أنا أؤمن بأنه توجـد عدالة سماويّة, وأن جميع ما يُصيبنا في الحياةِ الدنيا من مُنغصات انَّ هـو الاّ جـزاءٌ وفاق لِما أجترحناه في أدوارنا السابقة من آثـامٍ وشـرور.ولهـذا يجب علينا أن نستقبلَ كلّ مـا يحـلّ بنـا من آلامِ الحياةِ ومآسيها غير مُتبرّمين ولا متذمّرين , بل قانعين بعدالةِ السماء ونُظمها السامية.

Highlighter
أحبُّ الكُتُبَ حبَّ السُكارى للخمر , لكنَّني كلَّما أزددتُ منها شرباً, زادتني صَحوا
ليس مّنْ يكتُبُ للهو كمَن يكتُبُ للحقيقة
الجمالُ والعفّــة فـردوسٌ سماويّ .
لا معنى لحياةِ ألأنسان اذا لم يقم بعملٍ انسانيٍّ جليل .
اعمل الخير , وأعضد المساكين , تحصل على السعادة .
من العارِ أن تموتَ قبل أن تقـوم بأعمالِ الخير نحـو ألأنسانيّة .
الموتُ يقظةٌ جميلة ينشُدها كل مَنْ صَفَتْ نفسه وطَهرت روحه , ويخافها كلّ من ثقُلت أفكاره وزادت أوزاره .
ان أجسامنا الماديّة ستمتدّ اليها يـد ألأقـدار فتحطِّمها , ثمّ تعمل فيها أنامل الدهـر فتتَّغير معالمها , وتجعلها مهزلةً مرذولة . أمّا ألأعمال الصالحة وألأتجاهات النبيلة السّامية , فهي هي التي يتنسَّم ملائكة اللّه عبيرها الخالد .
نأتي إلى هذا العالمِ باكين مُعولين، و نغادره باكين مُعولين! فواهً لك يا عالمَ البكاء والعويل!
جميعنا مُغترٌّ مخدوعٌ ببعضه البعض.
العدلُ كلمة خُرافية مُضحكة.
أمجادُ هذا العالم وهمٌ باطل، و لونٌ حائل، و ظلٌّ زائل.
لا باركَ الله في تلك الساعة التي فتحتُ فيها عينيّ فإذا بي في مكانٍ يطلقون عليه اسم العالم .
أنا غريبٌ في هذا العالم، و كم احنُّ إلى تلك الساعة التي اعود فيها إلى وطني الحقيقيّ.
الحياةُ سفينةٌ عظيمة رائعة تمخرُ في بحرٍ، ماؤه الآثام البشريَّة الطافحة، و امواجه شهواتهم البهيميَّة الطامحة، و شطآنه نهايتهم المؤلمة الصادعة.
كلّنا ذلك الذئبُ المُفترس , يردع غيره عن اتيانِ الموبقاتِ وهو زعيمها وحامل لوائها , المُقوّض لصروح الفضيلة , ورافع أساس بناءِ الرذيلة .
الحياةُ سلسلة اضطراباتٍ وأهوال , والمرءُ يتقلَّب في أعماقها , حتى يأتيه داعي الموت, فيذهب الى المجهولِ الرهيب , وهو يجهلُ موته , كما كان يجهلُ حياته .
من العارِ أن تموتَ قبل أن تقومَ بأعمالِ الخير نحو الانسانيّة .
المالُ ميزان الشرِّ في هذا العالم .
السعادةُ ليست في المال , ولكن في هدوءِ البال .
