أنا أؤمن بأنه توجـد عدالة سماويّة, وأن جميع ما يُصيبنا في الحياةِ الدنيا من مُنغصات انَّ هـو الاّ جـزاءٌ وفاق لِما أجترحناه في أدوارنا السابقة من آثـامٍ وشـرور.ولهـذا يجب علينا أن نستقبلَ كلّ مـا يحـلّ بنـا من آلامِ الحياةِ ومآسيها غير مُتبرّمين ولا متذمّرين , بل قانعين بعدالةِ السماء ونُظمها السامية.

Highlighter
أحبُّ الكُتُبَ حبَّ السُكارى للخمر , لكنَّني كلَّما أزددتُ منها شرباً, زادتني صَحوا
ليس مّنْ يكتُبُ للهو كمَن يكتُبُ للحقيقة
الجمالُ والعفّــة فـردوسٌ سماويّ .
لا معنى لحياةِ ألأنسان اذا لم يقم بعملٍ انسانيٍّ جليل .
اعمل الخير , وأعضد المساكين , تحصل على السعادة .
من العارِ أن تموتَ قبل أن تقـوم بأعمالِ الخير نحـو ألأنسانيّة .
الموتُ يقظةٌ جميلة ينشُدها كل مَنْ صَفَتْ نفسه وطَهرت روحه , ويخافها كلّ من ثقُلت أفكاره وزادت أوزاره .
ان أجسامنا الماديّة ستمتدّ اليها يـد ألأقـدار فتحطِّمها , ثمّ تعمل فيها أنامل الدهـر فتتَّغير معالمها , وتجعلها مهزلةً مرذولة . أمّا ألأعمال الصالحة وألأتجاهات النبيلة السّامية , فهي هي التي يتنسَّم ملائكة اللّه عبيرها الخالد .
نأتي إلى هذا العالمِ باكين مُعولين، و نغادره باكين مُعولين! فواهً لك يا عالمَ البكاء والعويل!
جميعنا مُغترٌّ مخدوعٌ ببعضه البعض.
العدلُ كلمة خُرافية مُضحكة.
أمجادُ هذا العالم وهمٌ باطل، و لونٌ حائل، و ظلٌّ زائل.
لا باركَ الله في تلك الساعة التي فتحتُ فيها عينيّ فإذا بي في مكانٍ يطلقون عليه اسم العالم .
أنا غريبٌ في هذا العالم، و كم احنُّ إلى تلك الساعة التي اعود فيها إلى وطني الحقيقيّ.
الحياةُ سفينةٌ عظيمة رائعة تمخرُ في بحرٍ، ماؤه الآثام البشريَّة الطافحة، و امواجه شهواتهم البهيميَّة الطامحة، و شطآنه نهايتهم المؤلمة الصادعة.
كلّنا ذلك الذئبُ المُفترس , يردع غيره عن اتيانِ الموبقاتِ وهو زعيمها وحامل لوائها , المُقوّض لصروح الفضيلة , ورافع أساس بناءِ الرذيلة .
الحياةُ سلسلة اضطراباتٍ وأهوال , والمرءُ يتقلَّب في أعماقها , حتى يأتيه داعي الموت, فيذهب الى المجهولِ الرهيب , وهو يجهلُ موته , كما كان يجهلُ حياته .
من العارِ أن تموتَ قبل أن تقومَ بأعمالِ الخير نحو الانسانيّة .
المالُ ميزان الشرِّ في هذا العالم .
السعادةُ ليست في المال , ولكن في هدوءِ البال .
كلُّ شيءٍ عظيمٍ في النفسِ العظيمة , أمّا في النفسِ الحقيرة فكلُّ شيءٍ حقير .
الرُّوح نسمةٌ يُرسلها الخالق لخلائقه لأجل , ثم تعودُ اليه بعجل .
الرُّوح نفثةٌ الهيَّة تحتلُّ الخلائق , وكل منها للعودة الى خالقها تائق .
الرُّوح سرٌّ الهيٌّ موصَدْ لا يعرفه الاّ خالق الأرواح بارادته , فمنه أتتْ واليه تعود .
أنا أؤمن بأنه توجـد عدالةٌ سماويّة , وأنَّ جميع ما يُصيبنا في الحياةِ الدُّنيا من مُنغِّصاتٍ وأكدارٍ انَّ هـو الاَّ جـزاء وفاق لمِا أجترحناه في أدوارنا السابقة من آثـامٍ وشـرور . ولهـذا يجب علينا أن نستقبل كلَّ مـا يحـلُّ بنـا من آلام الحياة ومآسيها غير م
الحرّيةُ منحة من السماءِ لأبناءِ ألأرض .
الموتُ ملاكُ رحمةٍ سماويّ يعطف على البشر المُتألّمين , وبلمسةٍ سحريّة من أنامله اللطيفة يُنيلهم الهناء العلويّ .
ما أنقى من يتغلّب على ميولِ جسده الوضيع الفاني , ويتبع ما تُريده الرُّوح النقيّة .
ما أبعدَ الطريق التي قطعتها سفينتي دون أن تبلغَ مرفأ السلام ومحطَّ الأماني والأحلام .
الراحة التامّة مفقودة في هذا العالم , وكيفما بحثت عنها فأنت عائدٌ منها بصفقةِ الخاسر المَغبون .
ليس أللّــه مع الظالم بل مع الحقّ.
ان الصديق الحقيقي لا وجود له في هذا العالم الكاذب.
ما أكثر القائلين بالعطف على البائسين وغوث الملهوفين والحنو على القانطين , وما أقلَّ تنفيذهم القول.
يظنُّ بعض ألأنذال ألأدنياء أنّهم يُبيّضون صحائفهم بتسويدِ صحائف الأبرياء , غير عالمين بأنَّ الدوائر ستدور عليهم وتُشهّرهم.
ما أبعدَ الطريق التي قطعتها سفينتي دون أن تبلغَ مرفأ السَّلام ومحطَّ الأماني والأحلام .
رهبة المجهول شقاء للبشرِ الجاهلين للأسرارِ الروحيَّة , وسعادة للذين تكشّفت لهم الحقائق السماويَّة .
الموتُ نهاية كل حيّ , ولكنه فترة انتقال : امّا الى نعيم , وامّا الى جحيم .
الحياةُ خير معلِّمٍ ومُؤدِّب , وخيرَ واقٍ للمرءِ من الأنزلاقِ الى مهاوي الحضيض .
حين تشكُّ بأقربِ المُقرَّبين اليك تبدأ في فهمِ حقائق هذا الكون .
مَنْ يكون ذلك القدّيس الذي لم تخطرُ المرأة في باله ؟ لو وجدَ هذا لشبَّهته بالآلهة .
المرأة هي إله هذه الأرض الواسع السُّلطان. و هي تحملُ بيدها سيفاً قاطعاً لو حاولَ رجالُ الأرض قاطبةً انتزاعه منها لباؤوا بالفشلِ و الخذلان .
 

طريقُ الارتقاء الروحيّ وفقًا لمَفهوم مُؤسِّس الداهشيَّة (2)

مصدرُ الدوافع النفسيَّة الخبيثة

ومناراتُ الارتقاءِ الروحيّ

بقلم الدكتور غازي براكْس


في العددِ السابق من "صوت داهش" أَوضَحتُ أنَّ الإنسانَ لا يستطيعُ ارتقاءَ المعراج الروحيّ لتَحقيقِ الكمالِ الإنسانيّ ما لَم يَجتَز المرحلةَ الأُولى المُمَهِّدَة له، وهي الارتداعُ عن الرذائل والشرور؛ كما أظهَرتُ أنَّ الدوافعَ النفسيَّةَ التي تحضُّ الناسَ على ارتكابِ المُنكَرات يُمكنُ إجمالُها بستَّة: شهوةِ المال، شهوةِ الجنس، شهوةِ السلطة، نزعةِ الحَسَد، نزعةِ الكبرياء، نزعةِ الرياء. ولكنْ ما مصدرُ هذه الدوافع النفسيَّة الخبيثة؟ وما هي مناراتُ الارتقاء الروحيّ؟

 

مصادرُ الدوافع النفسيَّة الخبيثة وفقًا للداهشيَّة

في التعاليم الداهشيَّة أَنَّ الأَرضَ شهدَت 761 دَورًا حضاريًّا تكوينيًّا امتدَّت على ملايين السنين؛ وكان آخرُها دَورَ نوح، وقبله دَورُ آدَم.[1] وكان البشرُ، عند انقضاء كلِّ دَور، يفنَون بأَجمعهم أَو بمُعظمهم، بعد أَن يبلغوا شأوًا بعيدًا في الحضارة ومُنجزاتها العلميَّة والتكنولوجيَّة، وذلك لأنَّ رُقيَّ العقل عندهم لم يكُن مقرونًا برُقيِّ النزعات. ولذلك تجرفُهم المفاسدُ والمظالمُ، وتكونُ الشرورُ سببًا للقضاء عليهم إمَّا بأَنفسهم أَو بقوًى طبيعيَّة أَو خارجيَّة تُسَلَّطُ عليهم بموجِب نظام العدالة الإلهيَّة.

وعلى حدوثِ الطوفان المُبيدفي الأَلف السادس قبل المسيح، لا في الألف الثالث مثلما يظنُّ المُتمسِّكون بحرفيَّة التوراة[2]فإنَّ الشرورَ والرذائلَ عادت تتفشَّى وتستشري في البشر مُوقِدَةً الحروب، وناشرةً المفاسد، ودافعةً إلى المظالم والفظائع والمُنكَرات... حتَّى يومِنا هذا.

