أنا أؤمن بأنه توجـد عدالة سماويّة, وأن جميع ما يُصيبنا في الحياةِ الدنيا من مُنغصات انَّ هـو الاّ جـزاءٌ وفاق لِما أجترحناه في أدوارنا السابقة من آثـامٍ وشـرور.ولهـذا يجب علينا أن نستقبلَ كلّ مـا يحـلّ بنـا من آلامِ الحياةِ ومآسيها غير مُتبرّمين ولا متذمّرين , بل قانعين بعدالةِ السماء ونُظمها السامية.

Highlighter
أحبُّ الكُتُبَ حبَّ السُكارى للخمر , لكنَّني كلَّما أزددتُ منها شرباً, زادتني صَحوا
ليس مّنْ يكتُبُ للهو كمَن يكتُبُ للحقيقة
الجمالُ والعفّــة فـردوسٌ سماويّ .
لا معنى لحياةِ ألأنسان اذا لم يقم بعملٍ انسانيٍّ جليل .
اعمل الخير , وأعضد المساكين , تحصل على السعادة .
من العارِ أن تموتَ قبل أن تقـوم بأعمالِ الخير نحـو ألأنسانيّة .
الموتُ يقظةٌ جميلة ينشُدها كل مَنْ صَفَتْ نفسه وطَهرت روحه , ويخافها كلّ من ثقُلت أفكاره وزادت أوزاره .
ان أجسامنا الماديّة ستمتدّ اليها يـد ألأقـدار فتحطِّمها , ثمّ تعمل فيها أنامل الدهـر فتتَّغير معالمها , وتجعلها مهزلةً مرذولة . أمّا ألأعمال الصالحة وألأتجاهات النبيلة السّامية , فهي هي التي يتنسَّم ملائكة اللّه عبيرها الخالد .
نأتي إلى هذا العالمِ باكين مُعولين، و نغادره باكين مُعولين! فواهً لك يا عالمَ البكاء والعويل!
جميعنا مُغترٌّ مخدوعٌ ببعضه البعض.
العدلُ كلمة خُرافية مُضحكة.
أمجادُ هذا العالم وهمٌ باطل، و لونٌ حائل، و ظلٌّ زائل.
لا باركَ الله في تلك الساعة التي فتحتُ فيها عينيّ فإذا بي في مكانٍ يطلقون عليه اسم العالم .
أنا غريبٌ في هذا العالم، و كم احنُّ إلى تلك الساعة التي اعود فيها إلى وطني الحقيقيّ.
الحياةُ سفينةٌ عظيمة رائعة تمخرُ في بحرٍ، ماؤه الآثام البشريَّة الطافحة، و امواجه شهواتهم البهيميَّة الطامحة، و شطآنه نهايتهم المؤلمة الصادعة.
كلّنا ذلك الذئبُ المُفترس , يردع غيره عن اتيانِ الموبقاتِ وهو زعيمها وحامل لوائها , المُقوّض لصروح الفضيلة , ورافع أساس بناءِ الرذيلة .
الحياةُ سلسلة اضطراباتٍ وأهوال , والمرءُ يتقلَّب في أعماقها , حتى يأتيه داعي الموت, فيذهب الى المجهولِ الرهيب , وهو يجهلُ موته , كما كان يجهلُ حياته .
من العارِ أن تموتَ قبل أن تقومَ بأعمالِ الخير نحو الانسانيّة .
المالُ ميزان الشرِّ في هذا العالم .
السعادةُ ليست في المال , ولكن في هدوءِ البال .
كلُّ شيءٍ عظيمٍ في النفسِ العظيمة , أمّا في النفسِ الحقيرة فكلُّ شيءٍ حقير .
الرُّوح نسمةٌ يُرسلها الخالق لخلائقه لأجل , ثم تعودُ اليه بعجل .
الرُّوح نفثةٌ الهيَّة تحتلُّ الخلائق , وكل منها للعودة الى خالقها تائق .
الرُّوح سرٌّ الهيٌّ موصَدْ لا يعرفه الاّ خالق الأرواح بارادته , فمنه أتتْ واليه تعود .
أنا أؤمن بأنه توجـد عدالةٌ سماويّة , وأنَّ جميع ما يُصيبنا في الحياةِ الدُّنيا من مُنغِّصاتٍ وأكدارٍ انَّ هـو الاَّ جـزاء وفاق لمِا أجترحناه في أدوارنا السابقة من آثـامٍ وشـرور . ولهـذا يجب علينا أن نستقبل كلَّ مـا يحـلُّ بنـا من آلام الحياة ومآسيها غير م
الحرّيةُ منحة من السماءِ لأبناءِ ألأرض .
الموتُ ملاكُ رحمةٍ سماويّ يعطف على البشر المُتألّمين , وبلمسةٍ سحريّة من أنامله اللطيفة يُنيلهم الهناء العلويّ .
ما أنقى من يتغلّب على ميولِ جسده الوضيع الفاني , ويتبع ما تُريده الرُّوح النقيّة .
ما أبعدَ الطريق التي قطعتها سفينتي دون أن تبلغَ مرفأ السلام ومحطَّ الأماني والأحلام .
الراحة التامّة مفقودة في هذا العالم , وكيفما بحثت عنها فأنت عائدٌ منها بصفقةِ الخاسر المَغبون .
ليس أللّــه مع الظالم بل مع الحقّ.
ان الصديق الحقيقي لا وجود له في هذا العالم الكاذب.
ما أكثر القائلين بالعطف على البائسين وغوث الملهوفين والحنو على القانطين , وما أقلَّ تنفيذهم القول.
يظنُّ بعض ألأنذال ألأدنياء أنّهم يُبيّضون صحائفهم بتسويدِ صحائف الأبرياء , غير عالمين بأنَّ الدوائر ستدور عليهم وتُشهّرهم.
ما أبعدَ الطريق التي قطعتها سفينتي دون أن تبلغَ مرفأ السَّلام ومحطَّ الأماني والأحلام .
رهبة المجهول شقاء للبشرِ الجاهلين للأسرارِ الروحيَّة , وسعادة للذين تكشّفت لهم الحقائق السماويَّة .
الموتُ نهاية كل حيّ , ولكنه فترة انتقال : امّا الى نعيم , وامّا الى جحيم .
الحياةُ خير معلِّمٍ ومُؤدِّب , وخيرَ واقٍ للمرءِ من الأنزلاقِ الى مهاوي الحضيض .
حين تشكُّ بأقربِ المُقرَّبين اليك تبدأ في فهمِ حقائق هذا الكون .
مَنْ يكون ذلك القدّيس الذي لم تخطرُ المرأة في باله ؟ لو وجدَ هذا لشبَّهته بالآلهة .
المرأة هي إله هذه الأرض الواسع السُّلطان. و هي تحملُ بيدها سيفاً قاطعاً لو حاولَ رجالُ الأرض قاطبةً انتزاعه منها لباؤوا بالفشلِ و الخذلان .

أبعادُ الحُرِّيَّة لدى مؤسِّس الداهِشيَّة

 بقلَم الدكتور غازي براكْس

مفهوم الحُرية ذو أبعادٍ مُتعددة، منها الروحية والنفسية والفكرية العقائدية والسياسية الاجتماعية.

