أنا أؤمن بأنه توجـد عدالة سماويّة, وأن جميع ما يُصيبنا في الحياةِ الدنيا من مُنغصات انَّ هـو الاّ جـزاءٌ وفاق لِما أجترحناه في أدوارنا السابقة من آثـامٍ وشـرور.ولهـذا يجب علينا أن نستقبلَ كلّ مـا يحـلّ بنـا من آلامِ الحياةِ ومآسيها غير مُتبرّمين ولا متذمّرين , بل قانعين بعدالةِ السماء ونُظمها السامية.

Highlighter
أحبُّ الكُتُبَ حبَّ السُكارى للخمر , لكنَّني كلَّما أزددتُ منها شرباً, زادتني صَحوا
ليس مّنْ يكتُبُ للهو كمَن يكتُبُ للحقيقة
الجمالُ والعفّــة فـردوسٌ سماويّ .
لا معنى لحياةِ ألأنسان اذا لم يقم بعملٍ انسانيٍّ جليل .
اعمل الخير , وأعضد المساكين , تحصل على السعادة .
من العارِ أن تموتَ قبل أن تقـوم بأعمالِ الخير نحـو ألأنسانيّة .
الموتُ يقظةٌ جميلة ينشُدها كل مَنْ صَفَتْ نفسه وطَهرت روحه , ويخافها كلّ من ثقُلت أفكاره وزادت أوزاره .
ان أجسامنا الماديّة ستمتدّ اليها يـد ألأقـدار فتحطِّمها , ثمّ تعمل فيها أنامل الدهـر فتتَّغير معالمها , وتجعلها مهزلةً مرذولة . أمّا ألأعمال الصالحة وألأتجاهات النبيلة السّامية , فهي هي التي يتنسَّم ملائكة اللّه عبيرها الخالد .
نأتي إلى هذا العالمِ باكين مُعولين، و نغادره باكين مُعولين! فواهً لك يا عالمَ البكاء والعويل!
جميعنا مُغترٌّ مخدوعٌ ببعضه البعض.
العدلُ كلمة خُرافية مُضحكة.
أمجادُ هذا العالم وهمٌ باطل، و لونٌ حائل، و ظلٌّ زائل.
لا باركَ الله في تلك الساعة التي فتحتُ فيها عينيّ فإذا بي في مكانٍ يطلقون عليه اسم العالم .
أنا غريبٌ في هذا العالم، و كم احنُّ إلى تلك الساعة التي اعود فيها إلى وطني الحقيقيّ.
الحياةُ سفينةٌ عظيمة رائعة تمخرُ في بحرٍ، ماؤه الآثام البشريَّة الطافحة، و امواجه شهواتهم البهيميَّة الطامحة، و شطآنه نهايتهم المؤلمة الصادعة.
كلّنا ذلك الذئبُ المُفترس , يردع غيره عن اتيانِ الموبقاتِ وهو زعيمها وحامل لوائها , المُقوّض لصروح الفضيلة , ورافع أساس بناءِ الرذيلة .
الحياةُ سلسلة اضطراباتٍ وأهوال , والمرءُ يتقلَّب في أعماقها , حتى يأتيه داعي الموت, فيذهب الى المجهولِ الرهيب , وهو يجهلُ موته , كما كان يجهلُ حياته .
من العارِ أن تموتَ قبل أن تقومَ بأعمالِ الخير نحو الانسانيّة .
المالُ ميزان الشرِّ في هذا العالم .
السعادةُ ليست في المال , ولكن في هدوءِ البال .
كلُّ شيءٍ عظيمٍ في النفسِ العظيمة , أمّا في النفسِ الحقيرة فكلُّ شيءٍ حقير .
الرُّوح نسمةٌ يُرسلها الخالق لخلائقه لأجل , ثم تعودُ اليه بعجل .
الرُّوح نفثةٌ الهيَّة تحتلُّ الخلائق , وكل منها للعودة الى خالقها تائق .
الرُّوح سرٌّ الهيٌّ موصَدْ لا يعرفه الاّ خالق الأرواح بارادته , فمنه أتتْ واليه تعود .
أنا أؤمن بأنه توجـد عدالةٌ سماويّة , وأنَّ جميع ما يُصيبنا في الحياةِ الدُّنيا من مُنغِّصاتٍ وأكدارٍ انَّ هـو الاَّ جـزاء وفاق لمِا أجترحناه في أدوارنا السابقة من آثـامٍ وشـرور . ولهـذا يجب علينا أن نستقبل كلَّ مـا يحـلُّ بنـا من آلام الحياة ومآسيها غير م
الحرّيةُ منحة من السماءِ لأبناءِ ألأرض .
الموتُ ملاكُ رحمةٍ سماويّ يعطف على البشر المُتألّمين , وبلمسةٍ سحريّة من أنامله اللطيفة يُنيلهم الهناء العلويّ .
ما أنقى من يتغلّب على ميولِ جسده الوضيع الفاني , ويتبع ما تُريده الرُّوح النقيّة .
ما أبعدَ الطريق التي قطعتها سفينتي دون أن تبلغَ مرفأ السلام ومحطَّ الأماني والأحلام .
الراحة التامّة مفقودة في هذا العالم , وكيفما بحثت عنها فأنت عائدٌ منها بصفقةِ الخاسر المَغبون .
ليس أللّــه مع الظالم بل مع الحقّ.
ان الصديق الحقيقي لا وجود له في هذا العالم الكاذب.
ما أكثر القائلين بالعطف على البائسين وغوث الملهوفين والحنو على القانطين , وما أقلَّ تنفيذهم القول.
يظنُّ بعض ألأنذال ألأدنياء أنّهم يُبيّضون صحائفهم بتسويدِ صحائف الأبرياء , غير عالمين بأنَّ الدوائر ستدور عليهم وتُشهّرهم.
ما أبعدَ الطريق التي قطعتها سفينتي دون أن تبلغَ مرفأ السَّلام ومحطَّ الأماني والأحلام .
رهبة المجهول شقاء للبشرِ الجاهلين للأسرارِ الروحيَّة , وسعادة للذين تكشّفت لهم الحقائق السماويَّة .
الموتُ نهاية كل حيّ , ولكنه فترة انتقال : امّا الى نعيم , وامّا الى جحيم .
الحياةُ خير معلِّمٍ ومُؤدِّب , وخيرَ واقٍ للمرءِ من الأنزلاقِ الى مهاوي الحضيض .
حين تشكُّ بأقربِ المُقرَّبين اليك تبدأ في فهمِ حقائق هذا الكون .
مَنْ يكون ذلك القدّيس الذي لم تخطرُ المرأة في باله ؟ لو وجدَ هذا لشبَّهته بالآلهة .
المرأة هي إله هذه الأرض الواسع السُّلطان. و هي تحملُ بيدها سيفاً قاطعاً لو حاولَ رجالُ الأرض قاطبةً انتزاعه منها لباؤوا بالفشلِ و الخذلان .