كلُّ شيءٍ عظيمٍ في النفسِ العظيمة , أمّا في النفسِ الحقيرة فكلُّ شيءٍ حقير .
الرُّوح نسمةٌ يُرسلها الخالق لخلائقه لأجل , ثم تعودُ اليه بعجل .
الرُّوح نفثةٌ الهيَّة تحتلُّ الخلائق , وكل منها للعودة الى خالقها تائق .
الرُّوح سرٌّ الهيٌّ موصَدْ لا يعرفه الاّ خالق الأرواح بارادته , فمنه أتتْ واليه تعود .
أنا أؤمن بأنه توجـد عدالةٌ سماويّة , وأنَّ جميع ما يُصيبنا في الحياةِ الدُّنيا من مُنغِّصاتٍ وأكدارٍ انَّ هـو الاَّ جـزاء وفاق لمِا أجترحناه في أدوارنا السابقة من آثـامٍ وشـرور . ولهـذا يجب علينا أن نستقبل كلَّ مـا يحـلُّ بنـا من آلام الحياة ومآسيها غير م
الحرّيةُ منحة من السماءِ لأبناءِ ألأرض .
الموتُ ملاكُ رحمةٍ سماويّ يعطف على البشر المُتألّمين , وبلمسةٍ سحريّة من أنامله اللطيفة يُنيلهم الهناء العلويّ .
ما أنقى من يتغلّب على ميولِ جسده الوضيع الفاني , ويتبع ما تُريده الرُّوح النقيّة .
ما أبعدَ الطريق التي قطعتها سفينتي دون أن تبلغَ مرفأ السلام ومحطَّ الأماني والأحلام .
الراحة التامّة مفقودة في هذا العالم , وكيفما بحثت عنها فأنت عائدٌ منها بصفقةِ الخاسر المَغبون .
ليس أللّــه مع الظالم بل مع الحقّ.
ان الصديق الحقيقي لا وجود له في هذا العالم الكاذب.
ما أكثر القائلين بالعطف على البائسين وغوث الملهوفين والحنو على القانطين , وما أقلَّ تنفيذهم القول.
يظنُّ بعض ألأنذال ألأدنياء أنّهم يُبيّضون صحائفهم بتسويدِ صحائف الأبرياء , غير عالمين بأنَّ الدوائر ستدور عليهم وتُشهّرهم.
ما أبعدَ الطريق التي قطعتها سفينتي دون أن تبلغَ مرفأ السَّلام ومحطَّ الأماني والأحلام .
رهبة المجهول شقاء للبشرِ الجاهلين للأسرارِ الروحيَّة , وسعادة للذين تكشّفت لهم الحقائق السماويَّة .
الموتُ نهاية كل حيّ , ولكنه فترة انتقال : امّا الى نعيم , وامّا الى جحيم .
الحياةُ خير معلِّمٍ ومُؤدِّب , وخيرَ واقٍ للمرءِ من الأنزلاقِ الى مهاوي الحضيض .
حين تشكُّ بأقربِ المُقرَّبين اليك تبدأ في فهمِ حقائق هذا الكون .
مَنْ يكون ذلك القدّيس الذي لم تخطرُ المرأة في باله ؟ لو وجدَ هذا لشبَّهته بالآلهة .
المرأة هي إله هذه الأرض الواسع السُّلطان. و هي تحملُ بيدها سيفاً قاطعاً لو حاولَ رجالُ الأرض قاطبةً انتزاعه منها لباؤوا بالفشلِ و الخذلان .