وكثيرون هُم الذين بحثوا في بُعدٍ أو أكثر من أبعادِها، لكنَّ الذين أحدثوا تأثيراً بالِغاً في مسيرتِها التاريخية كانوا قلائل، وفي طليعتِهم أُولئك الأفذاذ النادرون الذين جعلوا حياتهم تطبيقاً عمليًَّا لآرائهم، فانوا تجربةَ الكفاح المريرة من أجل الحرية، وتألموا، واضطهدوا، وشربوا كأس الموتِ من أجلِ انتصارها، فخَلَدوا في التاريخ مشاعِلَ تُضيءُ دربَ النضال المِثَالي أمام الذين يأبون أن يعيشوا أذلاءَ تحت الشمس. من هؤلاء الروَّاد العباقِرة مَن لم يخُضِ الكفاحَ المسلَّح المؤدِّي إلى الثورة الحمراء، بل اكتْفى بأن يجعلَ من نَمَطِ حياته نَموذجاً لثورةٍ فكريةٍ بيضاء استطاعت أن تُحدث تأثيراً بالغاً في مجرى التاريخ، أمثال سُقراط والمسيح وغاندي. وفي خطِّ هؤلاء الخالدين كان نِضالُ مُؤسِّس الداهشية من أجلِ انتصار الحرية بمُختلِفِ أبعادها، ولا سيَّما الفكرية العقائديَّة منها، في مجتمعٍ كان وما زال يرزحُ تحتَ قيودٍ كثيرةٍ. وفي هذا البحث سأتناولُ الحرية بمختلف أبعادها لدى مؤسِس الداهشية.

1_الحُرِّيَّة الروحيَّة

          

            أصل الحرية الإنسانية، في تعاليمِ مؤسِّس الداهشية، كائنٌ في جوهرِ الأرواحِ ذاتِها، الأرواح الأُمَّهات التي منها إنْبَثَقَتِ الكائناتُ كلُّها، والتي هي نَفَثاتٌ إلهِّيةُ تحيا في عوالم الأرواح، عوالِمِ الخيرِ والحقِّ والجمال، عوالِمِ الكمال، ولا تحيا في أيَّةِ أجساد. فالقوة الموجدة إذ خَََلَقَتِ الأرواح على صورتِها ومِثالِها- قبل إبداعِها الأكوانَ الماديَّة-جعلَت فيها جوهرها الإلهيَّ، والحريةُ مُتأصلةٌ فيه.

ولِذا فحُرِيَّاتُ الإنسان جميعها، وبرأسِها الحرية الفكرية العقائدية، هي فرعٌ من الحريةِ الأزلية.

يقول مؤسِّس الداهشية: "أوجَدَنا اللهُ ثمَّ ترَكَ لنا الإرادةَ والاختيار."وقد كرَّرَ في عدَّةِ مواضِع من كُتُبِه أنَّ الحرية "نعمةٌ سماوية"و"منحةٌ إلاهية"وهَبَنا اللهُ إيَّاها،وأنها "هديَّةُ الخالق لخلائقه."

هذه الحرية هي الأساسُ الذي بُنِيَ نظامُ العدالةِ الإلهيِّة الشامل الذي بموجبهِ يَنالُ الإنسانُ ثواباً أو عقاباً على أعمالِه وأفكاره ورغباتِه. فالمساسُ بالحرية الفكرية العقائدية، مساسٌ بالعدالة الإلهية، وكلُّ اعتداءٍ عتى الحريات اعتداءٌ على المشيئة الإلهية الأزَليَّة.

حتى الهدايةُ الروحية لا يجوزُ أن تكونَ إكراهاً برأيِ مؤسِّس الداهشية، فهو يقول بلسان يسوع الناصريّ مُخاطبِاً آدوم ابن بطرس الرسول :"فما تزرعهُ،يا عزيزي آدوم، إياه تحصُد.هذه هي العدالة الروحيةُ التي لا تتأثرُ بعوامل أرضيةٍ سخيفة، مثلما يجري على هذه الأرض التي أتَيتُ إليها خِصِّيصاً كي أضَعَ لها دستوراً سماويَّا ً لتسيرَ عليه. هذا إذا أرادت هذا الأمرَ بمَحْضِ اختيارِها ومِلءِ إرادتِها، وإلاَّ فالويلُ لأبناءِ الأرض !"

والسطرُ الأخيرُ يجبُ ألاَّ يُحْمَلَ مَحْمَلَ الوعيد، فهو إنما يُوَضِّحُ العاقبةَ المشؤومةَ التي سيؤولُ البشرُ إليها إن هم رَفَضوا الوصايا الإلهية بِمَحْضِ اختيارهم. وهذا يقَعُ في الخطِّ القرآنيّ الشريف الذي صدَعَت به الآيةُ القائلة { لا إكراهَ في الدين. قد تبيَّن الرُّشدُ من الغَيِّ، فمَن يكفُرْبالطاغوت ويؤمِنْ باللهُ، فقد اسْتَمسَك بالعُروةِ الوُثقى لا انفصامَ لها، واللهُ سميعٌ عليم.}

            بناءً على ذلك يُصبحُ الدفاعُ عن الحرية حقّاً مشروعاً بمنزلةِ دِفاعِ الإنسان عن نفسِه إن اعتُدِيَ عليه.بل إنَّ مؤسِّس الداهشية يجعلُ من الدفاعِ عن الحرية " واجباً سماويّاً مُقدَّساً" لأنَّهُ دِفاعٌ عن شريعةٍ أزليةٍ مُقدَّسة. فمَنِ اعْتدى على الحرية فكأنَّما اعْتدى على المشيئةِ الإلهية وعلى الإنسانِ نفسه بجوهرِه الروحيّ الذي هو قِوامُ شخصيّتِه وحياتِه.

لكن هل الإنسانُ يتمتَّعُ بالحرية التي تتمتَّعُ بها الأرواحُ القُدسيَّة؟

قَدَرُ الإنسانِ الشخصيّ

لا يرى مؤسِّسُ الداهشية أنَّ الحرية المُطلَقَة الكاملة يُمكِنُ أن تتحقَّقَ إلا في عوالِمِ الأرواح القُدسيَّة حيثُ الكمالُ الإلهيُّ والتنزُّهُ عن الأبعادِ الماديَّة. فكلُّ نَقصٍ وبالتالي كلُّ ضعفٍ، سواءٌ كان في المعرفة أم القُدرة أم في أيِّ مجالٍ آخر، هو قيدٌ للحرية بمعناها الكامل.

            وبهذا المعنى تُصبِِِِِِِحُ الحريةُ في الأرض، مهما تكُن واسعة، حريةً نسبيةً جزئية. فالإنسانُ مُقيَّدٌ بالقوانينِ الطبيعيَّة المُهَيمِنة على الأرض، كما هُو مُقَيَّدٌ بالنظامِ الروحيِّ الذي فرضَتْهُ المشيئةُ الإلهيةُ على البشر .

            إنَّ الإنسانَ لا يستظيعُ أن يعيشَ إلاَّ عُمراً مُحَدَّداً ، وهو خاضِعٌ للحزنِ والغضب والألَم والخوف والعطَش والجوع، كما هو خاضِعٌ للأمراضِ والضعفِ والتداعي التدريجيّ الذي يقودُهُ من الشباب إلى الكُهولة فالشيخوخة فالموت . يقولُ مؤسِّسُ الداهشية إنهُ منذُ ولادتِهُ في الدنيا كُتِبَ عليه الشقاءُ والأََلمُ....