عريضة ماري حدّاد الى الرئيس كميل شمعون

 

بتاريخ 30 تشرين الأوّل عام 1952 قدّم وفد من الداهشيين هذه العريضة الى الرئيس كميل شمعون رئيس الجمهوريّة الذي اعتلى هذا المنصب بعدما حطّم الشعب كرسيّ بشارة الخوري ، وطرده من سدّة رئاسته ذليلا مهانا . والوفد مؤلّف من السيدة ماري حدّاد وقرينها جورج حدّاد والدكتور جورج خبصا والشاعر حليم دمّوس والدكتور فريد أبو سليمان .

وقد قدّمت هذه العريضة مع سلسة الكتب السوداء التي طبعت ونشرت ووزّعت ، وفيها شرح عن الجريمة المرعبة التي ارتكبها المجرم بشارة الخوري ضدّ مؤسّس الداهشيّة . وهذه العريضة تطالب رئيس الجمهوريّة الجديد كميل شمعون باعادة جنسيّة داهش السليبة .

وقد قال الرئيس كميل شمعون للوفد الداهشيّ :

" انّ هذه الكتب والمناشير السوداء وصلتني بأكملها الى لندن ، عندما كنت سفيرا لبلادي فيها . وسأعيد جنسيّة داهش اليه " .

وقد أعيدت جنسيّته .

