أنا أؤمن بأنه توجـد عدالة سماويّة, وأن جميع ما يُصيبنا في الحياةِ الدنيا من مُنغصات انَّ هـو الاّ جـزاءٌ وفاق لِما أجترحناه في أدوارنا السابقة من آثـامٍ وشـرور.ولهـذا يجب علينا أن نستقبلَ كلّ مـا يحـلّ بنـا من آلامِ الحياةِ ومآسيها غير مُتبرّمين ولا متذمّرين , بل قانعين بعدالةِ السماء ونُظمها السامية.

Highlighter
أحبُّ الكُتُبَ حبَّ السُكارى للخمر , لكنَّني كلَّما أزددتُ منها شرباً, زادتني صَحوا
ليس مّنْ يكتُبُ للهو كمَن يكتُبُ للحقيقة
الجمالُ والعفّــة فـردوسٌ سماويّ .
لا معنى لحياةِ ألأنسان اذا لم يقم بعملٍ انسانيٍّ جليل .
اعمل الخير , وأعضد المساكين , تحصل على السعادة .
من العارِ أن تموتَ قبل أن تقـوم بأعمالِ الخير نحـو ألأنسانيّة .
الموتُ يقظةٌ جميلة ينشُدها كل مَنْ صَفَتْ نفسه وطَهرت روحه , ويخافها كلّ من ثقُلت أفكاره وزادت أوزاره .
ان أجسامنا الماديّة ستمتدّ اليها يـد ألأقـدار فتحطِّمها , ثمّ تعمل فيها أنامل الدهـر فتتَّغير معالمها , وتجعلها مهزلةً مرذولة . أمّا ألأعمال الصالحة وألأتجاهات النبيلة السّامية , فهي هي التي يتنسَّم ملائكة اللّه عبيرها الخالد .
نأتي إلى هذا العالمِ باكين مُعولين، و نغادره باكين مُعولين! فواهً لك يا عالمَ البكاء والعويل!
جميعنا مُغترٌّ مخدوعٌ ببعضه البعض.
العدلُ كلمة خُرافية مُضحكة.
أمجادُ هذا العالم وهمٌ باطل، و لونٌ حائل، و ظلٌّ زائل.
لا باركَ الله في تلك الساعة التي فتحتُ فيها عينيّ فإذا بي في مكانٍ يطلقون عليه اسم العالم .
أنا غريبٌ في هذا العالم، و كم احنُّ إلى تلك الساعة التي اعود فيها إلى وطني الحقيقيّ.
الحياةُ سفينةٌ عظيمة رائعة تمخرُ في بحرٍ، ماؤه الآثام البشريَّة الطافحة، و امواجه شهواتهم البهيميَّة الطامحة، و شطآنه نهايتهم المؤلمة الصادعة.
كلّنا ذلك الذئبُ المُفترس , يردع غيره عن اتيانِ الموبقاتِ وهو زعيمها وحامل لوائها , المُقوّض لصروح الفضيلة , ورافع أساس بناءِ الرذيلة .
الحياةُ سلسلة اضطراباتٍ وأهوال , والمرءُ يتقلَّب في أعماقها , حتى يأتيه داعي الموت, فيذهب الى المجهولِ الرهيب , وهو يجهلُ موته , كما كان يجهلُ حياته .
من العارِ أن تموتَ قبل أن تقومَ بأعمالِ الخير نحو الانسانيّة .
المالُ ميزان الشرِّ في هذا العالم .
السعادةُ ليست في المال , ولكن في هدوءِ البال .
كلُّ شيءٍ عظيمٍ في النفسِ العظيمة , أمّا في النفسِ الحقيرة فكلُّ شيءٍ حقير .
الرُّوح نسمةٌ يُرسلها الخالق لخلائقه لأجل , ثم تعودُ اليه بعجل .
الرُّوح نفثةٌ الهيَّة تحتلُّ الخلائق , وكل منها للعودة الى خالقها تائق .
الرُّوح سرٌّ الهيٌّ موصَدْ لا يعرفه الاّ خالق الأرواح بارادته , فمنه أتتْ واليه تعود .
أنا أؤمن بأنه توجـد عدالةٌ سماويّة , وأنَّ جميع ما يُصيبنا في الحياةِ الدُّنيا من مُنغِّصاتٍ وأكدارٍ انَّ هـو الاَّ جـزاء وفاق لمِا أجترحناه في أدوارنا السابقة من آثـامٍ وشـرور . ولهـذا يجب علينا أن نستقبل كلَّ مـا يحـلُّ بنـا من آلام الحياة ومآسيها غير م
الحرّيةُ منحة من السماءِ لأبناءِ ألأرض .
الموتُ ملاكُ رحمةٍ سماويّ يعطف على البشر المُتألّمين , وبلمسةٍ سحريّة من أنامله اللطيفة يُنيلهم الهناء العلويّ .
ما أنقى من يتغلّب على ميولِ جسده الوضيع الفاني , ويتبع ما تُريده الرُّوح النقيّة .
ما أبعدَ الطريق التي قطعتها سفينتي دون أن تبلغَ مرفأ السلام ومحطَّ الأماني والأحلام .
الراحة التامّة مفقودة في هذا العالم , وكيفما بحثت عنها فأنت عائدٌ منها بصفقةِ الخاسر المَغبون .
ليس أللّــه مع الظالم بل مع الحقّ.
ان الصديق الحقيقي لا وجود له في هذا العالم الكاذب.
ما أكثر القائلين بالعطف على البائسين وغوث الملهوفين والحنو على القانطين , وما أقلَّ تنفيذهم القول.
يظنُّ بعض ألأنذال ألأدنياء أنّهم يُبيّضون صحائفهم بتسويدِ صحائف الأبرياء , غير عالمين بأنَّ الدوائر ستدور عليهم وتُشهّرهم.
ما أبعدَ الطريق التي قطعتها سفينتي دون أن تبلغَ مرفأ السَّلام ومحطَّ الأماني والأحلام .
رهبة المجهول شقاء للبشرِ الجاهلين للأسرارِ الروحيَّة , وسعادة للذين تكشّفت لهم الحقائق السماويَّة .
الموتُ نهاية كل حيّ , ولكنه فترة انتقال : امّا الى نعيم , وامّا الى جحيم .
الحياةُ خير معلِّمٍ ومُؤدِّب , وخيرَ واقٍ للمرءِ من الأنزلاقِ الى مهاوي الحضيض .
حين تشكُّ بأقربِ المُقرَّبين اليك تبدأ في فهمِ حقائق هذا الكون .
مَنْ يكون ذلك القدّيس الذي لم تخطرُ المرأة في باله ؟ لو وجدَ هذا لشبَّهته بالآلهة .
المرأة هي إله هذه الأرض الواسع السُّلطان. و هي تحملُ بيدها سيفاً قاطعاً لو حاولَ رجالُ الأرض قاطبةً انتزاعه منها لباؤوا بالفشلِ و الخذلان .