" و نُقِشَ أيضاً في نفسي الحزنُ والفَرَح، وجميعُ العواملِ البشريَّةِ الأُخرى التي لم أكُنْ مُقَيَّداً بها قبل مجيئي إلى أرضِ الفساد."

ولمَّا كانت القوَّة المُوجدَة قد مَنَحَت الإنسان عقلاً هو قَبَسٌ من الإدراكِ الإلهيّ ، فقد إسْتَطَاعَ بإعمالِ عقلِه أن يُعزِّزَ قُدرتَه تجاهَ قوى الطبيعة تدريجيَّاً ، فاختَرعَ العَجَلةَ ثُمَّ السيَّارة فالطيَّارة فالصاروخ يُذَلِلُ بها المسافات ويُسع آفاق معرفته، واكتشفَ العقاقير المُتنوِّعة يُكافِحُ بها الجراثيمَ والأوبئة، وطوَّرَ علومَه في جميع الميادين... لكنَّه مع تقدُّمِه العظيم سيبقى خاضِعاً لسُنَّةِ الموت، وللحُزنِ والشقاء اللذين تأتي بهما المصائِبُ والأحداثُ المتوقَّعة والمُفاجئة، ولِمِحَنِ الشرور تتقاذَفُهُ أمواجُها، وسيبقى علمُهُ محدوداً ، والغيبُ محجوباً عنه، ومعظمُ أسرار الكون موصَدة أبوابُها دونَه. لكن، لماذا أُخضِعَ الإنسانُ لهذه القيود الطبيعيَّة والروحية؟

            الجواب، في رأي مؤسس الداهشية ، هو لأنه استحق هذه القيود بما قام به أو استسلم له، بملء إرادته واختياره، من أعمالٍ وأفكارٍ ورغباتٍ في دوراتٍ حياتيةٍ سابقة يرقى أولها إلى اللحظة التي سقط فيها من العوالم الروحية . يقول الدكتور داهش : " ليتنا نذهب إلى العالم الآخر طاهرين كما أتينا منه ."

            ويستفظع حقارة الإنسان وذله بالنسبة لما كان عليه قبل سقوطه، متمنياً " لو أنه ظل في ملإه العلوي نقياً طاهراً من أدران هذه الحياة وأوضارها." وقد يختصر رأي مؤسس الداهشية في إستحقاق الإنسان للحياة الأرضية بقوله:

            " أنا أؤمن بأنه توجد عدالةٌ سماويةٌ ، وأن جميع ما يصيبنا في الحياة الدنيا من منغصاتٍ وأكدارٍ إن هو إلا جزاءٌ وفق لما اجترحناه في أدوارنا السابقة من أثام وشرور؛ ولهذا يجب علينا أن نستقبل كل ما يحل بنا من آلام الحياة ومآسيها غير متبرمين ولا متذمرين ، بل قانعين بعدالة السماء ونظمها السامية ."

            وهكذا ليس من تسيير للإنسان ، برأي مؤسس الداهشية ، فالقدر الذي ينوء تحت قيوده إنما هو قدرٌ شخصيٌ صنعه لنفسه بملء إختياره في سياق حيواته المتتابعة ؛ " فالمرء يصنع الخير أو الشر لنفسه ، وليس الخير أو الشر يتبعانه ، بل هو مسبب اتصالهما به أو انفصالهما عنه بالنسبة لأعماله." بل يصح القول ، برأي الدكتور داهش " إن لا يجازي الإنسان أو الحيوان ، إنما الحيوان يجازي نفسه وكذلك الإنسان ، بالنسبة لأفكره وأعماله ." وقوله هذا يقع في خط الآية الكريمة القائلة { إن الله لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون.}

            وقصارى القول ، يرى مؤسس الداهشية الحياة الأرضية مهما اتسعت الحريات فيها،سجناً كبيراً مروعاً لا خلاص منه إلا بالموت :

            " أشبه الحياة بقفصٍ رهيبٍ هائل، والبشر بالطيور الرازحة فيه، ومهما بذلت الطيور من مساعٍ وجهودٍ لاجتياز نطاق القفص، لا تستطيع النفاذ منه ، حتى يأتيها داعي الموت ويحررها من تلك العبودية الصارمة ، ويعتقها من ذلك القيد الثقيل ."

2- الحرية النفسية

            لكن هذه العبودية الصارمة لا تنال حرية الإرادة بقدر ما تعني حرية إختيار الأعمال والأفكار والرغبات الشخصية التي تنزع إلى الخير أو الشر ، أي إرادة الارتقاء الروحي أو التسفل. فالإنسان يمكنه أن يتجه بأفكاره ورغباته وجهة المحبة والرحمة والتسامح حيال الآخرين أو وجهة الأذى والبغض والإجرام حتى لو كان مسجوناً . وبهذا الاتجاه الذي يختاره يرفع نفسه أو يسفلها . هذه الحرية النفسية يصونها النظام الإلهي الشامل . يقول مؤسس الداهشية بلسان زوس، رب الأرباب ، في " أسطورة الشمعة الباكية":

            " وبما أنني قد وضعت نظاماً للأرض ، وهذا النظام يطبق على أي مخلوقٍ يرودها بالولادة أو سواها ، فإنني ملزم بالتقيد بهذا النظام الإلهي المفروض على أبناء الأرض . ونظامي هذا يمنع حتى الآلهة والإلاهات أن يسيطروا على أي مخلوقٍ بشريٍّ مهما إرتكب من موبقات ."

            إستحالة سيطرة إنسان على إرادة آخر، أي على حريته النفسية ، سببها أن ثواب الإنسان وعقابه اللذين هما كفيا ميزان العدالة الإلهية مبنيان على الحرية النفسية ، وقد أشرت إلى ذلك في أبعاد الحرية الروحية .

            لكن مؤسس الداهشية لا يرى في حرية الإرادة البشرية حرية حقيقية للنفس . حرية الإرادة أساس محاسبة الإنسان ، لكنها لا تمنح النفس حرية حقيقية إلا بقدر ما تكون النفس متحررةً من قيود النزعات السفلية . فكل ما يحد من تحرك النفس نحو الأسمى ، نحو الروح ، الأم الإلهية التي انبثق ، يشكل قيداً للنفس .

            وأقوى القيود التي تكبل النفس وتمنع ارتقاءها الروحي عبوديتها للمال وعبوديتها للشهوة . وقد فصل مؤسس الداهشية سلطانهما على النفس في كثير مما كتب . فالبشر جميعهم عبيد للمال ؛ إنه " الإله الأصفر " الذي وحد الناس قاطبةً في عبادته ، ومن أجله باعوا شرفهم وضمائرهم ودينهم وتخلوا عن السماء . أما الشهوة فتأثيرها في الناس بالغ شامل . وقد يختصر رأي مؤسس الداهشية في قوة سلطانها قوله :" يا للعاطفة الجنسية ! كم تؤثر على المرء وتدعه عبداً صاغراً لسلطتها الرهيبة ، فيقوم بما تفرضه عليه إرادتها التي لا تقهر ."

