أنا أؤمن بأنه توجـد عدالة سماويّة, وأن جميع ما يُصيبنا في الحياةِ الدنيا من مُنغصات انَّ هـو الاّ جـزاءٌ وفاق لِما أجترحناه في أدوارنا السابقة من آثـامٍ وشـرور.ولهـذا يجب علينا أن نستقبلَ كلّ مـا يحـلّ بنـا من آلامِ الحياةِ ومآسيها غير مُتبرّمين ولا متذمّرين , بل قانعين بعدالةِ السماء ونُظمها السامية.

Highlighter
أحبُّ الكُتُبَ حبَّ السُكارى للخمر , لكنَّني كلَّما أزددتُ منها شرباً, زادتني صَحوا
ليس مّنْ يكتُبُ للهو كمَن يكتُبُ للحقيقة
الجمالُ والعفّــة فـردوسٌ سماويّ .
لا معنى لحياةِ ألأنسان اذا لم يقم بعملٍ انسانيٍّ جليل .
اعمل الخير , وأعضد المساكين , تحصل على السعادة .
من العارِ أن تموتَ قبل أن تقـوم بأعمالِ الخير نحـو ألأنسانيّة .
الموتُ يقظةٌ جميلة ينشُدها كل مَنْ صَفَتْ نفسه وطَهرت روحه , ويخافها كلّ من ثقُلت أفكاره وزادت أوزاره .
ان أجسامنا الماديّة ستمتدّ اليها يـد ألأقـدار فتحطِّمها , ثمّ تعمل فيها أنامل الدهـر فتتَّغير معالمها , وتجعلها مهزلةً مرذولة . أمّا ألأعمال الصالحة وألأتجاهات النبيلة السّامية , فهي هي التي يتنسَّم ملائكة اللّه عبيرها الخالد .
نأتي إلى هذا العالمِ باكين مُعولين، و نغادره باكين مُعولين! فواهً لك يا عالمَ البكاء والعويل!
جميعنا مُغترٌّ مخدوعٌ ببعضه البعض.
العدلُ كلمة خُرافية مُضحكة.
أمجادُ هذا العالم وهمٌ باطل، و لونٌ حائل، و ظلٌّ زائل.
لا باركَ الله في تلك الساعة التي فتحتُ فيها عينيّ فإذا بي في مكانٍ يطلقون عليه اسم العالم .
أنا غريبٌ في هذا العالم، و كم احنُّ إلى تلك الساعة التي اعود فيها إلى وطني الحقيقيّ.
الحياةُ سفينةٌ عظيمة رائعة تمخرُ في بحرٍ، ماؤه الآثام البشريَّة الطافحة، و امواجه شهواتهم البهيميَّة الطامحة، و شطآنه نهايتهم المؤلمة الصادعة.
كلّنا ذلك الذئبُ المُفترس , يردع غيره عن اتيانِ الموبقاتِ وهو زعيمها وحامل لوائها , المُقوّض لصروح الفضيلة , ورافع أساس بناءِ الرذيلة .
الحياةُ سلسلة اضطراباتٍ وأهوال , والمرءُ يتقلَّب في أعماقها , حتى يأتيه داعي الموت, فيذهب الى المجهولِ الرهيب , وهو يجهلُ موته , كما كان يجهلُ حياته .
من العارِ أن تموتَ قبل أن تقومَ بأعمالِ الخير نحو الانسانيّة .
المالُ ميزان الشرِّ في هذا العالم .
السعادةُ ليست في المال , ولكن في هدوءِ البال .
كلُّ شيءٍ عظيمٍ في النفسِ العظيمة , أمّا في النفسِ الحقيرة فكلُّ شيءٍ حقير .
الرُّوح نسمةٌ يُرسلها الخالق لخلائقه لأجل , ثم تعودُ اليه بعجل .
الرُّوح نفثةٌ الهيَّة تحتلُّ الخلائق , وكل منها للعودة الى خالقها تائق .
الرُّوح سرٌّ الهيٌّ موصَدْ لا يعرفه الاّ خالق الأرواح بارادته , فمنه أتتْ واليه تعود .
أنا أؤمن بأنه توجـد عدالةٌ سماويّة , وأنَّ جميع ما يُصيبنا في الحياةِ الدُّنيا من مُنغِّصاتٍ وأكدارٍ انَّ هـو الاَّ جـزاء وفاق لمِا أجترحناه في أدوارنا السابقة من آثـامٍ وشـرور . ولهـذا يجب علينا أن نستقبل كلَّ مـا يحـلُّ بنـا من آلام الحياة ومآسيها غير م
الحرّيةُ منحة من السماءِ لأبناءِ ألأرض .
الموتُ ملاكُ رحمةٍ سماويّ يعطف على البشر المُتألّمين , وبلمسةٍ سحريّة من أنامله اللطيفة يُنيلهم الهناء العلويّ .
ما أنقى من يتغلّب على ميولِ جسده الوضيع الفاني , ويتبع ما تُريده الرُّوح النقيّة .
ما أبعدَ الطريق التي قطعتها سفينتي دون أن تبلغَ مرفأ السلام ومحطَّ الأماني والأحلام .
الراحة التامّة مفقودة في هذا العالم , وكيفما بحثت عنها فأنت عائدٌ منها بصفقةِ الخاسر المَغبون .
ليس أللّــه مع الظالم بل مع الحقّ.
ان الصديق الحقيقي لا وجود له في هذا العالم الكاذب.
ما أكثر القائلين بالعطف على البائسين وغوث الملهوفين والحنو على القانطين , وما أقلَّ تنفيذهم القول.
يظنُّ بعض ألأنذال ألأدنياء أنّهم يُبيّضون صحائفهم بتسويدِ صحائف الأبرياء , غير عالمين بأنَّ الدوائر ستدور عليهم وتُشهّرهم.
ما أبعدَ الطريق التي قطعتها سفينتي دون أن تبلغَ مرفأ السَّلام ومحطَّ الأماني والأحلام .
رهبة المجهول شقاء للبشرِ الجاهلين للأسرارِ الروحيَّة , وسعادة للذين تكشّفت لهم الحقائق السماويَّة .
الموتُ نهاية كل حيّ , ولكنه فترة انتقال : امّا الى نعيم , وامّا الى جحيم .
الحياةُ خير معلِّمٍ ومُؤدِّب , وخيرَ واقٍ للمرءِ من الأنزلاقِ الى مهاوي الحضيض .
حين تشكُّ بأقربِ المُقرَّبين اليك تبدأ في فهمِ حقائق هذا الكون .
مَنْ يكون ذلك القدّيس الذي لم تخطرُ المرأة في باله ؟ لو وجدَ هذا لشبَّهته بالآلهة .
المرأة هي إله هذه الأرض الواسع السُّلطان. و هي تحملُ بيدها سيفاً قاطعاً لو حاولَ رجالُ الأرض قاطبةً انتزاعه منها لباؤوا بالفشلِ و الخذلان .

الزواجُ والعلاقةُ بين الرجل والمرأَة

في المفهوم الداهشيّ

بقلم الدكتور غازي براكْس


مصدرُ البشريَّة الحاليَّة

لا يُمكنُ فهمُ النظرة الداهشيَّة إلى الزواج وبالتالي إلى ما يجبُ أَن تكونَ عليه العلاقةُ الصحيحة بين الرجُل والمرأَة إلاَّ إذا فهمنا الأسبابَ الحقيقيَّة التي أَدَّت إلى نشأَة البشريَّة الحاليَّة. ففي تعاليم الداهشيَّة الموحاة أَنَّ البشرَ الحاليِّين جميعًا يمتُّون بصلةٍ روحيَّة وجسديَّة إلى آدم وحوَّاء اللذَين هما مصدرا التكوين البشريِّ الأخير [1] الـ760 الذي حدثَ بعد عدَّة قرون من فناء قارَّة الأطلانتيد التي بلغَت فيها حضارةُ التكوين السابق أَوجَها، هذا الفناء الذي جعلَه أَفلاطون (427-347 ق م) حوالى عشرة آلاف سنة قبل زمانه،[2]والذي أكَّدَ مُؤَسِّسُ الداهشيَّة حدوثَه.[3] وأيًّا كان مصدرُ البشر السابقين لآدم، ففي التعاليم الداهشيَّة[4] أَنّ أَبا التكوين البشريّ الحاليّ كان، قبل خَلقِه في جنَّة عَدْن، مجموعةً كبيرة من سيَّالات الملائكة والقدّيسين والمُنشدين الذين كانوا يرتعون في الدرجات المئة والخمسين من العوالم الفردوسيَّة. وبعد اشتراكهم وتآزُرهم مع رئيس الملائكة في مُؤامرة استهدفَت اجتيازَ تخوم الفراديس إلى المَواطن الإلهيَّة الممنوعة، عاقبَهم الله— عَزَّ وجَلَّ— على عصيانهم بإسقاطهم إلى الأرض التي تستوي على عتبة الدركة الأُولى من الجحيم. وفورَ وصول سيّالاتهم إلى دنيا الشقاء امتزجَت بترابها وعناصرها، وإذا القدرةُ الإلهيَّة تُكوِّنُ من مجموعها آدم، إلاَّ المُنشِدَ الأوَّل الذي كان الحسدُ والطمعُ يدفعانه إلى احتلال مركز رئيس الملائكة، فقد مَسخَه الله حيَّةً رقطاء مُنفردة. وأغدق الله على آدم رحمتَه فجعلَه في فردَوسٍ أرضيّ كوَّنَه خصِّيصًا له ليُحيطَه ببديلٍ نسبيّ عن السعادة التي فقدَها. وقد أُحيطت الجنَّة بسيَّالٍ روحيّ رفعَ تردُّد ذرّاتها، جاعلاً إيَّاها في مُستوى الدرجة الأُولى من درجات النعيم، وحاجبًا إيَّاها عن عيون الناس الآخرين الذين بقيَت منهم فلولٌ منتثرة هنا وهناك بعد زوال الأطلانتيد. ثمَّ خُلِقَت حوَّاء من بعض سيّالاته لتكونَ له، من جهة، عَونًا وسُلوانًا، ومن جهةٍ أُخرى، تجربةً شهوانيَّة، ذلك بأنَّ "المرأة شَرَكٌ مُحكَمُ الصُنع حبَكَته القدرةُ لإيقاع الرجل بحبائله الجبَّارة"؛[5] فإذا تغلَّبَ على هذه التجربة، يعودُ، من غير أن يعرفَ الموتَ والشقاء، إلى عوالم النعيم مُنتقلاً إليها مثلما انتقلَ إيليَّا النبيّ وهو حَيّ؛ لكنَّ ذلك لا يتمُّ إلاَّ بعد أن يُمضيَ آدم في جنَّة عَدْن مدَّةً حدَّدَتها المشيئةُ الإلهيَّة بألفَي سنة (كان قد أمضى منها وحيدًا ألفً عام). أمَّا إذا ضعفَ وأخفقَ في امتحانه فاستسلمَ للشهوة الجنسيَّة، فإنَّه يخضعُ لسُنَّة البشر الآخرين، أهلِ الأرض قبلَه، وهي قائمة على جميع أنواع الشقاء من أمراضٍ وآلام ومصائب وهَرَم وخوف وقلَق...فموت. وكيفيَّةُ تكوين آدم التي تمَّت بتدخُّلٍ إلهيّ والتي كانت تُخالفُ كيفيَّةَ الإخصاب والتناسُل التي بها كان يتكاثرُ البشرُ الآخَرون الذين كانت ما تزالُ فلولٌ باقيةٌ منهم مُنتشرة في بقاعٍ مُختلفة من الأرض، بعد انتهاء الدَّور التكوينيّ الـ759 __ كيفيَّةُ تكوين آدم الإلهيَّة تلك هي التي منَحَته ميزتَه الروحيَّة المُتفوِّقة، وأَوجبَت عليه الانتصارَ على تجربة الشهوة الجنسيَّة. وبكلمةٍ أُخرى، كان آدم بسيَّالاته الهابطة من الفراديس العُلويَّة فوق البشر_ كان نبيًّا مُصطَفًى. وقد أَثبتَت هذه الحقيقةَ الآيةُ القرآنيَّة القائلة: {إنَّ الله اصطفى آدمَ ونوحًا وآلَ إبراهيمَ وآلَ عُمرانَ على العالَمين.} (آل عُمران: 33) وتمثَّلَت تلك التجربة بشجرة تحملُ ثمارُها سيَّالَ الشهوة الجنسيَّة؛ وكانت قائمة وسطَ الجنَّة، وتُعرَف بـ"شجرة معرفة الخير والشرّ". وقد نهى الله آدمَ، وبواسطته حوَّاء، عن الأكل من ثمارها لئلاَّ يموتا ويُعانيا الشقاء؛ وبكلمات الدكتور داهش "كان الخالقُ قد أوصاهما بعدم أَكل ثمرة التفَّاح، أي عدم الاتِّصال الجنسيّ."[6] لكنَّ المُنشِدَ الأَوَّل المُتجسِّد في الحيَّة دفعَته نزعتُه الانتقاميَّة إلى إغواء حوَّاء بفِعل ضعف سيَّالاتها بالنسبة لآدم، فانتهز فرصةَ انفرادها، وجعلَ يُوسوسُ لها مُوهِمًا إيَّاها بتأثير الثمرة المحرَّمة العجيب في فَتح عالَم المعرفة الإلهيَّة أمامها حتَّى سقطَت في التجربة، ثمَّ أسقطَت آدم، بعد أن عصفَت الأهواءُ برقابة عقله وأطفأت نورَ ضميره. وإذا الإنسانُ الذي كان قبل السقوط أقربَ إلى الملائكة يُصبحُ بعد السقوط أقربَ إلى الحيوان.[7]

