داهش والداهشيّة
من مذكّرات الأديبة المعروفة
السيدة ماري حدّاد الداهشيّة
أسرار القضيّة التي هزّت أركان العهد البائد
صحافة المهجر وأدباؤها يذيعون تفاصيل الجريمة المرتكبة
ضدّ الداهشيين
فضائح هائلة يذيعها الداهشيّون ضدّ رجال العهد اللبناني المندثر
بيروت – لمراسل العالم العربي – ما كاد العدد الأخير من ( العالم العربي ) يوزّع في لبنان وسوريا حتى تخاطفته أيدي القرّاء بلهفة بالغة ، وطالعوا بنهم وشوق شديدين ما تنشره السيّدة ماري حدّاد الداهشيّة عن أسرار اضطهاد زوج شقيقتها بشارة الخوري الذي خلعه الشعب وما أنزله من تنكيل وارهاق بالداهشيين طوال حكمه المجرم الذي امتدّ تسع سنوات طويلة . وقد اتّصل بي الكثيرون وبلّغوني أن أشكر صاحب مجلّة ( العالم العربي ) لافساحه صدر مجلّته الحرّة لنشر أنباء هذه المأساة الداهشيّة ، وأعلموني بتشوّقهم الشديد لمعرفة أسباب اضطهاد داهش الأساسيّة ، فاتّصلت بدوري بالأديبة السيّدة ماري حدّاد التي سلّمتني هذه المذكّرات الثمينة التي أرسلها بدوري الى مجلّتكم كي تنشر فيها . فيطّلع العالم العربي على حقيقة الأسباب والدوافع التي حدت ببشارة الخوري لارتكاب تلك الجريمة التي دوّت أنباؤها في ارجاء المعمور ، وسيخلّدها التاريخ بين دفّتيه كوصمة عار . انها قضيّة القرن العشرين ومأساته الأليمة .
الى كلّ مغترب لبنانيّ أذيع هذه الحقائق المروّعة المرعبة .
كان للجريمة الرهيبة ، التي أقدم عليها الشيخ بشارة الخوري رئيس الجمهوريّة الأثيم ، وقع عاصف في المهجر . وهناك عشرات من الصحف العربيّة وسواها نشرت أنباء هذه الجريمة الشائنة ، وعلّقت عليها بما بلغ اليه علمها .
ومنذ أيّام وافانا البريد برسالة من الكاتب العربيّ المعروف الاستاذ جبران مسّوح صاحب مجلّة ( المختصر ) التي تصدر في ( بونس أيرس ) ، ففضضتها وطالعتها . واذا بهذا العربيّ الأبيّ يطلب منّا تفصيلات وافية عن أسباب ومسبّبات تجريد الدكتور داهش من جنسيّته اللبنانيّة ، كي ينشر عنه للمهاجرين المتعطّشين لمعرفة أسرار هذه الوصمة السوداء ، واللطخة الهائلة التي وصمت بشارة الخوري وزوجته ، وشقيقها ميشال شيحا ، وهنري فرعون الذي أمسكه حرس الليل في حالة مريبة مع أحد الغلمان ...
وللحال بادرت وكتبت الى الأستاذ مسّوح التحرير الذي سيطالعه القارىء الكريم . وهكذا كانت نتيجة الظلم الشنيع ، والاعتداء الفظيع على بنود الدستور ، ودوس بشارة الخوري على موادّه المقدّسة ، بعدما أصغى لنصائح ميشال شيحا ، ورضخ لأوامر زوجته لور ؛ فذاع عملهم الشائن في كلّ مكان ، وتحدّثت به الركبان ، في لبنان وخارج لبنان .
فاليكم يا أبناء المهجر هذه المأساة الصارخة طالعوها ، واطّلعوا على خفاياها ، وليحدّث الصديق صديقه ، والرفيق رفيقه عمّا ارتكبته وترتكبه هذه العصابة الشرّيرة . ففي نشركم هذا تؤدّون أجلّ خدمة لأبناء وطنكم من مقيمين ومغتربين .
وامنعوا الراغبين في العودة الى الوطن ، في هذا العهد الفاسد ، حتّى يقضي الله على هذه الطغمة الأثيمة بعد أن تتردّم ترديما ، وتتحطّم تحطيما ، ولا تعود ويقوم لها قائمة ؛ بل تصبح في حياتها الآتية حائرة هائمة .
أمّا الآن فاليكم تحرير الأديب جبران مسّوح صاحب مجلّة ( المختصر ) ، وهذا نصّه :
بونس أيرس , 27 كانون الثاني 1946
سيّدي
أرسلت اليكم مع البريد نسخة من مجلّتي ( المختصر ) كهديّة لكم .
وفي العدد الثاني نشرت شيئا عن حادث الدكتور داهش , وكيف نفته الحكومة وجرّدته من جنسيّته اللبنانيّة بمساعي ميشال شيحا , شقيق عقيلة رئيس الجمهوريّة الذي انساق بدوره لكردينال ومطران .