            وقد صور الشهوة الجنسية وتأثيرها الجارف تصويراً رائعاً في سداسيةٍ عنوانها " الشهوة الجارفة " فقال : " أيتها الشهوة البهيمية الجارفة مواكب العالمين ، أنتِ أعجوبة هذا الكون وآيته الفريدة ، أنت تتسلطين على عقولنا وأفكارنا الشريدة ، أنت تكبليننا بقيودك المتينة ، فلا نستطيع منك خلاصاً ، أنت تسيطرين على أعصابنا ، وإرادتنا ، فلا نجد مناصاً ، ولذلك فأنت تكتسحينا حتى نصبح أمامك أذلاء خاضعين! "

وكثيراً ما جمع الدكتور داهش المال والشهوة ، ورأى فيهما متحدين أساس شقاء البشر وويلاتهم وعبوديتهم النفسية .          

          لكن هل لهذه العبودية النفسية من نهاية ؟

            في رأي الدكتور داهش أن الإنسان بإمكانه ، ما دام يستحيل أن يغتصب غاصبٌ حرية إرادته ، أن يختار طريق الروح ، وذلك باتباعه طريق الصلاح أي بممارسته الفضائل واعتناقه المثل الإنسانية العليا . يسأل آدوم ، ابن بطرس الرسول ، يسوع : " للسماء طريق ؟ وأين هي ؟ فيجيبه :

            "هي في قلبك،

            وقلب كل شخصٍ يحيا على هذه الأرض.

            فبعملك الصلاح تظهر لك طريق السماء واضحة .

           وإذ ذاك يمكنك أن تسير عليها

            حتى تبلغ أبوابها العجيبة ،

            ثم تلجها بقلبٍ مفعمٍ بالغبطة والحبور .

            وحنما يشير يسوع إلى نجمةٍ بهيةٍ فيها المجد العظيم ، يستنجده بطرس لبلوغ قمة ذلك المجد ، فيجيبه يسوع : " هذا طوع يديك إذا أردته ."

            وخلاصة الرسالة الداهشية تقوم على إعادة إنارة الطريق الروحية التي تؤدي إلى خلاص الإنسان من مختلف قيود العبودية . يقول مؤسسها : " ليت البشر يعتنقون مذهبي الذي يرمي إلى الإنعتاق من ربقة هذه الحياة المليئة بالشرور ."

            ذلك كان موقف الدكتور داهش من الحرية في بعديها الروحي والنفسي ، وهما بعدان قلما يخوضهما المعنيون بالحرية إلا الفلاسفة منهم . فما موقف الدكتور داهش من أبعادها الأخرى ؟  

3- الحرية الفكرية العقائدية

            حيال الحدود الضيقة المفروضة على الحرية النفسية لدى معظم الناس ، يبقى عزاء الأكثرية محصوراً في الحرية الفكرية العقائدية والحرية السياسية الإجتماعية اللتين كرستهما شرعة حقوق الإنسان ، عام1948 ، بعد كفاحٍ طويلٍ مريرٍ قامت به مختلف الشعوب ، ففضلاً عن الثورة الأمريكية التي اندلعت في 4 تموز (يوليو) 1776 ، والثورة الفرنسية التي تمخضت ب " إعلان حقوق الإنسان والمواطن " في 26 آب (أغسطس) 1789 ، شهد النصف الأول من القرن العشرين اندلاع ثوراتٍ متعددة نادت بمبادئ الحرية ، على اختلافٍ في أبعادها وحدودها ، علماً بأن النصف الثاني من هذا القرن ما يزال يشهد كفاحاً عنيداً تقوم به منظمة الأمم المتحدة من أجل إلزام الدول كافة صيانة حقوق مواطنيها وفي رأسها الحريات الخاصة والعامة .

            ومؤسس الداهشية أحد القلائل الذين شاركوا ، عبر التاريخ ، في تدوين ملحمة الحرية الحية . من أجلها عانى اضطهاد الدولة اللبنانية أيام كان الطغيان متربعاً على كرسي الحكم . فقد تآمر عليه بشارة الخوري (1943-1952) وزبانيته من رجال دينٍ ودنيا، ليكفوا نشاط دعوته الروحية القئمة على الإيمان بوحدة الأديان ، فحاولوا خنق صوته وتحريم أعماله الخرقة بسنِّ قانونٍ في المجلس التشريعي ، لكنهم فشلوا ؛ فاشتروا ضمائر أكثر الصحافيين وأخذوا يهاجمونه مفترين عليه الأكاذيب ، مشوهين سمعته الطيبة ليبعدوا الناس عنه ، ولا سيما جمهور المثقفين الذين أقبلوا عليه بعدما شبعوا رياءً ونفاقاً من بعض السلطات الطائقية ، ومنعوه كما منعوا أنصاره من تارد على تلك الافتراءات والمختلقات الشنيعة ؛ ولما أيقنوا بأن عزيمة الدكتور داهش لا تهن وإمان أتباعه به لا يتزعزع ، اسْتعدوا عليه أحد الأحزاب الطائفية التي كانت عاملاً أساسياً في حرب لبنان الأهلية وفي خرابه ، فقبضت السلطات عليه في 28 آب (أغسطس) 1944 ، وسجنته ثلاثة عشر يوماً في سجن الرمل الشهير بقسوته ، من غير تقديمه إلى المحاكمة ، لعجزهم عن إثبات أية تهمةٍ عليه ، ثم أصدر الرئيس مرسوماً أدى تنفيذه إلى تجريد مؤسس الداهشية من جنسيته اللبنانية وإقصائه عن وطنه إلى الحدود السورية التركية من أجل تعريضه لنيران حمية الحدود ، خصوصاً أن البلاد كانت ما تزال تعيش في أجواء الحرب العالمية الثانية ، فتجاوز الرئيس بعمله هذا صلاحيته المحددة بالقوانين ، وخرق الدستور الذي أقسم اليمين للمحافظة عليه .

            لكن مؤسس الداهشية تمكن من العودة سراً إلى بيروت ، بعد مضي شهرٍ واحدٍ على إبعاده ، وشن ضد الذين ظلموه وظلموا الشعب حملةً كتابيةً رهيبةً شهرت فضائحهم ومثالبهم ، إذ أصدر من مقره السري 66 كتاباً أسود ضد الطغاة وزبانيتهم ، و 165 منشوراً . وقد أدى قلمه الجبار وعمله الدائب ليل نهار ضد البغاة إلى استنفار الشعب في ثورة عارمة ضد ظالميه ومستثمريه ، أدت إلى إسقاط بشارة الخوري عن كرسي الحكم وقيام عهد الرئيس كميل شمعون (1952-1958 ) الذي أعاد إلى الدكتور داهش جنسيته السليبة ، في بداية عهده .

            قصة الظلم البغيض هذا والكفاح العنيد من أجل انتصار الحق والحرية روت فصولها في المراسلة التاريخية التي جرت بين مؤسس الداهشية والدكتور محمد حسنين هيكل ، رئيس مجلس الشيوخ المصري ، ورئيس الحزب الدستوري ، وصاحب مجلتي " السياسة الأسبوعية " و " السياسة اليومية " .