الردّ على مجلّة "الصياد"

بتاريخ 2 نيسان 1953 رددنا على كلمة " الصيّاد" بهذا المقال
الذي نشرته المجلّة مختصرا . وها هو

حضرة رئيس تحرير الصيّاد الغرّاء المحترم

تحية وسلام – وبعد فأمامي عددكم المؤرّخ في 26 آذار 1953 .

وقد طالعت الكلمة التي نشرتموها بقلمكم الظريف في افتتاحيتكم تحت عنوان ( عودة الدكتور داهش ) ،

وبما أنني من عشّاق أسلوبكم البارع ، وأطالع جميع ما تنشرونه باستمرار ،

وبما أنّني ( داهشيّة ) بكلّ ما تعنيه ( الداهشيّة ) مثلما يعرف الجميع ، رأيت أن أبعث اليكم بردّي لكي تنشروه بحذافيره ، لأنّه اذا حذفتم بعض العبارات تفقد الجمل بعض ما أرمي اليه ، وأودّ أن يعرفه قرّاء مجلّتكم المحبوبة . لهذا آمل ان ينشر على علاّته . ولا أشكّ بأنّ رحابة صدركم كفيلة بتحقيق رغبتي العادلة . والآ، ابدأ فأقول :

أوّلا – لقد أنصفت عندما قلت في مطلع كلمتك ما يأتي : " لن تدهشنا عودة الدكتور داهش الى لبنان . فقد كنا نتوقّع ، منذ زوال العهد الماضي ، أن يعود الرجل الى البلد الذي يحمل جنسيّته ويحقّ له أن ينعم فيه بنفس الحريّة والحقوق التي ينعم بها سائر المواطنين ".

الجواب – اذن ، أنت تعترف صراحة بأنّ ( داهش ) كان مظلوما ومُعتدى عليه من زوج شقيقتي ( بشارة الخوري ) الطاغية الذي اسْتَلب جنسيّة مؤسّس الداهشيّة ، متجاوزا بعمله هذا سلطاته الدستوريّة ، دائسا على قوانين البلاد ، مهشّما بنود الدستور الذي ائتمنه الشعب عليه . فضلا عن اليمين التي أقسمها تحت قبّة البرلمان بأنه سيحترم الدستور ، ويطبّق بنوده المُقدّسة على الجميع بميزان العدالة ، فيوزّعها بالحقّ والقسطاس . ولكنّه حنث بيمينه وضرب بها عرض الحائط ، اذ سرعان ما اعتدى على ( داهش ) . وهذا الاعتداء الرهيب يعتبر اعتداء على كلّ لبناني ، لأنّ ( الدستور ) هو سياج الحريّات المهدّدة ، وحاميها من عدوان الحاكم المُسيطر ، ورغما عن هذا الاعتداء البربريّ الصارخ فانه لم يجرأ صحافيّ واحد ( والصحافة رسالة سامية ) على أن يحرّك قلمه ليهزّ به عدوان الباغية ، بل بالعكس قامت قيامتهم على داهش البريء لينالوا عطف من بيده مقاليد السلطات العليا ...متناسين أنّ أفضل جهاد عند الله كلمة حقّ تقال بوجه حاكمٍ ظالم .

هذه حقيقة راهنة تعرفها أنت ، وأعرفها أنا ، مثلما يعرفها كلّ لبناني ، بعدما وقفت انا واخواني الداهشيّون بوجه هذا المُعتدي ، وفضحنا ارتكاباته بعشرات ( الكتب السوداء ) التي طبعناها ووزّعناها في جميع أنحاء الشرق والغرب ، متحمّلين في هذا السبيل أرهب ما يمكن لمجاهد مخلص أن يتحمّله من الضغط والارهاب والبطش والتنكيل والسجن المتواصل ...حتى أزفت الساعة ، ساعة ثورة الشعب على من طغى وبغى ، وتكبّر وتجبّر ، وتطاول أنفه واشمخرّ حتى بلغ السّماك . واذا بالطاغية يستحيل الى قزم قميء لا قوّة له ولا سلطان بعد ان تحطّم ما كان يظنّه سلطانا وصولجانا .... وهكذا انتصر الحقّ وزهق الباطل ، انّ الباطل كان زهوقا .

ثانيا – قلت : " ولكنّ الذي أدهشنا هو أن تسبق عودته ( أي عودة مؤسّس الداهشيّة ) تلك المجموعة من المناشير التي بعث بها أنصاره الى الصحف، وفيها ما فيها من الشتائم والسّباب بحقّ الذين ساهموا في ابعاد الدكتور داهش عن لبنان ".

الجواب – انّ المناشير التي أشرت اليها في كلمتك سبق لنا أن وزّعناها بالبريد الى كافّة أقطار الدنيا . وذلك في اثناء سيطرة ( بشارة الخوري ) المخلوع بارادة الشعب . فضلا عن أننا وزّعناها ، يومئذ ، بعشراتِ الألوف في جميع أنحاء لبنان ، وفي قلب العاصمة بيروت أثناء تحكّم (بشارة ) برقاب العباد .