وكان أوّل مرسوم صدر بعهد الرئيس شمعون هو اعادة الجنسيّة التي اختلسها الباغية بشارة الخوري ، وأنفه في الرغام .

وقد نشرت هذه العريضة مجلّة " العالم العربي " المصريّة ، في أعدادها 67و68و69 . وها نحن نعيد نشرها بكتابنا هذا نقلا عن المجلّة .

أوّل قضيّة .....
ضدّ رئيس جمهوريّة لبنان السابق !
الداهشيّون ومفاسد العهد الماضي في لبنان !
" العالم العربي " تنفرد بنشر عريضة الدعوى المرفوعة
صورتها لرئيس الجمهورية الحالي

العدد السابع ( 67 و68) أول يناير 1953

بيروت – لمراسل العالم العربي :

السيدة ماري حدّاد أديبة كبيرة ، وفنانة لبنانية شهيرة ، ومنذ عشر سنوات ( 1942-1952 ) اعتنقت تعاليم الرسالة الداهشية ، فاضطهدت كثيرا لأجل عقيدتها الجديدة التي جعلتها هي وزوجها وكريماتها الثلاث ، يؤمنون ايمانا راسخا بنبوّة محمد والاسلام الحنيف والقرآن الكريم المُنْزَل !

وكان في طليعة مضطّهديها ومقاوميها رئيس الجمهورية اللبنانية السابق "بشارة الخوري " وزوجته " لور " وهي شقيقتها ، وشقيقها "ميشال شيحا " ونسيبهم هنري فرعون ، مع فريق من رجال الدين المتعصّبين ! .

وبعد أن عزل صهرها الشيخ بشارة عن رئاسة الجمهورية ، وانتهى العهد البائد على أثر ثورة الشعب والانقلاب الأخير في 18 أيلول ( سبتمبر ) 1952 ، رفعت هذه السيدة المجاهدة شكوى خطيرة الى رئيس لبنان الجديد الأستاذ كميل شمعون ضد سلفه الشيخ بشارة الخوري وهذا نصها :

 

- المعتدون على الحريّة سيلاقون مصيرهم المخزي
هذا جزاء كلّ طاغية ونهاية من يكبّل الحريّة باستبداده

نص العريضة كما نشرتها مجلّة " العالم العربي " المصريّة

هذا ما تكلّم به ( جون وايلكزبوث ) وهو يطلق في نفس الوقت رصاص مسدّسه على الرئيس الأميركيّ ( لنكولن ) وذلك في 14 نيسان عام 1865 .

ومع أنّ ( لنكولن ) لم يعرف عنه الاستبداد وتكبيل الحريّة فقد ذهبت كلمة القاتل مثلا يجمع الناس على أنه من أصدق الكلمات التي دوّنها التاريخ بين صفحاته .

وكلّ من قرأ ويقرأ وسيقرأ تاريخ الطغاة ، والمستبدّين البغاة ، ممّن حكموا بأمرهم ، ونكّلوا بالعباد ، دائسين القوانين ، وتجاوزين روح الدستور ، منفّذين رغباتهم الديكتاتوريّة البغيضة ، منكّلين بالحقّ ، باطشين بالعدالة ، سالبين للحرّيّات – كلّ من قرأ سيرة أولئك المسيطرين بالظلم والاعتداء الصارخين ....يتأكّد بأن مصيرهم كان الموت القسريّ المحتّم بيد أحد الأفراد الذين أصابهم الاضطهاد الغير العادل .

فالتاريخ يعطينا الوف الأدلّة والبراهين القاطعة على صحّة الكلمات التي تفوّه بها قاتل ( لنكولن ) . فالحكّام الرومان ، الذين كانت مصائر شعوبهم ألعوبة بأيديهم ، لم ينج شرّ طغاتهم من القتل رغما عن شدّة الحذر وعظم الاحتياطات التي اتّخذوها لأنفسهم كي لا يلاقوا هذا المصير الحتمي .

وكذلك قياصرة روسيّا وأباطرتها ، وسلاطين تركيّا ودكتاتوريّو عصرنا الحديث أمثال هتلر وموسوليني الخ .

نعم يا فخامة الرئيس .

انّ عاقبة الظلم وخيمة ن وبشارة الخوري ظلمنا ظلما رهيبا جدّا .