            ففب صيف 1951 زار الدكتور هيكل لبنان ونزل في مصيف ضهور الشوير مع عائلته . فاتصل بالشاعر الداهشي حليم دموس مستفسراً عن تجريد الدكتور داهش من جنسيته اللبنانية . وعلى أثر ذلك اجتمع به و بالدكتورين جورج خبصا وفريد أبو سليمان وبالسيدة المجاهدة ماري حداد ، الأديبة والرسامة ، التي كانت شقيقتها لور ، عقيلة بشارة الخوري ، قد استفزت زوجها الرئيس لكي يسجنها ؛ فقاست ماري في السجن شهوراً طويلة ، ثم خرجت منه وعزيمتها أشد وإيمانها بمؤسس الداهشية أقوى .

            ثم جرت مراسلة بين الدكتور هيكل والدكتور داهش حول اضطهاده وتجريده من الجنسية . وقد احتل موضوع الحرية الفكرية العقائدية فسحة كبيرة منها .

            جاء في رسالة هيكل الأولى إلى مؤسس الداهشية : " لقد ذكرت لك في الكتاب الذي حمله إليك عني أخونا الأستاذ حليم دموس أنني أرى تجريد أي إنسان من جنسيته وزراً منكراً ، وإثماً فاحشاً يلجاء إليه الطغاة لمآربهم الاستبدادية.

            والتجريد من الجنسية لرأي يراه صاحبه أشد نكراً وأعظم وزراً . فجنسية المرء بعض حياته . فهي الصلة المقدسة بين المرء ووطنه . وهي التي تتيح له أن يتمتع بالحقوق التي يكفلها له الوطن . وكل عقابٍ وإن عظم لا يساوي التجريد من الجنسية . بل إن عقوبة الإعدام على فداحتها لأهون من التجريد خطباً ؛ لأن صاحبها يدفن في ثرى وطنه منسوباً إلى بني وطنه ، ثم يتمتع ذووه بعد انتقاله من بينهم بإعزاز رفاته .

            فإن مات مظلوماً لرأي رآه ، كان متاعهم أوفى وأوفر لأن صاحب الرأي هو النبراس المضيء الذي ينير السبيل أمام الإنسانية حتى بعد ثوائه في قبره .

            ألم تذكر في رسالتك ما أصاب (سقراط) هذا الفيلسوف الضخم والمعلم الأول الذي أعدم مظلوماً ، فزاد الظلم ذكره رفعةً على رفعة ، على مدى الأجيال ؟ فهنيئاً لك ، يا أخي، ما نزل بك من ظلمٍ لأنك حاولت أن تحارب التعصب المذموم فحاربوك ، وحاولت أن تجمع كلمة بني الإنسان في ظل الأخوة بين أهل الأديان جميعاً فاضطهدوك وشردوك.....

            ومن حقك ، وانت في منفاك، أن تتمثل بقول السيد جمال الأفغاني :

"أنا إن عشت لست اعدم قوتاً

                                    وإذا مت لست أعدم قبرا

            همتي همة الملوك ونفسي

                                    نفس حر لا ترتضي الأسر قسرا"  

            نستنتج من مراسلة الدكتور داهش للدكتور هيكل أن مؤسس الداهشية مع الحرية الفكرية العقائدية المطلقة .فهو يستشهد بما كتبه جون ستيوارت ميل (1806-1873) في الفصل الثاني من كتاب " الحرية " بقوله: " فلو أن الناس قاطبةً أجمعوا على رأيٍ واحدٍ ، وخالفهم في ذلك فردٌ فذ ، لما كان لهم من الحق في إخراسه أكثر مما له من الحق في إخراسهم لو استطاع إلى ذلك سبيلاً . إذ لا يقدح في أهمية الرأي قلة المنتصرين له وكثرة الزارين عليه (...) ذلك أن الرأي إن كان صواباً ، فقد حرم الناس فرصة نفيسة يستبدلون فيها الحق بالباطل ويبيعون الضلالة بالهدى. وإن كان خطأً ، فقد حرموا كذلك فرصة لا تقل عن السابقة نفاسة وفائدة ، وهي فرصة الازدياد من التمكن في الحق والرسوخ في العلم على أثر مصادمة الحق بالباطل ومقارنة الخإ بالصواب ."

            وهذا يعني أن القمع الفكري العقائدي لا مكان له في الداهشية ، كما لا مكان للإكراه الفكري أياً كان موضوعه ومن أية جهة أتى . فالنفس الحرة هي التي تتسع لحريات الناس ، ولا مجال فيها للتزمت والانغلاق ، فالتسامح شعارها ، وتفهم الآخرين همها ، لأن من لا يستطيع أن يتفهم مواقف الآخرين وآراءهم ، لا يستطيع أن يحس بآلامهم وأحزانهم ويشعر بحاجاتهم ، وبذاك يكون قد أقام بينه وبينهم سداً نتيجته اللاتواصل فالبغضاء فالعداء . وهذه النتيجة ليست في خط القيم الروحية التي تحرر النفس وتسمو بها إلى الأعلى .

            فضلاً عن ذلك يرى الدكتور داهش ، مثلما رأى جون ستيوارت ميل أن الذي يجبر إنساناً على اعتناق عقيدة ما أو يحظر عقيدةً ما ، يرى في نفسه العصمة من الخطاء . لكن العصمة غير كائنةٍ في البشر . وادعاء بعض السلطات للعصمة لم يجر إلا الويلات والشقاء للناس ، ذلك بأن مدعي العصمة يجعل من نفسه ظلاً لله على الأرض وبين يديه الحقيقة المطلقة . وإعدام سقراط ومحاكمة غاليليه أمام محكمة التفتيش الكاثوليكية برهانان تاريخيان صارخان بوجه مدََّعي احتكار الحقيقة . فمعرفتنا البشرية للحقائق كانت وما تزال معلرفةً نسبيةً جزئية ، ولن يحيط بالحقيقة المطلقة إلا كائنٌ اندمج في الذات الإلهية فأحاط بأسرار الأكوان كلها معلومها ومجهولها .

الحرية حقٌ طبيعي          

            يلتقي مؤسس الداهشية وجون ستيوارت ميل وسائر المفكرين الذين كانوا في أساس الثورات التي أدت إلى قيام الحكم الديمقراطي في المفهوم القائل بأن الحرية حق طبيعي هو للإنسان بمنزلة الحياة .

            فمنذ القرن السابع عشر بدأت تتفاعل الأفكار العلمية والفلسفية الجديدة مشجعة على الإيمان بنظام كوني شامل وقانون طبيعي عام يشمل الإنسان . وفي سياق القرن الثامن عشر ، عصر الأنوار ، وبانتشار آراء المفكرين الفنسيين ، نشأت فكرة أن الحقوق الطبيعية التي يتمتع بها الإنسان ، ومنها حق الحرية ، لم يتنازل المواطن عنها لحكوماتهم ، بل تنازلوا لها عن حق حماية تلك الحقوق وصيانة الفرص المتيحة لتنفيذها . وفشل أية حكومة في صيانة حقوق المواطن الطبيعية يعطيهم حق الثورة عليها ، لأن قيام الحكومة لا يكون إلا بعقدٍ اجتماعي بينها وبين الشعب من أجل رعاية مصالحه والمحافظة على حقوقه .

