من هو الدكتور داهش ؟
الدكتور داهش رجل فوق الرابعة والثلاثين من عمره .
نشأ في عائلة نكبها الدهر فذاق من العذاب ومن بطش الأقدار أهوالا . وهو شخصيّة فذّة ، نبيلة في مراميها ، رفيعة في أفكارها وأهدافها ، عركها الدهر عركا جبّارا ، فجعل منها شعلة من العواطف الرقراقة والاحساسات اللطيفة نحو كلّ ما هو عادل نبيل شريف .
وقد تعرّفنا اليه اتّفاقا ، فوجدنا فيه مقدرة روحيّة ، وعبقريّة أدبيّة جذبتنا اليه مع لفيف من خيار القوم أدبا وثقافة .
وهو صاحب مؤلّفات تجاوز عددها السبعين ، رغم سنّه الحديث ، خاض فيها المواضيع الاجتماعيّة بروحٍ عالية وأفكارٍ تعود بالخير على جميع من يطالعونها ، وبأسلوبه السهل الممتنع الذي أعجب أدباء الشرق ممّن يزنون الأمور بميزان العقل والحكمة ، وأثارت دهشة أبناء العلم ومحبّي الآداب .
وها انّني أرسل اليكم شيئا من هذه المؤلّفات لكي تطّلعوا عليها ، وربما نالت استحسانكم .
وفوق جميع هذا فالدكتور داهش مُصلحٌ دينيّ ، واجتماعي عظيم ، صاحب عقيدة راسخة تملأ صدره الرحب . فهو ينشد ( العدالة ) في عالمٍ طغت عليه المظالم ، يأكل فيه القويّ الضعيف ، ويبطش فيه الذئب المفترس بالحمل الوديع .
وهو ينشد ( المحبّة ) بين الشعوب والأفراد ، تلك المحبّة التي أوصت بها جميع الأديان ، والتي تعبث في تحقيقها الغايات الغاشمة .
وهو ينشد الترفّع عن ( المادّة ) الطاغية ، والاتجاه نحو الفضيلة والمثل العليا .
وهو يتغنّى بخلود الروح وما تجرّه هذه العقيدة من واجبات اصلاحيّة في كلّ فرد .
ويرى لأجل تحقيق هذه الأساطير الخياليّة – ويا للأسف – أن لا طريق سوى العودة الى ما أوصى به المصلحون والمرسلون والأنبياء الأطهار .
فالأديان قد انقلبت الى مؤسّسة تجاريّة تُنحر فيها الفضيلة والمبادىء السامية على مذابح المادّة والشهوات ، ومنابر النور والهداية قد انقلبت الى منابر ظلام .
وكم وكم من الاختلاقات الوضيعة قد أضافها رجال الدين الى الدين الصحيح مدى الأجيال والقرون .
وكم وكم من البدع ما زالوا يبتدعونها للحصول على ذلك المال الخسيس ، وتلك السيطرة الدنيويّة الزائلة الفانية .
فالدين لم يبق دينا ، بل أصبح آلة تتلاعب بها يد الغايات ، وقد شوّهت هذه المآرب وجهه الجميل ، فجعلته آية ازدراء واحتقار بين الشعوب ، وعنوان الظلام والظّلاّم الغلاظ الرقاب عوضا من أن يكون شعلة نورانيّة مقدّسة تهتدي بها الجماعات ، وتسير في أثرها الأمم .
وقد وطّد الدكتور داهش العزيمة على أن يعلن هذه الحقيقة بصوته الجهوري ، وأن يدعو الناس للعودة الى الطرق النبيلة والى وصايا الأنبياء ، وليس مثلما يعلّمهم ايّاها رجال الدين النفعيّين .
كما أنه أعلن أن الأديان المعروفة جميعها منزلة يجب احترامها والاعتراف بها لأنها جميعها تحضّ على الصلاح ، وهي ارادة الله عزّوجلّ .
فالتعصّب جريمة بشريّة تجرّ عقابها من ورائها . وما الجرائم والمآثم والمجازر الدمويّة التي جرت في تاريخ العالم من جرّاء التعصّب الذميم الاّ بيّنة صريحة وبراهين ساطعة عن هذه الحقائق .