فسجننا ، ونكّل بنا ، لأنّنا دافعنا عن مؤسّس عقيدتنا الدكتور داهش الذي اعتدي عليه اعتداء شائنا لا يصدّق . وهذا أمر أصبح لدى القاصي والداني . فلم نقف مكتوفي الأيدي أمام هذه الجريمة التي لم تشهد لها مثيلا حتى أشدّ العصور المظلمة ، بل بعنا كافّة أثاثنا ورياشنا وأراضينا ، وطبعا بأثمانها 175 نشرة و66 كتابا أسود فضحنا بها أمر هذه الجريمة النكراء . وبهذا قمنا ببعض واجبنا المفروض علينا أداؤه .

انّ الداهشيّين – يا فخامة الرئيس – هم أوّل من فضح جرائم بشارة الخوري بواسطة الكتب السوداء التي طبعوها ووزّعوها في عام 1944 والأعوام التي تلت حتى يوم سقوط ( بشارة ) الذي خلعه الشعب خلعا أبديّا غير مأسوف عليه .

وعندما نشر الداهشيّون كتبهم السوداء الرهيبة عن بشارة الخوري ، وسلسلة سرقاته وارتكاباته ، كانت أكبر الرؤوس – من زعماء ، ووجهاء ، ونواب ، واقطاعيّين ، ووزراء – يحنون أمامه رؤوسهم بخشوع تامّ ، ويحرقون أمامه البخور بخضوع عامّ .

يومذاك كان الداهشيّون يحطّمون بمقنبلاتهم المخيفة معاقله فيردّمونها ترديما ، وقد تحمّلوا منذ ذلك الحين سلسلة من الاضطهادات الرهيبة ما تنوء تحتها الجبال الرواسي دون أن تلين لهم قناة . ولم يأبهوا للتهديد والوعيد ، بل استمرّوا في مهاجمتهم بشارة الخوري حتى يوم سقوطه ....

وهذا ما يبعث في قلب كلّ داهشيّ الفخر التامّ لأنّه لم يحن رأسه للوصوليّ على الاطلاق ، لأنَّ الداهشيّين كانوا متأكّدين أنهم انّما يدافعون عن قضيّة حقّ كفلها الدستور ألا وهي ( الحريّة المقدّسة ) التي اعتدى عليها بشارة الخوري بشخص داهش .

وعندما اشتدّت الحملات الداهشيّة عليه وعلى آله ،

وعندما تأكّد بشارة الخوري أنّ الاضطهادات المتواصلة زادت من ايمان كلّ داهشيّ بوجوب مواصلة كفاحه حتى النهاية ...لجأ بشارة الخوري الى طريقة ظنّها كفيلة بايصاله الى ما يبتغيه ، فأرسل – بواسطة تحرير أرسله كبير الديوان ( جورج حيمري ) – يستدعي الاستاذ حليم دمّوس الداهشيّ ظانّا أن باستطاعته شراءه بالماديّات ، اذ استعدّ أن يدفع له تعويضا ماديا عن سجنه ايّاه دون ذنب جناه أو وزر أتاه .

فكان جواب الاستاذ دمّوس لبشارة الخوري أنه يقبل بالتعويض . ولكن من مال بشارة الخوري مرتكب جريمة سجنه ، وليس من مال الأمّة ( لأنّ بشارة الخوري أراد ارضاء الاستاذ دموس من صندوق الأمّة ) . وسيطبع بهذا المال كتبا سوداء جديدة ضدّ جريمة بشارة . وهكذا صفع دمّوس الداهشيّ البريء بشارة الخوري المُعتدي وأظهر له أنّ العقيدة الراسخة تقهر أيّ طاغية مهما كان صاحب عنفوان ، وسيطرة وسلطان . ...

* * *

والآن آمل أن يصغي فخامة الرئيس لهذه الحادثة التاريخيّة التي يعرفها ولا ريب . وها هي :

عندما أدخلت السيّدة زينب بنت علي بن أبي طالب أمام ابن زياد ، وكان أمامه رأس أخيها ( الحسين ) الذي قتل في معركة كربلاء المشهورة ، بادرها قائلا : " الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأبطل أحدوثتكم " .