أَربابُ العِلمِ والتعليمِ العالي ووسائِطِ الإعلام

دورُهم ومسؤوليَّـتُهم في الرُقيِّ الحضاريِّ في ضوء المفاهيم الداهشيَّة

بقلم الدكتور غازي براكْس

 


العُلماءُ: دورُهم ومسؤوليَّـتُهم في الرُّقيِّ الحضاريّ

            أَلمعتُ، في ما سبقَ من بحثي في الرُّقيِّ الحضاريِّ (الحلقة السابقة)، إلى أَنَّ مُؤَسِّسَ الداهشيَّة كان يُكبِرُ العُلماءَ الذين لا يجرفُهم الغرورُ والاستكبارُ فيُعمَون عن إدراكِ أَنَّ نظامَ الكَونِ الدقيقِ العجيب، المُهيمنِ على مجرَّاتِه كما على ذرَّاتِه، يستحيلُ وجودُه من غير قوَّةٍ كونيَّةٍ عاقلة مُدبِّرة هي علَّةُ حدوثِه. وأَعني بالعُلماء، هنا، العاكفين على اكتشافِ المزيد من قوانيِن الطبيعة والحياة وفَضِّ أَسرارِ الكَون أَو اختراعِ أَنواع التكنولوجيا المتطوِّرة. ومع أَنَّ التقدُّمَ العلميَّ المُذهِل القائم على الاختبار المادِّيّ شجَّعَ كثيرين من العُلماء على مُحاولة تفسير وجود الكون من غير رجوعٍ إلى قوَّةٍ إلهيَّة خالقة، فإنَّ كثيرين غيرَهم أَيضًا لم يجرفهم التيَّارُ المادِّيّ. من هؤلاء عالِمُ الفيزياء الرياضيَّة، بول دايفِس Paul Davies. فهذا العالِمُ البارزُ الذي وضعَ أكثرَ من عشرين مُؤَلَّفًا، ونال جوائزَ عالَميَّة، لم تُسكِره خمرةُ الإنجازات العِلميَّة، ولم يُطوِّحْ به الغرورُ فيَدَّعي أَنَّ الكونَ أَوجدَته الصُّدفة، وأَنَّ الصُّدَفَ العمياء هي التي تُسيِّرُه، بل إنَّه حرصَ، في جميع مُؤَلَّفاتِه العِلميَّة، على أَن يُؤَكِّدَ أَنَّ الأَنظمةَ الكونيَّةَ يستحيلُ أَن توجَدَ بنفسِها، وأَنَّ الفكرَ في الإنسان لا بُدَّ من أَن يكونَ له مصدرٌ عاقِل، وأَنَّ تركيبَ الكون المعقول إنَّما أُوجِدَ لكائناتٍ عاقلة.[1] يُلخِّصُ دايفِس ما فصَّلَه في كتابه "عقلُ الله" قائلاً: "مع أَنَّ نظريَّاتٍ ميتافيزيقيَّة وإيمانيَّة كثيرة تبدو مُتمَحَّلة أَو طفوليَّة، فمن الواضح أَنَّها ليست أَبعدَ عن المنطقِ السليم من الإيمان بأَنَّ الكونَ موجود، وموجودٌ بالشكلِ الذي هو عليه من غير سببٍ موجِب... لا يُمكنُني أَن أُؤمنَ بأَنَّ وجودَنا في هذا الكون هو من غرائبِ الصُّدَف... إنَّ الأنواعَ البشريَّة قد لا تعني شيئًا ذا قيمة على الصعيد المادِّيّ، لكنَّ وجودَ العقل في كائناتٍ حيَّة، في بعض كواكب الكون، هو حتمًا من الوقائع ذاتِ الدلالةِ البالغةِ الخُطورة."[2]

