئيس تحرير البيرق الأغرّ
أنا لبناني أقطن دمشق . وما دمتم قد نشرتم رسالة الدكتور حسين هيكل باشا التي أرسلها الى الدكتور داهش ، وبما أنّ داهش لبناني ، وقد أسّس عقيدة اعتنقها عدد من شعراء وأدباء وأديبات لبنان ، وكذلك من أطبّائه وتجّاره حتى ووزرائه – لأنّ الاستاذ ادورا نون داهشيّ – فأنا كلبناني ( وأتكلّم بالأصالة عن نفسي ، وبالنيابة عن اخواني اللبنايين ) جدّ متشوّق لمعرفة الأسباب الحقيقيّة التي تذرّعت بها السلطات لتجريد داهش من جنسيّته ممّا أثار ضجّة عظمى طوال تسع سنوات وما تزال في اتساع .
وقد إشترك في هذا المضمار – مضمار شجب هذا التجريد – كبار الكتّاب والصحفيّين أمثال الدكتور حسين هيكل باشا الوزير والأديب المصري المعروف ، والصحافي المهجريّ جبران مسّوح ، وسليم خبّاز ، وصاحب مجلّة " الغريّ " النجفيّة آل كاشف الغطاء ، والنائب توفيق السمعاني صاحب جريدة " الزمان " العراقيّة ، ويوسف كمال صاحب مجلة " الرفيق" الأرجنتينيّة ، وفريد نزها صاحب " المجلة السريانية " ، ويوسف القهوجي صاحب جريدة " الصباح " التي تصدر في الولايات المتحدة ، وغيرهم كثير ممّن لا تحضرني أسماؤهم . وجميع من ذكرت شجبوا واستنكروا هذا التجريد الذي لا تقرّه الشرائع والقوانين المتمدنة على الاطلاق ، وجميعهم دهشوا من أمر التجريد تصدره السلطات اللبنانية ، ولبنان هو الذي يتغنّى به الجميع... ويقولون انه موطن الحرّية وبلد العلم والعرفان والشعلة المضيئة الوضّاءة .
سيدي المحرر !
ألست توافقني أننا كنّا في غنى عن ثورة الأقلام التي أثارها الأدباء في كافّة الاقطار والامصار حول هذه القضيّة التي تمسّ ادارة الحكم في لبنان ؟ واسمع يا سيّدي الفاضل ماذا كتبه الأديب المهجري جبران مسّوح في مقال ، من سلسلة مقالاته التي كتبها حول هذا الموضوع ، وذلك في مجلّته " المختصر " التي تصدر في عاصمة الأرجنتين اذ جاء في العدد العاشر من شهر أيلول 1946 ما يلي :
" انّنا سوف ننشر حوادث هذه الجريمة التي أنزلها البُغاة بالدكتور داهش . وسننشرها بالتتابع لأنّها جريمة لا نظير لها في كلّ هذا الجيل ، وفي كلّ الأقطار العربيّة . ومن واجب أحرار الكتّاب وحملة الأقلام أن يهتمّوا بها الاهتمام التامّ لأنّ علاقتها رأسا بحقوق الانسان وحرية الفكر والمعتقد والكلام . فاذا نحن اهتممنا بهذا الأمر ، تكون خطوة الى الأمام لسائر الأقطار العربية من حيث محاربة الظلم واحترام حريّة الرأي ، وتكون خطوة الى الوراء اذا لم نهتمّ بها ؛ بل عار على كل أديب حرّ ان هو لم يذع أنباءها ..."
فيا سيدي
ما دمت قد تطوّعت ونشرت تحرير الدكتور حسين هيكل الذي أرسله الى داهش ، فاننا نأمل أن تستمر وتنشر ما يوحيه اليك ضميرك حول هذا التجريد الذي جرى ضدّ الدكتور داهش وضدّ الدستور وضدّ قوانين لبنان ....
وما دام فرد لبنانيّ قد اعتدي على حقوقه فكأنّ كلّ لبنانيّ قد مستّ حقوقه وديست بارادة الحاكم .
وأنت كصحافيّ من واجبك الدفاع عن حقوق مواطنيك ما دمت تحمل رسالة نبيلة ، ألا وهي رسالة ( الصحافة ) المدافعة عن الحقّ ، والمنافحة عن العدالة . وان تقاعست ، تكون قد خنت ضميرك وتخطّيت واجبك . وأنت لا يمكنك أن تقدم الاّ على كلّ ما هو نبيل وعادل . ولي وطيد الأمل أن أقرأ ما سيخطّه يراعك حول هذه القضيّة التي هي قضيّة كل لبناني أصيب بحريته التي هي هبة من لدن الله .
أمّا اذا صمتَّ ، مثلما صَمَتت صحافة لبنان حول هذه القضيّة ، فقل انّ لبنان جدير بالحكم الدكتاتوريّ القسريّ ، ومن العدالة أن تداس حقوق شعبه ما دامت صحافته خانعة أمام ارادة الحاكم الظالم ، والسلام .
ملاحظة – انا يا سيّدي قطنت سوريا بعدما قطعت الأمل من عدالة القوانين اللبنانيّة التي يسخّرها الأقوياء لارادتهم حسبما يشاؤون . وهذا أنت تعرفه دون ريب مثلما يعرفه الجميع واأسفاه ....
والجريمة العظمى التي لم يرتكب مثلها حتّى برابرة مجاهل الأدغال الأفريقيّة هي جريمة جلد السجين سليم المزرعاني حتى الموت ، ثمّ جلد زوجته وابنته وهما بحالة الخطر العظيم . ترى هل تجري مظالم رهيبة كهذه في أيّة بقعة من بقاع العالم ؟ لا ، لا يا سيّدي ! حتّى محاكم التفتيش في العصور المظلمة تتبرّأ من جريمة صارخة نكراء كهذه .
هذا ما يجري في لبنان في أيّام حكم الطُّغاة واأسفاه !
فاكتب يا أخي اكتب ما يمليه واجبك وضميرك ودفاعك عن الحرّية، وعمّا ارتكبوه من البربريّة مع المزرعاني السجين الذي مات بتأثير الجلد والهمجيّة مع زوجته وابنته ....وانّا لما ستكتبه لمنتظرون .
دمشق ، أوّل شباط 1952
أنطوان صقر صفير
حاشية : لا حاجة بي للقول انّ رئيس تحرير هذه الجريدة المنافقة الماسحة للجوخ عند بشارة الخوري السفّاح قد أهمل نشر هذه الكلمة ، وضرب الصفح عنها . هذه هي صحافة لبنان المُجرمة ! وقريبا ستنظر عيونهم المذهولة دمار بلدهم الذليل والخاضع الخانع لأمثال الباغية بشارة الخوري – لعنه الله – وقد أمْسَت بلقعا وخرابا !