في الاعادة افادة
نُعيد نشر العريضة التي قدّمتها السيّدة ماري حدّاد الداهشيّة الى المجلس النيابي اللبناني ،مرفقة ايّاها بالتحرير المرسل من الدكتور داهش الى المحامي ادوار نون يذكر له فيه ما لاقاه من ضروب العسف والطغيان والاعتداء الشائن من حفظة الأمن ، نزولا على طلب المجرم بشارة الخوري .
وكان من واجب أيّ نائب ، بعد اطّلاعه على هذه الرسالة المُرعبة أن يوجّه سؤالا الى الحكومة عن هذه الجريمة التي تسوّد صحيفة لبنان ، وتدعه مُضغة في الأفواه . ولكن لم يتجرّأ أيّ نائب أن يثير هذه القضيّة بتوجيه سؤاله للحكومة ، وهكذا خلّد تخاذل النوّاب بقضّهم وقضيضهم ، ودخلت الجريمة في التاريخ ، اذ سجّلها بأحرف من نار لتبقى شاهدا بأنّ لبنان الذي يزعمون أنه بلد الحريّة وموطن الاشعاع والنور ...ما هو الاّ وطن الاعتداء على الأبرياء ، وأنّ الحريّة المزعومة بعيدة فيه بعد السماء عن الأرض ، بدليل تقاعس نوّابه وصحافته ومحاميه ووزرائه ومثقّفيه الذين جبنوا جميعا عن رفع كلمة حقّ تقال بوجه حاكم ظالم . وا أسفاه !
لماذا قُدِّمت هذه العريضة ؟
بقلم ماري حدّاد الداهشيّة
منذ شهر هاجمت بعض الصحف الدكتور داهش بك ، وتهجّمت عليه بنشرها سلسلة مقالات مغرضة ملأتها بالافتراءات الوقحة الرخيصة .
وكانت هذه الصحف مدفوعة بايعاز من يهمّهم أمر الخلاص من الدكتور داهش ، وكانت الغاية المنشودة من هذه الحملة المقصودة المتواصلة تشويه سمعته أمام الرأي العامّ والانتقاص من كرامته .
وكانت المقالات تختم بهذه العبارة : " اننا اتّهمناه فهل يستطيع تكذيبنا ؟ " وسرعان ما كان الدكتور يبعث بردّه المُفْحم كي ينشره . ولكنّه كان يصطدم برفض قلم المراقبة في دائرة المطبوعات ولا يسمح بنشره .
فتصدر الصحف في اليوم الثاني وهي تقول : " لقد ألقمناه حجراً فلم يستطع الرد " . وعند مراجعتنا لمدير قلم المطبوعات نجيب اليان استوضحناه الاسباب لعدم سماحه بالنشر ، فقال بالحرف الواحد :
لدي أوامر صريحة من وزير العدلية حبيب أبو شهلا يرفض كلّ ما يرسله الدكتور داهش أو أحد أعوانه ردّا على ما يكتب ضدّه ، مما اضطرّ الاستاذ حليم دمّوس لمراجعته فكان جوابه واحدا .
وازاء هذه الحالة اضطررت لأن أراجع بنفسي كلاّ من رئيس الجمهوريّة ورياض الصلح رئيس الوزراء ووزير الداخليّة ، وحبيب ابي شهلا وزير العدلية ، وذكرت لهم امّا أن يسمح لنا بالنشر كي نكذّب ما يكتب من مختلقات ؛ وامّا نضطرّ الى أن نتّخذ طريقة أخرى نراها مُجدية لنا .
فكان الوعد القاطع أنهم سيوقفون الحملة ، ولن يسمحوا بالنشر لا مع ولا ضدّ .
وبالرغم من هذه الوعود الرسميّة المقطوعة ، وبالرغم من مقابلتي لهم ثانيا وثالثا وأخذ الوعود باستمرار ، فانّ الحملة استمرّت . وفي النهاية تمتّ المأساة مثلما يعرف كلّ لبناني ولبنانيّة . فألقي القبض على الدكتور داهش وسجنوه ، ثم جرّدوه وشرّدوه ، ليس من لبنان فقط بل من البلاد السورية أيضا، بينما نحن نعيش في عهد الحرية والاستقلال ، وتحت ظلّ الدستور حامي الحرّيات وسياج الأمّة الحصين .