            ولعلَّ الأَعظمَ بين عُلماء العصور الحديثة هو آينشتاين. ميَّـزَ آينشتاين بين المُؤَسَّساتِ الدينيَّةِ المُنظَّمة التي بنَت تعاليمَها على تخويفِ المُؤمنين من القوى الغَيبيَّةِ الجبَّارة وعقابِها أَو على إرشادِهم إلى التعاطُفِ والتحابِّ والتزامِ الأخلاقِ الشريفة من جهة، و"الشعورِ الدينيِّ الكَونيِّ" الذي لا يستندُ إلى عقيدةٍ مُحدَّدة، والذي يُخالِجُ العُلماءَ الحقيقيِّـين لدى تأَمُّلِهم في نظام الكَونِ العجيب المُتناهي في دقَّتِه من جهةٍ أُخرى. ويرى آينشتاين "أَنَّ المَهمَّةَ الجُلَّى للفنِّ والعِلم هي أَن يوقِظا هذا الشعورَ ويُبقِياه حيًّا في مَن يقدرون على الإحساسِ به."[3]

            هذا "الشعورُ الدينيُّ الكَونيُّ" يجدُه آينشتاين جَليًّا في البوذيَّة، وكثيرٍ من مزامير داوود ومأثوراتِ بعض الأَنبياء. وهو يرى أَنَّ العالِمَ الحقيقيَّ يُهيمنُ عليه شعورٌ بالسَّبَـبيَّةِ الكَونيَّة التي تشملُ أَيضًا الرَّبطَ بين أَعمال الإنسان ومصيره. و"شعورُه الدينيُّ يتمثَّلُ بدهشةٍ كُبرى أَمام ائتلافِ القوانين الطبيعيَّة التي توحي بعقلٍ بلغَ من التفوُّقِ حدًّا لو قورِنَت به أَعمالُ البشر المُنظَّمة كلُّها، الفكريَّةُ والمادِّيـَّةُ معًا، لَبَدَت جميعُها مُجرَّدَ ظلالٍ تافهة."[4]

            زِدْ إلى ذلك أَنَّ آينشتاين أَدركَ بحَدسِه النَّـيِّر أنَّ العُلماء الحقيقيِّـين، يدفعُهم شعورُهم الدينيُّ الكَونيّ إلى عَزْلِ أَنفسِهم عن المُؤَسَّساتِ الكَنَسيَّة التقليديَّة، يُشجِّعُهم على اتِّخاذِ هذا الموقف النظرةُ الدينيَّةُ الضيِّقة التي يفرضُها رجالُ الدين على المُؤمنين وتحويلُهم جوهرَ الدين الكَونيَّ السَّمْحَ القائمَ على التعاطُف والمحبَّة والتسامُح إلى قُشورٍ وأَصدافٍ وشكليَّات. وهكذا يتقلَّصُ الدينُ من روحٍ إلى حروف، ويتحوَّلُ العباقرة، في نظر رجال الدين، إلى هراطقة ومُلحِدين، في حين أَنَّهم يكونون يتمتَّعون، بنظر آينشتاين، بالشعور الدينيِّ الصادقِ العميق.[5]