وعندما وزّعنا هذه ( الكتب السوداء ) كنّا نعتبر أنّنا نقوم بواجب مقدّس ملقى على كواهلنا وعواتقنا ، وذلك لكي ننير الاذهان ، ونلقي نورا على جريمة أرادوها ظلاما كثيفا .

ولم نقم بعملنا هذا – أي لم نطبع ونوزّع هذه الكثرة من الكتب والنشرات السوداء – الاّ بعدما يئسنا اليأس التامّ من وجود أيّ ( صحفيّ لبنانيّ ) يتبنّى قضيّة الدفاع عن ( مظلوم بريء ) لينتزع حقّه السليب بقلمه .

نعم ، لم يوجد حتى ( ظلّ هذا الصحفي ) في عهد ( بشارة الخوري ) ، مثلما وجد في فرنسا ( اميل زولا ) ذلك الرجل النبيل الذي خلّد التاريخ اسمه الى الابد .

اميل زولا الذي دافع عن ( دريفوس ) لأنّه كان يعتقد أنّه بريء . وقد وضع نفسه في فوهة البركان عندما تحدّى ارادة الحاكمين ، ورغبة القضاء ، وثورة الشعب ضدّه ، وقّبِلَ أخيرا أن يغادر وطنه ، وينفي نفسه ، دون أن تلين له قناة ، أو تهن له عزيمة . كلّ ذلك دفاعا عن رجل يعتقد ببراءته .

نعم ، يا سيدي ، نعم ، لم يوجد في لبنان ( صحفيّ واحد ) تجرّأ وكتب ( كلمة حقّ ) حول هذا الاعتداء على ( جنسيّة ) رجل ، وحريّة رجل يكفلهما له الدستور ككلّ مواطن . فاضطررنا اضطراراً ، وأرغمنا لأن ننزل الى ميدان الكفاح ، ونقتحم معاقل المعتدين ، ونحن على أتمّ الاستعداد لتقبّل أية تضحية مهما عظمت في هذا السبيل النبيل .

وأظنّ ، بعدما عرف الآن الكاتب البارع – سعيد فريحة – السبب ، زال منه العجب . أليس كذلك ؟

ثم هب أنّ هذا الاعتداء ، أوقعه الطاغية على شخصك ، فهل كنت سترشقه ( بالورود والياسمين ) ، وتسكب على قدميه ( عطر الناردين ؟...) ، أم كنت تفكّ عقال قلمك الجبّار ، وتطلقه في اثره أينما سار ، ليقوّض من بنائه ما يقوّض ، حتى تدمّره على رأسه تدميرا مزلزلا – مثلما فعلت يوم استدعاك ( ناصر رعد ) تنفيذا لرغبة أحد السلاطين (أي شقيق بشارة السلطان سليم ) .

ترى ، كيف جاز لسعيد فريحه أن يطلق ، يومذاك ، صواريخه على الحكّام الظالمين ...ويأتي نفس ( سعيد فريحة ) اليوم بافتتاحيّته ليقول للداهشيّين: " لا يجوز لكم أن تنكّلوا بمن ساهموا بجريمة ابعاد مؤسّس الداهشيّة عن وطنه لبنان " ؟ انّني انتظر منك جوابا في العدد القادم .ولكلّ سؤال ، يا سعيد ، جواب ...

ثالثا – قلت :" ولو كان الدكتور داهش رئيس حزب سياسي ، أو مدير شركة كهرباء مثلا – لقلنا من حقّ أنصاره أن يستعملوا لغة السباب والشتائم في الدفاع عنه وعن حريّته المسلوبة ".