إذًا طبيعةُ الإنسانِ ذاتُ جانبٍ شِرِّيرٍ مُظلِم، ونفسُهُ "أمَّارةٌ بالسوء". أمَّا النزعاتُ الخيِّرة فليست هي الغالبة، وإن انتصرَت في قلائل. هذه الفطرةُ التي يغلبُ الخبثُ عليها يُبرزُها مُؤَسِّسُ الداهشيَّة بِقَوله مُخاطبًا نفسَه وعاتبًا عليها، بعدَ أن خابَ أملُهُ في أصدقاء له خانوه، بعدَ أن أخلصَ لهم الوُدَّ سنينَ كثيرة:

أمَّا أن تَلومَ مَن جَبَلَتهُ (العناية)

وأوجدَت فيه جميع العناصر التي من طَبْعِها التبدُّلُ والتغيُّر؛

أمَّا أن تطلبَ إلى إنسانٍ أن يكونَ أسمى من الطينة

التي جُبِلَ منها وتَمَّ تكوينُهُ بها،

فهذا أمرٌ لا أُقرُّكَ عليه،

ولا أرغبُ لكَ أن تقعَ ثانيةً فيه.[3]

وقُصارى القول إِنَّ الرغباتِ والنزعات الخيِّرة والشِّريرة هي في سيَّالات الإنسان التي لا تخضعُ للفناء، وهي تنتقلُ معها من جيلٍ إلى جيل إمَّا بواسطة مُورِّثات الوالدَين أو بطريقة الانتقال روحيًّا والاندماج بتلك المُورِّثات؛ وفي الحالَين تُكيِّفُ السيَّالاتُ المُنتقلة جيناتِ الجَنين وتُقولبُها بقالبِها، مانحةً إيَّاها خصائصَها من صحَّةٍ أو مرَض، وسلامةٍ أو عاهة، وذكاءٍ أو غباء، وقوَّةٍ أو ضُعف إلخ... وقد يهجعُ الخَلَلُ أو العاهةُ زمَنًا مُحَدَّدًا ليعودَ فيظهر بعد أن يكبر الإنسانُ، وذلك وفقًا لناموسَي العدالة الإلهيَّة والسببيَّة الروحيَّة.

هذا هو المصدرُ الأَوَّلُ والرئيسُ للجانب المُظلِم في البشر، كما للجانب النيِّر، في المفهوم الداهشيّ: سيّالات الإنسان.

أمَّا المصادرُ الأُخرى فهي جُهدُ الإنسان الإراديّ الشخصيّ، والبيئةُ الصُّغرى التي ينشأُ فيها سواءٌ كانت البيت أم المدرسة، والبيئةُ الكُبرى سواءٌ كانت المجتمعَ القوميَّ أم العالَم (والبحثُ فيها سيتمُّ في أعدادٍ لاحقة).

 

مصدرُ الجانب المُظلِم وفقًا للعُلَماء المُعاصِرين

لكن كيفَ يرى عُلماءُ النفس والاجتماع والأَنتروبولوجيا المعاصرون مصدرَ الجانب المُظلِم في الإنسان؟

من الطبيعيّ ألاَّ يعودَ هؤلاء العلماءُ إلى الكُتُب المُقدَّسة ومصادر الوحي الروحيّ في استنتاجِ آرائهم وصياغةِ أحكامهم، لأَنَّ دراساتهم مَبنيَّةٌ على الاختبار والمُلاحظة والإحصاءات وتقصِّي أنماط السلوك في سِياق الأَجيال. ولكن مع ذلك، فإنَّهم توصَّلوا بعد اختلافٍ وتناقُض، إلى النتيجةِ نفسِها التي أعطَتها الداهشيَّةُ كما الأَديانُ الموحاةُ قبلها، وهي أنَّ الجانبَ المُظلمَ في الإنسان مصدرُهُ الأَوَّلُ طبيعةُ الإنسانِ نفسُها؛ لكنَّ العُلماءَ اختلَفوا في التفصيلِ والتأويل.

فسيغموند فْرويد Sigmund Freud (1856-1939)، أبرزُ عالِمٍ نفسيٍّ في مجال الكَشف عن العقل الباطن والقوى المُظلمة المُتفاعلة فيه، أدَّت به دراساتُه إلى الاقتناع بأنَّ الشرَّ، ولا سيَّما العُنفَ المُدمِّر، كائنٌ في جبلة البشر، وأنَّ إشباعَ هذه النزعة الفطريَّة العامَّة تجلبُ الرضى لصاحبها، شأنها شأن إشباع حاجته للطعام والشراب والجنس.

وكونراد لورنتز Konrad Lorenz (1903-1989)، حائز جائزة نوبل، سلَّطَ الضوءَ على غريزة العُنف العدوانيَّة في طبيعة الإنسان، ورآها تَغلي في نفوس الأَكثريَّة كما يَغلي النَّفط، ولا ينقُصُها سِوى قَدْح زَنْدٍ حتَّى تشتعل. وهذه الطبيعةُ غيرُ العقلانيَّة هي التي تدفعُ الشعوبَ إلى مُحاربَةِ بعضها بعضًا دونما ضرورةٍ اقتصاديَّة، وهي التي تدفعُ إلى الاقتتال مؤمنين بديئَين فيهما برنامجُ الارتقاءِ الروحيِّ والخلاصِ نفسُه... وليُبرزَ لورنتز واقعَ البشر المُزري يقول: لو أنَّ كائنًا عالِمًا من خارج الأَرض يُراقبُ تصرُّفاتِ البشر الجماعيَّة، لا تصرُّفاتهم الفرديَّة، إذْ لا يرى منهم إلاَّ الحُشود، فإنَّهُ يستنتجُ من مُشاهداتِه أنَّ التنظيمَ الاجتماعيَّ البشريَّ شبيهٌ إلى حَدٍّ بعيدٍ بتَنظيمِ الجراذين الاجتماعيّ. فهي كالبشر مُسالِمَة، بصورةٍ عامَّة، ضمنَ قبائلها، لكنَّ جراذينَ كلِّ مُتَّحدٍ منها شياطينُ شرِّيرة تجاهَ جراذين المُتَّحدات الأُخرى. ويرى هذا العالِمُ السيكولوجيُّ النمساويُّ أنَّ الحلقةَ المفقودةَ بين الحيوان والإنسان التي يبحثُ عنها العُلَماءُ إنَّما هي البشرُ الحاليُّون. لكنَّ الكبرياءَ هي التي تَمنعُ كثيرين من الباحثين من الاعتراف بالجانبِ المُظلِم في طبيعة الإنسان، الجانبِ الغريزيّ الحيوانيّ.[4]

وكانَ كثيرونَ من الباحثين قد ضلُّوا في تشخيصهم للشرور البشريَّة، فجعلوا مصدرَها الأَوَّل قائمًا في المُجتمع، في نظامِه الاقتصاديّ السياسيّ أو الثقافيّ، وذلك بعدَ قيامِ الأَنظمةِ الاشتراكيَّة، وإشعال النازيَّة للحرب العالَميَّة الثانية. لكنَّهم اضطُرُّوا إلى التراجُع عن مواقفهم، بأكثريَّتهم، بعد الإنجازات البيولوجيَّة المُذهِلَة في العَقدَين الأَخيرَين من هذا القرن، وخاصَّةً في الكَشفِ عن تأثيرِ الجينات في بِنية الإنسان الفيزيائيَّة كما في قواه النفسيَّة وبناءِ شخصيَّته.

يقولُ جون كيغِنْ J. Keegan في كتابِه الفَذّ "تاريخ المُحاربة": "المُجتَمعاتُ المُتمدِّنة هي التي تُفضِّلُ أن تعيشَ محكومةً بالقانون، أي أن تضبطَ نظامَها قوى الأَمن؛ وضبطُ النظامِ هو نوعٌ من الإكراه. ففي قُبولِنا ضبطَ النظام نُقِرُّ، في قرارةِ أنفُسِنا، بأنَّ في طبيعة الإنسان جانبًا مُظلِمًا يجبُ أن يُكبَحَ بالخَوف من قوَّةٍ أكبر."[5]

وبارك دِيَتْز Park Dietz، العالِمُ الاجتماعيُّ والطبيبُ النفسيُّ والخبيرُ القضائيُّ الذي أمضى خمسةً وعشرين عامًا يتقصَّى آثارَ المُجرِمين الكِبار، يقولُ في حوارٍ مع مجلَّة "السيكولوجيا اليوم": حينما نُواجهُ عصابات الأحداث المُنحرفين يُمكنُ أن نُشيرَ بإِصبعِ الاتِّهامِ إلى فُقدانِ التربية وتعهُّد الآباء لهم، "لكنَّ هذا لا يُفسِّرُ إسقاطَ امرأةٍ لطفلها في كُرسيِّ الحمَّام أو طعنَ رجلٍ شريكَه خمسينَ طعنة."[6]

والحقيقةُ التي أظهرَتها الدراساتُ الحديثةُ التي بُنِيَت على فُروعٍ مُتعدِّدَةٍ من مُختلِفِ العلوم الطبيعيَّة والإنسانيَّة قد نجدُ خلاصتَها في ما وضعَته نيهوف Niehoff تحت عنوان "...................."، ومفادُها أنَّ النزعاتِ الشرِّيرة في الإنسان، كما النَّزعات غير الشرِّيرة، ذاتُ أُصولٍ راسخة في جيناته وعلاقةٍ مُباشرةٍ بعمليَّاتِ دماغِه، لكنَّ التربيةَ البيتيَّة والمدرسيَّة وسائر العوامل الخارجيَّة الهاجمة على الإنسان من مُحيطِه تُؤثِّرُ جميعها أيضًا في تكوينِ نزَعاتِه وتطويرِها وتوجيهِها. ومع ذلك فإنَّ قسطًا كبيرًا من المسؤوليَّة يقعُ على الإنسانِ نفسِه في ما يبذلُه من جُهدٍ إراديٍّ شخصيّ.[7] وهذا ما تقولُ به الداهشيَّة.