            إنَّ كثيرًا من كتابات الدكتور داهش المُلهَمة، ولا سيَّما في "ابتهالات خشوعيَّة" وقِطَعِه التأَمُّليَّة المُنتثرة في معظم كُتُبِه على مدى حوالى خمسين عامًا لَيُؤَيِّدُ ما ذهبَ إليه آينشتاين وأَمثالُه من عُلماء القرن العشرين، ويزيدُه إيضاحًا. فالله، في التعاليم الداهشيَّة، هو "كلمةٌ اختارَتها (القوَّةُ الموجِدة) لتكونَ رمزًا لها."[6] إنَّه ليس إلهًا شخصيًّا، بل هو قوَّةٌ روحيَّةٌ عُظمى لا يَنشدُها البشرُ فحسب، بل "الماءُ والهواءُ والفضاءُ والسماء..." و"جميعُ الأحياء دون استثناء..." بل "جميعُ المخلوقات معروفها ومجهولها..."[7]

            وفي إعادة صياغتِه لأحد مزامير داوود النبيّ تحت عنوان "الابتهال الرابع" يقول الدكتور داهش:

            "الشمسُ رفعَها في بروجِها الحصينة،

            والكواكبُ أَقامَها في مراكزِها الأَمينة.

            الهواءُ يطوفُ أَنحاءَ الأرضِ بحكمةٍ مرسومة،

            والفصولُ تسيرُ على نظامِها الثابت بأَمرِه القُدُّوس.

            كلُّ ما تراه العيون

            ينطقُ بنظامٍ مُحكَمٍ يأخذُ بمجامعِ القلوب،

            وجميعُ ما يصلُ إليه الفكر

            يُبرهنُ أَنَّه يسيرُ ضمنَ نطاقٍ إلهيٍّ لا يتعدَّاه."[8]      

            وهذه القوَّةُ الموجِدة التي أَبدَعَت القوانينَ الكونيَّة التي بموجِبِها يسيرُ كلُّ شيء ليست هي التي تُعاقبُ الكائناتِ على أَعمالها، بل إنَّ سيَّالاتِ الكائنات (أَي طاقاتها الروحيَّة الإدراكيَّة النُّـزوعيَّة) هي التي تُعاقبُ نفسَها بنفسها وَفقًا لنظامِ السَّبَـبيَّةِ الروحيَّة الشامل المُتلبِّس للسَّبَـبِـيَّةِ الطبيعيَّة والمُشتمِل على نظامِ العدالةِ والاستحقاق الإلهيّ.

            ونظرةُ آينشتاين إلى العُلماء المُستنيرين، وهم فئةٌ من العباقرة، تأخذُ بها التعاليمُ الداهشيَّة التي توضِحُ أَنَّ سيَّالاتِ الهداية الروحيَّة التي تكون في الأَنبياء والرُّسُل تهجرُ المُؤَسَّساتِ الدينيَّة، بعد أن تفسد، لتحتلَّ العباقرةَ الذين يُصبحون أَمَلَ الارتقاءِ الحضاريِّ الروحيّ. وفي هذا الضوء نفهمُ سببَ اضطهاد رجال الدين لمُعظم العباقرة في سياق التاريخ، ذلك بأَنَّ إبداعَهم، عِلمًا، وفلسفةً، وأَدبًا، وفنًّا، يشقُّ طريقًا مُباشرةً إلى القوَّةِ الإلهيَّةِ الموجِدة هي أَيسرُ للإنسانِ الذكيِّ وأَوضحُ وأَقوَم من الطريق المُلتوية الوعثاء التي يفرضُها رجالُ الدين. فسقراط وكوبرنيكس وغاليله وبرونو وفولتير وروسّو وهيغو ولامرتين وتولستوي وجبران وغيرُهم كثيرون مِن العباقرة الذين اتُّهِموا بالهرطقة أو الإلحاد، فاضطُهِدوا وحُرِّمَت كتبُهم هم أَقربُ إلى جوهر الدين والروحانيَّة من أكثر رجال الدين.