ماري حدّاد
لحضرة رئيس المجلس النيابي اللبنانيّ ونوّابه المحترمين
يا حضرة الرئيس ،
جاء في مطلع خطابكم البليغ عندما فزتم مجددا برئاسة المجلس النيابي الكلمة الخالدة :
" في هذه الساعة التي حملتني ثقتكم الغالية الى رئاسة المجلس من جديد ، أشعر والفخر مالىء نفسي أنّ اقتراعكم ليس موجّها لشخصي الضعيف بقدر ما هو موجّه للفكرة التي اعتنقها ، والمبدإ الذي أدين به ، هو استقلال لبنان استقلالا كاملا غير منقوض ، وسيادته العامّة في حدوده الحاليّة ، والدفاع عن الدستور سياج الحريات " . فباسم هذا الدستور وتلك الثقة وذلك المبدأ النبيل نطلب منك ومن سائر النوّاب الأحرار أن تستعملوا سلطتكم الدستوريّة لاظهار العدالة وتأييد الحقيقة في القضيّة الآتية :
لقد بلغكم ، ولا ريب ، أنه في 28 آب الفائت سجن الدكتور داهش بعد أن اعتدي عليه ، وفي الثامن من شهر أيلول جرّد من جنسيّته اللبنانيّة بموجب مرسوم نشر في الجريدة الرسميّة في الثالث عشر من أيلول دون أن تقدّمه الحكومة الى المجلس النيابي ، وبدون موافقته عليه ، كما نصّ بذلك الدستور اللبناني حتّى اضطرّ الدكتور وهو مبعد عن لبنان أن يوكل عنه كلاّ من الأستاذ فؤاد رزق واسكندر النقاش ورامز شوقي وسليم أبو اسماعيل ، بمعرفة واشراف وكيله العامّ الأستاذ ادوار نون ، وذلك لاستعادة جنسيّته السليبة اليه بعد ذلك التجريد والتشريد الغريبين .
وقد جاء في المادّة الخمسين من الدستور اللبناني ما يلي :
" عندما يقبض رئيس الجمهورية على أزمّة الحكم عليه أن يحلف أمام البرلمان يمين الاخلاص للأمّة والدستور بالنصّ التالي :
أحلف بالله العظيم أنّي أحترم دستور الأمّة اللبنانيّة وقوانينها ،
وأحفظ إستقلال الوطن اللبناني وسلامة أراضيه "
نعم لقد أقسم فخامة الرئيس في البرلمان أمام نواب الأمّة بأنه سيحترم الدستور وقوانين هذا الدستور .
ولكن بعمله هذا تجاوز صلاحيّته ، ولم يحافظ على الأمانة الملقاة على عاتقه عملا بنص الدستور الصريح القائل بمادّته الستين :
" لا تبعة على رئيس الجمهورية حال قيامه بوظيفته الاّ عند خرقه الدستور وفي حالة الخيانة العظمى " .
فبتجريد أيّ فرد لبناني – بقطع النظر عن الدكتور داهش – من جنسيته اللبنانيّة يكون بموجب هذه المادّة مسؤولا ، ومحاكمته واجبة أمام مجلس النواب الأعلى لأنّ المادّة الستين تتابع النصّ قائلة :
" أمّا أنّ التبعة فيما يختصّ بالجرائم العموميّة فهي خاضعة للقوانين العامّة . ولا يمكن اتّهام الرئيس بسبب هذه الجرائم ، ولعلّتي خرق الدستور والخيانة الكبرى ، الاّ من قبل مجلس النواب ...ولا تجوز محاكمته الاّ أمام المجلس الأعلى المنصوص عليه في المادة الثمانين".
وجاء في المادة الحادية والستين من الدستور :
" يكفّ رئيس الجمهورية عن العمل عندما يتّهم ، وتبقى سدّة الرئاسة خالية الى أن تفصل القضيّة من قبل المجلس الأعلى ، اذ انّ واجب المجلس النيابي أن يقوم بتعهّداته تجاه الأمّة وتجاه ضميره وتجاه القانون " .
والمادة السبعون تقول :
" لمجلس النوّاب أن يتّهم الوزراء بارتكابهم الخيانة أو باخلالهم بالواجبات المترتّبة عليهم " .