 

الأَمَلُ في تغليب الخير على الشرّ في الإنسان؟

هل من أمَلٍ في تغليبِ الخيرِ على الشرِّ في البشر؟

في رسالةٍ موحاة أنزلَها روحُ الأَب الصالح نوح على مُؤسِّس الداهشيَّة، فارتسمَت على قراطيسَ بيضاء بين يدَيه بصورةٍ إعجازيَّة،[8] وردَ أنَّ وحيَ الله أتى نوحًا بعدَ أن جفَّت الأَرضُ قائلاً له:

أُخرُجْ، يا نُوح، من الفُلك، أنتَ وكلُّ مَن هم معك. ولا مانعَ من أن تتناسَلوا لحكمةٍ يجبُ أن تبقى مكتومةً عن البشر الآن. وستُعرَفُ في الأَوقات التي يجبُ أن تُعرَفَ فيها.

وقال الربُّ لي أيضًا: "إنَّ الإنسانَ ذو قلبٍ فاسدٍ شرِّير؛ لهذا يجبُ أن يتكاثرَ على هذه الأَرض. وسيفرزُ كلُّ صالحٍ نفسَه من قطيع هؤلاء البشر الأَردياء، فينالُ سعادتَه العُظمى عندما تأتي الساعةُ الأَخيرةُ، ساعةُ الحساب والعقاب.[9]

لكن كيفَ يتمُّ فَرزُ الخيِّر من الشرِّير بالتناسُل؟

جوابُ ذلك أعطاهُ مُؤسِّسُ الداهشيَّة، وبه فضَّ السرَّ المكتومَ آلافًا من السنين: إنَّه السيَّالات التي منها يتكوَّنُ الإنسانُ وكلُّ ما في الطبيعة. فسيَّالاتُ نوح وزوجتِه انتقلَت إلى أبنائهما الثلاثة سام وحام ويافث، وسيَّالاتُ هؤلاءوفيها ما ارتقى أو تدنَّىمع سيَّالاتِ نسائهم (بهاء الأَرض وراضية وقَنوعة) انتقلَت إلى أولادهم فأَحفادهم، فإلى البشر الناجين القلائل الذين التقَوهم في أَماكن بعيدة عن مسرح الطوفان وتزوَّجوا بهم، وهكذا دوالَيك... بحيثُ إنَّ ما كانَ مخزونًا من طاقاتِ خيرٍ وشرٍّ في نوح وزوجته أصبحَت اليوم مُوزَّعةً بين ستَّة بلايين بشريّ؛ بل لنقُلْ من طاقتَين نفسيَّتَين هما أشبهُ بشَمسَين غير مرئيَّتَين امتدَّت، في خلال بضعة آلاف من السنين، عشراتُ البلايين من الأَشعَّة التي فيها ذو النزعةِ السامية، وذو النزعة الدُّنيويَّة، وذو النزعة السُّفليَّة الشِّريرة كما السيَّالُ الغبيّ أو الذكيّ أو العبقريّ. فمنها ما بقِيَ في البشر، ومنها ما اندمَجَ في النبات أو الحيوان أو الحجَر، ومنها قليلٌ فارقَ الأَرضَ عائدًا إلى فراديس النعيم العُلويَّة، ومنها كثيرٌ فارقَ الأَرضَ هابطًا إلى دركات الجحيم السفليَّة. وهكذا يتحمَّلُ كلُّ سيَّالٍ تَبِعَةَ عمله. فسيَّالُ الرغبة الشرِّيرة يُفرَزُ عن سيَّال الرغبة السامية، والسيَّالُ الغبيُّ يُفرَزُ عن السيَّال الذكيّ، والارتقاء أو التدنِّي يتمَّان في آلاف التقمُّصات لكلِّ سيَّال.

 

مَناراتُ الارتقاء الروحيّ

والراغبون في تغليب الخير على الشرّ في ذواتهم يُمكنُهم أن يزدادوا أَمَلاً إذا أدرَكوا أنَّ الخيرَ والشرَّ يتصارَعان في كلِّ نفسٍ بشريَّة. فليسَ من نفسٍ على الأَرض إلاَّ فيها نزعاتٌ راقيةٌ ونزعاتٌ سُفليَّةٌ أو على الأَقلِّ دُنيويَّة، ذلك بأنَّ درجةَ الأَرض الروحيَّة تستَوجبُ هذا التناقُض، فدُنيانا على عَتَبة الدركات الجحيميَّة. لكنَّ العنايةَ الإلهيَّة مَدَّت الراغبين في الارتقاء الروحيّ مناراتٍ أَربعة تُساعدُهم في رؤية الطريق الشاقَّة الصاعدة، وهي: حياةُ الرُّسُل والهُداة، والضميرُ الحَيّ، والعقل، والتعاليمُ الموحاة.

 

المنارُ الأَوَّل: حياةُ المُرسَلين والهُداة

إنَّ الأَنبياءَ والهُداةَ الروحيّين أَنفسَهم ما إن تهبطُ سيَّالاتُهم السامية إلى الأَرض حتَّى تُصبحَ مُعَرَّضةً مع سائر سيَّالاتهم الموروثة إلى تجارب الدنيا، من شهواتٍ وإغراءاتٍ أرضيَّةٍ كشهوات المال والسلطة والمرأة... لكنَّهم يتغلَّبون عليها بإراداتهم السامية.

يقولُ الدكتور داهش:

إنَّ بوذا العظيمَ الذي كانَ وَلِيًّا للعهد تركَ زوجتَهُ الشابَّة وتركَ أُبَّهةَ المُلك والثروةَ الطائلة، واعتزلَ العالَمَ لأَنَّهُ أيقنَ أنَّ مجدَ هذا العالَم ليسَ إلاَّ وهمًا باطلاً وظلاًّ حائلاً. ومع أنَّ بوذا سبقَ المسيحَ بستّمئة عام، فإنَّ ذكرَهُ ما يزالُ قائمًا، ومعابدَهُ وتماثيلَهُ تملأُ بلادَ سيام، واليابان، وما ذلك إلاَّ لأَنَّهُ انتصرَ على المادَّة، وسحقَ الشهوة، وقهرَ نفسَهُ فتغلَّبَ على رغبات الجسد الحقيرة.

لهذا السبب تأسَّسَت الديانةُ البوذيَّةُ، ولهذا السبب تبعَهُ الملايينُ والبلايينُ من الخلائق في خلال هذه الـ2500 عام.

وكذلك غاندي ما كانت الهندُ لتَتبعَه لو لم يقهر جسدَه ويتغلَّب على ميولِه، ويُفضِّلُ العالَمَ الآخر على عالمِنا المادِّيّ الحقير.

وينطبقُ هذا القولُ على السيِّد المسيح. فما كانَ للدين المسيحيّ أن ينتصرَ وينتشرَ لو لم يتغلَّب السيِّدُ المسيحُ على رغبات الجسد ويَدُسها بقَدَمَيه بقوَّةٍ وبجبروت..."[10]

بيدَ أَنَّ تغَلُّبَ الأَنبياء والهُداة الروحيِّين على تجارِب الدنيا لا يَنفي اصطراعَ الميول والرغبات المُتناقضة في نفوسهم، بل سقوطهم، في ما ندَر، في أخطاء فادحة. وفي "مُذكِّرات يسوع الناصريّ" للدكتور داهش أَمثلة لأخطاء وقعَ فيها داودُ النبيّ وسُليمان الحكيم.[11]

ووفقًا لإنجيل لوقا، إنَّ الشيطانَ جرَّبَ يسوع إذْ كان صائمًا جائعًا، فاستحثَّهُ على أن يصنعَ معجزةً فيتحوَّل الحجرُ خبزًا؛ لكنَّ المسيحَ امتنعَ قائلاً: "ما بالخبز وحدَه يَحيا الإنسان." ثمَّ أراهُ الشيطان من ذروة جبل جميعَ ممالك العالَم مُغرِيًا إيَّاهُ بإعطائه مجدَ العالَم كلَّه لأَنَّهُ يملكُه، إذا سجَدَ له؛ لكنَّ المسيحَ أجابَه: "للربِّ إلهك تسجد، وإيَّاهُ وحدَه تعبُد."[12]

غيرَ أنَّ يسوع المسيح مع إرادته السامية الجبَّارة، ضعُفَ حينما تمثَّل العذابَ الذي سيُعانيه بعدَ أن يقبضَ جنودُ الرومان عليه، فابتهلَ إلى الله ثلاث مرَّات أن يُبعدَ عنهُ كأسَ العذاب إذا أمكنَ، لأَنَّ "الروح راغبة، ولكنَّ الجسدَ ضعيف."[13]

ولذا، وفقًا للتعاليم الداهشيَّة، هبطَت الشخصيَّةُ الأَربعمئة من شخصيَّات السيِّد المسيح، مُتَّخذةً شكلَه تمامًا وحالَّةً محلَّه لتتلقَّى العذاب فالصَّلب. ومن أجل ذلك قال القرآنُ الكريم: "وما قتلوهُ وما صَلبوهُ ولكن شُبِّهَ لهم."[14] وما شِبهُهُ إلاَّ السيَّالُ العُلويُّ الذي هو امتدادٌ له في العوالم الفردوسيَّة، وقد هبطَ ليقومَ مقامَهُ في مُعاناة العذاب الذي ضعُفَ يسوع عن تحمُّله.