فلم تمهل زينب ( ابن زياد ) بل ثارت صائحة به قائلة :

" الحمد لله الذي أكرمنا بنبيّه ، وطهّرنا من الرجس تطهيرا . انما يفضح الفاسق الغادر ، ويكذّب اللئيم الذي هو أنت " !...

ولو أحبّ ( ابن زياد ) لبطش بها ، أو لأمر فسجنت وهو صاحب الدولة والصولجان ، والقدرة والسلطان . ولكنّه رغما عن سوء أخلاقه ، وانعدام أدبه ، أبت نفسه عليه أن يعتدي على امرأة ضعيفة – وهو صاحب الحول والطول – فأمر باطلاق سراحها ....

جئت بهذه الحادثة التاريخيّة ، لأقارن بين ما صنعه ( ابن زياد ) بمن يعتبرها عدوّة له وهي غريبة عنه لا تربطها به أيّة رابطة ، وبين ما فعله معي بشارة الخوري الوصوليّ ، وهو زوج شقيقتي .

وسوف تدهش فخامتكم اذا أعلمتكم بأنّ ( بشارة ) المذكور أمر فأوقفت في النظارة شهرا كاملا كنت أنام في خلاله على طاولة خشبيّة ، وبرفقتي عشرات من الحرّاس والموظّفين ، فضلا عن الرجال الموقوفين . وذلك تشفّيا وانتقاما منّي لأنّني فضحت " بكتبي السوداء " جريمتهم النكراء ضدّ الدكتور داهش البريء .

انّني من صلبهم ، وذات صلة رحم بهم ، وعاملوني هذه المعاملة الدنيئة التي لا تشرّفهم ، والتي سيسجّلها التاريخ لعنة مقوّضة مزلزلة يقرأها الجميع، فيلعنون حتى ذكر أسمائهم البغيضة من الله ربّ العالمين ، والناس أجمعين .

فكيف اذا كانت معاملتهم للشعب اللبنانيّ الذي نكب بحكمهم الجائر وعهدهم البائد ؟ انّ الجميع ، يا فخامة الرئيس ، يعلمون بأنّ الأيّام التي تولّى فيها بشارة الخوري الحكم كانت أيّاما حالكة السواد ، فاحمة الجلباب ....

وكانت النتيجة الحتميّة لارتكاباتهم المتواصلة تسع سنوات طويلة أن ثار الشعب عليهم تلك الثورة العادلة ، فكان مصير أعداء ( الحريّة المقدّسة ) الى الخلع الموجع الذي أوصلهم اليه اعتداؤهم المتواصل على القانون ، واحتضانهم للباطل الذي انقلب عليهم ، فأبطل حكمهم حتى يوم يبعثون . والآن أزف لفخامتكم تظلّمي فأقول :

فخامة رئيس الجمهوريّة المعظّم

أتقدّم لفخامتكم بعريضتي هذه رافعة شكواي وتظلّمي ضدّ أفراد عائلتي ، وهم : بشارة الخوري رئيس الجمهوريّة السابق الذي خلعه الشعب عن أريكة حكمه بعدما طغى وبغى واعتدى على حقوق الآمنين ، وسلبهم قوتهم ، وداس على حرّياتهم ، فكان جزاؤه العادل طرده من كرسيّ الحكم . فخرج يجرجر ذيل ذلّه وعاره المعيبين – وزوجته ( لور ) وشقيقها ( ميشال شيحا ) ونسيبهم ( هنري فرعون ) ، اذ تآمر هؤلاء الأربعة على اغتيال الدكتور داهش . فأرسل أحدهم ( هنري فرعون ) شرذمة مأجورة من المجرمين بقصد اغتيال مؤسّس الداهشيّة . وكان ذلك بتاريخ 28 آب 1944 . ولكنها فشلت باغتياله . وعوضا من اعتقال المجرمين اعتقل الدكتور داهش ، وزجّ في السجن ، وأطلق سراح المجرمين . وتبع هذا الاعتقال تجريد داهش من جنسيّته اللبنانيّة اذ داس بشارة الخوري على قوانين البلاد ، وامتهن موادّ الدستور ، وضرب بالعدالة عرض الحائط ، متجاوزا بمرسومه الغير القانوني جميع القوانين التي اصطلح علماء التشريع وجهابذة القانون , فارضا إرادته الدكتاتوريّة بالظلم البشع الشنيع .