            إنَّ أَهمَّ ما يُفرِّقُ العِلمَ عن العقائد الدينيَّة التقليديَّة من حيثُ النظرةُ إلى الإنسان هو أَنَّ العِلمَ لا يُميِّزُ بين الإنسان والطبيعة. فالعناصرُ المادِّيـَّةُ التي كوَّنَته هي نفسُها التي كوَّنَت الطبيعة؛ ولِذا فالعُلماءُ لا يعتبرون الإنسانَ حدَثًا استثنائيًّا مُنفرِدًا في الكَون، فهو جزءٌ من كُلّ، ومُداخِلٌ للكُلّ. وهذا الاختلافُ في الموقف جعلَ انفصالاً وعداءً بين المفاهيمِ الدينيَّة والعِلم طوالَ قرونٍ كثيرة. وهنا فَضلُ الداهشيَّة. فتعاليمُها تُؤَيِّدُ العِلمَ بِشَبْكِه الكائنات جميعًا بعضِها ببعض؛ لكنَّها تزيدُ عليه إيضاحَها بأَنَّ النسيجَ الأصليَّ للكون كلِّه هو من السيَّالات الروحيَّة العاقلة التي تتفاوتُ مُستوَياتُها تفاوُتَ الكائناتِ نفسها؛ وهذا ما يُقيمُ الوحدةَ المادِّيـَّةَ كما الوحدة الجوهريَّة بين الموجودات جميعها، كبيرها وصغيرها، من المُستوى الأعلى إلى المُستوى الأدنى. فالداهشيَّة أَزالت الحاجزَ الذي وضعَه شارِحو العقائد الدينيَّة، بدافعٍ من استكبارهم، بين الإنسان والطبيعة، إذْ رفضوا أَن يكونَ في الحيوان والنبات والجماد خصائصُ نفسيَّة وحياةٌ عاقلة مسؤولة كما في الإنسان، ذلك بأنَّ الإنسانَ، في نظرِهم، هو سيِّدُ الكون. فضلاً عن ذلك فالتعاليمُ الداهشيَّة أَوضحَت أَنَّ الوحدةَ الروحيَّةَ الجوهريَّة قائمةٌ بين ما يُعتبَرُ "مادِّيـًّا" وما هو روحيٌّ محض، فألقى هذا المفهومُ ضوءًا على معقوليَّة تأثير الكائنات الروحيَّةِ المحض في الكائناتِ "المادِّيـَّة"، وذلك بواسطة الجوهرِ الروحيِّ المُشترك، أَي السيَّالات الروحيَّة، الذي يجمعُ بينها.

            وتأثيرُ العلم الخطير في حياةِ البشر يقضي، وفقًا للتعاليم الداهشيَّة، بأَن تكونَ الغايةُ من استخدام إنجازاتِه شريفة، سواءٌ كانت اختراعاتٍ أم اكتشافات. ولا رَيبَ في أَنَّ معظمَ العلماء الكبار تُحرِّكُهم، أَصلاً، دوافعُ شريفة متولِّدة من طاقات الإبداعِ فيهم التي هي سيَّالاتٌ راقية. لكنَّ كثيرين منهم في أيَّامنا هذهوللأَسف تُؤَدِّي أَبحاثُهم وإنجازاتُهم إلى الضررِ بالبشر أو الحيوان أو الطبيعة؛ ذلك بأنَّ المُؤَسَّسات العسكريَّة أو الصناعيَّة تستخدمُ إنجازاتِهم بالاتِّفاق مع الجامعات أَو إدارات المُختبرات من غير أَن يعرفَ العلماءُ بذلك أَحيانًا كثيرة؛ وكثيرون منهم، في حال معرفتهم، إمَّا يكونون قد رُبِطوا بقيود العقود، أَو أُخرِسوا بالمال والوعود. حتَّى إنَّ هذا التورُّطَ المقصودَ أم غيرَ المقصود أَثارَ استنكارَ غير قليلٍ من المُفكِّرين، منهم دايفِد نوبِل David Noble وماكْس أُوتو Max Otto. ففي كتابٍ أَصدره حديثًا نوبِل بعنوان "دينُ التكنولوجيا" عرَّضَ بالجامعات التي تربطُ أَبحاثَ أَساتذتها من العُلماء، على غير علمٍ منهم، بالمُؤَسَّساتِ العسكريَّة.[9] وقد أَوضحَ المُفكِّرُ الأَمريكيُّ، الأَلمانيُّ المولد، ماكْس أُوتو في كتابه "العِلمُ والحياةُ الخُلُقيَّة" خطرَ انجراف العُلماء إلى خدمةِ الأَغراضِ السياسيَّة غير الشريفة، ولا سيَّما عند استدراجِ أَصحاب السلطة العباقرةَ منهم واستثمارِهم لطاقاتهم الإبداعيَّة في تدمير العُمران وقَتلِ المُحاربين وغير المُحاربين من الأبرياء رجالاً ونساءً وأَطفالاً.[10]