            ومن البديهي أن يقف الدكتور داهش من الحرية هذا الموقف ، لأن مفهومه هذا مستمدٌ من نظرته الشاملة للكون . فالقوة الموجدة وضعت نظاماً روحياً أساسه العدالة يشمل الكائنات جميعها ، وبينها الإنسان . ولا تستقيم العدالة على الصعيد البشري إلا إذا تمتع الإنسان بحرياته الشخصية والعامة ، لن جزاءه سيبنى عليها . فالحرية إذاً حقٌ طبيعيً لا يمكن نزعه منه . يقول الدكتور داهش :

            " الحرية الشخصية – بل الحرية العامة – ليست لعبة لتمنعها الحكومات أو الأشخاص ذوو السلطان والنفوذ بسبب ضغائن وحزازات تتأكل صدورهم التي تعشش فيها الأراقط السامة . نعم هي ليست ملك يمينهم لتمنعها متى شاءت ، وتمنحها متى طاب لها ذلك . بل هما (أي الحرية الشخصية والحرية العام) حقان طبيعيان للأفراد وللأمة بمنزلة الحياة . وما علمنا أن إنساناً على الأرض يدعي لنفسه حق إعطاء الحياة ومنعها إلا الله . والله – جلت قدرته- خلق الناس بأجمعهم أحراراً .ألا رحم الله روح الخليفة العظيم عمر بن الخطاب الذي خلدت حكمته إذ قال : " متى استعبدتم الناس وقد خلقتهم أمهاتهم أحراراً " "

القضاء هو سياج الحرية

          في رأي مؤسس الداهشية – كما في رأي معظم المفكرين السياسيين – أن العقد السياسي الاجتماعي الذي يربط المواطن بالدولة في الدول الديموقراطية لا يتطلب من المواطن أن يتنازل للدولة إلا عن حق حمايته ممن يحاولون الاعتداء على حقوقه وبرأسها حرياته الشخصية والعامة ، وعن حق إسترداد ما سلبه من تلك الحقوق . وفي الدول الديموقراطية استقلت مؤسسة القضاء عن مؤسسات الدولة الأخرى التنفيذية والتشريعية ، وذلك حتى لا يصبح القضاء مسخراً لنزوات الحكام ومآربهم الشخصية أو لأية سلطة أخرى غير سلطة العدالة .

            يقول الدكتور داهش في رسالته الثانية إلى هيكل : " في كل البلدان الراقية يكون القضاء سياج الحريات المهددة من الحكام والمتنفذين ، ويقف في وجوههم شاهراً سيفه ذا الحدين لبتر رغباتهم ورد كيدهم إلى نحرهم ، وإنقاذ من يريدون افتراس حرياته ودوس حقوقه والاعتداء على حقه بباطلهم . هذا هو موقف القضاء النزيه العادل ."

            ونزاهة اقضاء في أمريكا بالنسبة للقضاء في لبنان ، أيام الحكم الخوري الباغي ، هو الذي جعل الدكتور داهش يكبر في أمريكا الحرية والقانون والعدالة ودور الصحافة الناقدة لأخطاء الحكام والرسميين ، ذلك مع تعريضه بالجشع المسيطر على كثير من سكان أمريكا ومرافقها ، وتشهره بالإباحية المتمادية فيها كما في معظم البلدان الأروبية . يقول في" مذكرات دينار":

" إن أعظم عظيمٍ يتساوى في هذه البلاد [أمريكا] مع أحقر حقير ، فلا سائد ولا مسود في كافة أرجاء البلاد التي يرفرف عليها العلم الموشى بالنجوم التي يسبح فوقها النسر الجبار ."

            ويحسن بالقارئ أن يقارن بين القضاء الأمريكي والقضاء اللبناني في عصر الطاغية البائد ؛ وقد صور الدكتور داهش جانباً مخزياً منه في " مذكرات دينار " وهو يتمنى – بلسان الدينار الذهبي بطل قصته – أن تنعم العواصم الشرقية بالحرية التي تنعم بها أمريكا ، بعد أن تحطم قيود الاستعمار التي كانت تكبلها عهد ذاك . وإكبار الدكتور داهش لعدالة القضاء وللحرية الفكرية في أمريكا يكرره في معرض مقارنته بينهما وبين حالتهما المخزية في لبنان ، وذلك في قطعةٍ كتبها ، عام 1948، بعنوان " أسرعي أسرعي أيتها الباخرة بالرحيل ،" يرد فيها على القضاء اللبناني ، راجي الراعي ، الذي كان قد نشر ، في العام نفسه ، مقالاً يحرض فيه اللبنانيين المهاجرين على العودة إلى لبنان .

" إن الحق يؤخذ ولا يستجدى"

           متى فسد القضاء في دولةٍ ما ، لا يبقى لمن اغتصبت حقوقهم وسلبت حرياتهم إلا أن يعتمدوا على أنفسهم . أما الأساليب المتبعة فقد تكون ثورية مسلحة أو ثورية فكرية تعتمد نشر الفكر المنير والمستنفر للرأي العام . وقد اتجه الدكتور داهش الاتجاه الثاني مقتدياً بغاندي كما بالمسيح قبله . وهو يسمي الناصري " سيد الثورة النبيلة " التي أطلقها " كي يحطم بواسطتها كبول الظلم والإرهاق ، ويقطع أغلال الرق والعبودية ، وكي يحقق الحلم الذهبي الذي نشرته البشرية الحائرة في أمرها ، منذ كون الباري هذا العالم التاعس البائس (...).

            ثلاثة وثلاثين عاماً جاهد جهاد المستميت داعياً الجميع للانقضاض على دستور القوة والبطش ، دون أن يسير في ركابه أحد ، خوفاً من الدولة الرومانية القوية الشكيمة وذات الشوكة والاقتدار . اللهم ، ما خلا نفراً من البسطاء الذين فتنتهم تعاليمه العلوية ، وأضاءت قلوبهم بأنوار المعرفة الإلهية .

            لم يياس ولم يقنط ، ولم يتراجع ، ولم يلق سلاحه ، بل راح يهاجم قيصر روما في شخص هيرودس ، طاغية فلسطين ، حيث نشأ ابن السماء ، وحيث ترعرع . وفي النهاية ، عظمت التضحية وضخم العداء ..."

            تلك الثورة الفكرية التي أطلقها الناصري سلك طريقها واتبع مبادئها مجدداً مؤسس الداهشية . لكن بدل أن يسمع هيرودس كلاماً شفهياً، أسمعه كلاماً مدوناً كان ينقص عليه وعلى زبانيته كالصواعق المدمرة .

            عرض الدكتور محمد حسين هيكل على الدكتور داهش أن يبحث موضوع اضطهاده وتجريده من الجنسية اللبنانية مع الرئيس الراحل بشارة الخوري ، فرفض لإيمانه بأن " الحق يؤخذ ولا يستجدى ، " وليقينه بأنه سيسترد حريته وحقه السليب في الجنسية دونما أي تنازلٍ أو تزلفٍ أو شفاعة . ويقينه كان مبنياً على العدال الإلهية التي تمده بمعرفةٍ روحيةٍ خارقة كما على دروس التاريخ وعبره التي تؤكد أن الحريات تنتزع انتزاعاً من البغاة بالكفاح المديد البطولي . يقول في رسالته الثانية إلى هيكل :

            " لهذا فإنني أرجو من الأخ الكريم أن لا يكلف نفسه مؤونة التحدث مع المسؤول الأول عن التجريد . وسيأتي اليوم الذي يدفع كل من ظلم وتجاوز الحق حسابأً عما ارتكبه وجاءه من حسنات وسيئات . وسيكون الجزاء من نوع العمل . فالجبان ، والعديم الشرف ، والساقط النفس هو من لا يحاسب الطغاة حينما تدق ساعة الحساب .