فرغبة الله جلّ جلاله لا تتّفق البتّة مع استعمال الأديان لغايات تعصّبيّة قبيحة . فالأديان جُعِلَت مُختلفة اختلاف الشعوب والألوان ( ولو شاء ربّك لجعل الناس أمّة واحدة ) . ولكنها جميعها تأمر بالعدالة والمحبّة الشاملة لا بالأحقاد والضغائن .
أمّا نحن فقد جذبنا هذا التعليم الصحيح الفصيح فانضممنا الى الدكتور داهش ، وأصبحنا ندين بأفكاره ومبادئه .
تجريد الدكتور داهش من جنسيّته اللبنانيّة
وقامت قيامة رجال الدين المنتمين الى الكنيسة الرومانيّة من موارنة وسريان كاثوليك وأرمن كاثوليك وسواهم , وفي طليعتهم المطران مبارك , والقاصد الرسولي الكردينال تبّوني , لأنهم شاهدوا أن مبادئ داهش أخذت تسري وتجري في جميع الأوساط .
وقد شعروا أن بهذا التعليم الحقّ القضاء التامّ على نفوذهم الغاشم ,
وعلى تعاليمهم الزائفة التي يجنون من ورائها المغانم . لأن الاعتراف بجميع الأديان واحترامها يعني انتهاء التفرقة بين الفئات , وحلول المحبة والوئام بين الطوائف المتعدِّدة , وهذا مالا يريده الأحبار الذين كانوا دوما في جانب المُستعمرين المُستبدين يتعيّشون من فضلات موائدهم , ويأتمرون بأوامرهم لقاء بعض الفوائد الحقيرة .
أمّا العودة الى تعاليم الإنجيل المُقدّس , فهي تعني إبطال (القداديس ) و ( والاعترافات ) وحذف ( الزيّاحات ) و ( الغفرانات ) وتحطيم ( الأصنام ) و(الأيقونات ) وما تجرّ وراءها من واردات , وحسنات , ونذورات .. يُقدم عليها الأغبياء من (المؤمنين ) بأوهام الاكليروس أصحاب الغطرسة والعجرفة الوهميّة .
رأينا أنها تعني أيضا توزيع ( الأوقاف ) على البؤساء والمعوزين , وإنشاء المدارس والمستشفيات والمؤسسات الاجتماعيّة من أموال المؤمنين , تلك الأموال التي يتصرف بها رجال الدين لمنافعهم الشخصيّة ومآربهم الدنيئة الدنيويّة .
إنها تعني كثيرا من الأمور التي يفضل هؤلاء الأحبار أن تبقى طيّ الكتمان عن أعين شعب جاهل غافل حيران .
وقد وجد ذئاب الأديرة والقصور الشامخة حلفاء طبيعيين في عيالنا الأرستقراطية الإقطاعيّة من آل الخوري وشيحا وفرعون وسواهم وسواهم , وجميعهم من أقربائنا الأقرباء .
وكيف لا يكون الأمر هكذا ! وهؤلاء الأرستقراطيّون يظنّون أنّ الدم الملوكيّ الأزرق يجري في عروقهم , وأنهم هابطون رأسا من فخذ الإله (جوبيتير ) ربّ الأولمبوس ...
فكيف يرضون على إحدى عائلاتهم وهي تسير جنبا الى جنب مع رجل ديمقراطيّ لا يدّعي الألوهيّة ؟ وليس في خزائنه أطنان من الرنّان , وهم الذين لا يقيمون وزنا إلا لأصحاب الرنّان الطنّان ... حقّا ان هذا جرم , وجرم فظيع ... يستحقّ الدكتور داهش عليه الشنق ...
امّا الطامّة الكبرى فهي انشقاقنا عن رجال الدين ... المُطبّلين والمزمّرين باسم صهري بشارة الخوري أثناء الانتخابات ... وبشارة هذا يركض وراء الرئاسة منذ عشرين سنة ! ...