فالذي أرجوه من فضلكم أن تخبروني عن هذا الحادث كلّ ما لديكم من التفاصيل ,حتّى اذا نشرت عن هذا الموضوع أكون قد نشرت حقائق مأخوذة عن مصدر وثيق .
ماذا عمل الدكتور داهش حتّى استحقّ الاعتقال والنفي والتجريد من الجنسيّة ؟
ما هي سلطة الكردينال والمطران حتى يتدخّلا في شريعة البلاد , ويؤثرا على السلطة الحاكمة ؟
لماذا انفصلت العائلات المظلومة عن الكثلكة , وأبرقت الى ( البابا ) في ( روما ) عن انفصالها بسبب اضطهاد داهش ؟
جميع هذه التفاصيل أرجو الإفادة عنها بكلّ صراحة ودقّة عند سرد الحوادث ليكون للكلام قيمته , أي لا تدعوا للغاية أو التشفي سلطة عليكم عندما تكتبون إلي ّ.
واني بأنتظار جوابكم لأنشر كلّ ما يختص بهذا الموضوع الخطير واقبلوا شكري واحترامي .
جبران مسّوح
وهذا هو تحريري اليه ردّا على رسالته الاستفساريّة :
لحضرة الصحافيّ القدير والأديب النحرير جبران مسّوح المحترم
تحيّة عطرة أرسلها من لبناننا المكبّل , الى ابن المهجر الحامل شعلة الثقافة والحريّة ، في بلاد غمرتها أنوار المدنيّة . أمّا بعد ، فأبدأ رسالتي بالثناء على أريحيّتكم ، ونخوتكم الشهمة ، بالاهتمام في قضيّة الدكتور داهش ، ونشر شيء عنها في مجلّتكم ( المختصر ) دفاعا عن الحقّ المهضوم ، وعن العدالة التي عبثت بها الغايات . وهذا ممّا يؤكّد لنا نبالة أخلاقكم ، لأنّ المظلوم قلّ أن يجد مناصرا لوجه الله في أرض طغت عليها ( المادّة ) ، وفي عالم كلّ ما يجري فيه مبنيّ على المنافع الخسيسة ، وعلى المآرب الحقيرة .
وفي اهتمامكم بهذه القضيّة ، واعلان فصولها ، تكونون قد خدمتم ليس المبادىء القويمة فحسب ، بل جميع أبناء المهجر ، وذلك باعطائهم فكرة صادقة عمّا يجري في بلادهم من طغيان وارهاق واضطهاد ، وظلم واستبداد ، في عهد الخوري رئيس الجمهورية اللبنانيّة ، وفي عهد زمرته التي يطلقون عليها رسميّا اسم ( الكتلة الاستقلاليّة ) . وكم كان الأمر أقرب من الحقيقة لو أطلقوا عليها النعت الذي ينعتها به الشعب بأكمله ألا وهو ( الشرذمة المجرمة الاستغلاليّة ) التي ضجّت البلاد من فظائعها الرهيبة ، وفضائحها النتنة ، وجرائمها المروّعة ، ونشرت الصحف المحليّة والعربيّة عن مآسيها ومعاصيها الفصول الطوال . وأنتم بلا شكّ مطّلعون تمام الاطّلاع على هذه الوقائع الصادقة الصادعة .
أمّا القضيّة التي طغت بفظاعتها على جميع الجرائم المرتكبة ، حتى أصبحت محطّ اهتمام كلّ فرد ليس في لبنان فقط ، بل في جميع الأقطار العربيّة ، فهي قضيّة الدكتور داهش ، تلك الحادثة الهائلة التي لم تسجّل مثلها حتّى قرون الهمجيّة ، وأجيال الاستبداد والتنكيل في عصور محاكم التفتيش المدلهمّة .
وبما أنكم تطوّعتم للدفاع عن الرجل المظلوم ، وطلبتم التفاصيل عن مصادرها الأصليّة ، كي تطلعوا عليها الرأي العامّ في المهجر ، فها انني أجيبكم عليها لأنيركم عن حقائق الأمور ، وعمّا هو مكشوف ومستور . وجميع ما أكتبه اليكم ، وجميع ما نشرته في مؤلّفاتي ( أي الكتب السوداء ) التي بعثت بها اليكم لا يعبّر الاّ الشيء القليل عن الحقيقة المؤلمة ، ولن يستطيع أن يصف الآلام الجسام ، والعذابات العظام التي حلّت بنا بسبب استبداد حكومتنا ، وعلى رأسها ( دكتاتور لبنان ) الطاغية بشارة الخوري ، هذا المجرم الأصيل . فليس في القول مبالغة . والوقائع هي أمام الجميع تثبت مراحل الظلم ، وتخفي الأحزان النفسيّة ، والآلام الروحيّ’ التي لا يشعر بها الاّ من ابتلى بهذه المظلمة .