إذًا طبيعيٌّ جدًّا أن يشعرَ الإنسانُ العاديُّ بالنزاع بين ميوله المُختلِفة، وأن يسقطَ أحيانًا كثيرةً في التجارب التي تعترضُهُ؛ وليسَ مُستحيلاً أن يشعرَ كلُّ إنسانٍ عظيمٍ أو عبقريّ، أو سامٍ بدوافعَ تحثُّهُ إلى إشباعِ رغباتٍ أرضيَّة أو تلبِيَة مطامحَ بعيدة. حتَّى المُرسَلون والهُداة الروحيُّون تتنازعُهم شتَّى الميول والمطامح لأَنَّهم في الأَرض يعيشون، ومن جبلتِها قد كُوِّنوا. والفضلُ، كلُّ الفضلِ يكونُ لهم إذا استطاعوا أن ينتصروا على تلكَ التجارب. فمن قراءاتنا لكتاب "بروق ورعود" الذي وضعَهُ مُؤسِّسُ الداهشيَّة عام 1942، نُدركُ أنَّ تجاربَ كثيرةً اعترضَتْهُ في حياته، لكنَّه انتصرَ عليها جميعًا وهو لم يبلغ الثالثة والثلاثين. ففي قطعةٍ عنوانها "نزاع"[15] يقول:

أنا في حربٍ شعواء مع ميولي ورغباتي وطُموحي

فالروحُ تبغي أن تُحلِّقَ بعيدًا عن عالَم المادَّة المُدَنَّس

والجسمُ اللعينُ يرفضُ ما يتوقُ إليه عالَمُ الروح المُقدَّس

فهما أبدًا في حربٍ ناشبةٍ مُستعرة الأُوار

وأنا بينهما كالريح والتيَّار في وسط البحار

فأُطيعُ حينًا نزَعاتِ جسمي، وحينًا أُطيعُ نزَعاتِ روحي.

لقد كانت أمجادُ الدنيا مُنبسطةً مُهيَّأةً بين يدَي الدكتور داهش لو أرادَ اقتناصَها، وكانت شهَواتُها طوعَ إشارةٍ من بَنانِه لو شاءَ اغتنامَها، لكنَّهُ آثرَ تحمُّلَ عذاب الاضطهاد والإبعاد والتشنيع والافتراء على التراجُع عن نشر الرسالة السماويَّة التي هبطَ من أجلِها. فقد كانَ واحدًا من أولئكَ الهُداة الروحيِّين والمُرسَلين العظام الذين تُرسلُهم العنايةُ الإلهيَّةُ إلى الأَرض الشقيَّة لمُساعدَة البشر مِمَّن يرغبون في التغلُّب على نزعاتهم السُّفليَّة والدُّنيويَّة، بِمَدِّهم بأنوار الهداية وإرشادهم إلى الطُّرُق الصحيحة التي توصلُهم إلى خلاصهم.

يقولُ في رسالتِه الأُولى التي يردُّ فيها على الدكتور محمَّد حسَين هيكل، رئيس مجلس الشيوخ المصريّ ورئيس الحزب الدستوريّ:

إنَّ الاضطهادَ العظيمَ الذي أُصِبتُ به هو لأَجلِ تعاليمي التي لا ولن أَحيدَ عنها قيدَ أُنمُلَة، حتَّى لو بذَلتُ روحي في هذا السبيل الذي أدعو إليه.

فالمالُ، والعظمةُ الكاذبة، والغرور، والمجدُ الوهميُّ، والسيادةُ المُسيطرة، والجَبَروت والطغيانهي حُلمُ الجميع ومُبتَغى الكُلّ، وأُمنيَّةُ البشريَّة، منذُ فجر تاريخها المعروف حتَّى يومنا هذا، وحتَّى فناء كوكبنا الأَرضيّ.

لهذا تراني الآن أتخيَّلُ مواكبَ الإنسانيَّة المُندَثِرَة وهي لا غايةَ لها إلاَّ السيطرة والإثراء والطغيان.

أمَّا العدالة، أمَّا الرحمة، أمَّا المُساواة، أمَّا التضحية والمُفاداة فهي كلماتٌ طنَّانةٌ فارغة. وليسَ مَن يهتمُّ بتبنِّيها بصورةٍ صادقة. ولكنَّهم يتَّخذونها ستارًا لغاياتٍ يُريدون تنفيذَها بواسطتها.

هذا ما حاوَلتُ إفهامَ إخواني إيَّاه، وما غرستُه في نفوسهم، فكانَ ما كان من الظلم الرهيب الذي نالَني.[16]

إذًا أُولئكَ الحُكماءُ الروحيُّون الذين تُنيرُ مشاعلُهم الهاديةُ الأَرض من حينٍ إلى آخر همُ المنارةُ العُظمى في ظُلمة الحياة، وهم الأَمَلُ الأَكبرُ الذي يجبُ أن يتعزَّى به مَن يطمحونَ إلى الارتقاء الروحيّ؛ فتعاليمُهم الصادقة لا بُدَّ من أَن تفتحَ حتَّى عيونَ العميان الذين يتوقون بشوقٍ صادقٍ إلى الرؤية الروحيَّة.

 

المنارُ الثاني: الضميرُ الحَيّ

إِنَّ الذينَ في نفوسهم نزعاتٌ راقيةٌ ليسوا نادرين في الأَرض، فأمثالُهم يُلقَونَ في جميع الشعوب والأَديان، لكنَّهم ليسوا الأَكثريَّة. إِنَّهم يُعرَفون بِنزعاتهم الإنسانيَّة كالإحسانِ والشفقة، أو بدِفاعِهم عن الحقيقة والحُرِّيَّة والعدالة، أو بالتضحية التي قد تظهرُ في أعمالهم أحيانًا، كما يُعرَفون بامتناعهم عن إيقاعِ الأَذى والشرِّ في غيرهم حتَّى لو كانوا مأمورين بذلك؛ فشعارُهم: "لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصية الخالق."

والجديرُ بالذكر أنَّ عدَّةَ دراساتٍ نفسيَّةٍ اجتماعيَّةٍ أُجرِيَت على كثيرين من الجنود الأَمريكيِّين الذين خاضوا الحربَ العالميَّةَ الثانية أو حربَ فيتنام، فأظهرَت أنَّ حوالى واحدٍ من كلِّ أربعةِ جُنود كانَ ضميرُهُ يردعُهُ عن أن يُسدِّدَ بُندُقيَّتَهُ على خصمِه ويُطلِقَ الرصاصَ عليه ليُرديَه، مع كاملِ علمِه بأنَّ ذلك واجبٌ وطنيٌّ عليه، وبأنَّ عدوَّهُ قد يقتلُه إذا لم يُبادر إلى قتله.[17] كما أظهرَت دراساتٌ أُخرى أنَّ خُمسَ الجنود، على الأَقلّ، مِمَّن كانوا يُؤمَرون بِقَتلِ الأَسرى، كانوا يشكون، بعد ذلك، من اضطراباتٍ نفسيَّةٍ وكوابيسَ وأرَقٍ وأعراضٍ جسميَّةٍ مرَضيَّةٍ كالقَيْءِ والإسهال إلخ... نتيجةً للصراعِ النفسيِّ الذي نشبَ في ذواتِهم بين تَلبيَة صوت الضمير أو صوت الواجب الوطنيّ.[18]

إِنَّ هذه الأَمثلةَ تُظهرُ بما لا يَقبَلُ الشكَّ أنَّ النزعاتِ الخيِّرَة ما تزالُ حيَّةً في كثيرين حتَّى بين البشر العاديِّين. فإِذا زِدْنا إليهم المُصلِحين والمُفكِّرين والأُدباءَ والعُلَماءَ والفنَّانين مِمَّن يستَلهِمونَ الحقَّ والخيرَ والجمالَ في أعمالهم، فإذْ ذاكَ نُدركُ أنَّ السيَّالاتِ العُلويَّةَ ما تزالُ فاعلةً في كثيرين من البشر، وإِن يكُن الصراعُ بين الخيرِ والشرِّ ما يزالُ قويًّا في كُلِّ نفس. فالضميرُ الحَيُّ، الذي هو السيَّالُ الأَسمى في كلٍّ من هؤلاء، هو النورُ الثاني الذي يُوسِّعُ دائرةَ الإضاءة في نفوسهم، ويُعزِّزُ الأَملَ في الارتقاءِ الروحيّ. وما على كلِّ إنسان إلاَّ أن يُلَبِّيَ صوتَ ضميرِه إذا كانَ ما يزالُ مسموعًا؛ فهو الدليلُ على أنَّ النورَ الهادي ما يزالُ فيه.

 

المنارُ الثالث: العقلُ الهادي

كنتُ قد أوضَحتُ في عددٍ سابقٍ من "صوت داهش"[19]ما يشتملُ العقلُ عليه من قوًى نفسيَّة، وبيَّنتُ أنواعَ الذكاء المُختلِفة بين الناس؛ كما ذكَرتُ أنَّ المواهبَ العقليَّةَ قد تتميَّزُ بِتَفوُّقِها، أحيانًا، فتَسمو إلى درجة العبقريَّة، وتُؤثِّرُ، إذْ ذاك، في مجرى التاريخ تأثيرًا قد يكونُ كبيرًا أو صغيرًا، وتُسهِمُ في تقدُّمِ الحضارة بجانبٍ من جوانبها.