يوجِزُ الدكتور داهش قضيَّةَ السقوط بسُداسيَّة تحت عُنوان "آدم وحوَّاء"، فيقول:

نظرَتْ إلى آدمها، فراقَها منه ساعدُه المفتولُ العضلات،

ونظرَ إلى حوَّائه، فدهشَ لأعضائها البضَّة،

فاختمرَت فكرةُ الإغواءِ بين الرجولةِ القويَّة والأُنوثةِ الغَضَّة،

وكانت الأفعى تنظرُ إليهما نظراتِ السُّخرية الغريبة،

وكان إبليس يعدُّ عليهما أَنفاسَهما بدقَّةٍ عجيبة،

وقطفا الثمرةَ المُحرَّمة... فهوَتْ عليهما لعنةُ اللعنات.[8]

بناءً على هذا المفهوم المَبنيّ على الوَحي الروحيّ يُرينا المنطقُ السليم أَنَّ العلاقةَ الجنسيَّة أَمرٌ طرأَ على آدم وحوَّاء بعد السقوط في التجربة؛ فالشهوةُ الجنسيَّة لم تكُن أَصلاً في طبيعتهما، وغايةُ الله من تحظيرها عليهما هي أن يُسهِّلَ عودةَ سيَّالاتهما إلى الفراديس العُلويَّة التي هبطَت منها . ولذلك فامتناعُ سُلالاتِ آدم وحوَّاء عنها، وإن يكُن شِبهَ مُستحيل في ظروف الأرض الحاليَّة، هو الغايةُ المُثلى التي على الإنسان الراغِب في تخطِّي درجة الأرض الروحيّة وبلوغ الكمال أن يسعى إليها. ولذلك قال الدكتور داهش مُؤكِّدًا: "ما أَنقى مَن يتغلَّبُ على ميول جسدِه الفاني، ويتبعُ ما تُريدُه الروحُ النقيَّةُ الخالدة! إنَّه ملاك."[9] وقد وصفَ مُؤسِّسُ الداهشيَّة تأثيرَ الغريزة الجنسيَّة البالغ في نفوس الناس وتوجيهها لسلوكهم في كثيرٍ مِمَّا كتبَه. ولعلَّ من أفضلِ ما يُمثِّلُ النقيضَين قولَه:

ما أَعظمَ تأثيرَ الغريزة الجنسيَّة في الإنسان، وما أشدَّ تسلُّطَها على قواه العقليَّة! وما أَقدسَ ذلك الإنسانَ الذي يقدرُ على قَتلِ هذه القوَّة العاتية![10]

ورُبَّ قائلٍ مُعترِض: لو لم تقُم العلاقةُ الجنسيَّة بين آدم وحوَّاء، فكيف كانت ستُؤهَلُ الأرض بالبشر؟ والجوابُ واضِحٌ سديدُ المنطق من خلال التعاليم الداهشيَّة: لقد سبقَ آدم 759 تكوينًا بشريًّا، كان كلٌّ منها ينتهي بالفناء بكوارثَ طبيعيَّة أو على أيدي البشر أنفسهم ، وذلك من جرَّاء تماديهم بالمعاصي ونَبذِهم لتعاليم الأنبياء والهُداة الروحيِّين؛ واللهُ الذي ملأَ ملايينَ الكواكب بالكائنات الحيَّة قادرٌ على مَلءِ كوكبِ الأرض الصغير التافه بالمخلوقات وفقًا لدرجة استحقاقهم.

 

الغايةُ الأَصليَّة من العلاقة الجنسيَّة

بما أَنَّ العفَّةَ أَصبحت مُتعذِّرة بعد السقوط، فالرحمةُ الإلهيَّة جعلَت الزواجَ والتناسُلَ هما القاعدة للناس. فقد وردَ في "رسالة الهبوط" الموحاة أَنَّ الله ـعَزَّ وجَلَّ ـخاطبَ أدَم قائلاً:

وشاءَت رحمتي أَن تنظرَ بعطفٍ إلى جميع مَن هبطوا إلى الأرض واندمجوا بالرجُل الأَوَّل والمرأَة الأُولى؛ لهذا أَذنتُ بالتناسُل كي تستطيعَ هذه الفئات مِمَّن حاولوا الولوجَ إلى المواطن الممنوعة أَن تنفصلَ عن آدم وحوَّاء، وبأَعمالها واتِّجاهاتها نحو المُثُل العُليا تستطيعُ أَن ترتقي السماوات التي طُرِدَت منها، كلٌّ منها بمُفردِه وباجتهادِه.

وقد سبقَ أَن ذكرتُ في عددٍ سابق من هذه المجلَّة[11] أَنَّه أُوحِيَ إلى الأَبِ الصالح نوح، بعد انحسار الطوفان وخروجه من الفُلك هو وزوجتُه وأَبناؤهما الثلاثة وزوجاتُ هؤلاء، بأنَّه سُمِحَ لهم بأَن يتناسلوا، وذلك من أجل أَن يفرزَ السيَّالُُ الصالحُ نفسَه من السيَّالات الرديئة في سياق الأَجيال، فيتحمَّل كلُّ سيّالٍ تَبِعةَ أعماله ورغباته، لأنَّ الشرَّ سيكونُ هو الطاغي على سيّالات البشر. مِمَّا وردَ في رسالة الأَب نوح الموحاة:

وقال الربُّ لي أيضًا: ’إنَّ الإنسانَ ذو قلبٍ شرِّّير، لهذا يجبُ أَن يتكاثرَ على هذه الأرض. وسيفرزُ كلُّ صالحٍ نفسَه من قطيع هؤلاء البشر الأردياء، فينال سعادتَه العُظمى عندما تأتي الساعةُ الأَخيرة، ساعةُ الحساب والعقاب.‘

إذًا الغايةُ الإلهيَّة من العلاقة الجنسيَّة يجبُ ألاَّ تكونَ إشباع الشهوة بحَدِّ ذاتها، بل التناسُل من أجل إتاحة الفرصة للسيّالات الحسنة لكي تستقلَّ بأعمالها وبالتَّبِعة المُترتِّبة عليها، وبالتالي لإفساح المجال لتقدُّمِها السريع وخلاصها، وكذلك من أجل تهذيبِ السيّالات الرديئة بالتربية والتثقيف والتأديب وتحميلِها وحدها مسؤوليَّة أعمالها. فلو نظرنا في هذا الضوء إلى البلايين الستَّة من البشر الذين تحملُهم الأرضُ اليوم، وتأمَّلنا في درجات مداركهم المُتفاوتة، ونزعاتهم ورغباتهم المُتناقضة، علمًا بأَنَّ القسطَ الأكبر منها مرسومٌ في جيناتهم (مُورِّثاتهم) وفقًا لِِما يُؤكِّدُه علمُ الوراثة الحديث، ولو حاولنا أن نسبرَ تأثيرَ البيئة البيتيَّة والمدرسيَّة والدينيَّة والمجتمعيَّة في كلِّ فردٍ منهم ـ إذًا لاتَّضَحت الحكمةُ الإلهيَّة من فرز بلايين السيَّالات التي كانت، قبل السقوط، مُجتمعةً بمُعظمها في آدم وحوَّاء. فكيف يُمكنُ التوفيق بين الذكيّ والغَبيّ، والعبقريِّ والعاديّ، وصاحب النـزعة الفنِّـيَّة وذي النـزعة العلميَّة؟ وكيف يُمكنُ التوفيق بين المُتواضع والمُتكبِّر، والعفيف والداعر، والسخيِّ والبخيل، والشُّجاع والجبان، والهُمام والخامل، إلى ما هنالك من مُتناقضات لو بقيَت جميعُها محصورةً في شخصَين، أو في عشرة أو مئة أو ألف؟ إذًا لَكانوا عانَوا الأمرَّين من صراع الأضداد الهائلة في نفوسهم، ولَكان تحمَّلَ مَن يغلبُ الصلاحُ عليه ما يُسبِّـبُه السيّالُ الطالحُ فيه من أهوال الشقاء نتيجةَ نزعاته وأعماله الرديئة. وعلى مرورِ آلاف السنين على بَدء فَرْزِ السيَّالات، وحدوثِ مئات التقمُّصات وربَّما آلافها لكلٍّ منها، ما زال كلٌّ من البشر يشعرُ بتناقُضِ النـزعات في نفسه ويُعاني مرارةَ الصراع بينها، الأمر الذي يُؤكِّدُ أنَّ طريقَ التطهُّر والخلاص من الأرض ما زال طويلاً، لأنَّ الفَرزَ التامّ لم يحدثْ بعد.