فكيف ننشق وندعهم يغضبون فيحوّلون مجرى الانتخابات ؟
وأخيرا كيف نغيّر معتقدنا الدينيّ دون الاستئذان من هؤلاء الآلهة العظام ؟
وكيف نعتنق مذهبا ومبدأ هو نقيض ما يدينون به ويعتقدون , وهم الذين يفكّرون أن الدنيا خلقت لأجلهم دون سواهم , ويتمتّعون بخيراتها مع من ينسج على منوالهم بحرمان الآخرين ؟
وهكذا من حقارة الى حقارة , ومن وضاعة الى وضاعة , اختمرت فكرة الجريمة في رؤوس هؤلاء الأثمة , وقرّروا بالإجماع أن يتخلّصوا من الدكتور داهش , فتخلص هكذا مصالحهم وموارد منافعهم المختلفة فبدأوا بالتهويل , ولجأوا الى حكومة السيّد الفرد النقاش طالبين إبعاد الدكتور داهش عن لبنان .
وقد رجعوا كثيرا وحاولوا كثيرا ، وأقاموا الأرض وأقعدوها . ولكن باؤوا بالفشل الذريع ، اذ ردّ طلبهم المُجحف بعد أن تبيّن من التحقيقات أن عملهم هذا لا يبرّره أمر ، بل هو اعتداء صريح .
وهكذا اشتعلت حفيظتهم ، وأخذوا يترصّدون الفرصة السانحة للقضاء على هذا البريء الذي أرادوه ضحيّة شهواتهم الأشعبيّة ، ورغباتهم المنحطّة الدنيّة .
واذا بالساعة قد دقّت ، وبالفرصة في أتت ....عندما بوّأت الأقدار بشارة الخوري صولجان الأحكام في لبنان !.
فما كاد يجلس هذا المخلوق على كرسيّ الرئاسة حتى جعل دأبه دأب الدكتور داهش مؤسّس الداهشيّة . وأخذ يضطهده وينكّل به بشتّى الوسائل رغبة منه في أن يلجىء الدكتور داهش الى الهرب والكفّ عن دعوته الجديدة .
فبدأت التحريّات البوليسيّة ، والمناورات الشرطيّة المعهودة في بلاد مثل بلادنا ترزح تحت نير الاقطاعيّين الذي يفرضون ارادتهم فوق القوانين الموضوعة ، فيسخّرون زبانيتهم المتوظفين تحت أيديهم لقضاء لبانات قلوبهم الوضيعة ....
وتبعتها محاولات الإرهاب والترهيب . ولكن عبثا مثّلوا مهازلهم ومناوراتهم الصبيانيّة . فقد ثبت الدكتور داهش في داره لا يبدي ولا يعيد ، وهو ينظر نظرة الاحتقار العميق لهذه المحاولات التي لها أثرها في نفوس غير نفوس الأحرار الذين لا يقيمون وزنا الاّ للضمير ، وللقانون .
وعندما شعر بشارة الأثيم أنّ هذه المراوغات لا تستطيع أن تنيله مأربه من الدكتور داهش اغتاظ غيظا شديدا ، واستدعى المدّعي العام الاستئنافي يوسف شربل الخاضع الخانع المؤتمر ذلاّ بأوامر بشارة ، وطلب اليه أن يخرجه من هذا المأزق ، لأن الجميع عرفوا العداوة الشخصيّة التي تتأجّج في صدر رئيس الجمهوريّة ضدّ الدكتور داهش ، وعدم تمكّن هذا الرئيس المجرم من الوصول الى بغيته في أذيّة داهش ، ممّا عدّه في نظره فشلا ذريعا أمام الرأي العام. وهذا طبعا لا يجوز لمن يظنّ نفسه فوق القوانين ، وفوق المجتمع ، وصاحب الكلمة النافذة الناجزة مهما تضمّنته هذه الكلمة من أنواع المعاصي والانحراف عن جادّة الدساتير الموضوعة في البلاد .
فأخذ يوسف شربل يحقّق ويدقّق ويلفّق ، ويغري شهودا ليشهدوا زوراً ضدّ الدكتور داهش بأنه يستغلّ مواهبه لغايات ماديّة ...ولكنه أسقط في يده . ولم يستطع أن يقيم أي دليل ، او أي جرم يدين به الدكتور داهش .