الجواب – وكبار الادباء ، والكتّاب المسيحيّون الذين هاجموا بأقلامهم السليطة الشعب اليهوديّ ، وملأوا مئات المجلّدات بأقذع ما يمكن أن تسمعه اذن بشريّة لأنّ اليهود سبّبوا صلب سيّد عقيدتهم ( يسوع المسيح ) كانوا متأكّدين أنّ ( المسيح ) مؤسّس عقيدتهم لم يكن ( رئيس حزب سياسي ) ولا (مدير شركة كهرباء مثلا ) ، ومع هذا خاضوا بأقلامهم واقتحموا معاقل اليهود فزلزلوا أسسها وردّموا آثارها ، ودكّوها دكّا عاصفا لم يبق ولم يذر . فالأديب العالميّ الاميركيّ المعروف ( هوبكنس ) صاحب كتاب " جريمة اليهود الوحشيّة " قال الشيء الكثير . وها اني أنقل لك جملة عاديّة من مؤلّفه الثمين . قال :

" واليهود – هؤلاء الوحوش الضارية – هؤلاء المجرمون الأفكة – هؤلاء الأثمة المنغمسون في النقائص من قمم رؤوسهم حتى أخامص أقدامهم – البائعون أعراض نسائهم – المقدّمون فتياتهم لكل طارق – العابثون بالفضيلة – الهازئون بالشرف – الضاحكون عندما تذكر أمامهم كلمة الضمير – هؤلاء هم الذين تقع عليهم تبعة صلب السيّد المسيح "!

ثمّ يستطرد هذا الكاتب فيذكر عبارات دمويّة مقوّضة ترزح تحت معانيها أطواد الجبال المشمخرّة .

وكذلك فعل الكاتب الانكليزي السير ( جون مايلز ) ، والدوق ( هدلتون ) ، والمستر (براندي ) ، والكاتب النروجي ( أدامس ) ، والاديبان الروسيّان ( ستربتوفسكي ) و( تورغنيف ) ، وسواهم وسواهم اذ ملأوا كتبهم بما يطلق عليه الناس اسم ( شتائم ) سكبت في قالب أدبيّ عنيف جدّا ، فعلوا هذا ، واطلقوا مقنبلاتهم على رؤوس اليهود واليهوديّة ، محمّلينهم تبعة صلب السيّد ( المسيح ) مع أنهم متأكّدين انه لم يكن ( رئيس حزب سياسي )....

فاذا ترسّمت أنا وبعض الداهشيّين خطوات كبار أدباء الغرب فانّما نكون قد تشبّهنا بالكرام من الأدباء المرموقين . والمثل العربي يقول ": انّ التشبّه بالكرام فلاح ..."

رابعا – قلت :" ولكنّ الدكتور داهش في نظر الداهشيّين مؤسّس ديانة جديدة ، وتأسيس الديانات يجب أن ينزّه عن الكلام البذيء ".

الجواب – عندما يعتنق أيّ امرىء مذهبا ما ( بقطع النظر عمّا اذا كان مذهبا اجتماعيّا او سياسيّا او دينيّا ) فانّه يخوض المعارك القلميّة ، حتى والحرب الفعليّة ( كالحرب الصليبيّة مثلا ) دفاعا عن عقيدته التي آمن بها وهو يستعمل جميع أنواع الأسلحة التي يعتقد أنّها ستوصله الى غايته ...

ونحن عقيدتنا التي آمنّا بها ، والتي ندافع عنها دفاع المستميت تقول : " من لطمك على خدّك الأيمن حطّم له خدّه الأيمن ثمّ ردّم له الخدّ الأيسر ترديما تامّا ". وعندما شاهدنا أعداءنا قد اعتدوا علينا بدون سبب ، وشفعوا جريمة انتزاع الجنسيّة بمحاولتهم تأليبهم علينا قطيعا من ذئاب المرتزقة من (الكويتبيّين ) الذين غمسوا أقلامهم الصفراء في مستنقعات آسنة , وقصدهم من كلّ ذلك تشويه سمعتنا تجاه الرأي العامّ ليصرفوا الأذهان عن جريمتهم النكراء ، ونيّاتهم السوداء ...اذ ذاك تأكّد لنا أنّه " لا يفلّ الحديد الاّ الحديد " فشمّرنا عن سواعد الجدّ ، ونزلنا الى الميدان الذي أرادوه ، ونقدناهم من بضاعتهم ....ولكن بطريقة مروّعة مزلزلة قصمت من هؤلاء الذئاب المفترسة الظهور ، اذ حطّمنا بعصانا الفولاذيّة ضراوتهم ، وقضينا على شراستهم ...ثمّ هل نسيت المثل القائل :

" العبــد يقــرع بالعصــا والحــرّ تكفيــه الاشــارة "!