 

مُؤسَّسةُ الزواج

منذ أقدم العصور وضعَت المُجتمعاتُ البشريَّة سُنَنًا للعلاقات بين الذكور والإناث، كانت سُنَّةُ الزواج أَدومَها وأَقومَها لأنَّها تُساعدُ في استقرار المجتمع. فالشرائعُ الدينيَّة كما المدنيَّة سنَّت حدودًا للعلاقات السويَّة بين الرجُل والمرأة سواء في مُؤسَّسة الزواج أو خارجها. ومع أنَّ الأخذَ بالحرِّيـَّات في العصر الحديث طوَّرَ تلك الشرائع إلى حَدِّ الإباحيَّة الخُلقيَّة في كثيرٍ من البلدان الغربيَّة، فإنَّ الأديانَ جميعَها ما زالت تدعو إلى التقيُّد بالحدود المرسومة، كلٌّ وفقًا لتعاليمه.

ففي المسيحيَّة، وخاصَّةً الكثلكة والأُرثوذكسيَّة، مُنِحَ الزواج صفةَ الشريعة الإلهيَّة، واعتُبِرَ "سرًّا مقدَّسًا". أَمَّا في الإسلام فليس للزواج مثلُ هذه الصفة، إنَّما هو عَقدٌ بين طرفَين يُجريه شيخُ دين بصفة شاهِدٍ وضابطٍ للقَيد. أمَّا في الداهشيَّة فالزواجُ يُعتَبَرُ سُنَّةً اجتماعيَّةً أرضيَّة ليس لها شيءٌ من القُدسيَّة المزعومة؛ فمنحُه هذه الميزة نوعٌ من التضليل، واستدراجٌ للناس ليبقَوا تحت سلطة الكهَنة في توجيه مصيرهم الحياتيّ. إنَّ الزواج الداهشيَّ عقدٌ بين طرفَين خاضعٌ للشرائع المدنيَّة، ومحدودٌ بامرأة واحدة؛ لكنَّه عقدٌ مهمٌّ مُمَيَّز بأنَّه يجمعُ بين نفسَين ومصيرَين بإرادتَيهما ومِلء اختيارهما. ولذلك فرضَ مُؤسِّسُ الداهشيَّة أن يتمَّ طقسُ الزواج في المعبد الداهشيّ إلاَّ إذا حالت ظروفٌ قاهرة دون ذلك، على أن يكتبَ الزوجُ (أو الزوجة إذا كانت وحدها داهشيَّة) "رمزًا"[12] روحيًّا يُضَمَّنُ دُعاءً لله –عزَّ وجّلَّ- لكي يسمحَ للاثنَين بسيَّالٍ روحيّ يُثبِّتُ زواجَهما ويُلهمُهما ما فيه الخير، كما ينطوي على التعاهُد المُتبادَل على الإخلاص والوفاء والاحترام والحبّ. ذلك مع العلم بأنَّ الزواجَ الداهشيّ يجبُ أن يُتَمَّمَ بزواجٍ مدَنيّ خاضعٍ لقوانين البلد الذي يكون فيه الزوجان.

إنَّ عَقدَ القران، وإن لم يحمل أيَّةَ صِفة مقدَّسة، هو من أهمِّ الأحداث التي يُمكنُ أن تتمَّ في حياة الإنسان إن لم يكُن أَهمََّها، لأنَّ عليه يتوقَّفُ مصيرُه ومصيرُ أولاده وأحفاده. فبِفعلِ العلاقة الجسديَّة ستشتبكُ سيَّالاتُ الطرفَين لا في الحاضر فحسب، بل في تقمُّصاتٍ كثيرة قادمة.[13] وتأثيرُ هذا التشابُك، بما يُسبِّـبُه من هناء أو شقاء تبعًا لاستحقاق السيَّالات المُتشابكة، سيظهرُ في الأولاد والأحفاد وسُلالاتهم ما دامت لم تنقطع. وفي ضوء هذه الخطورة يُصبحُ فهمُ كلٍّ من الطرفَين لحقيقة الآخر، لِمُثُلِه العُليا، وقِيَمِه، وطباعِه، ونزعاته، واتِّجاهاتِه، وسيرتِه، قبل الإقدام على عَقد القِران، في غاية الأَهمِّـيَّة. هذه الخطورة المُترتِّبة على تشابُك السيَّالات أكَّدَها الباحثون النفسيُّون مُؤخَّرًا. فتوماس مور Thomas Moore، صاحب كتاب "العناية بالنفس"[14]، يقول: إنَّ الزواج هو "حَبكُ طاقاتٍ كثيرة مُختلفة من نفسَين بعضًا مع بعض (...) وهو يحبكُ بعضًا مع بعض لا شخصيَّات الأزواج فحسب، بل أيضًا ثقافاتهم وأفكارهم وآراءَهم السياسيَّة وانفعالاتهم وأساطيرهم..."[15] فمَن يجعل الزواجَ صفقةً تجاريَّة يُزري بنفسِه وبمعنى القِران؛[16] فلا معنى لزواجٍ لا يتمُّ قبل عَقده تعارفٌ رصين وتعاطُفٌ شريفٌ صادق، ولا يتمُّ بعد عَقده تسانُدٌ وتبادلٌ للحُبِّ والإخلاص والثقة والاحترام والتضحيات مدى الحياة.

 

الطَّــلاق

إنَّ إحاطةَ الزواج بهالة من القداسة، وبالتالي تحريمَ الطلاق إلاَّ في حالة إبطاله أصلاً، لم يمنع ارتفاعَ نسبة الطلاق في ظلِّ الشرائع الكاثوليكيَّة كما في ظلِّ الشرائع الأُخرى. ففي الولايات المُتَّحدة وصلَت نسبةُ الزيجات التي انتهَت بالطلاق، بعد خمس سنواتٍ فقط من عقد الزواج، 20 بالمئة بين الكاثوليك كما البروتستانت، و40 بالمئة بين اليهود، وذلك في أواخر القرن العشرين.[17]

إنَّ أَحداثَ الطلاق المُتزايدة أعدادُها والمُتفاقمة عواقبُها في معظم أرجاء العالَم، وخاصَّةً في الغرب، تشهدُ على أنَّ كلاًّ من الزوجَين، بصورة عامَّة، إمَّا أن تدفعَه إلى الارتباط بالآخر مصلحةٌ شخصيَّة، إذْ يرى فيه تعويضًا عمَّا يفقدُه من قدرة نفسيَّة أو مادِّيَّة، أو تحقيقًا لِما يطمعُ فيه من مالٍ أو ذرائعَ معيشيَّة؛ وإمَّا أن تجذبَه إلى الآخر الشهوةُ الجسديَّةُ الصرف، فإذا قضى حاجتَه منها أو مَلَّ من الوتيرة الواحدة، أو إذا تكشَّفَ له أَنَّه كان مخدوعًا في ما تصوَّرَه في الآخر، أو أَنَّ الآخر قد مالَ قلبُه عنه... حدثَ الخلافُ فالشِّقاقُ فالطلاق.

إنَّ الدكتور داهش ببصيرته الروحيَّة الخارقة استطاع أن يرى دورَ الشهوة الأكبر في علاقة المرأة بزوجها، حتَّى إذا فترَت هذه الشهوة، تحوَّلَت رغبةُ المرأة إلى خارج منـزلها الزوجيّ. يُمثِّلُ مُؤسِّسُ الداهشيَّة رؤيتَه الثاقبة هذه بقوله:

يقولون إنَّها عند زواجها يزدادُ أُنسُها وتطغى نعمتُها.

وأنا أقول إنَّها، عند زواجها، تنسى أُمَّها وأَباها وشقيقَها الوحيد، ولا ترى بعين شهوتها إلاَّ زوجَها.

ويقولون إنَّها تُحبُّ زوجَها وتحنو عليه.

وأنا أقول نعم، ولكن حينما يفقدُ القوَّةَ ويُلِمُّ به الضعفُ والفتور، ينقلبُ الحبُّ المُتأصِّل إلى كراهية ونفور.[18]

إنَّ تقلُّبَ المرأة وصفَه الدكتور داهش في قِصَصٍ كثيرة مِمَّا كتَب، كما اختبرَه في حياته لدى نساءٍ كثيرات مِمَّن تعرّفَ إليهنَّ؛ لكنَّه أيضًا عرفَ في كثيرات الإخلاصَ لأزواجهنَّ وتقوى الله، وهذا ما دعاه إلى القَول: "المرأةُ تحملُ بيمينها مفتاحَ السعادة، وبيسارها مِعولَ التدمير والشقاء،" أو "المرأةُ ملاكٌ وشيطان."[19]

وإذا كان الدكتور داهش قد حمَّلَ الرجلَ مسؤوليَّةً كبيرة في إخفاق الزواج بتسلُّطه على المرأة وأنانيَّته وقسوته، بصورة عامَّة، فإنَّ قارئَ قِصَصِه والرسائل الروحيَّة الموحاة إليه بشأن العلاقة بين الرجُل والمرأة لا بُدَّ من أن يستنتجَ أنَّ المرأةَ أكثرُ مَيلاً للخيانة الزوجيَّة، ذلك بأنَّ سيَّالَ العصيان الذي كان فيها أوانَ طُرِدَت مع آدم من الجنَّة الأرضيَّة امتدَّ إلى كلِّ امرأةٍ بعدها. هذا السيّال العاصي يتعذَّرُ أن تتغلَّبَ عليه إلاَّّ مَن تدرَّعَت بالإيمان الراسخ بخلود النفس وبالثواب والعقاب، واستطاعت أن تُرقِّيَ درجتَها الروحيَّة.[20] هذه الأسبابُ والأحوالُ النفسيَّة المُؤدِّية إلى انهيار الزواج كما الصفات الدينيَّة المقدَّسة التي يُسبِغُها بعضُ المذاهب الدينيَّة عليه اختصرَها مُؤسِّسُ الداهشيَّة بقوله البليغ: "يقولون إنَّ الزواجَ سُنَّةٌ إلهيَّة وشريعة سماويَّة، وأنا أقول إنَّه محبَّة ذاتيَّة أو رغبة بشريَّة."[21] فبصورة عامَّة، تُعمي الأنانيَّةُ الرجُلَ كما تُعمي الشهوةُ المرأة، وفي كِلتا الحالتَين يُصابُ العقلُ بالشلَل، وتعصفُ الأهواءُ به. فبعد أن تزولَ آثارُ النشوة في الطرفَين، تُعيدُ الخلافاتُ الصحوةَ إليهما. ولذلك دَعا المنطقُ السديد الدكتور داهش إلى إفساح مجال الطلاق أمام الزوجَين رحمةً بهما. لكنَّه، في الآن ذاته، ضَيَّقَ فُسحةَ الطلاق حاصرًا أسبابَه في عِلَلٍ ثلاث، لأنَّ تأثيرَ الطلاق في سلوك الأولاد ومصيرهم- إن وُجِدوا-رديءٌ جدًّا؛ فضلاً عن أنَّه يُفكِّكُ الأُسَر التي هي الوحداتُ الاجتماعيَّة الأُولى التي يُبنى منها صرحُ المُجتمع، فبقدر ما تكون سليمة، يكون المجتمع، والعكسُ بالعكس. أمَّا العِلَلُ الثلاث التي يتوجَّبُ إثباتُها دونما لَبْس في حال وجودها فهي:

01 عِلَّةُ الزِّنى من أيِّ طرَف.