والخالقُعزَّ وجلَّجعلَ العقلَ هاديًا في كلِّ إنسان، لأَنَّ العقلَ قبَسٌ من النور الإلهيِّ المُطلَق. لا يشذُّ عن ذلك إلاَّ مَنِ اختَلَّ عقلُهُ اختلالاً كبيرًا فصارَ ذا جُنونٍ مُطبِق أو عاجزًا عن رَبْطِ الأَسبابِ بنتائجها، وعن تمييز الخيرِ من الشرّ، فيغدو مثَلُالمجنون، إذْ ذاك، مَثَلَ الطفل الذي لا يُحَمَّلُ تبعةَ أَعماله؛ وهذا نادرٌ جدًّا حتَّى بين المُجرمين.[20]وأَهمُّ ما يجبُ أن يُقدِّمَه العقلُ من معارف لإضاءة طريق الارتقاء الروحيّ هو: معرفةُ الإنسان لذاته، ومعرفةُ القوانين الطبيعيَّة والإنسانيَّة، ومعرفةُ قوانين المنطق التطبيقيِّ السَّديد.

 

إِعرَفْ ذاتَك

هذه الحكمةُ ما تزال، منذُ أطلَقَها سُقراط، مفتاحَ بابِ الهداية المُؤدِّي إلى طريق الارتقاء الروحيّ. وأنا أستَخدمُها هنا بمعناها السيكولوجيّ لا الاجتماعيّ الذي ألبَسَها إيَّاهُ بعضُ الباحثين.

وفي ضوء التعاليم الداهشيَّة تُصبحُ هذه الحكمة ذاتَ عدَّةِ أبعاد:

أوَّلاً - كلُّ إنسانٍ هو ملاكٌ أَو كائنٌ عُلويٌّ ساقط. إذًا عليه ألاَّ يفقدَ الأَملَ في العودةِ إلى عالَمٍ أرقى جدًّا من الأَرض، وعليه أن يؤمنَ بقُدرتِه على ذلك إذا هو أراد.

فقد تأكَّدَ لي بالمُعجزاتِ الملموسة التي عاينتُها أنَّ غيرَ قليلين من الداهشيِّين الذين قضَوا خلالَ حياة مُؤسِّس الداهشيَّة انتَقَلوا إلى عوالمَ فردَوسيَّةً عظيمةَ البهاء والمعرفة. كما أَكَّدَ لي الدكتور داهش أنَّ أشخاصًا غيرَ قليلين لم يعرفوا الداهشيَّة، لكنَّهم عاشوا حياةً روحيَّةً صادقة، انتَقَلوا إلى الفراديس العُلويَّة، في حين أنَّ الكنيسةَ الكاثوليكيَّةَ صنَّفَتهم بين الهالكين أو المُجرمين أو زجَّت بهم في "مطهرها"؛ منهم سُقراط وأفلاطون وشكسبير وفولتير وجبران خليل جبران والمهاتما غاندي وكثيرون من العباقرة. وعلى نقيضِ ما يظنُّ كثيرون من المسيحيِّين، عرفتُ من مُؤسِّس الداهشيَّة أنَّ أشخاصًا كثيرين مِمَّن طُوِّبوا "قِدِّيسين" يُعانونَ العذابَ في الدركات الجحيميَّة. ذلكَ بأنَّ العقلَ إذا لم تدعمْهُ نزعاتٌ ساميةٌ ورغباتٌ وأفكارٌ صادقةُ الروحانيَّة يبقى عاجزًا عن إنقاذِ صاحبِه والسموِّ به إلى ما فوق درجة الأَرض الروحيَّة. فالقداسةُ ليست بالمواعظِ والكتابات التي تشرحُ القداسةَ والروحانيَّة وما يمتُّ إليهما، بل هي في الأَعمال والرغبات والأَفكار الروحانيَّة التي يُقدِّسُ بها الإنسانُ نفسَه.

ثانيًا- كلُّ إنسانٍ ولدَهُ أبَوان بشريَّان يكونُ مفطورًا من جبلة الأَرض الخاضعةِ للخَلَلِ والنقائص كما للتجارب الدُّنيويَّة. فإذا عمَّ البشرَ خَلَلٌ أو نَقصٌ أو شملَ معظمَهم، فاستَنتَجَ الباحثون أنَّهُ في الطبيعة البشريَّة، فهذا لا يَعني أنَّ الخللَ أصبحَ صحَّةً والنقصَ كمالاً، ذلك بأنَّ الطبيعةَ البشريَّةَ نفسَها غير صحيحة ولا كاملة. فالصحَّةُ النفسيَّةُ، ولْنقُل الروحيَّة، بعيدةٌ عن أكثريَّة البشر.

ولذلك تقتَضي معرفةُ الذات أن يستكشفَ الإنسانُ النقصَ والضعفَ والخَلَلَ في نفسِه بنَقدِه أعمالَه وميولَه وأفكارَه قياسًا على سُلوكِ شخصيَّاتٍ روحانيَّةٍ بارزة. وليس أَوضح من سيرة غاندي وسِمات شخصيَّته لتكونَ قاعدةً ومَقاسًا. لكنَّ هذا الأَمرَ ليسَ سهلاً، بل فيه الصعوبةُ كلُّها؛ لأَنَّ أكثريَّةَ البشر يُعميهم عن رؤيةِ حقيقة نفوسهم الغباء أو الغرور والكبرياء التي يُشكِّلُ كلٌّ منها غشاوةً على الإدراك، فتتعكَّرُ الرؤيةُ الصافية وتنحرفُ الرِّميةُ عن هدفِها. ومثلما أنَّ الجهلَ والغباءَ يُعلِّلان عجزَ أكثر العامَّة عن الارتقاء الروحيّ، فإنَّ الغرورَ والكبرياءَ يُعلِّلان فَشَلَ كثيرين من المُفكِّرين والأُدباء والفنَّانين والعُلماء في الارتقاء الروحيّ.

ثالثًا- أَصعَبُ من كَشْفِ النقص والضَّعف والخَلَل هو الاعترافُ بها، لا بين الإنسان ونفسِه فحَسب، بل بينَه وبينَ معارفه وفي مُحيطه، لأَنَّهُ يقتَضي شجاعةً معنويَّةً وصِدقًا وإخلاصًا للحقيقة. فليس سَهلاً أن يعترفَ إنسانٌ ما حتَّى لنَفسِه بأنَّهُ أنانيٌّ أو مَفتونٌ بنفسه أَو بحُبِّ الظهور أَو جَشِعٌ أَو بخيلٌ أو مغرورٌ أو مُتكبِّرٌ أو كذَّابٌ أو حَسودٌ أو مهووسٌ بالجنس أو بالتسلُّط إلى ما هنالك. كتبَ غاندي يقول:

"إِنَّ أهمَّ أسباب سوء التفاهُم الذي وقعَ هو اعتبارُ الملايين إيَّايَ أنَّني رجلٌ كامل. وأَصدقائي الذين يعرفون مَيلي إلى الجيتا (كتابٌ هندوسيٌّ مُقدَّس) أرَوني فيها أبياتًا واضحةً، وأظهَروا لي أنَّ تصميمي على الافتخار يتنافى مع التعاليم التي أُحاولُ أن أعيشَ بمُقتضاها. ولكنَّ جميعَ هؤلاء المُرشِدين غابَ عنهم أنَّني لستُ إلاَّ باحثًا عن الحقيقة. وأدَّعي بأنَّني أَبذُلُ جهودًا لا تنقطِعُ في سبيل العُثور عليها كاملةً، غير منقوصةمعناهُ إِدراكُ الإنسان نفسَه والوقوفُ على مصيرِه. ولكنِّي مُدرِكٌ تمامًا لجميعِ نقائصي. وفي إدراكي هذا قوَّتي التي تملَّكتُ من ناصِيَتِها؛ لأَنَّهُ من النادر أن يعرفَ الإنسانُ نقائصَه، ويعترفَ بها."[21]

والداهشيُّون الذين لازَموا مُؤسِّسَ الداهشيَّة فعايَشوهُ وعرَفوه عن كَثَب يُدرِكون أيَّ إنسانٍ طاهرٍ سامٍ كان يعيشُ بين ظهرانيهم، ومع ذلك كان يستنصر الله ويستَرحمُه ويستَغفرُه. عام 1942 كتبَ قطعة "إعتراف" قائلاً:[22]

عطفًا ورحمةً منكَ، يا خالِقي، واغمُرْني بلُطفِكَ المُتناهي

إنَّ ذُنوبي قد فاقَت بكَثرتِها رِمالَ البِحار

والمعاصي التي ارتَكَبتُها تُدَوِّي في أُذُني كَدَويِّ الأَنهار

عندما بعثَني العَدَمُ إلى الوُجودِ كنتُ غارقًا في الآثام

وعندما بلَغتُ عَهدَ الشباب، تمرَّغَتْ نفسي في حَمأَةِ الأَيَّام

وها أنا الآنَ شاعرٌ بالذُّنوبِ التي تُكبِّلُني... فالرحمةَ يا إلهي.