وشفع بشارة جريمته بجريمة ثانية لا تصدّق , إذ زجّ شقيقة داهش في السجن , لأنها أبرقت اليه تطالبه بعرفة مقرّ شقيقها المعتدى عليه بالظلم , لكي تذهب اليه وتقاسمه مصيره . ويمكن فخامتكم سؤال الوزير سليم حيدر لتعرفوا كيف رغب بشارة يومذاك بسجنها لأعوام . ولكنّ القاضي سليم حيدر أبى أن يقبل بظلم عظيم كهذا ...

أما أنا فأنني لم أقف مكتوفة اليدين أمام هاتين الجريمتين المنكرتين المستنكرتين , إذ طبعت 165 نشرة و 66 كتابا أسود شرحت فيها للملإ بأسره أنباء هذه الجريمة الهائلة التي ارتكبها بشارة الخوري ضدّ مؤسس الداهشيّة . وتمّ توزيع هذه النشرات في الشرق والغرب . وتحمّلت أنا وقريني وعدد كبير من الداهشيين ألم السجون مرارا وتكرارا , ومرارة الاضطهاد المتواصل طوال تسعة أعوام سوداء ,هائلة بمحنها ورهبوتها , ولكننا لم ننحن أمام الظلم الذي امتزج بدم بشارة الخوري امتزاج الروح بالجسد .

ولم تلن لنا قناة , ولم نأبه بالوعد أو الوعيد , بل مكثنا طوال مدّة حكم الباغية بشارة نواصل حربنا ضدّه , ونوجّه سهامنا المسنونة الى صدره ,لأن صاحب الحقّ قويّ بحقّّه وجنانه ,جبار بإيمانه ووجدانه .

والتاريخ يبرهن أنّ أصحاب العقيدة لا يمكن أن تؤثر فيهم سلسلة الإضطهادات مهما بلغ رهبوتها المزمجر .

وكان من نتائج تجريد داهش القسري من جنسيّته – التي هي حقّ طبيعيّ له – أنّ ابنتي الشهيدة ماجدا صمّمت على اغتيال بشارة الخوري الذي أقسم اليمين تحت قبّة البرلمان بأنّه سيحافظ على الدستور محافظة تامّة . وكان قسمه كاذبا ، بدليل ارتكابه جريمة تجريد داهش من جنسيّته . أقول ان ابنتي عزمت على اغتيال بشارة الخوري . وعندما علم داهش بأمرها أرسل اليها تحريرا يمنعها فيه من اغتياله . فما كان منها الاّ أن انتحرت كاحتجاج ، لكي تبلّغ نبأ هذه الجريمة الى الرأي العامّ . وهكذا ذهبت ابنتي شهيدة على مذبح الجريمة التي ارتكبها بشارة الخوري ، ودمها المسفوح لا يزال يصرخ أمام عرش الديّان طالبا الاقتصاص العادل منه .

وأزيد فخامتكم اطّلاعا فأقول : انّ هنري فرعون ، بعدما اعتقلوا داهش ، زارنا في منزلنا واعترف قائلا لنا : " انهم لم يستطيعوا أن يضعوا يدهم على داهش بواسطة القانون ، لأنهم لم يجدوا عليه أيّ مأخذ قانوني ، فاضطرّا لاعتقاله بهذه الطريقة القسريّة " ! فطردناه من منزلنا ، وأفهمناه أنّ الحرب بيننا قد أصبحت أمرا واجبا لا مفرّ منه .

يا صاحب الفخامة ،

انّ الحريّة حقّ مقدّس يتمتّع به كلّ لبنانيّ تظلّه سماء لبنان . ولكنّ شخصا واحدا لا يزال مُبعدا عن وطنه بطريق الظلم العنيف . وما دام الله القدير قد أسقط الطاغية الذي ضجّت البلاد مما ارتكبه من أمور تتنافى مع العدالة ، فانني أطلب من فخامتكم أن تأمروا باعادة قيد اسم داهش الذي شطبه بشارة من دفتر قيد النفوس ، وتصدروا مرسوما تلغون به مرسوم بشارة المزيّف الذي لم يرتكز باصداره ايّاه على أيّ قانون يخوّله حقّ الاعتداء على الحرّيات ، ويمكّنه من انتزاع الجنسيّات .

