ترجمة مُذكّرات الشهيدة ماجدا حدّاد
يوم السبت , بين الساعة التاسعة والنصف والعاشرة ليلاً, طرق بابنا؛ فأسرعت لأفتح, فشاهدت رجلين عند الباب الخارجي, في أسفل الدرج, فسألتهما : -ما تريدان ؟ فأجاب أحدهما : -نريد أن نكلّم أنطوانيت " شقيقة داهش " لأمر ضروري . فلم أفتح لهما وقلت : -أنطوانيت ليست هنا . وبعد دقائق عادت الطرقات, فنظرت وأنطوانيت من النافذة وسألنا : -من الطارق ؟ فأجاب صوت معروف منّا : -أنا الدكتور داهش . وسرعان ما تبيّنا الدكتور داهش, وكان واقفاً بين مفوّضين من مفوّضي الأمن . قال : -أنزلي يا أنطوانيت, أريد أن أكلّمك . فشعرت بالخطر يهدّد النبيّ, فخلعت حذائي وهرعت هابطةً الدرج حافية, تلحق بي أنطوانيت وأمّي . وبلغنا أسفل الدرج, فوثبت أنطوانيت على أخيها تعانقه, وأنا أمسكت بيده وعانقته . وبدرت منه حركة يروم بها النجاة من المفوّضين , فأدركت مرماه؛ ولأتيح له فرصة الصعود على الدرج وثبت على المفوّض محمّد علي فيّاض, وأكرهته بجميع ما أملك من قوّة على الوقوف بالباب ؛ بينما بذلت أنطوانيت جهدها في إنقاذ أخيها من المفوّض الآخر . فهدّدني محمّد علي فيّاض بمسدّسه وصاح بي : -دعيني, وإلاّ أطلقت عليك النار . قلت : -إفعل . فأطلق الرصاص في الجوّ إرهاباً, وتسنّى له فتح الباب , فانسلّ منه عدّة أفراد من رجال الأمن , ودحرجوا النبيّ على الدرج بأيديهم وأرجلهم وقد شهروا مسدّساتهم, واستطعت أن أمسك بالنبيّ , فضممته الى صدري بكلّ ما أوتيت من عزم, وعلا صوتي فيهم : -لن تمسكوه وأنا في قيد الحياة ! وأصبحت أنا وهو كتلة واحدة تتدحرج من درجة الى درجة حتى الرصيف, بل حتى قارعة الطريق . إذ ذاك وقفت أقاومهم, وكان عليهم أن يتألّبوا ستة ضدّي لإنتزاع النبيّ منّي, بعد أن أصيبوا بعدّة لكمات . وحاولت أن أصعد الى السيّارة التي طرحوه فيها فرموا بي الى الأرض , وانطلقت السيّارة , فالتفتّ حولي, فإذا الطريق يمتلىء برجال الأمن والكتائب وغيرهم .فأمعنت بشتمهم في وجههم, وركضت وشقيقة النبيّ في الشارع حافيتين . وركبنا سيّارة وعدنا سائقها بأن ندفع له فيما بعد, واتّجهنا الى السراي . وهناك ترجّلت وسألت : -أين رجال الأمن ؟ فأقبلوا هازئين بنا . قلت :
وعدنا الى السيّارة, فقلت لسائقها : -إندفع بنا الى سجن الرمل . ومررنا أمام منزل النبيّ , فدعوت السائق الى الوقوف لأدخل المنزل وآتي منه بمدية من مدى المطبخ , على الأقل . ونزلت أنا وأنطوانيت . فإذا بقوّة من الجند تحرس المكان وتمنعنا من ولوج الباب . ولكنّنا إستطعنا , بعد جهد, الدخول . فهرعت الى المطبخ, وهناك لقيت منشاراً قديماً, فأخفيته في صدري وشددت عليه زنّاري دون أن يبصرني أحد . وأراد الجند منعنا من ركوب السيّارة وحدنا, فبكت أنطوانيت وناحت, بينما عمدت أنا الى شتمهم, وشهّرت بالمسؤولين المجرمين, ونعتّهم بالجبناء, وهدّدت أعضاء الحكومة, وبشارة الخوري , والخائن محمّد علي فيّاض . ةإذ لم يحر الجنود جواباً عمدوا الى ضربي, ثمّ قادونا في سيّارتنا الى مخفر البسطة . وهناك نزلنا وأنا أعترض وأحتج عالياً على الظلم والعدوان, وأهدّد بالإنتقام . فاحتشد جمع من الناس, وأمامهم جميعاً رحت أشتم بشارة الخوري, ولور