ومَن يُنعِم النظرَ في ما وراء كلمات هذه القطعة، ثمَّ يقف عندَ قولِه "عندما بَعَثَني العَدَمُ إلى الوجودِ كنتُ غارقًا في الآثام،" يُدرِك أنَّ رجلَ الروح يشعرُ بمسؤوليَّتِه عن الدورات الحياتيَّة السابقة التي عاشَها والتي امتدَّت على آلاف السنين، بل يُدركْ أنَّ مُؤسِّسَ الداهشيَّة يشعرُ أنَّهُ لا يحملُ على منكبَيه أعباءَ ما جَنَتهُ يداهُ خلال مئات القرون السالفة فحَسب، بل أعباءَ ما جَنَتهُ أيدي الناس أيضًا، لأَنَّ رجلَ الروح يعرفُ أنَّهُ هو وهم واحد، ويتراءَى له أَنَّه هو آدَم والبشرَ أبناؤهُ، وهو مسؤولٌ عن أعمالهم. هذه الوحدةُ التي تُطلُّ من خلالها ذنوبُ البشرِ كافَّةً نستشفُّها في قطعة "صلاة نادم حَزين"[23] التي كتبَها عام 1974؛ فهو يقولُ فيها، بعدَ أن يُعدِّدَ صُنوفَ الرذائل والمصائب والجرائم التي ملأَت طُرُقَه:

إِنَّ بِحارَ الكُرةِ الأَرضيَّةِ وأنهارَها وجداولَها وسواقيها مُجتمِعَةً

لا تستطيعُ أن تغسِلَ ذُنوبي، وتُلاشي حُوبي، وتقضي على عُيوبي.

والآن، وبعدَ أن تصرَّمَت حبالُ عُمري،

وبلَغتُ من العمرِ أرذَلَه،

نظَرتُ إلى ورائي،

وإِذا بي لا أجِدُ إلاَّ ظلامًا يتلوهُ ظلامٌ أَزَليّ!

وكذلك نظَرتُ إلى الأَمام،

فإذا بي لا أجِدُ إلاَّ سُخامًا يتلوهُ سُخامٌ سرمديّ!

إِنَّها البشريَّةُ في أجيالِها الشرِّيرة الضاربة في ظلامِ ما قبل التاريخ والمُتناسِلَة فسادًا يتلوهُ فسادٌ حتَّى انقضاءِ الحياة!

ومع ذلك فالأَملُ في الخلاص يبقى لِمَن يستطيعون الاهتداء بالمنارات الثلاثة.

 

إعرَف القوانينَ الطبيعيَّة والإنسانيَّة

إنَّ أَهمَّ ما يُدرَسُ في العلوم الطبيعيَّة أَو الإنسانيَّة هو قوانينها. وتحصيلُها أَصبح مُتاحًا لأكثريَّة الناس. وبِقَدر ما تتَّسِعُ دائرةُ المعرفة البشريَّة لدى إنسانٍ ما يرحبُ مجالُ رؤيتِه للأُمور، وتقربُ أحكامُه من الإصابة، لأَنَّ الرؤيةَ الشاملةَ تُخَوِّلُ صاحبَها أن ينظرَ إلى الأَشياء والأَحداث من مُختلِف الجهات، فيرى ترابُطَها وتفاعُلَها؛ وهذا على عكسِ ما لو نظرَ إلى الشيءِ من جهةٍ واحدة، فإنَّهُ، إذْ ذاك، سيكونُ محدودَ الرؤية بالجانب الذي نظرَ منهُ.

وسبقَ أن أوضَحتُ أهمِّـيَّةَ العقل في عمليَّة الرقيِّ وما يمنحُه الدكتور داهش من شأنٍ كبيرٍ يتجلَّى في إكبارِه العُلماء والمُفكِّرين والأُدباء والفنَّانين، وفي اقتنائه أكبر مكتبة خاصَّة في الشرق الأَوسط، كما في تأسيسِه لمتحفٍ يكادُ يُضارعُ المتاحفَ العالَميَّة.

 

إعرَفْ قوانينَ المنطق السديد

إنَّ معرفةَ تطبيق هذه القوانين مهمَّة جدًّا من أجل تجنُّب الزَّلَل في الاستنتاجات والأحكام، ولتمييز الخطإ من الصواب والحقِّ من الباطل. فمَن يجعلْ قاعدةَ سلوكه مَبنيَّةً على ثالوث الحقِّ والخير والجمال المجتمع بكماله المُطلَق في القوَّة الموجِدة، في الله تعالى، يُخطئْ في منطقه إذا انقاد، مثلاً، لقائدٍ يُقيِّدُ حرِّيَّةَ الرأي والاعتقاد، أو لا يرحمُ الضعيف، أو لا يصفح، أو لا يتَّسع صدرُه للتسامُح الدينيّ، بحُجَّة أَنَّ ذلك القائد مُستقيم، يشهدُ على استقامته صَومُه وصَلاتُه وعِظاتُه. ذلك بأَنَّ الاستقامة تنتفي بتقييدها للحرِّيـَّة وحَجبِها للرحمة والصَّفح والتسامُح، لأَنَّ هذه جميعَها مُنطوية تحت الحقِّ والخَير المُنضويَين في مفهوم الخالق، و"لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصية الخالق."

كذلك في المجتمعات الديمقراطيَّة قد تُلزِمُ الأكثريَّةُ الأَقلِّـيَّة برأيٍ أَو موقفٍ أو تشريعٍ، لكنْ ليس كلُّ ما يُقَرُّ ديمقراطيًّا يعني أَنَّه صحيح، إلاَّ إذا كان مُتَّفقًا مع القِيَم الروحيَّة وقواعد الاستقامة. فكما الوباء قد ينتشرُ حتَّى يُصيبَ أُمَّةً بمُعظمها هكذا قد ينتشرُ وباءٌ خُلقيّ.[24]

ولا أنسى الجلساتِ الكثيرة التي كان الدكتور داهش فيها لا يمتحنُ ثقافةَ جُلسائه فحَسب، بِطَرحِه الأَسئلةَ العلميَّة أو الأَدبيَّة أو التاريخيَّة عليهم، أو بسؤالهم عن مكتباتهم الشخصيَّة وعمَّا يقرأون، بل كان، أحيانًا كثيرة، يروي لهم أقاصيصَ أو أخبارًا طالبًا آراءَهم فيها ليمتحنَ مدى سداد منطقهم؛ إذْ كانَ يُريدُ أنصارَهُ مُثقَّفين ثقافةً شاملةً، وإن لم يُتَحْ لبعضهم أَن يدخلَ جامعةً ما؛ كان يشاؤهم مُتيقِّظين فطِنين أَلمعيِّين لا ينسَون شيئًا، ولا تفوتُهم شاردةٌ أو واردة، ولا يخدعُهم مُشعوِذٌ أو محتالٌ أو مُخادِع، يُفكِّرون ويستنتجون تِبْعًا لتفكيرٍ سليم ومنطقٍ سديد.

 

المنارُ الرابع: التعاليمُ الموحاة

أمَّا القوانينُ الروحيَّةُ فيستحيلُ أن يعرفَها إنسانٌ إلاَّ من خلالِ تعاليمَ موحاةٍ تُكشَفُ لمُرسَلٍ أو هادٍ روحيّ. وهي الجانبُ الأَهمُّ في المعارف كُلِّها؛ فبدونِها تبقى رؤيةُ الإنسان لأَشياء كثيرة مُعَكَّرة، كما تبقى أمورٌ وأسرارٌ كثيرةٌ محجوبةً عنه.

ويُمكنُ إجمالُ أهمِّ القوانين الروحيَّة المُستَنتَجَة من التعاليم الداهشيَّة الموحاة أو المُلهَمَة بالعشرة التالية:

1- لا يُمكنُ البرهنةُ الملموسةُ على وجود الروح الخارقة بقُدرتِها ومعرفتِها إلاَّ بالمُعجزة؛ فهي وحدها إثباتٌ مُباشَرٌ لوجود كائنٍ لا يخضعُ لقوانين الطبيعة المعروفة بل يُخضعُها. لذلك يستحيلُ على أيَّةِ قوَّةٍ بشريَّةٍ أن تصنعَ أيَّةَ مُعجزةٍ، سواءٌ سُمِّيَت هذه القوَّة "قداسة" أم باراسيكولوجيا أم سحرًا أم غير ذلك.

2- إنَّ الأَرواحَ لا تحتلُّ الأَجسادَ المادِّيَّةَ، لأَنَّها من ذاتِ الله؛ فهي تشهدُ له وتُمجِّدُه، ولَها عوالمُها القُدْسيَّةُ الطاهرة المجيدة المُفارِقة كُلِّيًّا للمادَّة. لذلك يستحيلُ أن تحتلَّ أيَّةُ روحٍ جسدًا بشريًّا أو أيَّ كيانٍ مادِّيّ.

3- إِنَّ الكونَ كُلَّه بما فيه من كائناتٍ معروفةٍ وغيرِ معروفة، نسيجُهُ الجوهريُّ اللامرئيُّ واللامحسوسُ هو من السيَّالات الروحيَّة التي هي كنايةٌ عن وحداتٍ إشعاعيَّةٍ مُتناهية في تردُّدها الذَّرِّي، ذاتِ إدراكٍ ونزعاتٍ وإرادة. وهذه السيَّالاتُ هابطةٌ من أرواحٍ أُمَّهات بفِعل انخفاضٍ طارئٍ على نقاوتها. لذلك كُلَّما انخفضَ نقاءُ السيَّال انخفَضَت درجتُه، وبالتالي درجةُ معرفته ونزعاتِه.