انّ التقرير الذي وضعته هيئة الأمم المتّحدة عن حقوق الانسان الأساسيّة لكلّ رجل وامرأة في العالم يمنع تجريد أيّ انسان من جنسيّته منعا باتّا .

ونحن في لبنان نفاخر العالم برقيّنا ، كما انّ لبنان قد وقع على هذا الميثاق الانساني العظيم . فمن العار علينا أن نبقي هذه الوصمة التي لطّخ بشارة بها لبنان ، بارتكابه وزرا رهيبا كهذا ، فبسبب ارتكابه ايّاه استشهاد ابنتي ، وموت والدة داهش غمّا وبؤسا ، بعدما قاست لبعد ابنها ما قاساه أيّوب الصدّيق .

وانّي أتخيّلها واقفة أمام الديّان تشكو من سبب مأساة ابنها ومأساتها .

يا صاحب الفخامة ،

توجد هنالك أسرار رهيبة سنكشفها للبنانيّين بأسرهم في قاعات المحاكم ، في عدليّة بيروت ، وهي بأكملها تدين بشارة الخوري . وعندما تذيعها صفحات الجرائد سيهلع بشارة الخوري من هولها ورهبوتها . كما انني سأقاضيه على اضطهادنا وسجننا ، ونحن أبرياء . ولن أترك نشاطي ، وسأواصل جهادي حتى أدفع بهذا الأقنوم الرباعي أمام محاكم الجنايات ، ليحاسبوا على ما ارتكبوه من جرائم ضجّت من هولها أبالسة الجحيم في عوالمها السحيقة ...

وهنا أودّ أن أوجّه انتباهكم الى أنّ المجرم بشارة الخوري والسيّدة زوجته وشقيقها ميشال شيحا وهنري فرعون أرادوا أن يحفّفوا من وقع جريمتهم أمام الرأي العام ، فزعموا أنهم ارتكبوا هذه الجريمة لأنّ ( داهش ) جعل الكثيرين يعتنقون مبادئه ويحبّذون عقيدته !

ونسي هؤلاء أنّ أقوالهم لا يعتدّ بها على الاطلاق . لا بل تظهرهم جاهلين بأصول المحافظة على حرية المعتقدات التي يكفلها الدستور اللبناني .

وها انّي أزيد في عريضتي قطعة من كتاب " الحرية " تأليف _ جون ستيوارت ميل ) وترجمة ( طه السباعي ) ، اذ يقول :

لقد مضى بحمد الله ذلك الزمان الذي كنّا فيه بحاجة الى الدفاع عن حرية النشر واقامة الدليل على أنها ضمان لازم لحماية الأفراد من الظلم ، فغنيّ عن البرهان أنه ر يسوغ لسلطة تنفيذيّة أو تشريعيّة غير متّفقة المصالح مع الأمة أن تفرض على الناس ما تراه من الآراء ، أن تعيّن لهم ما يجوز سماعه من المعتقدات والأقوال .

وهذا مبحث قد وفّاه الكتّاب السابقون حقّه من الشرح والاستقصاء ، فلا حاجة بنا الى زيادته ايضاحا وتوطيدا .

نعم ، ليس يخشى اليوم في بلد من البلاد محاولة كمّ الأفواه وغلّ الأقلام .

فانّ المضرّة الناشئة عن اخماد الرأي لا تقتصر على صاحبه . بل تتعدّاه الى جميع الناس حاضرهم وقادمهم . وما هي في الحقيقة الاّ سلب النوع البشريّ برمّته ، وحرمان الانسانيّة بأسرها من شيء فائدته لعائبيه ورافضيه أوفر منها لمؤيّديه وقابليه . فلو أنّ الناس قاطبة أجمعوا على رأي واحد وخالفهم في ذلك فرد لما كان لهم الحق باسكاته . ذلك أنّ الرأي ان كان صوابا فقد حرم الناس فرصة نفيسة يستبدلون فيها الحقّ بالباطل ويبيعون الضلالة بالهدى . وان كان خطأ فقد حرموا كذلك فرصة لا تقلّ عن السابقة نفاسة وفائدة ، وهي فرصة الازدياد من التمكّن في الحقّ والرسوخ في العلم على أثر مصادمة الحق بالباطل ومقارنة الخطإ بالصواب " .