شقيقة المجرمين والأفاعي لا شقيقة أمّي . فقادني شرطيّ الى حجرة سوداء نتنة قائلاً لي " -سأحبسك مع الجرذان, هنا, طوال الليل . فأجبت : -الجرذان عندي خير من مجتمعكم, مجتمع هؤلاء المجرمين, إنّها أشرف منكم جميعاً, وليلة أمضيها في هذه الزنزانة لأحلى عندي من ليلة أمضيها في رئاسة الجمهوريّة عند المجرمة خالتي . وإنّي أكرّر تحذيري : إذا أصيب الدكتور داهش بأيّ أذى فأنّ خمسة عشر شخصاً سيقتلون غداً . -فعادوا الى ضربي, وقال أحدهم : -ما داهش غير سافل قذر ! فقلت : -عليك أن تطهّر شفتيك – أنت وغيرك – قبل أن تتلفّظ باسم داهش المُقدَّس . فأنتم مُجرمون تضطهدون هذا الرجل مثلما اضطهد جدودكم موسى ويسوع ومحمّداً , وجميع الأنبياء الآخرين . فانبرى أحد رجال الأمن يقول : -هذه شقيقته, لكن أنت من تكونين حتى تدافعي عنه ؟ وانهالت شتائمهم عليّ . فأجبت : -إن حقارتكم لشديدة فلن تستطيعوا فهم معنى النبل , وإنّ قذارتكم لكبيرة فلن تستطيعوا أن تدركوا أنّ بوسع الإنسان أن يدافع عن قضيّة العدالة وقضيّة رجل بريء إضطهد بظلمٍ وجبانة , دفاعاً لا تسيّره الأغراض الدنيئة . وبعد عدّة مكالمات هاتفيّة من هنا وهناك, وبعضها الى رئاسة الجمهوريّة, أخلوا سبيلنا, وجعلوا السائق ورفيقاً له كان بجانبه مسؤولين عنّا . وطلبت من السائق أن يسير بنا الى جونية, فرفض وقادنا الى منزلنا وقد طوّقه الجند . فأوعزت إليه تكراراً بمواصلة المسير, فتابع تقدّمه غير راض , حتى إجتاز رجال الأمن, ثمّ توقّف رافضاً متابعة السير . فقلت له : -إذهب الى المنزل مع أنطوانيت, فهناك تدفع لك أجرتك . فمانع ورفيقه وحالا دون نزولي . وعبثاً خاطبتهما وحاولت إقناعهما . وإذا بأربعة من الجند يقتربون منّا , فتملّصت فجأةً, وانطلقت في ركض حثيث, واهتديت الى سيّارة تقودني الى جونية . وبدت لي الطريق طويلة, طويلة. وكنت أسائل نفسي : ترى, ما الذي فعلوه بالنبيّ الحبيب؟ لقد أرهقه المجرمون الأنذال على الدرج ! هل أصيب بجروح ؟ لكن من المؤكّد أنّه أصيب برضوض . إنّ العقاب الذي ينتظرهم لن يكون كافياً مهما عظمت ويلاته . وشعرت بأنّي عاجزة, وتراءى النبيّ لي مضنىً, جريحاً, مريضاً, فوددت أن أمزّق جسمي بأظفاري, وتمنّيت أن تنقضّ نيران السماء على مدينة بيروت فتحرقها . ولم أكن أعرف منزل الدكتور خبصا, لكنّ أمراً عجيباً حدث : فقد وقفنا أمامه لنسترشد إليه َ وصعدت اليه بقوى خائرة, واستعدت عزيمتي بشربي النبيذ الخالص مع الدكتور خبصا وعقيلته أوديت . ثمّ ركبنا سيّارة الطبيب , وشخصنا الى منزل الأستاذ إدوار نون في عاليه , فبلغناه لدى الساعة الثانية والنصف صباحاً . وايقظ الدكتور خبصا الأستاذ نون, فارتدى ثيابه, وعند الساعة الثالثة كنّا في دار فؤاد الخوري شقيق بشارة الخوري . فكلّفته أن ينقل الى أخيه رسالتي الشفهيّة هذه : " إذا لم يطلق سراح الدكتور داهش فإنّ ويلات لا تحصى ستنقضّ عليه وعلى أسرته " . وقلت له أيضاً : " يزعمون أنّ الدكتور داهش يعاشر نساء السوء . حتى لو كان زعمهم صحيحاً فعلى بشارة الخوري أن يبدأ فيهتمّ بنساء السوء اللواتي في عائلته , أولاً " .
ماجــدا حــدّاد |
ترجمة مذكّرات الشهيدة ماجدا حدّاد
- Details