            والتاريخ يعلمنا أنه ما من ظالمٍ غاشمٍ إلا ولاقى شرالجزاء الرهيب . وسيجرع المظلوم ظالمه كأس الذل والمهانة حتى الثمالة ... وأنا لا شك بأن ساعة الحساب ستدق عاجلاً أم آجلاً . وعند ذاك سأدق أعناق أعدائي دقاً مزلزلاً . ويوم ذاك ستجلجل نواقيس الهلع ، وسيعم الرعب والجزع في أفئدة كل من اعتدى على حقي المقدس الذي وهبني إياه الله كحق طبيعي أنعم به مثلما ينعم به كل مخلوق من مخلوقات الباري – جلت قدرته ..."  

            ولا شك بأن ما ورد في رد مؤسس الداهشية كان نبوءةً بالثورة الشعبية التي أطاحت بعد عامٍ واحدٍ برئاسة بشارة الخوي ، كما يمكن اعتبارها ، إذا ضمت إلى كلماتٍ كثيرةٍ دونها قبلها وبعدها ، نبوءةً بالحرب الأهلية اللبنانية التي قلمت مخالب أعداء الدكتور داهش وحطمت أجنحتهم .

            والحقيقة أن من يتصفح مؤلفات مؤسس الداهشية يرى فيها منثرةً كلماتٍ كثيرةً في الكفاح من أجل الحرية ، ومآل الحكم الظالم ، ومصير الشعب الخانع .

            فمما يقوله في وجوب النضال ضد البغاة:

            " يجب على المظلوم المعتدى على حقوقه وحريته أن يرجم ظالمه بصواعق مزلزلة تردمه وتدمره ، وتجعل عاليه سافله."

            " ولو لانت عزيمتي ووهنت إرادتي لخررت أمام الذي أدعوه بحق( مجرماً خطيراً ) . ولكن قوة إرادتي ما كان لها أن تهن أو تلين ما دمت صاحب حق ، وحقي واضحٌ وضوح الشمس في رابعة النهار . لهذا يجب عليه هو أن يخر أمام الحق الذي يعلو ولا يعلى عليه ."

            ومما يقوله في مآل الدولة الباغية :

            " دولة الظلم والشرور وما كانت ترتكبه من حقير الأمور ستتقوض أركانها الواهية سريعاً لتستقر في بطون القبور ، وتمكث فيها إلى يوم النثور ."

            " أشبِّه رئيس الدولة الظالم المستبد بمزبلةٍ موبوءةٍ تكدست فيها أنتن الأقذار ... أما المتزلفون له ، والملتفون حوله ، والناسجون على منواله ، والضاربون على طبله ،والعازفون على مزماره ... فهم أخط أنواع الحشرات الموبوءة وأدناها .."

ومما يقول في مصير الشعب الخانع :

" الجبان – في شريعتي – ليس أهلاً للحياة مطلقاً . فإما أن نجبن فيستعبدنا القوي الغاشم ، وإما أن نظهر شجاعتنا ، ونطلق بطولتنا ، فننتزع بواسطتهما حريتنا المقسة الخالدة ."

" الشعب الخاضع الخانع لحاكمه الظالم يجب أن يقرن بالنير عوضاً عن الأبقار والحمير ."

" إن الشعب الذي يقبل مثل هذه المعاملة المهينة ، ولا يثور ، هو شعبٌ ميتٌ لا يستحق الحياة ."

ومن هذه الأقوال وغيرها مما يشابهها يستنتج أن مؤسس الداهشية يرى في ممارسة الحرية مستوىً عقلياً وحضارياً تستحقه الشعوب عن جدارة ، بعد كفاحهم الطويل وارتقائها الثقافي واستنارة الرأي العام فيها ، وإلا فستكون بمنأى ع الحرية لأنها أعجز عن الاضطلاع بأعبائها . وهذا الأمر يقودنا لتحمل مسؤولية الحرية .

4- الحرية السياسية الإجتماعية

          لقد خرج لبنان من عهد الانتداب ونال استقلاله عام 1943 ، وكان أول رئيس حكمه في العهد الاستقلالي هو بشارة الخوري . لكن هل كان الشعب اللبناني ،حقيقةً ، بمستوى مسؤولية الاستقلال ، جديراً بتحمُّلها ؟

            لقد حول بشارة الخوري الدولة إلى شبه مزرعة يستغلها هو وأسرته وزبانيته ، كما حول الشعب إلى بقرةٍ حلوبٍ يستدرها لمصلحته . وهذا الأمر شائعٌ مشهور . ( راجع ما كتبه فليب حتّى وكمال الصليبي عن عهد الطاغية في تأريخهما للبنان المعاصر ) . لكن هل حاسبه الشعب على تصرفاته ؟

            هنا تبرز أهمية الرأي العام . فالشعب إذا لم يكن واعياً لحقوقه ومراقباً ومحاسباً لممثليه ، فوجوده وعدم وجوده سيان .

            لقد ارتكبت جريمةٌ رهيبةٌ بحقِّ مؤسس الداهشية ، اشترك فيها رئيسٌ ووزراء وقضاة ... جريمةٌ حطمت بها القوانين وانتهك الدستور ! فهل تحرك النواب ، ممثلو الشعب لاستجواب المسؤولين عنها ؟ لا . ذلك لأن الرأي العام في لبنان لم يكن له وجود .

            يقول الدكتور داهش :

            " والنواب ، نواب البلاد ! بل نوائب لبنان ... لم يرفع أي منهم صوته بالاحتجاج على هذه الجريمة الصارخة التي لم تجر على غرارها جريمةٌ تساويها بقسوتها وبشاعتها ."

            " وهل من المعقول أن مجلس (25 أيار [مايو] ) يرفع صوته بالدفاع عن الحيات المعتدى عليها ، وهو مالمجلس الذي ولد مزوراً وعاش بصورةٍ لا تشرفه بكثيرٍ أو بقليل ! وهذا يعرفه الجميع ."

            إن ممارسة الحرية السياسية ممارسةً صحيحةً تقتضي ناخبين مثقفين مستنيرين وصحافةً حرةً جريئة . فإذا عم الجهل معظم الشعب فباع أبناؤه أصواتهم وضمائرهم بالمزاد للمرشحين وما فطنوا بأن من ابتاعها سيعاملهم كالسائمة ، وسيستعيد منهم ما دفعه لهم أضعافاً ، فلا يكون الشعب ،إذ ذاك ، جديراً بحرية الايتقلال ولا بمستوى تحمل مسؤولية الحرية . يقول مؤسس الداهشية :

            " إن الرأي العام البناني الهزيل الذي تنقصه الثقافة التحررية لم يأبه للأمر ، مع العلم أنه إذا أصيب أي مواطنٍ لبناني بظلمٍ فادحٍ كهذا فكأن الجميع لأصيبوا ."