ولمّا كانت القطعان المأجورة لأسيادها تهاجمنا لمنفعة ذاتيّة – لا لمنفعة عموميّة – رأينا أن نخاطبها باللغة التي تفهمها وتهضمها بسهولة تامّة ...

وهكذا كنّا لهم من المنصفين . فمن ارتكب شرّا تقع عليه تبعته . فما كان أغناهم وأغنانا عمّا تمّ ووقع ، ولكن ...لهم أعين ولا ينظرون ؛ أو قل " انّما تعمى البصائر لا الأبصار ". رفع الله عن أعينهم غشاوة الجهل ، وأعادهم الى صوابهم . انّه أرحم الراحمين .

خامسا – قلت :" وكم كنّا نودّ لو أنّ هؤلاء الانصار – ولنا بينهم أكثر من صديق – لو تذكّروا أنّ الديانة المسيحيّة وهي أوسع الديانات انتشارا في العالم لم تؤسّس على الشتم والاهانة ، وارسال الكتب المغفلة ، وانما أسّست على الحبّ والتسامح والخير ".

الجواب – انني أذّكر السيّد ( سعيد فريحة ) المسيحيّ بأنّ مؤسّس عقيدته المسيحيّة قال :" بالكيل الذي تكيلون به يكال لكم ويزاد !".

ثمّ قال :" ما جئت لألقي سلاما بل سيفا . جئت لأفرّق الابن عن أبيه ، والابنة عن أمّها ، والأخّ عن أخيه ..." الى آخر الاية .

وعندما جاءته تلك ( المرأة ) طالبة شفاء ابنتها قال :" ليس حسنا ان يطرح خبز البنين للكلاب ".

واذ ذاك عرفت المرأة أنّه يعنيها بكلامه ، فتواضعت وقالت له : "والكلاب يا سيّدي تأكل الفتات المتساقط تحت المائدة " ، أي قبلت بسبب ايمانها ان تنعت بالكلب الذي وصفها به السيّد المسيح .

ثمّ ...ألم يقل السيّد المسيح لتلاميذه " اذهبوا وقولوا لذلك الثعلب هيرودس ..."

انّني أعتقد تمام الاعتقاد أنّ السيّد المسيح كان ثائراً كبركان فيزوف . نعم , كان ثائراً على جميع الأوضاع والقوانين ، ثائرا حتى على نفسه . وقد قادته هذه الثورة أخيرا الى خشبة الصليب فعلّق عليها دون أن يتراجع عن ثورته حتى آخر لحظة من حياته .

هذا هو السيّد المسيح . هذا هو الناصريّ الذي أعرفه كما هو على حقيقته الواقعيّة ووجهه السافر . امّا قولك :" انّ المسيحيّة أسّست على الحبّ ، والتسامح ...والخير ..." فزمجرة مدافع المسيحيّين، وتدفّق نيران الأسلحة الجهنميّة التي تطلقها (الدول المسيحية ) بعضها على البعض ، وافناؤهم للملايين لأجل مصالح ماديّة دنيويّة ، وليس لغايات دينية سامية – تبرهن أنك تنظر الى هؤلاء الذين يدّعون انهم ( مسيحيّون ) بمنظار (أبيض ) سوّد الله وجوههم !...

فأيّ ( تسامح ) هذا الذي يرتكبونه ؟ وأيّ ( حبّ اوخير ) يبغونه ؟

أبتشريدهم عرب ( فلسطين ) ، وطردهم من وطن آبائهم وجدودهم ؟ أم باعتدائهم على الدول الضعيفة وأكلها كلقمة سائغة ؟ أم باستئسادهم على حفنة من زنوج ( الماوماو ) في مجاهل القارّة الأفريقيّة ؟

كفانا يا سيّدي كفانا !...انّ (المسيحيّة ) اليوم أصبحت كورقة المئة ليرة اللبنانية ( المزيّفة ) . والعياذ بالله !