4- إنَّ تفاوُتَ السيَّالات الروحيَّة في انخفاض درجاتهاوبُعدها بالتالي عن مصادرها في العوالم الروحيَّةسبَّبَ تشكيلَ الكون المادِّيّ بملايينِ مجرَّاته وبلايين نجومه وكواكبه. وقد نشأَت عن هذا التفاوُت150 درجة عُلويَّة يضمُّ كلٌّ منها بلايينَ النجوم والكواكب الفردَوسيَّة حيثُ الكائناتُ تقلُّ أمراضُها حتَّى التلاشي، ويتضاءَلُ شقاؤها حتَّى الاختفاء، وتتعاظَمُ هناءَتُها ومعرفتُها وقُدرتُها حتَّى تُقاربَ الكمال، وذلك بالنسبة لسُمُوِّ الدرجة الروحيَّة التي يتمتَّعُ بها العالَمُ العُلويّ. كما نشأَت 150 دَرَكَة سُفليَّة يضمُّ كلٌّ منها بلايينَ النجوم والكواكب الجحيميَّة حيثُ تنعكسُ الآية، فيتعاظَمُ شقاءُ الكائنات وتتفاقَمُ الأَمراضُ والمصائب ويزدادُ الجهلُ والغَباء، وذلك بالنسبة لدرجة العالَم السُّفليّ. وهذه العوالمُ، عُلويَّةً كانت أم سُفليَّة، هي في تغيُّرٍ مُستمرٍّ تبعًا لتطوُّر كائناتها؛ فمنها ما يرتَقي، ومنها ما يتدنَّى، ومنها ما يُكَوَّنُ، ومنها ما يضمحلّ. لذلك فكلُّ عالَمٍ تنخفضُ درجتُهُ الروحيَّةُ دونَ حدودٍ مُعيَّنةٍ في النظامِ الإلهيّ، بسببِ تفاقُمِ الشرِّ والرذيلة وتعاظُمِ الفساد والضَّلال في كائناته، يُصبحُ مُعَرَّضًا لاجتياح الأَخطار الكثيرة لطبيعتِه، ثمَّ لزوالِ جُرمه نفسه.

5- تستوي درجةُ الأَرض الروحيَّة على عَتَبَة الدركة الأُولى من العوالم السُّفليَّة. فهي إذًا بطبيعتها أقربُ إلى جواذب الدركات الجحيميَّة منها إلى جواذب الدرجات الفردوسيَّة. لذلك فطبيعةُ الإنسان طبيعةٌ لا عصمةَ فيها؛ فهي ناقصة، ساقطة، يُداخلُها الخَلَل. لا استثناءَ في ذلك. وتفاوُتُ البشر في طبائعهم يكونُ في اختلافِ أنواع الخَلَل ومدى اتِّساعه. ومن أجلِ أن يرتقيَ الإنسانُ، بمُجمَلِ قِواه النفسيَّة، عليه أن يُجاهدَ نزعاتِه الدنيا الأَمَّارة بالسوء، ويوسعَ مداركَه، ويفهم أنَّ ارتقاءَهُ الحقيقيَّ هو في مُمارستِه القِيَمَ الروحيَّة وتدرُّعِه بالمُثُل العُليا، الحقِّ والخير والجمال، لأَنَّها ظلالٌ للحقائق السامية الخالدة في عوالم الأَرواح القُدسيَّة.

6- إِنَّ الأَحوالَ والأَحداثَ الجاريةَ على الأَرض، سواءٌ في البشر أم الحيوان أم النبات أم الجماد إلخ، كما الأَحداث والأَحوال الجارية في رِحاب الكَون، محكومةٌ كلُّها بالسَّبِبيَّة الروحيَّة.[25] فعلى الصعيد البشريّ، ما من حالٍ أو حادثٍ صحِّيٍّ أو اجتماعيٍّ أو ماليٍّ أو سياسيٍّ أو علميّ، فرديًّا كان أم جَماعيًّا أم عالَميًّا، إلاَّ وراءَهُ سببٌ روحيٌّ يستحيلُ على الناسِ كشفُه عادةً. فمرضُ الشخص الواحد كما الوباء، وخسارةُ الفرد الماليَّة كما الانهيارُ الاقتصاديّ في مُؤسَّسةٍ أو دولة، وقَتلُ امرئٍ بحادث اصطدام أو اغتيالاً كما قتلُ الآلاف بالزلازل أو الفيضانات أو الحروب، وقيامُ الثورات والانقلابات، وظهورُ الاكتشافاتِ والاختراعاتجميعُها مع ما يُشابهُها لها أسبابٌ قريبةٌ مُباشَرة ليس من المُتعذِّر أن يكشفَها أربابُ الاختصاص من أطبَّاء وعُلماء وباحثين ومُحقِّقين، كلٍّ في مجاله؛ لكنَّ تلكَ الأَحداثَ والأَحوالَ لها أيضًا عِلَلٌ روحيَّةٌ هي مُسبِّباتُ أسبابها الظاهرة، وقلَّما يهتدي الباحثون إليها إلاَّ مَن هداهم الله. فخرابُ أُورشليم ما زالَ اليهود، منذُ ألفَي سنة، يردُّون سببَه إلى النزاعِ الداخليّ بين الأَحزاب اليهوديَّة كما إلى ضرب الرومان لهم بسبب تمرُّدهم. لكنَّ السببَ الروحيَّ الذي باتَ معظمُ العالَم مُقتنعًا به هو اضطهادُ اليهود للسيِّد المسيح. ولو لم يضطهدوهُ ويُعذِّبوه لَما سمحَ الله بأَن يُنكَبوا وتُدَمَّرَ بلادُهم، ولَما شُرِّدوا في كلِّ قُطرٍ تحقيقًا لنبوءة السيِّد المسيح عن مصيرهم. وبعدَ ألفَي سنة تتكرَّرُ الأَحداثُ نفسُها مع مُؤسِّس الداهشيَّة وفي بلدٍ مُجاورٍ هو لبنان. فليسَ من العسيرِ أن يكتشفَ الباحثون الأَسبابَ المُباشَرَة التي أدَّت إلى خرابِ لبنان وانهيارِ اقتصادِه وتشرُّدِ شعبِه وقَتْل حوالى مئة وسبعين ألفًا من سُكَّانه. فالمُحقِّقون يردُّونها إلى تكوينِه الاجتماعيِّ الطائفيّ غير المُتماسِك، وتنازُعِ مذاهبه وأحزابه، ووجود أعدادٍ كبيرةٍ من الفلسطينيِّين المُسَلَّحين على أرضه إلخ... لكن هل فكَّرَ الباحثون، إذا كانوا مُؤمنين بوجودِ إله عادل، في أنَّ اللهَ لم يعصم فئةً من الفئات ولا حمى طائفةً من الطوائف، بل صبَّ جامَ غضبه عليهم جميعًا، فكانت الكارثةُ عامَّةً شاملة. فأين "القِدِّيسون" الذين يشفعون ويحمون؟ وأينَ "الأَولياء" الذين يتدخَّلون ويحفظون؟ إنَّ مُؤسِّسَ الداهشيَّة أرسلَهُ الله هاديًا ليجمعَ ما انقسَم، ويُصلحَ ما فسد، ويُبرئَ ما مرض، ويُوحِّد الجميعَ في إيمانٍ نظيفٍ نقيٍّ حَيٍّ بالله وبوحدةِ أنبيائه وأديانه؛ لكنَّ الطُّغاةَ في السلطات السياسيَّة والدينيَّة سجنوهُ وعذّبوهُ وشرَّدوهُ وجرَّدوهُ من جنسيَّته دونما مُحاكَمَة وبِخَرقٍ فاضحٍ للدستور ومُوافقَة على ذلك من الصِّحافة والنوَّاب والوُجهاء والرسميِّين ورجال الدين. فلو كان الدكتور داهش رجلاً عاديًّا، وفعلوا فيه ما فعلوا وهو البريءُ النقيّ، لغَضبَ ربُّ السماءِ عليهم وعلى أبنائهم من بعدهم. فكيفَ وهو الهادي الروحيّ المُؤيَّد بالمُعجزات المُذهِلَة!

7- إِنَّ الخالقَعزَّ وجلَّأبدعَ للكونِ وما فيه نظامًا كاملاً في عدالتِه. وقد اختصرَهُ القرآنُ الكريمُ بآيته البليغة: {فمَن يعملْ مثقالَ ذرَّةٍ خيرًا يَرَه، ومَن يعملْ مثقالَ ذرَّةٍ شرًّا يَرَه} (سورة الزلزال: 7و8). ومُحالٌ أن يُؤثِّرَ إنسانٌ في مصيرِ إنسانٍ فيدعَه يسقطُ روحيًّا، فيُجازى لسُقوطِه؛ ذلك بأنَّهُ، على حَدِّ تعبير الدكتور داهش، "إذا سقَطنا، فيكونُ سقوطُنا من سيَّالنا الذي نحنُ أوصَلناهُ إلى دَرَكٍ سُفليّ، فأصبحَ يرغبُ بالانتقام منَّا، وجَعْلِنا ننقادُ لإيحائه بواسطةِ الإشعاع الذي يُرسلُه لكَي يوقعَنا بشباكه..."[26]فإنَّنا "نحنُ الذين نُجازي أنفُسَنا فنوصِلُ سيَّالاتِنا إلى درجةٍ عُلويَّةٍ أو دركةٍ سُفليَّة. وما ربُّكَ بظالمٍ لخلائقه، إنَّما لأَنفُسهم يظلمون." [27]

8- بما أنَّ نظامَ العدالة الإلهيَّة يستحيلُ أن تشوبَه شائبة، وعمرَ الإنسان، مهما امتدَّ، يبقى قصيرًا فلا يسمح له بالتغلُّب على نزواته السُّفليَّة ومطامعِه وشهواته الدُّنيويَّة ليستحقَّ الارتقاءَ إلى فراديس النعيم، فإنَّ اللهَ، رحمةً منه، جعلَ التقمُّصَ على الأَرضِ سُنَّةً، به يُحاولُ كلُّ سيَّالٍ أن يزدادَ تطهُّرًا وارتقاءً في كلِّ دورةٍ حياتيَّةٍ من أُلوف الدَّورات التي يُسمَحُ له بها.[28]

9- مُحالٌ أن يدخلَ أيُّ سيَّالٍ روحيّ إلى عوالم الأَرواح، حتَّى إلى الدرجة الأُولى من أصلِ درجاتها المئة والخمسين، ما لم يكُن قد تخطَّى بدرجته الروحيَّة العوالمَ الفردوسيَّة جميعَها حتَّى الدرجةَ المئةَ والخمسين منها. فمَن يمُت وقَلبُه ما يزالُ فيه أيُّ عَيب، أو ما يزالُ مُتعلِّقًا بشيءٍ من الدنيا، مهما يكُن تافهًا، بشهوةِ مالٍ أو جنسٍ أو سُلطة، بجاهٍ أو شُهرةٍ أو خمرة... فإنَّهُ من المُحال لا أن يدخلَ الدرجةَ الأُولى من عوالم الأَرواح القُدسيَّة فحسب، بل الدرجة الأُولى من عوالم الفراديس العُلويَّة أَيضًا.