            أما الصحافة اللبنانية في ذلك العهد المشؤوم فقد كانت – للأسف – مأجورة الأقلام ، تخدع الشعب وتزور الحقائق وتعمم الجهل بدل أن تكون وسيلة لإنارة الرأي العام ولمحاربة الظلم وفضح مرتكبيه . يقول مؤسس الداهشية عن الصحافة الأمريكية وهدفه أن يقارن القارئ بينها وبين الصحافة اللبنانية :

            " أما الصحافة فإنها لا تترك كبيرةً أو صغيرةً إلا تقتلها بحثاً وتنقيباً ، منتقدة ألياء الأمور عندما تجد أية هفوةٍ تبدر من أحدهم مهما كانت تافهة .

            " والغريب أن الشخصية الرسمية التي ينتقدها الكتاب تصلح خطأها دون تذمر ، بل هي تشكر من نبهها إلى خطاءها ."

            إن الحرية السياسية الاجتماعية لا يمكن أن تمارسها في جو يسيطر عليه الجهل والخوف واللامبالاة تجاه الحقيقة . كذلك يستحيل أن تمارس في مجتمعٍ حددت له طريق الاختيار سلفاً . ولا يحطم هذه القيود إلا الثقافة الواسعة التي تفتح بصائر المواطنين على حريات الأمم الأخرى وكيفية ممارستهم لها ، كذلك الصحافة الجريئة النزيهة التي تؤمن بأن الرسالة الصحافية هي بالدرجة الأولى تحري الحقائق ونشرها ومحاسبة الرسميين المؤتمنين على حماية حقوق الشعب ومصالحه .

حدود الحرية الاجتماعية الخلقية

          لم يجد مؤسس الداهشية ضرورةً لوضع حدودٍ لأي بعدٍ من أبعاد الحرية إلا لبعدها الاجتماعي الخلقي . وقد سبق أن أوضحت أن غايته من رسالته الروحية هي تحرير الناس من القيود التي تكبل نفوسهم وتمنعها من الارتقاء الروحي ، بل تستعبدها ؛ وأعتى تلك القيود هو قيد الشهوة الجنسية الجارفة . فالإباحية الجنسية ، مثلاً ، إذا تركت بلا رقابة أو حدود ، تتحول إلى وباء يفتك بالأسرة ويقرض بنيان المجتمع ، ويهدد الدولة بتفككها ، ولذا يتوجب على الحكومات أن تضع حدوداً للإباحية الجنسية لا يتجاوزها المواطن .

            يقول في معرض كلامه على باريس وكونها ربة الحريات :

            " إن الحرية مطلب كل مخلوق حي ، ينشدها ويسعى ورائها ليل نهار ، ويبذل في سبيلها كل مرتخصٍ وغالٍ . ولكن هذه الحرية تفقد معناها ومبناها عندما تتجاوز حدها الأخلاقي ، وتسف مثل هذا الإسفاف البشع .

            "إن الواجبات الإنسانية تفرض على القائمين بشؤون الحكم أن يحدوا مثل هذه الحريات التي أصبحت خطراً على الهيئة الاجتماعية ، وضربةً قاصمةً للفضيلة والآداب ."

            هذا الرأي الذي أعلنه الدكتور داهش عام 1946 ، لم يحد عنه في مختلف كتاباته ؛ وقد كرره بصيغٍ مختلفةٍ في معرض رحلاته التي ضمتها سلسلة " الرحلات الداهشية حول الكرة الرضية ."

            ففي رحلته الأولى ،يثور على السائرات شبه عاريات في الشارع العام من هاواي ، كما يثور في نيويورك على التباهي بالإباحية والانحراف الجنسي . وفي برلين يتساءل ، بعد أن شاهد عرضاً إباحياً في مقهى ليلي كان من ضمن البرنامج السياحي الذي أعده الفندق الذي نزل فيه :

            " كيف تسمح الحكومة بمثل هذه الأوكار التي تعشش الرذيلة فيها ؟ هذا سرٌ عويص لا تفهمه إلا الحكومة التي سمحت به ."

            وفي رحلته السادسة ، يتعجب ويشمئز مما شاهده في شارع الغانيات بأمستردام ؛ وفي ستوكهولم تعظم ثورته على الإباحية الجارفة ، فيكت قطعة بعنوان " الأرض ستدمر ؛" مما يقوله فيها :

            " إن الفحشاء التي مثلت بأرقى مدن الأرض لا تصدق وقائعها ! (...) . كيف تسمح الحكومة بمثل هذه اللوثات الفاضحة ! ألا يوجد رجل فضيلةٍ ونساء قيمٍ أخلاقيةٍ في البلاد ! كيف يسمح الأخ لأخته أن تحضر موكب الفسق ! وكيف يسمح الزوج لزوجته أن تذهب لدار الفجور ! إن الجبال ستتفكك أوصالها ! والأرض ستفك منعقالها ! وستعصف بدنيانا صواعق الغضب الإلهي المبيد (...) فدنيانا أصبحت بحاجةٍ ماسةٍ لأن تدمر تدميراً نهائياً . فمدتنتا سادوم وعامورة اللتان أمطرهما الله ناراً وكبريتاً ، ومحاهما من عالم الوجود لفسقهما ودعارتهما ، لا تذكر مخازيهما إذا قيست بما يجري اليوم في أرقى عواصم الدنيا ..."

            إن رأي مؤسس الداهشية في حدود الحرية الاجتماعية الخلقية يقع بخط الشرائع السماوية كما في خط رائدي الفلسفة أفلاطون وأرسطو . فافيلسوفان اليونانيان شددا على حاجة المجتمع لوضع حدودٍ على أعمال الفرد التي قد تهدد الفضيلة وتنميتها . فلا يكفي أن يكون للمجتمع مجرد قوانين ، بل يجب أن تكون القوانين عادلة بحيث تتيح للفاضلين من الناس أن يحققوا طبيعتهم في ضوء هداية عقولهم . والشرائع العادلة تعزز الحرية ، والحرية والحكم الصالح يجب أن يسيرا جنباً إلى جنب . وأول واجبات الحكم الصالح تثقيف المواطن ، وفي رأس الثقافة تنمية الفضيلة .

            وفي العصر الحديث ينضم إلى هذا الرأي القاضي الإنكليزي البارز اللورد ديفلن الذي يرى أن الحدود القانونية يمكن تطبيقها حتى في مجال الحرية الاجتماعية الخلقية بقدر ما يمكن الأعمال الشخصية أن تخرب أو تفسد المؤسسات التي تشكل بنية المجتمع . لكن بقدر ما تبقى الأديان مصدراً سلطوياً لضبط الفرد لنزواته ، من الأفضل ألا تتدخل الدولة بوضع حدودٍ لأعماله في شرائعها المدنية ، لكن ماذا لو تنازلت المؤسسات الدينية نفسها عن دورها الضابط للنزوات الفردية ، أو ضعف تأثيرها جداً ؟            

   التعاليم الداهشيَّة بقلم الدكتور غازي براكس Back to

                    

                            

Developed by Houssam Ballout        Copyright 2019 This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.nfo All Right Reseved This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.