وهكذا يفهم الغربيّون معنى الحريّة ويصونونها ويفتدونها بالمهج والأرواح مهما غلا ثمنها وعزّ . فالحرية أجمل هديّة منحها الخالق لعباده من أبناء البشر .

ولكنّ ( ميشال شيحا ) يفهم الحريّة بطريقة عكسيّة مؤسفة ان دلّت على شيء فانها تدلّ على ضيق تفكير وعنجهيّة فخرية وارستقراطية مزيّفة مخجلة .

وأثبت قولي بدليل ذهاب ( ميشال شيحا ) مرارا وتكرارا الى منزل الاستاذ ( ألفرد نقّاش ) عام 1943 عندما كان رئيسا للجمهوريّة . وكانت زياراته للنقّاش في الليالي المظلمة الحالكة ، وذلك ليرجو منه بصفته صديقا له أن يخرج داهش من البلاد . ولكنّ النقّاش أفهمه بأنه لا يمكنه أن يرتكب وزرا عظيما كهذا ، وأنه لا يستطيع أن يسلب جنسيّة رجل بريء اذ توجد محاكم باستطاعتها محاكمته وادانته اذا كان مذنبا ، فكيف به وهو بريء . وهكذا صفع النقّاش ( ميشال شيحا ) برفضه تنفيذ مثل هذه الجريمة التي لا يقرّها عدل ولا يجيزها قانون ، ولو كان لدى ( ميشال ) أية جرأة أدبيّة ، ولو كان محقّا بطلبه لذهب الى صديقه ( النقّاش ) في رابعة النهار ! وأيّة أوزار تتفوّق على انتزاع جنسيّات الأفراد التي يكفلها الدستور أبو القوانين

وأختم عريضتي بكلمة فخامتكم الخالدة التي ألقيتموها بمناسبة عيد الاستقلال اذ اختتمتموها بهذه الكلمات النبيلة وهي :

" ولبنان أخيرا –كما يحلم أبناؤه – يريد أن يكون الأرض المضيافة حيث يستطيع المضطهدون في أيّ بلد كان أن يستنشقوا آمنين نسيم الحريّة "

وعليه آمل من فخامتكم أن تتوّجوا عهدكم السعيد بازالة هذه المَظلمة المُظلمة التي أوقعها المجرم بشارة الخوري الباغية بالدكتور داهش ، فيعود الى وطنه الذي أبعد عنه بالظلم والاعتداء . وهكذا يحقّ العدل ويزهق الباطل ، انّ الباطل كان زهوقا

ملاحظة :

أرفقت مع عريضتي هذه جميع المنشورات والكتب السوداء لكي تطالعوها وتطّلعوا على مراحل الجريمة النكراء التي فضحتها وأذعت خفاياها . وهذه بعض أسماء الكتب التي أرفقتها بعريضتي :

الكتاب الأسود 2- فضيحة العهد القديم 3- فضيحة الفضائح 4- شكوى الى مجلس النواب اللبناني 5- الهارب من القضاء 6- فضائح وقبائح "شربل " 7- كشف الستار عن أسرار يوسف شربل 8-الى الثورة أيها المواطنون ! 9- عريضتي الافرنسية التي أرسلتها الى هيئة الأمم المتحدة المنعقدة في باريس عام 1948

وستجدون فخامتكم في الكتاب الأسود وثائق هويّة الدكتور داهش ووالدته وشقيقته منشورة بالزنكغراف .

وأخيرا ، آمل أن تطالعوا تحرير الدكتور داهش المرسل منه الى المحامي الاستاذ ادوار نون ، وقد قدّمته كعريضة شكوى الى مجلس النواب اللبناني، اذ فصّل الدكتور داهش بتحريره ما أصابه من جلد وتعذيب تقشعرّ منهما النفوس .

بيروت ، في تشرين الأول 1952
ماري حدّاد الداهشيّة

 

 

جريمة ألقرن العشرين Back to

Developed by Houssam Ballout        Copyright 2019 This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.nfo All Right Reseved This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.