ومضت الشهور ومؤسّس الداهشيّة ثابت في دعوته الجديدة ثبات الجبال . وخصومه اللؤماء تتأكلهم الاحقاد ، وتتأجّج في افئدتهم نيران التشفّي لعدم استطاعتهم النيل من هذا الرجل العظيم العبقريّ . وهم الوضعاء الأدنياء ، والجهلة اللؤماء .
وأخيرا شاهدوا أنهم كانوا من مُشيّعي الدكتور داهش ، ومن النافخين له في البوق ، وأنّ محاولاتهم المجرمة أشهرته ، وأفسحت دائرة اخباره ، حتى طغت على لبنان والبلاد العربيّة والمهجر بينما هم بدوا في ثوب الفشل والخذلان .
وكان هذا الأمر الصدمة الأخيرة التي حطّمت سدود حيائهم المفقود وشرفهم الموؤود ، وجرفت بتيّارها الرهيب آخر حاجز كانوا يقيمونه بينهم وبين ارتكاب الجريمة . فقرروا اغتياله دون زيادة أو نقصان ...
وهكذا اتفق رئيس الجمهورية ( بشارة ) وامرأته لور – التي كانت شقيقتي – وشقيقها ( ميشال شيحا ) وهنري فرعون وحبيب أبو شهلا ( وزير عدليتهم وقتذاك ) ومدير البوليس عارف ابراهيم ودوائره ورجال الدين وسماسرتهم ....على ان يرسلوا شرذمة من الرعاع الأشقياء ممّن ينتمون في بيروت الى حزب يطلقون عليه اسم ( الكتائب اللبنانيّة ) ليغتالوا الدكتور داهش وهو في عقر داره ، واعدين هذه العصابة المجرمة بالجوائز الماليّة ، والعفو عن العقاب وطمس الجريمة ....
وهذا بعد ان شنّوا حملات صحافيّة عنيفة ، بذيئة ، سخيفة ، ملأوها بالافتراء الرخيص ، وباختلاقات حقيرة ما أنزل الله بها من سلطان . وكانت غايتهم من تلك الحملات في جرائدهم المأجورة ان يسوّدوا صفحة الدكتور داهش امام الرأي العامّ لتبرير ما قد عزموا النيّة على القيام به . وكانوا يمنعوننا عن الردّ على هذه الهجمات الفظيعة اذ كانت دائرة المراقبة الحكوميّة ترفض التأشير على مقالاتنا والترخيص بنشرها .
وقد فصّلت مراحل هذه المأساة في ( كتبي السوداء ) داعمة إياها بالبراهين الماديّة الملموسة التي لا ولن يستطيعوا أن يدحضوها . وشرحت فيها كيف حاولوا تنفيذ مؤامرتهم الدنيئة وكيف كتب الله لها الفشل الذريع ...
وعندما رأوا ان أمرهم قد افتضح , وأن الجميع فهموا أن الرعاع الذين حاولوا قتل الدكتور داهش كانوا موفدين من قبل( رئيس الجمهوريّة ) , أخذ هذا (الرئيس الأثيم ) يفكر كيف ( يلفلف ) الأمر بعد أن أخذ بشرك جريمته النكراء ... فتناول قلمه الرخيص , وبشطبة واحدة شطب اسم الدكتور داهش من ( سجلّ النفوس ) , وجرّده من جنسيّته اللبنانيّة , مخالفا بذلك بنود الدستور , والقوانين الوطنيّة والدوليّة , ضاربا عرض الحائط بكل الاعتبارات الوجدانيّة , والروادع الإنسانيّة , محطما على مذبح انتقامه الحقير كلّ عدالة وضمير .
وبعد أن قام هذا الظالم بعمله هذا أبعد الدكتور داهش الى الحدود التركيّة حيث أدخلوه خلسة ليلاقي حتفه بعد أن سجنوه وجلدوه وشتموه وجرّدوه ... ولم يكتف بشارة المجرم بهذا كلّه بل تعداه فزجّ شقيقة داهش في السجن لأنها طالبته ببرقيّة أن يعلمها عن مقر شقيقها لكي تذهب وتراه ...