            ومن الأخطاء الفادحة بل المُضلِّلة أَن نظنَّ أَنَّ العلمَ ليس من شأنه أَن يُعنى إلاَّ بالوقائع، وأَنَّ العُلماءَ لا علاقةَ لهم بالقِيَمِ العُليا. فكثيرون هم العُلماءُ الذين يقفون ضدَّ استخدام الطاقة النَّوَويَّة، مثلاً، للأَغراض الحربـيَّة. وكثيرون أَيضًا هم الذين يقفون موقفًا مُضادًّا لاستخدام هندسة الجينات أو الاستنساخ البيولوجيّ في أَغراضٍ غير خُلُقيَّة أَو مُناقضة للغاية الإلهيَّة من الحياة.[11]

            إنَّ العُلماءَ الذين يستثمرون مواهبَهم لاختراعِ ما يُؤذي الناسَ في حياتهم أو مُمتلَكاتِهم، سواءٌ كان عملُهم بمحضِ حُرِّيـَّتهم واختيارهم أَو طمعًا بمال، يُسفِّلون سيَّالاتِهم الروحيَّة التي هي مصدرُ مواهبِهم، وبالتالي يُعاقَبون، لأنَّ ما ينطبقُ على الناس جميعًا من حيثُ الخيرُ والشرّ، ينطبقُ عليهم. يقول الدكتور داهش في كتابه "كلمات"، قبل اختراع القنبلة النَّوَويَّة بنحو عشر سنوات: "لقد حَزَّ في نفسي مُشاهدتي أَنَّ الأَطماعَ قد ازدادت في نفوس البشر، والجشعَ حفرَ أَخاديدَه العميقة في أَعماقِهم جميعًا، كما أَنَّ الاختراعاتِ المُرعِبة أَصبحت هي المُسيطرة على شؤونِهم."[12] وكان يُحزِنُ رجُلَ الروح أَن يرى أَنَّ بَونًا شاسعًا يفصلُ العُلماءَ خاصَّةً، والعباقرةَ عامَّةً، مِمَّن يكونون أُمناءَ لرسالاتِهم، وهم نُخبةٌ ضئيلة في العالَم، عمَّن جرَفَتهم الأَطماعُ والشَّهواتُ الدُّنيَويَّة وخانوا رسالاتِهم. كما كان يُحزِنُه أَنَّ ذَوي المواهبِ العالية المُحافظين على سُمُوِّ سيَّالاتهم قلَّما استطاعوا التأثيرَ الواسعَ في عامَّةِ الناس الذين ما زالوا الأَكثريَّةَ الساحقة في كلِّ مكان، يُلازمون مُستواهم الفكريَّ النـزوعيَّ الوضيع على كرور القرون. يقولُ الدكتور داهش في مُقارنةٍ بين التقدُّم التكنولوجيّ والتدهوُر الخُلُقيّ في القرن العشرين: "حقًّا إنَّ الإنسانَ سيطرَ باختراعاتِه المُذهِلة على البحرِ والجَوِّ، ولكنَّه، للأَسف، لم يستطع أَن يُسيطرَ على نزواتِه ورغباتِه!"[13]

 

مُؤَسَّساتُ التعليم العالي:

دورُها ومسؤوليَّـتُها في الرُّقيِّ الحضاريّ

            في ضوءِ التعاليم الداهشيَّة ليس من اختلافٍ بين مسؤوليَّة معاهد التعليم العالي التربويَّة وما يضطلعُ به الأَهلُ ومُؤَسَّساتُ التعليم الابتدائيّة والثانويّة من حيثُ ضرورةُ إيقاظِ النَّـزعات السامية في الطالب والتركيز على الأَهدافِ الإنسانيَّة في كلِّ تعليم؛ وقد تحدَّثتُ عن هذا الأمر في حلقاتٍ سابقة تناولتُ فيها الرُّقيَّ الروحيّ. لكنَّ هذا لا يعني أَن تتحوَّلَ معاهدُ التعليم العالي إلى ما كانت عليه في أُوروبَّا القرونِ الوُسطى: منابرَ للوعظِ الدينيِّ الذي لا يتعدَّى الشِّفاه، ومعاقلَ لدراسةِ اللاهوت المُتمَحَّل المُعقَّد، وإن وسَّعَت آفاقَها فلتشملَ دراسةَ الطبّ والقانون فقط. فالمعرفةُ بجميع مجالاتِها يجبُ أَن تنفتحَ آفاقُها للطلاّب، لكي تنفسحَ الفُرَصُ المُؤَاتية للمواهبِ الكامنة في سيّالاتهم جميعها. فمُؤَسِّسُ الداهشيَّة كان يَرثي للدُوَلِ العربيَّة لأَنَّها لا تهتمُّ كفايةً بتدريسِ الفنونِ وإنشاءِ المتاحف. فمن الإجرام خَنقُ المواهب الفنِّـيَّة أو الأدبيَّة أو العِلميَّة بدعوى أَنَّها قد تُخالفُ المُعتقداتِ الدينيَّة بوجهٍ من الأَوجُه. فالفلسفةُ والآدابُ والفنون بجميع حقولها ضروريَّة لرُقيِّ المجتمع ، في المفاهيم الداهشيَّة، كما ضروريَّةٌ هي العلومُ الإنسانيَّة والطبيعيَّة، وبدونها تتقلَّصُ الثقافةُ وتنحصرُ في ما كانت عليه في عصور الظلام بأُوروبَّا.