02 عِلَّةُ الإهمال المُتكرِّر من أحد الزوجَين للآخر. وإذا كان سببَ الإهمال وجودُ عشيقات أو عُشَّاق لأحد الطرفَين، فإنَّ إثباتَ وجودهنَّ أو وجودهم، إذْ ذاك، يُحدِثُ الطلاق.

03 عِلَّةُ الاختلاف الدائم الذي يُؤدِّي إلى مُشاجرات ومُشاحنات مُستمرَّة تُصبحُ الحياةُ معها لا تُطاق.

ومثلما يُثَبَّتُ عَقد الزواج هكذا يُثَبَّتُ الطلاقُ أيضًا بكتابة "رَمز" داهشيّ مُقدَّس يُوقِّعُ الطرفان عليه اسمَيهما، على أن يسبقَه طلاقٌ في الدوائر المدَنيَّة.[22]

وكثرةُ الطلاق في مختلف أرجاء العالَم دَعَت كثيرين من عُلماء النفس والاجتماع إلى دراسة أسباب الصدامات والخلافات المُؤدِّية إلى إخفاق الزواج، وما يُمكنُ أن يُزيلَها أو يُقلِّـلَها؛ وأكثرُ الدراسات يُكرِّرُ بعضُها بعضًا. منها ما يُحاولُ تسليطَ الضوء على الفوارق بين الرجُل والمرأة في الاهتمامات، والمنطقِ ، ورؤيةِ الأُمور وكيفيَّة مُعالجتها؛[23]ومنها ما يُسدي النصائج لتجنُّب الصدام أو لِحَلِّ المُشكلات الناشئة، كضرورة إنصات كلِّ طرفٍ لشكوى الآخر وتفهُّم شعوره بدون اتِّهامه أو الاستعلاء عليه، وعدم إثارة خلافات قديمة، ومُحاولة إيجاد حَلٍّ يُرضي الجانبَين فلا يفرض طرفٌ نفسَه فرضًا على الآخر، وتمضية الزوجَين وقتًا أكثرَ معًا بكون فيه للمرَح نصيبٌ وافر إلخ.[24]

وعلى جميع النصائح والإرشادات والعلاجات النفسيَّة فإنَّ أكثرَ الزيجات تنتهي بالفشل والشقاء المُؤدِّيَين إلى الانفصال أو الطلاق؛ علمًا بأنَّ الأكثريَّةَ الساحقة مِمَّن يتزوَّجون ثانيةً أو ثالثة أو رابعة... بعد فشلهم السابق، لا يُفضي بهم الزواجُ المُكَرَّر إلاَّ إلى مزيدٍ من الإخفاق، لأنَّ التجاربَ السابقة لا علاقةَ لها بنجاح الزواج الجديد. أمَّا الأسبابُ فكثيرة؛ من أهمِّها التظاهرُ بالصدق في الحبّ، والأنانيَّة أو النرجسيَّة التي تجعلُ كلَّ طرفٍ يعتبرُ أنَّه الأفضل والأجدر بأن يُضحَّى من أجله. وإذا وُجِد في البيت أولاد من زواجٍ سابق، يزدادُ الطينُ بَلاًّ.[25]

 

الحُبُّ السامي

يرى الدكتور داهش أنَّ الحبَّ النقيَّ السامي الذي كثيرًا ما يَرِدُ ذكرُه في القِصَص الرومنسيَّة أو الشعر الغَزَليّ العُذريّ يستحيلُ وجودُه في أيِّ زواج، لأنَّ المُعاشرة الزوجيَّة لا بُدَّ من أن تكونَ خاضعة للطبيعة البشريَّة المُنطوية على غريزة الشهوة الجسديَّة. فلا مجالَ للكلام على حبٍّ طاهرٍ سامٍ على الإطلاق إلاَّ إذا كان بين الإنسان والله، لأنَّ مُنطلَقَ هذا الحبّ هو حنينُ النفس إلى خالقِها واشتياقُ السيَّال الروحيّ إلى روحِه الأُم الكائنة في عوالم الأرواح المجيدة النقيَّة الأزليَّة الأبديَّة. وبالمعنى الواسع قد يجوز التحدُّث عن الحُبِّ السامي إذا عَنينا به محبَّةَ الآباء والأُمَّهات الصادقة لأولادهم، أو الحُبَّ المُتمثِّلَ بالنـزعة الإنسانيَّة المُنطوية على العطف والشفقة والإحسان عند فئةِ من نُبلاء الناس. ولِذا فالكلامُ على حُبٍّ طاهر بين الأزواج هو من مُبالغات العاطفيَّة الرومنسيَّة التي انتشرَت في قِصَص المُحبِّين وأشعارهم.

على أنَّه يُمكنُ الارتقاءُ بالزواج، وبالتالي بالحُبِّ الجامع بين الزوجَين، من درجة الرغبة الجسديَّة إلى العاطفة الروحيَّة الخالصة إذا امتنعَ الاثنان عن الاتِّصال الجسديّ وتغلَّبا على شهوته حتَّى في الفكر. وهذا الأمر يبدو مُتعذِّرًا؛ لكنَّ الدكتور داهش يُعطي المهاتما غانْدي مثَلاً على إمكان تحقيقه لدى أصحاب الإرادات القويَّة والنـزعات العُلويَّة؛ فكثيرًا ما مجَّدَ غانْدي لتعفُّفِه وانتصاره على الدُّنيويَّات بعد زواجه، كما لصلاحه وطلبه الحقيقة. مِمَّا قال فيه:

وستبقى سيرتُكَ العَبِقة نبراسًا للبشريَّة،

يقرأُون عنكَ ما سجَّلَه التاريخ،

فيُباركونكَ وهم مُنذهلون من تبتُّلِكَ.

فلتهنأْ روحُكَ في جنَّةِ الخُلد،

أَيُّها القدِّيسُ القاطنُ في الفراديس.[26]

            بهذا الضوء يجبُ أَن يهتديَ التائقون إلى الكمال الإنسانيّ، عالمين بأَنَّ العفَّةَ الصادقة تاجٌ ثمين يَزينُ رؤوسَ الروحانيِّين القادرين على حَملِه. لكنّ هؤلاء قلائل، وسُنَّةُ الحياة البشريَّة جعلَت الحاجةَ الجنسيَّة فطرةً في كلِّ إنسان. بيدَ أَنَّ ذَوي العقول النيِّرة والمطامح الروحيَّة يُدركون أَنَّ لإراداتهم تأثيرًا بالغًا في تلطيف النـزعة الشهوانيَّة أو تكثيفها، ولِذا فعليهم أن يُجاهِدوا غريزتَهم لِيُخضِعوها لأحكام عقلهم، فتتَّجه اتِّجاهًا مُعتدلاً يُفضي مع النُّضج العقليّ واستمرار مُجاهدة النفس إلى انتصار الروحانيَّة على ما دونها من غرائزَ أرضيَّة.

 

الحُبُّ الصادق

إذا كان الحبُّ النقيُّ السامي مُتعذِّرًا في أيِّ زواج لِكَونِه يُناقِضُ منطقَ الاقتران القائم على الاتِّصال الجسديّ، فهل يُمكنُ قيامُ زواجٍ مَبنيٍّ على حُبٍّ صادقٍ مُخلص؟

الصدقُ في الحبّ فرعٌ من فضيلة الصدق العامَّة التي سبقَ أن تحدَّثتُ عنها،[27] والتي يراها الدكتور داهش نادرةً في الأرض. فبين عشرات القِصَص التي كتبَها طافحةً بالتقلُّب والخداع والغدر والخيانة بين الأزواج، تكادُ قِصَصُ الحبِّ الصادق المُخلِص في الأجزاء الأربعة من "قِصَص غريبة وأساطير عجيبة" لا تتجاوزُ أصابعَ اليَد الواحدة.[28]

ونُدرةُ الإخلاص في الحُبّ الزَّوجيّ تجعلُ الحبَّ الصادق من خصائص السيَّالات الروحيَّة العُلويَّة التي يقلُّ وجودُها في الناس. وعادةً يستمرُّ الحبُّ الصادق بين الحبيبَين في تقمُّصهما اللاحق، لأنَّ نزعات النفس لا تموت، خيرًا كانت أم شرًّا.[29] وقد يكون مَرَدُّ الإخلاص إلى وجود سيَّالٍ روحيّ راقٍ مُشترَك بين الزوجَين، أو إلى انبثاق سيَّالَيهما الرئيسَين من أصلٍ روحيٍّ واحد. هذا الحبُّ الصادق هو الذي عَناه الدكتور داهش حين قال: "بالمال تستطيعُ أَن تشتريَ كلَّ ما تطمحُ إليه نفسُكَ إلاَّ الحُبّ."[30]

إنَّ الحبَّ الصحيحَ ليس الشهوة ولا التعاطُفَ الوجدانيَّ المُتولِّدَ من استثارة الغريزة الجنسيَّة؛ فالشهوةُ توقِعُ الطرفَين في سكرةٍ حسِّـيَّة آنيَّة لا يلبثان أن يصحُوَا منها ليصطدما بالمُشكلات الطارئة في الحياة اليوميَّة. والشهوةُ إن جمحَت، تُفضي غالبًا إلى الدعارة وفنون الزِّنى التي سرعان ما تُقوِّضُ أركانَ الزواج، لأنَّ دافعَ الشَّبَق يستحيلُ إشباعُه من مصدرٍ واحد.

والحبُّ الصحيح ليس العاطفيَّةَ الرومنسيَّة التي تدفعُ كُلاًّ من الطرفَين إلى الظنِّ بأنَّه خُلِقَ خِصِّصيًا لِلآخَر، فيعيشان في عالَمٍ سريعِ العطَب من الأوهام الفردوسيَّة. فـ"المُحبُّون" الرومنسيُّون يجهلون أو يتجاهلون أنَّ الفردوسَ الأرضيَّ إنَّما طُوِيَ من جرَّاء علاقةٍ جنسيَّة. فالبَيتُ الزَّوجيُّ قائمٌ على نقيض الأُسُس الإلهيَّة التي شاءَ الله أن يقومَ عليها البَيتُ الفردَوسيّ.