والمادة الحادية والسبعون تقول ما نصّه بالحرف الواحد :
" يحاكم الوزير المُتّهم أمام المجلس الأعلى " .
والمادة الثانية والسبعون تقول :
" يكفّ الوزير عن العمل فور صدور قرار الاتّهام بحقّه . واذا استقال فلا تكون استقالته سببا لعدم اقامة الدعوى عليه أن لايقاف المعاملات القضائيّة" .
وها نحن منتظرون لما سيقوم به مجلس النوّاب والأمّة ، بعدما شرحنا لهم ما قام به فخامة الرئيس ووزيرا الداخليّة والعدليّة بتجريد رجل لبناني من جنسيّته وابعاده عن مسقط رأسه بعد ظلمه وسجنه ونفيه دون محاكمة وبدون موافقة المجلس على ذلك التجريد .
انّ المادة الثامنة من الدستور صريحة حيث تقول :
" الحريّة الشخصيّة مصونة وفي حمى القانون ، ولا يمكن أن يقبض على أحد أو يحبس أو يوقف الا وفاقا لأحكام القانون ، ولا يمكن تحديد جرم أو تعيين عقوبة الا بمقتضى القانون " .
ثمّ ان المادة الثالثة عشرة من الدستور اللبناني تقول :
" انّ حريّة ابداء الرأي ، قولا وكتابة ، وحريّة الطباعة ، وحريّة الاجتماع ، وحريّة تأليف الجمعيّات مكفولة جميعها ضمن دائرة القانون " .
ونحن نقول انّ معالي وزير العدلية أوعز الى قلم المراقبة بأن يرفض أيّ ردّ بقلم الدكتور داهش ، أو أحد وكلائه أو أصدقائه ، وسمح للصحف أن تنشر ما تشاء ضدّ الدكتور داهش .
نعم هذا ما فعله في عهد الاستقلال وفي ظلّ الدستور المقدّس .
وقد جاء في المادة التاسعة عشرة من الدستور اللبناني ما يلي :
" في الأصل لا ينشر قانون الاّ بعد أن يقرّه مجلس النوّاب " .
ورئيس الحكومة بموافقة وزيري الداخليّة والعدليّة أصدر قانونا دون الالتجاء الى مجلس النواب .
وهذا القانون يقضي بتجريد الدكتور داهش من جنسيّته اللبنانية بعد أن كان مسجونا بالظلم ، وتمّ ابعاده ، ليس خارج الحدود اللبنانيّة فحسب ، بل السوريّة أيضا ، أي من قرية ( اعزاز) الى الحدود التركية ، وهاذ أغرب مرسوم صدر .
فهل ينشر قانون تضرب به الحكومة المادّة التاسعة عشرة عرض الحائط كأنها حبر على ورق ؟
وهل يرضى المجلس النيابي بأن يتجاوز حقوقه وواجباته ، والمجلس هو سياج الأمّة ، ومنها استمدّ قوّته ؟ فبناء عليه نرجو بعريضتنا هذه من المجلس النيابي الكريم أن يستجوب الحكومة لتعيد الى الرجل البريء جنسيّته اللبنانيّة بعد أن مرّت عليه عدّة أشهر خارج لبنان ، وهو يعاني مرارة التجريد والتشريد والحرمان . ولا ريب أنّ الرئيس والأعضاء سينصتون الى هذه العريضة بآذان صاغية وقلوب واعية ، فيصدرون حكمهم بالغاء نزع الجنسيّة الذي لم يستند على القانون ولا على أيّة مادّة من موادّ الدستور الصريحة .
واذ ذاك يعود لكلّ ذي حقّ حقّه ، وتنالون شكر الأمّة وتقديرها لعدالتكم ونزاهتكم وتطبيقكم لمواد الدستور الذي هو قُدس الأقداس ، وحامي حمى الجميع ، والسلام .
بيروت في 25 كانون الثاني سنة 1945
ماري حدّاد
ملاحظة :
نلفت نظر النائب الكريم الى نصّ الرسالة التي بعث بها الدكتور داهش من حلب الى وكيله الاستاذ أدوار نون وفيها شرح مُؤلم لِما أصابه من ظلمٍ وارهاقٍ رهيبين ....