            لكنْ لا يكفي لترقيةِ المجتمع أَن يتكاثرَ الطلاّبُ وهم أَشبهُ بخزائنَ للمعارف؛ فبين اذِّخارِ المعرفة وتحويلِها إلى ما ينفعُ صاحبَها ويُفيدُ المجتمع فرقٌ كبير. فالحكيمُ ليس مُجرَّدَ جامعِ حكمة؛ ومُتذوِّقُ الأَدبِ أَو الفنّ ليس بالضرورة أَديبًا أو فنَّانًا؛ ومُطبِّقُ العلوم ليس بمُستوى مُبدِعِها. ولِذا فالمجتمعُ الراقي هو الذي يتكاثرُ فيه الحُكماءُ كما المُبدِعون في الأَدبِ والفنّ وكذلك في العِلم. ومن أَجلِ تحقيقِ هذا الهدَفِ الحَيَويِّ، تُؤَدِّّي معاهدُ التعليم العالي دورًا أساسيًّا بتشجيعِها ذَوي المواهب ومُساعدتِهم معنويًّا ومادِّيـًّا، ليستطيعوا أَن يُحقِّقوا ما تذَّخرُه طاقاتُهم الإبداعيَّة؛ ذلك بأَنَّ من الطلاّبِ الموهوبين سيكون عباقرةُ الغَد الذين سيُسهِمون في تطويرِ مُجتمعاتِهم وربَّما إفادةِ الإنسانيَّةِ بأسرها.

            على أَنَّ لِمُؤَسَّساتِ التعليم العالي عدَّةَ مسؤوليَّاتٍ جليلة عليها الاضطلاعُ بها:

            أَوَّلاً- الحُرِّيـَّة: على معاهد التعليم العالي أن تدعمَ حُرِّيـَّةَ الاعتقاد والتعبيرِ والنشر والنَّقدِ البنَّاء؛ فبدون مُناخِ الحُرِّيـَّة يستحيلُ أن تنموَ السيّالاتُ الحاملةُ للمواهب المُبدِعة. من أَجلِ ذلك تتفاقمُ هجرةُ الأدمغة المُمَـيَّزة من الدُّوَلِ التي تعيشُ في أَجواءِ القَمعِ والكَبحِ والإرهاق إلى الدُّوَلِ التي تجِدُ فيها مُتَنَفَّسًا، فتُسهِمُ بالتالي في تطويرِ البُلدانِ المِضيافة، بينما تفتقرُ وتضمرُ الإمكاناتُ الحَيويَّةُ المُطوِّرة في الأوطانِ المهجورة. إنَّ الحُرِّيـَّة، في التعاليم الداهشيَّة، يجبُ أَلاَّ يَـحُدَّها إلاَّ إساءةُ استعمالِها خُلُقيًّا أو اقتصاديًّا أو أَمنيًّا.