سادسا – قلت" انّ الديانة المسيحية ( وهذا الأهمّ ) أسّست على الظلم والاضطهاد وعلى الخشبة التي علّق عليها السيّد المسيح "

الجواب – ذاك عهد قد مضى وانقضى ( عهد الظلم والاضطهاد والتعليق على الخشبة ). فعهد محاكم التفتيش المرعب قد عفت آثاره ، وانطفأت أخباره ، بعدما هتكت أسراره التي لم تشرّف مرتكبيها . انها لطخة عار ، وليست اكليلا من الغار ...فنحن يا سيّدي نعيش اليوم في عصر المدنيّة والنور ، عصر الحريّة ، عصر الدستور الذي يتساوى أمامه الكبير والصغير ، الأمير والحقير ، وذلك بعد جهاد قرون ، واضطهاد أجيال مخيفة .

واذا كنت تعني أنّه كان من الواجب ان يضطهد ( داهش ) لأنّ صاحب كل رسالة يجب ان يضطهد ويحني هامته أمام مضطهديه ....اذا كان هذا ما تعنيه فانني أقول لك :

( ثق بأنني لو لم أكن متأكّدة – انا واخواني الداهشيين – بانّ مؤسّس عقيدتنا هو الثائر الأوّل على كلّ طاغية ، ومرتكب باغية ، لما تبعناه ، ولا ترسّم أي منّا خطاه . فثوراته الدائمة هي التي جعلتنا نكون أتبع له من ظلّه . وداهش نفسه خلق فينا روح التمرّد الأبديّ ، والكفاح السرمديّ ، والنضال الأزليّ ، ما بقيت روحنا في جسدنا الأرضيّ ...

وتمرّد داهش على العُتاة ومحاربته ايّاهم بجبروت وعنفوان مزلزلين هما اللذان جعلانا نضحّي في سبيله بأموالنا وأرواحنا .

ويطيب لي بهذه المناسبة ان أسمعك بعضا من كلماته الثوريّة لتدرك أيّة عزيمة فولاذيّة تحتويها روحه القويّة ، قال :

" أنا القويّ الجبّار ، والعنيف البتّار ، فمهما حاولت الأحداث أن تتغلّب عليّ أو تخضعني لجبروتها فانها لن تعود الاّ بصفقة الخاسر المغبون ، ولن تتمكّن من اماتة ما يجيش في نفسي من نزعات تبغي الانطلاق من هذه القيود . كلاّ !...انا لن أتقاعس عن نيل أهدافي ، وبلوغ اتّجاهاتي التي أطمح اليها .

وسأحقّق أمانيّ عاجلا ام آجلا وسأسحق ما يقف في طريقي من عقبات كأداء وسأردّمها ترديما . وسأهزأ بالانسان ، وبالطبيعة ، وبالقدر !...وسأبلغ آمالي ، وأحقّق أحلامي ، وأنف الحياة في الرغام".

وقال :" نُفيتُ لأني اتّهمت بكوني أثرت في نفوس أتباعي الثورة الجارفة ، ونفثت في أرواحهم حبّ تقويض أرائك الحكّام المستبدّين!"

وقال :" نحن قوم مسالمون ، نحترم صاحب السلطان ما دام يحترم حرّيتنا ، امّا اذا حدّ من حرّيتنا المقدّسة ( هديّة الخالق للخلائق )، اذ ذاك ننقلب الى أسود ثائرة نبطش بهذا الحاكم الجبان ، ونؤدّبه تأديبا مرعبا مرهبا . ونجعله عبرة لكل مُعتبر ".

وقال :" لو كانت ثورتي الجارفة ضدّ أعدائي غير محقّة لأصغيت لكلّ من يريد مناقشتي او مجادلتي .