ولا يخفى عليكم ما هي حالة رجل بدون جنسيّة ولا هويّة في ظروف الحرب الحرجة . ففي أيّة مدينة أو في أيّ بلد قبضوا عليه يزجونه حالا في السجن لأنه غريب ولا يحمل هويّة ... هذا اذا لم يقتله حرس الحدود , عندما أدخلوه خلسة الى الأراضي التركيّة .
وقد ترك الدكتور داهش وراءه والدة مسنّة وشقيقة ملتاعة لا معين لهما سواه بعد الله .
ولقد تمّ هذا الانتقام الوحشيّ ليس لجريمة ارتكبها الدكتور داهش , بل بمجرّد الانتقام , وللأسباب التي شرحتها آنفا . لأنه لو ارتكب داهش أيّة جريرة – مهما كانت طفيفة – لأستغلها بشارة الخوري وعظّمها , وضخمها , وأحاله الى المحاكم لترى أمرها معه ,فتدينه , وتقضي على سمعته الى الأبد , ولما احتاج الى اللفّ والدوران , ولما سلك هذا المسلك الأعوج , وأحرج موقفه , ووضع نفسه موضع المجرم أو المتهم في قفص الاّتهام وهو رئيس جمهوريّة لبنان ...
فأيّ ضمير ملوّث بالآثام ، وأيّ وجدان مثقل بأوزار الجرائم يقبل أن يعامل رجل بريء بمثل هذه المعاملة ارضاء لشرذمة من الاوغاد والادنياء ؟
هذا ما صنعه بشارة الخوري حامي الدستور ، والمدافع عن ذمار العدالة .
وهذه هي الجريمة الهائلة التي ارتكبها هذا الوصوليّ الأثيم .
ولكن ثق يا سيّدي بأنّنا لا ولن نصمت ما لم نحاسبه عليها ، ونرجع العدل الى نصابه ، والحقّ الهضيم الى أربابه ...
لقد فصّلت مراحل القضيّة الداهشيّة في كتبي السوداء ، وفي نشراتي التي وزّعتها بعشرات الألوف حتى غمرت الشرق بأكمله ، موجّهة اتهاماتي الصريحة لهذا الوصوليّ المتعجرف الأثيم .
وكان جوابه الحقير أن زجّني مع زوجي وبعض اخواني الداهشيّين في ظلمات السجون ، ولم يجرأ على محاكمتنا ، لأنه يتأكّد بأنه سيكون الخاسر المنكسر ، ونكون نحن الظافرين المنتصرين .
وقد انتحرت ابنتي الغالية ماجدا ، وهي في ربيع حياتها ، احتجاجا صارخا على ما أتاه أهلنا بهذا الرجل البريء من أمور رهيبة لا يستطيع المرء التفكير فيها الاّ والألم يحزّ في قلبه ويقطّع أحشاءه ...
ولكن عبثا كانت تضحيتها ، وعبثا كانت صيحاتنا ! فلا من مستمع ولا من مجيب ...
أمّا مجلس ( نوّاب بشارة ) فهو رهط من المرتشين المرتكبين الذين لا ضمائر لهم ولا وجدان . انّهم يصمتون على تصرّفات السلطة التنفيذيّة لكي تصمت هي بدورها عن فضائحهم ومخازيهم التي ضجّت من هول نتانتها الآفاق .
ولكن ثق بأننا سنأخذ حقوقنا كاملة غير منقوصة بعون الله وحقيقتنا البتّارة ، وعزيمتنا الوثّابة الجبّارة .
أمّا حقّنا الصريح فهو وحده الذي سيحقّق لنا الانتصار المبين ، اذ لا بدّ للحقّ أن يعلو على الباطل ، مهما طالت الأيّام ، وتوالت الأعوام ، انّ الباطل كان زهوقا .