والحبُّ الصحيح ليس الحبَّ الطُّفَيليَّ الذي يعيشُ صاحبُه مُتَّكلاً على "المحبوب"، مادِّيـَّا أو معنويًّا، لا يستطيعُ الحياةَ بدون رعايته وعنايته، ولا تنمو عاطفتُه إلاَّ بقَدر ما تتغذَّى من زاد هذا الاتِّكال؛ فإذا فقدَ "المُحِبُّ" "محبوبَه"، لجأَ إلى المُسكِرات أو المُخدِّرات يُغرِقُ فيها وعيَه وواقعَه.

والحبُّ الصحيح ليس الرغبةَ الأنانيَّةَ في إيلاد البنين تخليدًا للذِّكر، وإغداقَ العطف على الأولاد ما داموا أطفالاً يُنفِّذون رغباتِ الآباء والأُمَّهات ويُنَشَّأُون على صورتهم، فإذا ما شبَّ الأولادُ واستقلُّوا، انصرَفَت عنهم "محبَّةُ" والديهم.[31]

إنَّ الحبَّ الصحيح هو الذي إن قرَّبَ جسدًا من جسَد، دَمجَ نفسًا بنفس، لأنَّه يقومُ على التجاذُب الروحيِّ الحَقّ، أي الوفاق شبهِ التامّ بين سيَّالات الرجُل وسيَّالات المرأَة، إذا كانت ذاتَ نزعاتٍ روحانيَّة حقيقيَّة؛ ذلك بأَنَّ التجاذُبَ الناتجَ عن تَوافُقِ المصالح المادِّيـَّة أو الشهوات الأرضيَّة ما يلبثُ أن يتصدَّعَ حالَ تناقُضِها أو تنافُرِها. وقد يكونُ للتجاذُب بين الرجُل والمرأة أصلٌ في تقمُّصٍ سابق تَمَّ فيه التعارُف والتعاطُف والتحابّ بينهما، حتَّى إذا ما التقَت سيَّالاتُهما ثانيةً، استيقظَ فيهما شعورٌ غامض بتجاذُبٍ قويّ لا يُطيقان دونه صبرًا. وهذا ما يُعلِّلُ استفاقةَ الحُبِّ السريع "الصاعق" في قلبَين لم يُتَح لهما زمانٌ كافٍ للتعارُف والتفاهُم والتجاوُب. لكنَّ الحبَّ "الصاعق" قد يكونُ مُجرَّدَ فورة شهوانيَّة، ما يلبثُ إشباعُها أو الملَلُ من مصدرها أَن يكشفَ القناعَ عن حبٍّ وهميّ مُزيَّف.

 

مُشكلات وخلافات

غيرَ أنَّ الحبَّ الصادقَ لا يعني أنَّ حياةَ الزوجَين ستكون خالية من أَيَّة مُشكلة أو خلاف. ففي ضوء الحقائق الروحيَّة الداهشيَّة لا سعادةَ في الأرض، إذا فهمنا السعادةَ حياةً مِلؤها الهناءُ والفرحُ والرضى والوفاق التامّ. فالمصاعبُ والمُشكلاتُ من صميم النظام الذي يسودُ الحياةَ الأرضيَّة: كيفيَّةُ تربية الأولاد، في حال وجودهم، وكيفيَّةُ مُساعدتهم في دروسهم، كيفيَّةُ تدبيرِ المعيشة الشريفة وتدبيرِ المنزل، أنواعُ الهوايات والملاهي والأزياء، كيفيَّةُ تمضية أوقات الفراغ، أنواعُ المُشترَيات وكيفيَّةُ الإنفاق عليها، الصداقات والزيارات، اختلافُ الآراء في كثيرٍ من الأشياء... كلُّّ ذلك، ما لم يُـتَّفَقْ عليه اتِّفاقًا تامًاّ، يتمخَّضُ بالخلافات حتَّى في زواجٍ مَبنيٍّ على تبادُلِ حبٍّ مُخلصٍ صادق.

وبناءً على هذا الواقع المأساويّ الذي يتخبَّطُ فيه الزواجُ في العالَم، ولا سيَّما في الغرب، وُضِعَت دراساتٌ كثيرة حاول الباحثون فيها استنباشَ أسباب الطلاق، لا سيَّما في ما يبدو زواجَ حُبٍّ صادق، فإذا النتائجُ تُسفِر عن أنَّه بقَدرِ ما يُحمِّلُ العازمون على الزواج زواجَهم آمالاً وأحلامًا رومنسيَّة سعيدة، ويتوقَّعون دوامَها، يُعرِّضون زواجَهم إلى انهيارٍ أَسرعَ وأكبر.[32]

إنَّ كثيرين مِمَّن يَصدُقون في حبِّهم يُكوِّنُ نفوسَهم خليطٌ من السيّالات الروحيَّة الراقية والأُخرى المُتدنِّية، وبذلك تنفتحُ أمامهم طريقان للحياة: طريقٌ روحانيَّة تُهيمنُ عليها المُثُلُ العُليا والفضائل، وطريقٌ مادِّيـَّة تُسيطرُ عليها القِيَمُ الدُّنيَويَّة والشهوات. فخَوضُ الطريق الثانية يعني تسليمَ زمامِ قيادة النفس للسيَّالات غير الراقية التي تتغذَّى بالملذَّات الحسِّـيَّة والأنانيَّة والتسلُّط؛ وهي تُؤدِّي إلى التصادُم والخلاف. أمَّا خَوضُ الطريق الأُولى فيعني تسليمَ زمام القيادة للسيَّالات الراقية التي تتعاملُ باحترامٍ مُتبادَل للآراء، وثِقةٍ مُتبادَلة، وعطاءٍ للذات قد يُفضي إلى التضحية بالمُتَع الحسِّـيَّة الآنيَّة والمصلحة الشخصيَّة من أجل حَلِّ الخلافات الطارئة وتعزيز الحُبّ الصادق. وتُؤدِّي الطريقُ الأُولى إلى إفقار النفس، بينما تُؤدِّي الثانية إلى إغنائها.

لكنْ على وضع مئات الدراسات في كشف الأسباب المُساعدة على إنجاح الزواج، وإقامةِ مئات العيادات المُخصَّصة للعناية والإرشاد الاجتماعيَّين في مختلف أرجاء الغرب، تبقى مُؤسَّسةُ الزواج تُعاني أزمةً تُهدِّدُ بانهيارها، وإن تكُن في الشرق ما تزالُ مَحميَّةً، إلى حَدٍّ غير بعيد، بالتقاليد الدينيَّة والعائليَّة. والسببُ مردُّه إمَّا إلى سلوك الأكثريَّة الساحقة الطريقَ المادِّيـَّة تحت إمرة الغرائز الدُّنيويَّة، وإمَّا إلى جزاءٍ استحقَّه الإنسانُ في دوره الحاليّ عن أعمالٍ ورغباتٍ حقَّقها في تقمُّصاتٍ سابقة؛ وربَّما كانت العلَّةُ الأبعد كامنة في طَرد آدم وحوَّاء من الفردَوس الأرضيّ.

 

الرجُلُ والمرأَة في مُوازَنة

يقولُ الدكتور داهش، في معرض مُوازنته بين الرجال والنساء، في كتابه الفَذّ "مُذكِّرات دينار":

خُلاصةُ الأمر أنَّ المرأَةَ والرجُلَ يتساويان في الحقوق والواجبات. وما نُشاهدُه من شُذوذٍ في بعض النساء أَو الرجال لا يُمكنُنا أن نأخذَه كمِقياس لِنُقارعَ به خصومَنا في ساعات المُفاضلة بين الجنسَين.[33]

القاعدةُ في الداهشيَّة، إذًا، هي المُساواة بين الرجُل والمرأة على جميع الأصعدة التي تُبنى عليها حقوقٌ أو واجبات. في الأحوال الشخصيَّة تُعتَبَرُ المرأةُ البالغة حُرَّةً في اختيار زوجها، شأنها شأنُ الرجُل، فلا تُفرَضُ عليها أَيَّة إرادة أو وصاية خارجة عنها؛ وكذلك في ما يخصُّ الطلاق، فهي تقفُ على قدَم المُساواة مع الرجُل في المُبادرة إلى إجرائه ضمنَ حدود السُّنَن المرسومة. وفي الإرث يتساوى الرجلُ والمرأَة. كذلك في ميادين العلم والعمَل، لا يُميِّزُ الدكتور داهش الرجلَ عن المرأَة. وكثيرًا ما كان يُشجِّعُ الداهشيَّات على المُضِيِّ قدمًا في العلم والتخصُّص، كما يُشجِّعُ ذوات المواهب الأدبيَّة والفنِّـيَّة منهنَّ على مُمارسة مواهبهنَّ وشحذِها بالثقافة. كما كان يُشجِّعُهنَّ على الاعتماد على أنفسهنَّ واتِّخاذِ الذكاء العمليِّ والتيقُّظ ذريعةً دائمة في السفر والبَيع والشراء واختيار الوظائف، ولم يضع حدًّا لهنَّ إلاَّ الأخلاق الفاضلة. فالمرأَةُ، برأيه، "تُتَمِّمُ الرجُل؛ وهذه حكمةُ السماء وإرادةُ الباري تعالى."[34]

على أنَّ المُوازنة التاريخيَّة بين الرجال والنساء من حيثُ العطاء الفكريّ، علمًا كان أم فلسفةً أم أدبًا أم فنًّا، لا بُدَّ من أن تُؤدِّيَ إلى ملاحظةِ أمرٍ مهمّ هو أنَّ العطاءَ النسائيّ المتفوِّق_حتَّى لو حُصِرت الموازنة بينه وبين عطاء الرجال المتفوِّق في القرن العشرين الذي أُعطيَ فيه النساءُ حقوقَهنَّ كاملة في أكثر بلدان العالَم، ونافسنَ الرجالَ في تلقِّي العلم بمختلف فروعه—لا يُوازي عطاءَ الرجال، بل يتدنَّى عنه كثيرًا. فالنساءُ إذا جارَينَ الرجالَ في كثيرٍ من الميادين، فهنَّ لم يبلغنَ أيَّةَ ذروةٍ بلغَها الرجالُ في أيِّ ميدانٍ فكريّ. فلم يظهر بينهنَّ مَن هي، مثلاً، بمُستوى أفلاطون أو شكسبير أو ميكال آنج أو يبتهوفن أو آينشتاين. حتَّى في الميدان الأدبيّ، وهو الأقرب إلى إمكانات المرأة عادةً، إذْ برهنَت الدراساتُ الحديثة عن أَنَّ المرأةَ، بصورة عامَّة، تفوقُ الرجلَ في القدرة اللُغويَّة والطلاقة التعبيريَّة،[35]لم تحُز النساءُ، في القرن العشرين، أكثرَ من 6 بالمئة من جوائز نوبل الأدبيَّة طوال قرنٍ كامل. هذا مع العلم بأنَّ خِرِّيجات الجامعات في معظم بلدان العالَم أصبحنَ يُساوين الخِرِّيجين عددًا إن لم يفُقنَهم، أحيانًا، وفقًا للإحصاءات الأخيرة.[36]