ولكنّني صاحب حقّ صريح اعتدى عليه الحاكم الوصوليّ الظَّالم . لهذا لا أقبل أيّ مناقشة أو جدال . وسأمكث على مهاجمتي العنيفة المستمرّة حتى أنتزع حقّي المغصوب ، وأستعيد حرّيتي السليبة ".

وقال :" الجبان في شريعتي ليس أهلا للحياة مُطلقا . فامّا أن نجبن فيستعبدنا القويّ الغاشم ، وامّا أن نظهر شجاعتنا ، ونطلق بطولتنا ، فننتزع بواسطتها حرّيتنا المقدّسة الخالدة ".

وقال :" سأنهض ، وأحطّم قيودي ، وأجتاز جحيم هذه الحياة بقلب جريء وارادة جبّارة ، وأتمكّن من ناصية المجد والانتصار "!!

هذا غيض من فيض ممّا تفجّرت به روح ( داهش ) الثائرة على كلّ ما تقع عليه العين ، او يصل اليه الخيال . هذا هو مؤسّس عقيدتنا الداهشيّة ، وباعث فينا روح الثورة المندلعة بنيرانها الجهنميّة الأوار ، لتزدرد كلّ من يريد الاعتداء على حريّة معتقدنا التي كفلها الدستور سياج الحرّيات وحاميها الأمين . فنحن أحرار بما نعتقده ، ونهاجم كلّ من يقترب من عريننا الذي نحميه بمهجنا وأرواحنا .

كما انّنا لا نهاجم صاحب أيّ عقيدة ولو آمن بالشيطان . فله معتقده ولنا معتقدنا .

وأختم ردّي بقولي : ما كان أغنى بشارة الخوري عمّا أصابه من الداهشيّة طوال تسعة أعوام عارمة بكتبها السوداء ، لو ترك لنا حرّيتنا التي وهبها الله جلّ اسمه لنا ، فأراد هذا الطاغية سلبنا اياها . فكان ما كان ممّا يعرفه جميع سكّان لبنان . وسلام عليك من المخلصة .

ماري حدّاد الداهشيّة

لاحقة :

ذكرت في كلمتك كلمة " ارسال كتب مغفلة "
وجوابي عليها أنني ما تعوّدت مطلقا ان أرسل كتابا مغفلا لأيّ شخصٍ كائناً من كان .

وكتبي السوداء التي كنت أشحنها بأرعب وأرهب ما يمكن ان يخطّه قلم بشريّ ...كانت تحمل توقيعي الواضح الصريح .

خذ مثلا ( كتابي الاسود ) الذي عنونته هكذا " سأغتال الشيخ بشارة الخوي المُجرم"، ( ونشرتي السوداء ) التي عنوانها " سيقتل الشيخ بشارة الخسيس ، وستنتقل روحه الى ابليس " وهكذا ( كتابي الأسود ) الذي عنوانه " يجب محاكمة رئيس الجمهورية بشارة الخائن " الى آخر ما هنالك ...

وقد وزّعت هذه الكتب في أعوام 1945 و1946و1947و1948 أي عندما كانت كلمة ( بشارة الخوري ) دستورا نافذا لا مهرب منه .

يومذاك كان أكبر رأس يطأطىء أمام ( بشارة الخوري ) ويحرق امامه بخور الذلّ والمهانة ...

اذن ، غير معقول أن أرسل الى أيّ فرد من الناس ( تحريرا مغفلا ) ولا أدري كيف استنتجت مثل هذا الاستنتاج فبنيت عليه حكمك .

اذن يجوز لي ان أقول :" انّ بعض الظنّ اثم ".

واذ أختم مقالي ، آمل منك أن تنشر موضوعي الذي امتدّت فروعه ، وتشعّبت أصوله . وانّني مستعدّة لاعطائك أيّ ردّ ترغب في توجيهه إليّ من منبر مجلّتك . والسلام .

بيروت 26 آذار 1953 ماري حدّاد

جريمة القرن العشرين Back to

Developed by Houssam Ballout        Copyright 2019 This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.nfo All Right Reseved This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.