في ضوءِ هذا المفهوم نفهمُ قولَ السيِّد المسيح "ما صعدَ أحدٌ إلى السماء إلاَّ ابنُ الإنسان الذي نزلَ من السماء" (يوحنَّا 3: 13) . فسيَّالاتُ المسيح المُنبثَّة في الأَنبياء والهُداة الروحيِّين وحدَها استحقَّت أن تدخلَ عوالِمَ الطهارة والقُدسيَّة. إذًا واهمون ومُضَلَّلون أولئكَ الذين يؤمنون بأنَّهُ كلَّما ماتَ لهم إنسانٌ وصلَّى عليه كاهنٌ أو شيخ، فإنَّهُ سيدخلُ السماوات. فدونَ السماوات 150 درجة فردَوسيَّة، كلٌّ منها ذاتُ ألفَي مُستوًى، وكلُّ مُستوًى يضمُّ ملايينَ العوالم، ولن يدخلَ أدناها درجةً إلاَّ مَن كان من المُختارين.

10- مُحالٌ أن تندمجَ أيَّةُ روحٍ قُدسيَّةٍ، مهما بلغَت من السُّمُوِّ والطهارة، باللهعزَّ وجلَّما لم تجمع إليها جميعَ ما تفرَّقَ وهبطَ من سيَّالاتها المُنبثَّةِ في رحاب الأَكوان، معروفِها ومجهولها. لذلك فكلُّ ادِّعاءٍ بالاندماج في اللهسبحانههو هراء وضلال، سواء قال به المُتصوِّفون أو اليوغيُّون أو غيُرهم من المُدَّعين الضالِّين والمُضلِّلين.

تلكَ هي أهمُّ القوانين الروحيَّة التي يُمكِنُ استنتاجُها من التعاليم الداهشيَّة المُوحاة. فعلى الراغبين في الارتقاء الروحيّ أن يتفهَّموا أبعادَها ويتوغَّلوا في أعماقها، فهي مشروحةٌ في الرسائل الروحيَّة الموحاة وفي كتابات مُؤسِّس الداهشيَّة المُلهَمَة، كما في الشروح التي وضَعَها أتباعُه.

يتبع في العدد القادم

طريق الارتقاء الروحي (3): الجُهدُ الإراديُّ الشخصيّ



[1] انظر "رسالة الأَب نوح" التي هبطَت بصورةٍ إعجازيَّةٍ على مُؤسِّس الداهشيَّة، في كتاب "المُعجزاتُ والخوارقُ الداهشيَّة المُذهِلَة" بقَلَم حليم دمُّوس (بيروت: دار النار والنور، 1983)، ص 64.

[2]تِبْعًا لتَخمينات العالِمَين وليام رايان وولتر بِتمان حدثَ الطوفان حوالى عام 5600 قبل المسيح خلافًا لتقدير شارحي الكتاب المقدَّس. وقد استَنتَجا هذا التاريخ من اكتشافاتهما الحديثة في البحر الأَسود الذي كانَ بُحيرةً عذبةَ المياه قبل أن يفيضَ البحرُ المتوسِّط ويطغى عليها ويُشرِّدَ كلَّ مَن كانَ في تلك المنطقة. انظر:

William Brian & Walter Pitman. Noah’s Flood: The New Scientific Discoveries About the Event that Changed History. (New York: Simon and Schuster, 1998).

[3]الدكتور داهش، "القلبُ المُحَطَّم" (نيويورك: الدار الداهشيَّة، 1984)، ص 285-286.

[4]Konrad Lorenz, On Aggression. (New York: Harcourt, Brace / Bantam, 1971), pp.212-213, 221, 228-229.

[5]John Keegan. A History of Warfare. (NY: Alfred Knopf, 1993), p. 386.

[6]Psychology Today, May/June, 1999, p. 57.

[7]D.Niehoff. The Biology of Violence. New York: Simon & Schuster / The Free Press, 1999.

[8]في الساعة الثامنة والنصف من مساء 11 حزيران (يونيو) 1943، عقدَ الدكتور داهش جلسةً روحيَّةً حضرَها الشاعرُ حليم دمُّوس والسيِّد جوزف حجَّار وقرينتُه. وما إن أخذَت الغيبوبةُ الروحيَّةُ مُؤَسِّسَ الداهشيَّة، وتسامى سيَّالُهُ الأَعلى مُجتازًا بلايين العوالم المادِّيَّة ثمَّ داخلاً عالمَ الروح حتَّى تجسَّدت حمامةٌ ناصعةُ البياض وحطَّت على كتفِ السيِّدة الحاضرة. وعلى الفور تجلَّى روحُ الأَب الصالح نوح وأعلنَ أنَّ هذه الحمامةَ هي نفسَها التي أطلَقَها من الفُلك يومَ حدثَ الطوفان، وأنَّ سيَّالَها حُفِظَ في عالَم الأَرواح حيثُ لا شيءَ يفنى. وقد مكثَت هذه الحمامةُ في منزل الرسالة الداهشيَّة ببيروت حتَّى 27 كانون الأَوَّل (ديسمبر) من العامِ نفسِه، حينَ بدأَت تحومُ حولَ رأسِ رجل المعجزات وجسمُها يتصاغَرُ تدريجيًّا حتَّى اختفَت. والجديرُ بالذكر أنَّ روحَ الأَب نوح لمَسَت، بواسطة الدكتور داهش، عدَّةَ أوراقٍ بيضاء أُحضِرَت إليه، فارتَسَمَت عليها فورًا رسالةٌ روحيَّةٌ عن أحداث الطوفان.(انظر المعجزة في حليم دمُّوس، "المعجزاتُ والخوارقُ الداهشيَّةُ المُذهِلَة، ص 55-68 و 107-108.)

[9]المصدر السابق، ص 63-64.

[10]الدكتور داهش، "الرحلاتُ الداهشيَّة حول الكُرة الأَرضيَّة"، ج1. (بيروت: دار النسر المُحلِّق، 1982)، ص 162-163.

[11] أنظر الدكتور داهش، "مُذكِّرات يسوع الناصريّ". (نيويورك: الدار الداهشيَّة، 1991)، ص 42- 44 و 115-116.

[12] إنجيل لوقا: الإصحاح الرابع.

[13]إِنجيل متَّى 26: 36-46.

[14]سورة النساء: 157.

[15]الدكتور داهش، "بُروق ورُعود". (بيروت: مطابع روطوس، 1946)، ص 102.

[16]الرسائل المُتبادَلَة بين الدكتور داهش... والدكتور حسين هيكل باشا. (بيروت: دار النسر المحلِّق، 1981)، ص 43-44.

[17]Roy F. Baumeister. Evil: Inside Human Violence and Cruelty. (New York: W.H.Freeman and Co., 1999), pp. 206-207.

[18]Ibid, p. 209.

[19]السنة الرابعة، العدد 4، آذار (مارس)، 1999.

[20]مقابَلَة مع الطبيب النفسيّ والخبير القضائيّ الشهير بارك دِيَتز Park Dietz في مجلَّة Psychology Today, May/June 1999, p. 58.

[21]الدكتور داهش، "مُذكِّرات دينار". (نيويورك: الدار الداهشيَّة، 1986)، ص 177-179. نقلاً عن كتاب "المهاتما غاندي" لفَتحي رضوان.

[22]الدكتور داهش، "ابتهالات خُشوعيَّة". (بيروت: دار النار والنور، 1983)، ص 93.

[23]المصدر السابق، ص 175.

[24] أنظر مُراجعة كتاب "الاستقامة" في هذا العدَد، ص

[25]راجع مقال "السَّببيَّة الروحيَّة والعدالة الإلهيَّة"، في "صوت داهش"، السنة الأُولى، العدد الثالث، كانون الأَوَّل (ديسمبر) 1995.

[26]الدكتور داهش، "قِصَص غريبة وأساطير عجيبة"، ج3 (قيد النشر): "حُلم مَهيب".

[27]المصدر السابق نفسه.

[28]راجع مقال "العدالة الروحيَّة والتقمُّص" في "صوت داهش"، السنة الأُولى، العدد الرابع، آذار (مارس) 1996.

 

 

  Back to التعاليم الداهشيَّة بقلم الدكتور غازي براكس 

 

Developed by Houssam Ballout        Copyright 2019 This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.nfo All Right Reseved This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.