هذا الفارقُ في العطاء الفكريّ المتفوِّق بين الجنسَين تنبَّهَ له فلاسفةُ العصور القديمة والحديثة، وبنَوه على أساسِ أنَّ المرأةَ، بصورة عامَّة، ليست في قدرة الرجُل على إدراك المبادئ الكُلِّـيَّة والتزامها، كمفهوم العدالة مثلاً، لأنَّه على فهمها واستخلاص الحقائق منها تُبنى الأعمالُ العظيمة في العلم والفلسفة والأدب والفنّ وسَنِّ الشرائع. من أولئك الفلاسفة كانط Kant (1724-1804) وشوبنهاور Schopenhauer (1788-1860). وكان لسيجموند فرويد Sigmund Freud (1856-1939) رأيٌ مُماثِل؛ بل زاد أنَّ المرأةَ لا تحضعُ لضرورات الحياة المُلِحَّة مثلما يخضعُ الرجُل، وأنَّها غالبًا ما تتأثَّرُ في أحكامها بعواطفها أو مواقفها العدائيَّة.[37] لكنَّ كارول غيليغان Carol Gilligan، الأُستاذة في كلِّـيَّة التربية بجامعة هارفرد، تعرضُ في كتابها البارز "بصوتٍ مُختلف: النظريَّة السيكولوجيَّة وتطوُّرُ النساء" أنَّ المرأةَ، في المرحلة السابقة لنُضجها، لا تتأثَّرُ بالمفاهيم المُجرَّدة والمبادئ الكُلِّـيَّة، ولا توليها أهمِّـيَّة إلاَّ بقَدر ما تُؤثِّرُ في علاقاتها الاجتماعيَّة ومواقفها العاطفيَّة المَبنيَّة على الاهتمام المتبادَل؛ لكنَّ مواقفَها، بعد نُضجها، تُصبحُ مُعقَّدة، فتدخلُ في اهتمامها الحاجةُ إلى النـزاهة الشخصيَّة في مَن تتعاملُ معهم.[38]

غير أنَّ التحليلَ المُقدَّمَ سواءٌ كان قديمًا أم حديثًا لا يُعطي تعليلاً وافيًا لوجود الفارق في القدرة العقليَّة المُستوعِبة للمبادئ الكُلِّـيَّة وفي العطاء الفكريِّ المتفوِّق بين الرجال والنساء بصورة عامَّة. وهذه الثغرة تملأُها الداهشيَّة. فوفقًا لتعاليمها الموحاة تولَدُ المرأةُ وسيّالُها الرئيس الذي يهبُها الحياةَ والسماتِ الرئيسيَّة في شخصيّتها لا يكونُ إلاَّ نصفَ سيّال مُقارَنًا بسيَّال الرجُل. والسيَّال هو الطاقة الروحيَّة المُبدِعة التي تُقولبُ جيناتِ الإنسان بقالبها، وتمنحُ الفردَ خصائصَه الجسميَّة والنفسيَّة. لكنَّ الأُنثى، كما الذَّكَر، ترثُ أيضًا من أبَويها مُباشرةً مجموعةً من السيَّالات الأُخرى تُضافُ إلى سيَّالها الرئيس. وهذا الإرثُ يتفاوتُ كَمًّا ونوعًا حتَّى بين الإخوة أو الأخوات. وهذا يُعلِّلُ الاختلافَ في القدرات العقليَّة والاستعدادات والمواهب والنـزعات في الأُسرة الواحدة. أمَّا التفوُّقُ النسبيُّ الذي نلحظُه في النساء، لا سيَّما بعد إفساح مجال العلم والعمل أمامهنَّ، فمردُّه إلى أحد الأسباب التالية:

أ- إمَّا أن يكونَ في المرأة سيَّالٌ عُلويّ يمنحُها قدرةً إدراكيَّةً مُميَّزة.

ب- وإمَّا أن يكونَ فيها سيَّالٌ كان في رجلٍ مُتفوِّق بإدراكه في تقمُّصٍ سابق. وقد أطلعَني مُؤَسِّسُ الداهشيَّة على عدَّة حالاتٍ كهذه.

ج- وإمَّا أن تقومَ المرأةُ بجُهدٍ إراديٍّ متواصلٍ عظيم لاكتساب قدرةٍ عقليَّة مُميَّزة.

وفي هذا الضوء المُثلَّث يُمكنُ تعليلُ التفوُّق لدى النساء اللواتي برزنَ في سياق العصور وفي مختلف الميادين. أمَّا في العصر الحديث فيُمكنُ التمثُّل بماري كوري M. Curie وبرباره ماكلِنـتوك Barbara McClintock ودوروثي هودجكِن Dorothy Hodgkin (المصريَّة المولد) في العلم، وسلمى لاغرلوف Selma Lagerlöf وغراتسيا ديليدا Grazia Deledda وبرل باك Pearl Buck في الأدب، وجميعهنّ قد أحرزنَ جوائز نوبل؛ وروزا بونير Rosa Bonheur وماري حدَّاد في الفنّ، وكثيرات أُخرَيات في القيادة الاجتماعيَّة والسياسيَّة...

 

الصداقةُ بين الرجُل والمرأَة

يرى الدكتور داهش أنَّ الصداقةَ بين الرجُل والمرأة بجبُ أن تبقى ضمن حدود التعارُف الرزين والاحترام المُتبادَل، والتعاطي المهنيّ الرصين في حال العمل معًا، فإذا تعدَّت هذه الحدود تعرَّضت لفقدان براءتها؛ ذلك بأنَّ المَيلَ الجنسيَّ، لا محالة، ستُؤَجِّجُه الطبيعةُ البشريَّة المُنطوية على التجاذُب الشهوانيّ. وبناءً على ذلك بجبُ أن تكونَ الفتاةُ، في مواقع تعلُّمها أو عملها، في غاية الحرص على ألاَّ تشطَّ علاقاتُها بزُملائها بعيدًا، فالسقوطُ في الهوَّة قد تكون بدايتُه خُطوةً عاثرة في مُنحدَر. أمَّا الحديثُ عن حبٍّ أفلاطونيّ، في مِثل هذه الحال، فمن الأضاليل والأباطيل، لأنَّ الحبَّ النقيَّ السامي يستحيلُ وجودُه مع أيَّة علاقة جسديَّة. وقد خلَّدَ مُؤسِّسُ الداهشيَّة نظرتَه إلى هذا الأمر في مقطعٍ رائع وردَ في الأُنشودة الثامنة من "ضجعة الموت"؛ يقولُ بلسان ديانا:

مَن كان يعبدُ حبيبتَه ونالَها، فقد فقدَها!

ومَن لم يتَّصل بها وبقيَ فاقدًا إيَّاها، فقد نالَها،

لأنَّ نفسَه تطلبُها، وشعورَه الداخليَّ يبقى هائمًا بها،

وذكرياتِه الماضية تبعثُ فيه آلامًا لا يُطيقُها جسدُه، فتفيض،

والأشواقَ تحدوه لِلُقياها، ولا قُدرةَ له على ذلك،

فيتألَّمُ جسدُه المادِّيُّ، إذْ يطلبُ قُربَها ولا لقاء،

فيتأَجَّجُ بالشعلة المقدَّسة الدائمة الالتهاب، فتصهرُه؛

ولكنَّ روحَه تشعرُ بالسعادة بعد ذلك،

إذْ إنَّها تُقرِّبُ له طَيفَها، فيراها بعين الخيال،

فيودُّ لو تبقى نصبَ عَينَيه ما دامت فيه الحياة.[39]

وتعليلُ ذلك بأنَّ السعادةَ يستحيلُ أن تتحقَّقَ نتيجةً لمُعاشرةٍ مادِّيـَّة؛ فالسعادةُ حالةٌ روحيَّة لا تتحقَّقُ إلاَّ في عوالم الأرواح المُفارِقة لكلِّ أثرٍ مادِّيّ حيثُ نورُ الله دائم، وتملِّي ما فيه من مُطلَق الجمال والحقِّ والخير يمدُّ الأرواحَ بغبطةٍ أبديَّة. فلا سبيلَ إلى سعادةٍ تنجمُ عن لِقاءِ جسدَين، مهما يكُن الشوقُ قويًّا. فالحبُّ، إذا كان صادقًا، يقوى بالتباعُد الجسديّ، ويتلاشى بالتقارُب المادِّيّ. يقولُ الدكتور داهش في إحدى كلماته: "ليتني ظللتُ عنها بعيدًا لألمسَ السعادةَ التي لا تخبو في البُعد وتتلاشى في ساعة القُرب."[40]

ذلك فضلاً عن أنَّ كلَّ علاقة عاطفيَّة أو جسديَّة تُؤدِّي حتمًا إلى تشابُك سيَّالات الطرفَين، وتبقى تجذبُ أحدَهما إلى الآخر وتُؤثِّرُ في مصيرَيهما إلى دوراتٍ تقمُّصيَّة كثيرة.[41] بمعنًى آخر، إذا كانت دَعد قد تشابكَت سيَّالاتُها بسيَّالات زَيد من جرَّاء علاقة عاطفيَّة أو جسديَّة بينهما، فإنَّها ستربطُ مصيرَها بمصيره. فإذا كانت سيَّالاتُ زَيد تتسفَّل باستمرار، فدَعد ستُعرِّضُ نفسَها إلى السقوط الروحيّ أيضًا، وهو ما يترتَّبُ عليه التعرُّضُ لاضطرابات الحياة ومصائبها جزاءً وفاقًا. ذلك فضلاً عن تقصير العُمر ثمَّ التردِّي في دركات الجحيم.

وقد أوضحَ الدكتور داهش لي عدَّةَ أمثلة حيَّة عن رجالٍ كانوا يتعرَّضون للمصائب أو تقصير الأعمار من جرَّاء علاقاتٍ عاطفيَّة أقاموها مع نساءٍ معيَّنات ذوات سيّالات سُفليَّة. وإنِّي أعترفُ بأنِّي كدتُ أُسبِّبُ نكبةً لنفسي، في عنفوان شبابي، من جرَّاء علاقة عاطفيَّة عارضة اقتصرتُ فيها على تقبيل زميلةٍ لي بمنـزلها قبلةً عاطفيَّة تعزيةً لها في مرضها؛ لكنَّ رحمةَ الله أنقذَتني، إذْ إنَّ مُؤَسِّسَ الداهشيَّة سرعانَ ما أطلعَني على مصيري المُهدَّد، بعد بضع دقائق، وذلك في رسالةٍ موحاةٍ إليه خُطَّت لدَيه فورَ تقبيلي للمرأة وأنا بعيدٌ عنه. وبسبب الفارق بين سيّالاتي وسيَّالاتها التي تشابكَت، كان محتومًا عليَّ أن أُفارقَ هذه الفانية لألقى مصيرًا في غاية الشقاء لو لم تتجسَّد إحدى شخصيَّات رجل الروح العُلويَّة لتفكَّ عقالي وتُنقذَني. والمجالُ يضيقُ هنا لتفصيل هذه الحادثة التي فصَّلتُ وقائعَها في مُذكِّراتي.