انّ هؤلاء الطغام ما خطر على بالهم قطّ أنّ القضيّة ستتطوّر مثل هذا التطوّر الخطير ، ولم يفكّروا لحظة واحدة بأنّنا لسنا ممّن ينامون على الضيم ، أو يقبلون بالظلم ، ولم يمرّ في خاطرهم بأنّ جريمتهم النكراء سيفتضح أمرها وتنتشر مثل هذا الانتشار الهائل . ولولا ذلك لما أقدموا على ما أقدموا عليه، ولما تشبّثوا حتى الآن هذا التشبّث الأعمى في جريمتهم انقاذا لما يظنّونه ( وقارهم ) و ( هيبتهم ) أمام الشعب ...فاذا خضعوا للحقّ فتحوا عليهم أبوابا عديدة سيطرقها المظلومون بعنفٍ متى انتصب الميزان ، والمظلومون لا عداد لهم في لبنان .
الخاتمة
أمّا انفصالنا عن ( كنيسة روما ) فقد أعلنّاه ، وأشهرناه ، وأذعناه ، لأننا ما عدنا لنؤمن بقدسيّة هذه المؤسّسة بعد أن شاهدنا أحبارها يدسّون ضدّ الدكتور داهش ، ويحرّضون على قتله تحريضا متواصلا دون مبالاة بتعاليم السيّد المسيح .
ولربما تعجّبت يا سيدي من أن يجري في لبنان الديمقراطي ، وفي وسط القرن العشرين ، مثل هذه الأعمال الشائنة التي لم تسجّل مثلها القرون الوسطى .
ولكنّها الحقيقة المؤلمة المرّة !....
واذا كانت حكومة بشارة الخوري هكذا مع الطبقة المثقّفة ، فكيف بها مع الضعفاء والفقراء والمقصومي الظهر ؟
انها لا تحيا الاّ بارهابها ، ولا تعيش الاّ وراء بنادق جنودها ، ومسدّسات شرطتها ، ولا يمضي يوم واحد الاّ ويزداد عدد هؤلاء الشرطيّين المولّجين بحماية الحكّام الطغاة من نقمة الشعب المتألّم ، ومظالم لم تعد تخفى على أيّ مخلوق ، وسرقاتهم لا يمكن احصاؤها ، وتهريبهم للأسلحة والحشيش والذهب ، ومتاجرة الحكومة بضمائر قضاتها ونوّابها أصبحت من الأمور العاديّة التي تسجّلها الصحافة في كل صبح وعشيّة بلا استغراب ولا تعجّب ، كأنّها أصبحت من العناصر الطبيعيّة في جوّ هذا البلد الموبوء . فحكومة هذا ديدنها وهذا وضعها ، لا تتورّع من ارتكاب جريمة محاولة قتل رجل عبقريّ مُصلح عندما تجد في تعاليمه وأفكاره ما هو نقيض ما تنطوي عليه أرواحها المجرمة وأطماعها اللئيمة ...
وفي الختام ، انني متأكّدة أنكم ستناصرون الحقّ ، وستنشرون فضائحهم التي تضمّنت بعضها كتبي السوداء ، ليس في مجلّتكم الحرّة فحسب ، بل في الجرائد الأجنبيّة أيضا . وذلك لكي يطّلع جميع الاخوان المهاجرين على حقيقة الأمور في لبنان ، فتكون غضبتهم سببا لاصلاح هذا البلد الذي هو تربة الأجداد والآباء ، وموطن الأحفاد والأبناء . والله سيكافئكم عمّا تقومون به في هذا السبيل النبيل ( فمن يعمل مثقال ذرّة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال ذرّة شرّا يره ) ، والسلام .
ماري حدّاد الداهشيّة
ملاحظة : انني اتصلت هذا النهار بالاخوة الداهشيّين ، وبلّغتهم أن يرسلوا اليكم عشرة أنواع من كتبي السوداء ، ومن كل نوع 300 نسخة ، وذلك ضمن طرود بريديّة . وانني أرجو أن تتفضّلوا بتوزيعها على جميع المهاجرين ولكم في ذلك ثواب عظيم . ولم أرسل هذه الكتب من لبنان لأنّ الحكومة ستصادرها دون ما ريب ، وخصوصا أنّ الرقابة علينا هائلة جدّا .
ماري حدّاد