في هذا الضوء يُدركُ المُطَّلعون على الحقائق الروحيَّة الداهشيَّة مدى خطَر العلاقات الشهوانيَّة الخارجة عن نطاق الزواج، إذْ إنَّها قد تُعرِّضُ أصحابَها إلى ما لا يتوقَّعونه من أمراضٍ وأحداثٍ ومصائبَ تترتَّبُ على تشابُك سيَّالاتهم بسيَّالات الطرف الآخر، انطلاقًا من أنَّ معظمَ البشر تتسلَّطُ عليهم سيَّالاتٌ سُفليَّة.

ومن المُؤسِفِ جدًّا أنَّ الدوَلَ الغربيَّة باتت تنظرُ إلى العلاقات الجنسيَّة خارجَ نطاق الزواج على أنَّها أمرٌ خاصّ ما دامت تتمُّ بالرضى المتبادَل بين بالغين. وبناءً على هذه النظرة اتَّسعَت الإباحيَّة، وانطلقَت الشهوةُ من كلِّ عِقال؛ فإذا التعاشُرُ بلا زواج يعمُّ الغرب. ففي الولايات المُتَّحدة بلغَ عددُ المُتساكنين بلا زواج، عام 1998، أربعة ملايين ومئتَي ألف شخص،[42] كما إنَّ نسبةَ النساء الأمريكيَّات المُتراوحة أَعمارُهنَّ بين 15 و19 عامًا اللواتي يحبلنَ أو يلدنَ خارجَ عقد الزواج بلغَت، عام 1999، 85 بالمئة في البيض، و98 بالمئة في السود.[43]

هذا الوضعُ الاجتماعيُّ الخُلُقيُّ الذي حذَّرَت منه الأديانُ كلُّها، وما زالت تُنذِرُ بأخطاره، أَولاه الدكتور داهش أهمِّـيَّةً بالغة. فمنذُ أكثر من نصف قرن رأى ببصيرته الروحيَّة الخارقة اتِّجاهَ البشريَّة المُنحرِف والعواقبَ الوخيمة التي سيتمخّضُ بها، فحفلَت كتُبُه بتصوير الرذيلة المًُتفشِّية في أرجاء الأرض وبالتحذير من أخطارها على مصير البشر طُرًّا. قال في سُداسيَّة كتبَها منذ حوالى ستِّين عامًا:

أَيُّتها الشهوةُ البهيميَّة الجارفة مواكبَ العالَمين

أنتِ أُعجوبةُ هذا الكونِ وآيتُه الفريدة

أنتِ تتسلَّطين على عقولنا وأفكارنا الشريدة

أنتِ تُكبِّليننا بقيودِكِ المتينة، فلا نستطيعُ منكِ خلاصا

أنتِ تُسيطرين على أعصابنا، وإرادتنا، فلا نجدُ مناصا

ولذلك فأنتِ تكتسحيننا حتَّى نُصبحَ أمامكِ أذلاّءً خاضعين.[44]

فواضحٌ من قوله أنَّه يُدركُ تمامَ الإدراك قوَّةَ الغريزة الجنسيَّة في الناس وسلطانَها على سلوكهم وعقولهم واتِّجاهاتهم؛ وأنَّه إذا رأى أنَّ "النساءَ الفاضلات وجودُهنَّ أندرُ من وجود العدالة في هذا العالَم الغادر الجائر،"[45] فقد رأى أيضًا أنَّ "الرجلَ ذو أنانيَّة وسلطة رعناء... لا يتورَّعُ أن ينصبَ حبالَه لكلِّ ابنةِ حوَّاء."[46] لكنَّ وجودَ الشهوة الجنسيَّة في الطبيعة البشريَّة الراهنة بهذه القوَّة الجارفة لا يعني أنّ هذه الطبيعة سليمة؛ فقد مرَّ معنا أنَّ آدمَ وحوَّاء، أَبَوَي السلالات البشريَّة الحاليَّة، طبيعتُهما الأصليَّة من الفراديس العُلويَّة، وأنَّ العلاقةَ الجنسيَّةَ بينهما سبَّبَت طردَهما من الجنَّة الأرضيَّة التي هبطا إليها. والغايةُ من وجود سُلالاتهما على الأرض ومُعاناة الشقاء هو، من جهة، جزاءٌ لِما قاموا به في دوراتٍ حياتيَّة سابقة من أعمال، ومن جهةٍ ثانية، إفساح المجال لهم للانتصار على الميول الدنيويَّة، وبرأسها الشهوة الجنسيَّة، ليُتاحَ للمُنتصرين العودة إلى الفراديس العُلويَّة التي هبطوا منها. وهكذا فإنَّ عصيانَ الأوامر الإلهيَّة، في دورة التكوين الحاليَّة، زرعَت بذرتَه حوَّاء، فنمَت وعمَّت الأرضَ كلَّها. وليس سوى الإرادة القويَّة السامية بوُسعها التغلُّب على التجارب الجسديَّة والدُّنيويَّة.

 

في هامش العلاقة بين الرجُل والمرأة: الشذوذُ الجنسيّ

إنَّ الأديانَ جميعَها استنكرَت واستفظعَت الشذوذَ الجنسيَّ؛ وقد وردَ في العهد القديم كما في العهد الجديد تأثيمٌ له.[47] والداهشيَّةُ، إذْ تضمُّ صوتَها إلى صوت الهدايات الروحيَّة والعقائد الدينيَّة الصحيحة في هذا الصَّدَد، تُسلِّطُ ضوءًا جديدًا على هذا المُنكَر.

فقد أوضحتُ أنَّ العلاقةَ الجنسيَّة سمحَت بها الإرادةُ الإلهيَّة، بعد طرد آدم وحوَّاء من الجنَّة الأرضيَّة ثمَّ بعد الطوفان، لغايةٍ معيَّنة هي إفساحُ المجال أمام السيَّالات الصالحة لتفرزَ نفسَها عن السيَّالات الطالحة بواسطة التناسُل. والتناسُل يستحيلُ حدوثُه إلاَّ باجتماع الرجل بالمرأة. إذًا إنَّ العلاقة الجسديَّة لم يُسمَح بها من أجل إشباع الشهوات والنـزوات الشاذَّة، بل من أجل إتاحة الفرصة أمام السيَّالات الراغبة في الارتقاء الروحيّ لترتقيَ من غير أن تتحمَّلَ مسؤوليَّةَ أعمال السيَّالات السفليَّة أو الدنيويَّة.

إنَّ الشذوذَ الجنسيَّ، لِواطًا كان أم سِحاقًا، ليس له من هدَف إلاَّ إشباعُ شهواتٍ جسديَّة مُنحرفة، مهما مُوِّهَت حقيقتُه. ولا يشفعُ به أن يكونَ له أصلٌ في خلايا الدماغ أو حتَّى في الجينات،[48] لأنَّ رغباتِ الإنسان القويَّة بوسعها أن تُؤَثِّرَ في سيَّالاته الروحيَّة، وتطبعَ فيها آثارَها، حتّى إذا انطلقَت هذه السيَّالاتُ واتَّخذَت جسدًا جديدًا، كان لها من قدرتها الإبداعيَّة أن تُقولِبَ جيناتِ الجنين، وبالتالي دماغَه، بقالبها، وتطبع فيها ما تحملُه من آثار الرغبات السابقة التي لا تفنى. وهكذا تنتقلُ في الإنسان الرغباتُ الشاذَّة الدنيئة كما الرغباتُ السويَّةُ السامية من دورةٍ حياتيَّة إلى دورةٍ أُخرى؛ ولا يوقفُ انتقالَ الدنيء منها إلاَّ إرادةٌ ساميةٌ جبَّارة تصدُّ كلَّ رغبة مُنحرفة مهما شعرَ الإنسانُ بالانزعاج والمُعاناة من جرَّاء عدم إشباعها.

لقد وقفَ مُؤَسِّسُ الداهشيَّة من الحكومات التي تغضُّ الطرفَ عن الإباحيَّة العلَنيَّة موقفَ المُستنكِر، وحمَّلَها مسؤوليَّة التراخي في صّدِّ موجات الإباحيَّة والشذوذ، بعد أن شاهد بأُمِّ عينِه الفضيلةَ كيف تُنحَر في البلدان الغربيَّة التي زارَها بأثناء رحلاته حول العالَم بين 1964 و1983. فإذا رأيُه في كهولتِه وشيخوخته كرأيه في شبابه، وهو يُختَصَرُ بهذه العبارة الواردة في "مُذكِّرات دينار":

إنَّ الحُرِّيـَّةَ مطلبُ كلِّ مخلوقٍ حَيّ، يَنشدُها ويسعى وراءَها ليلَ نهار، ويبذلُ في سبيلها كلَّ مُرتَخَصٍ وغالٍ. ولكنَّ هذه الحُرِّيـَّةَ تفقدُ معناها ومبناها عندما تتجاوزُ حدَّها الأخلاقيَّ وتسفُّ مثلَ هذا الإسفافَ البَشِع.

إنَّ الواجباتِ الإنسانيَّة تفرضُ على القائمين بشؤون الحُكم أن يحدُّوا مثلَ هذه الحُرِّيـَّات التي أصبحَت خطرًا على الهيئة الاجتماعيَّة، وضربةً قاصمة للفضيلة والآداب.[49]

ولا يُتيحُ هذا المجالُ مزيدًا من التفصيل لضرورة إقامة حُدودٍ خُلقيَّة في المُجتمع، لأنَّني أوضحتُ الأمرَ حينما بحثتُ في "أبعاد الحُرِّيـَّة وحدودها الاجتماعيَّة الخُلقيَّة" في عددٍ سابق من هذه المجلَّة.[50]

فإذا تنازلت الحكومات عن دورها المُشجِّع على الفضيلة والكابح للرذيلة، وإذا تنازل رجالُ الدين عن دور الهداية الروحيَّة التي يدَّعونها، فغضُّوا الطرفَ عمَّا يجري في رعاياهم من مُنكَرات، بل شاركوا فيها وشجَّعوا عليها، فإذْ ذاك لا يبقى إلاَّ إنذارٌ روحيٌّ لهم يُطلِقُه مُؤسِّسُ الداهشيَّة في مُخاطبته الله القدير:

إنَّنا لم نتعلَّمْ أُمثولتَكَ في سادوم وعامورة،

بل نسيناها،

بل ظنَنَّاها أُسطورةً تُروى لا حقيقةً واقعيَّةً مُرعِبة.

فدَعنا نرى، للمرَّة الثانية، غضبكَ الإلهيَّ...

ودَعِ الناسَ يثوبون إلى رُشدهم.

إنَّ تغاضيكَ عن شرورهم الهائلة

جعلَهم يرتكبون أحطَّ أنواع الموبِقات، دون أن يردعَهم ضمير،

إذْ لا ضميرَ لديهم!

وإذا بصوتٍ من وراء الغَيبِ يقول:

لا تكتئبْ ولا تحزَنْ،

فالويلاتُ التي ستُقاسيها البشريَّة

هي أرعبُ ما يُمكنُ أن يصلَ إليه خيال،

لأنَّها تمادت بالمعاصي والشرور الرهيبة.

فقلتُ، إذْ ذاك:

وكلُّ آتٍ قريب.[51]

 



1. حليم دمُّوس، "رسالة الأَب نوح" في كتاب "المُعجزاتُ والخوارقُ الداهشيَّة المُذهلة (بيروت: دار النار والنور، 1983)، ص 64.

2. وردَ كلام أَفلاطون على الأَطلانتيد في كتابَيه تيميوس Timaeus وكريتياس Critias. وقد اقتبسً معلوماتِه عنها من سولون، المُشرِّع الأَثينيّ الذي قام برحلةٍ إلى مدينة ثاييس في مصر القديمة، فأَطلعَه الكَهَنة على ما يعرفون عن الأَطلانتيد مِمَّا كان محفوظًا في سجلاَّتهم القديمة.

3. الدكتور داهش، "قِصص غريبة وأَساطير عجيبة"، الجزء الثاني (بيروت: دار النسر المحلِّق، 1979)، ص 132.

4. وردَ تفصيل خلق آدم في رسالة روحيَّة موحاة شرحَت مُفصَّلاً أسرارَ السقوط من فراديس النعيم ثمّ عصيان آدم وحوَّاء في الفردوس الأرضيّ (مخطوطة).

5. الدكتور داهش, "المُهنَّدُ الباتر" (نيويورك: دار النشر الداهشيَّة، 1991)، ص 29.

6. الدكتور داهش، "القلبُ المحطَّم" (بيروت: دار النسر المُحلِّق، 1983)، ص 88.

7. أُنظر"صوت داهش"، عدد كانون الأَوَّل (ديسمبر)، 1998، ص 9-11.

8. الدكتور داهش، "بروق ورعود" (بيروت: مطابع روطوس، 1946)، ص 101.

9. الدكتور داهش، "كلمات" (بيروت: دار النار والنور، 1983)، ص 132.

10. المصدرُ السابق، ص 146.

11. "صوت داهش"، عدد شتاء 2000.

12. تفاصيلُ ذلك في كتاب "الطقوس الداهشيَّة". أمَّا "الرمز الداهشيّ" فكناية عن ابتهال للباري تعالى يُكتَب بطريقة خاصَّة على ورقة مُعيَّنة، تتوسَّطُها نجمةٌ خُماسيَّة الأضلاع، يُحيطُ بها اسمُ الشخص والتاريخ والوقت.

13. أُنظر الدكتور داهش، "قِصص غريبة وأساطير عجيبة"، الجزء الثاني، ص 121.

14. أنظر مُراجعة للكتاب في "صوت داهش"، عدد كانون الأَوَّل (ديسمبر) 1998.

  1. Thomas Moore, Soul Mates: Honoring the Mysteries of Love and Relationship (NY: HarperCollins, 1994), pp. 45 & 57.

16. إنَّ البرنامجَ التليفزيونيّ المُسمَّى "مَن يُريد أن يتزوَّجَ مليونيرًا؟" الذي يثَّته محطَّة "فوكس" الأمريكيَّة، وفيه يتقدَّم شابٌّ ثَريّ ليختارَ واحدةً من خمسين فتاة مُرشَّحة للزواج وهو لا يعرفُ شيئًا عنهنَّ إلاَّ أجسادَهنَّ المعروضة في ثياب السباحة، وهنَّ لا يعرفنَ شيئًا عنه ـ هذا البرنامج، على الاستخفاف بمؤسَّسة الزواج لدى كثيرين، أثار نقدًا هائلاً واستنكارًا عامًّا في الصحافة، لأنَّه جعل الزواجَ صفقةً تجاريَّةً مُبتذَلة. وقد اضطُرَّت محطَّة"فوكس" إلى إلغائه بعد العرض الأوَّل. أنظر مثالاً على النقد القاسي الذي وُجِّهَ إلى البرنامج Time, Feb. 28, 2000, pp. 86-89.

17. National Marriage Project; Yankelovich Partners.

18. الدكتور داهش، "كلمات"، ص 44.

19. المصدرُ السابق، ص 65 و59 تِباعًا.

20. تفاصيلُ ذلك وردَت في رسالة روحيَّة موحاة.

21. الدكتور داهش، "كلمات"، ص 120.

22. تفاصيلُ ذلك في كتاب "الطقوس الداهشيَّة".

23. أنظر مثالاً على ذلك:

   Carol Gilligan, In a Different Voice: Psychological Theory and Womens' Development, Cambridge, MA,Harvard University Press, 1998 . وقد تُرجِمَ الكتاب إلى تسع لُعات، وطُبِعَ بالإنكليزيَّة 35 طبعة بين 1982 و1998.

وكذلك: John Gray, Men Are from Mars, Women Are from Venus, N.Y.: HarperCollins, 1992   وهو من الكُتُب الأكثر مَبيعًا.

24. أنظر مثالاً على ذلك:

James Creighton, Ph.D., How Loving Couples Fight, Aslan Pub.

S. Brody and C. Brody, Renew Your Marriage at Midlife. Putnam.

25. أنظر : Psychology Today, March/April, 2000, pp. 57-62.

26. الدكتور داهش، "نهرُ الملذَّات" في "سلسلة الحدائق" (بيروت: دار النسر المُحلِّق، 1980)، ص81.

27."صوت داهش"، عدد كانون الأوَّل (ديسمبر) 1997، ص 37-49.

28. هذه القِصَص هي: في الجزء الأوَّل "عاشقان سعيدان"، ص82؛ "وزُلزِلَت الأرضُ زلزالَها"، ص 90؛ "وهبطَت فينوس إلى الأرض"، ص 162؛ "حرمخيس وأَمونارِتْس"، ص 218. في الجزء الثاني "يأس قاتل"، ص 25؛ حبيبان فقيران ولكنَّهما سعيدان"، ص 74.

29. أنظر ،في الجزء الأوَّل من "قِصَص غريبة وأساطير عجييبة"، "سنجاب الغاب الرماديّ"، ص84. كما نرى استمرارَ الإخلاص في التقمُّص اللاحق في "وزُلزِلَت الأرضُ زِلزالَها" و"يأس قاتل" المُشار إليهما في الحاشية السابقة.

30. الدكتور داهش، "كلمات"، ص 58.

31. يُمكنُ الاستفادة، في موضوع تمييز أنواع الحبّ غير الصحيح، من كتاب الدكتور سكوت بك "ألطريق التي قلَّما سُلِكَت"، وهو من الكُتُب الأكثر مبيعًا. M. Scott Peck, The Road Less Traveled, (Touchstone/Simon & Schuster, 1978), pp. 81-182

أنظر مُراجعة عنه في "صوت داهش"، أَيلول (سبتمبر) 1995.

  1. Psychology Today, Jan./Feb., 2000, pp. 58-65

33. الدكتور داهش، "مُذكِّرات دينار" (نيويورك: الدار الداهشيَّة، 1986)، ص 150.

34. المصدرُ السابق نفسه.

  1. 35.    The New Encyclopædia Britannica, Vol. 27 (Chicago, The Univ of Chicago, 1986), Art.: Social Differentiation, p. 319, col, 2.

36. مثالُ ذلك أنَّّّّّّّّّّّّّه في عام 1997 ارتفعَت نسبةُ حائزات درجة الدكتوراه Ph.D. في الولايات المتَّحدة إلى 41 بالمئة، وفاق عددُ الإناث عددَ الذكور في الكُوَيت (وهي في العالَم الثالث)، في ميدانَي التعلُّم والتعليم، بل إنَّ خِرِّيجات الجامعات بلغ َعددُهنَّ 70 بالمئة.

AP/Time, Nov. 1999; AFP/World Press Review, June 2000.

  1. 3Owen Flanagan and Amelie O. Rorty, Eds., Identity, Character, and Morality (MA: MIT Press, 1997), pp. 199-218.

38. Carol Gilligan, In a Different Voice: Psychological Theory and Womens' Development, pp.149-174.

39. الدكتور داهش، "ضجعةُ الموت" (القُدس: مطبعة دار الأيتام السوريَّة، 1936)، ص 104

40. الدكتور داهش، "كلمات"، ص 167.

41 . الدكتور داهش، قصَّة "زولا السوداء" في "قِصَص غريبة وأساطير عجيبة"، ج 2، ص 121.

42. National Marriage Project; Yankelovich Partners

43. U.S. Census Bureau; www.gov/population/www/socdemo/fertility.html

44. الدكتور داهش، "بروق ورعود"، ص 31.

45 . الدكتور داهش، "كلمات"، ص 64.

46 . الدكتور داهش، "بروق ورعود" ، ص 44.

47 . أُنظر سِفر اللاويِّين 18: 22 و20:13؛ رسالة بولس الأُولى إلى كورنثس 6: 9؛ رسالة بولس الأُولى إلى تيموثاوس 1: 10؛ رسالة بولس إلى الرومانيِّين 1: 26-27؛ رسالة يهوذا 10: 7.

48 . أظهرَت دراساتٌ حديثة أنَّ ذَوي الشذوذ الجنسيّ- الذين يُقدَّرون في العالَم بما يتراوح بين 1 و5 بالمئة-تضمُّ صَبغيَّاتُهم Chromosomes أنواعًا خاصَّة من الجينات، كما تنطوي أدمغتُهم على مجموعة من الخلايا واقعة في ما يُعرَف بالـهيبوثالاموس (INAH3- Third Interstitial nucleus of the anterior hypothalamus) تكون ضعفَين أو ثلاثة أضعاف أصغر مِمَّا في الأصحَّاء. كذلك في وسط الدماغ خطٌّ من الأنسجة anterior commissure يكون في المُنحرفين أكبر مِمَّا في الأصحَّاء. وهذا الفارق البيولوجيّ يُحدِثُ تأثيرًا مباشرًا في سلوك الشاذِّين. (Scientific American, May 1994, pp. 43-49.)

49. الدكتور داهش، "مُذكِّرات دينار"، ص 270.

50. أنظر "صوت داهش"، عدد آذار (مارس) 1997.

51. الدكتور داهش، "أناشيدُ عاشق" في سلسلة "حدائق الآلهة" (بيروت: دار النسر المُحلِّق، 1980)، ص 96-97.

 

  Back to التعاليم الداهشيَّة بقلم الدكتور غازي براكس 

Developed by Houssam Ballout        Copyright 2019 This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.nfo All Right Reseved This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.