            ثانيًا- الشكُّ النَّقديّ: عليها أَن تُدرِّبَ الطلاّب على الشكِّ النقديِّ في المُسلَّماتِ القديمة توصُّلاً إلى تقويم "الحقائق" العلميَّة؛ ذلك بأنَّ "الحقائقَ" العلميَّة نسبيَّة ومُتطوِّرة، سواءٌ كانت في العلوم الطبيعيَّة أم الإنسانيَّة أم في الوقائع التاريخيَّة أم الدينيَّة. هذا ما تعلَّمتُه من مُؤَسِّس الداهشيَّة. فكثيرًا ما ذكرَ أمامي أُمورًا كانت تُنشَرُ في حينها على أَنَّها حقائق علميَّة، فيُؤَكِّدُ لي أَنَّها غيرُ صحيحة؛ منها، مثلاً، قياسُ أعمار بعض الآثار المُكتشَفة بالكربون المُشِعّ 14؛ فقد قال لي، في عام 1970، إنَّ هذه الطريقة عاجزة عن قياس عُمر الأَثَر إلاَّ إذا كان بضعةَ آلافٍ من السنين فقط، ولذلك فعلى العُلماء استخدامُ طريقةٍ أُخرى تكون أَكثرَ فعَّاليَّة. وهذا ما أَخذوا يلجأُون إليه اليوم. كذلك فقد انتقدَ أمامي نظريَّةَ داروِن التطوُّريَّة، قائلاً لي إنَّها لا تصحُّ على كلِّ شيء، وخاصَّةً على ظهورِ الإنسان الحديث، وعليهم أن يُعيدوا النظرَ في هذا الأمر؛ وغيرُ قليلين هم العُلماءُ الذين بدأُوا يشكُّون في الصحَّةِ العامَّة لنظريَّة داروِن. كما إنَّه انتقدَ أمامي نظريَّةَ فرويد في أنَّ الدافعَ الجنسيَّ هو في أساس نشاط الإنسان الفكريّ حتَّى الإبداعيِّ منه والدينيّ، وذلك يومَ كنتُ أُعِدُّ أُطروحةَ الدكتوراه في علم النفس الأَدبيّ في بداية السبعينيَّات، فأَكَّدَ لي أنَّ ذلك خطأ، وأنَّ أساتذةَ الجامعات إنَّما يأخذون بها لأنَّها تُدغدغُ غرائزَهم ورغباتِهم الدُّنيا. وها إنَّنا نرى عشراتِ العُلماء اليوم ينقُضون نظريَّةَ فرويد. وكم مرَّةٍ ذكرَ لي أَنَّ كثيرًا مِمَّا يُسَمَّى "حقائقَ تاريخيَّة" أَو "حقاائقَ دينيَّة" ليس إلاَّ أكاذيب أو مُبالغات، وأَنَّ المُستقبلَ سيكشفُ عن كثيرٍ منها. ومن هذا القَبيل كان إعجابُه بالمُفكِّر والمُؤَرِّخ الفرنسيِّ إرنِست رينان Ernest Renanالذي انتقد، في كتابه عن "حياة يسوع" la vie de Jésus ، المُغالاةَ في رواية بعض المُعجزات. لكنَّ هذا الفكرَ النَّقديّ الذي كان عند الدكتور داهش، والذي أراد أن يتمتَّعَ به أَتباعُه، لم يُؤَثِّر في إيمانه بقُدسيَّةِ الأناجيل وصحَّةِ ما وردَ من أَقوال المسيح فيها.

            هذا النهجُ النَّقديُّ الساعي إلى اكتشافِ الحقائق الموضوعيَّة أَخذَ به معظمُ أَربابِ التعليم العالي في العالَم، ولا سيَّما الغرب. ولعلَّ ما أَعلنَه العالِمُ الأمريكيّ الفلَكيّ، كارْل ساغن Carl Sagan، عام 1980، في برنامج تِلفازيّ، يختصرُ موقفَهم؛ فقد قال: "إنَّنا نرغبُ في اكتشاف الحقيقة حيثما وُجِدَت، لكنَّنا نحتاجُ، من أَجل هذه الغاية، إلى كِلا الخيالِ والشكِّ النقديّ. ولن نخافَ من إرسالِ الظنّ، بَيدَ أَنَّنا سنكون حريصين على التمييز بين التظنِّي والوقائع."[14]

            هذا التمييزُ بين الظنِّ والواقعة لم يأخذ به، وللأَسف، كثيرون من العرب، رجالَ فكرٍ كانوا أم رجالَ دينٍ أو دُنيا. وعدمُ تحرِّيهم للوقائع، بل عدمُ حبِّهم لنُشدان الحقائق هو الذي جعلَهم يضطهدون كلَّ مَن يأتي بالجديد، أو يدعو إلى إعمال الفكرِ والنَّقدِ في المُسلَّمات القديمة، وهو الذي يُبقيهم أَسرى ماضيهم وتقاليدهم الثقافيَّة، الفكريَّة والدينيَّة والاجتماعيَّة، وهو الذي يحولُ بينهم وبين الارتقاءِ الحضاريّ الحقيقيّ.

            ومع الأَخذِ بالشكِّ النَّقديِّ طريقًا إلى الحقيقة، فلا يخطُرنَّ في بالِنا أنَّ بإمكانِ الإنسان أَن يتوصَّلَ إلى حقائقَ يقينيَّة حتَّى على صعيد العلومِ الطبيعيَّة أَو الإنسانيَّة، فإنَّما هي احتمالاتٌ مُرجَّحة أَكثرُ من غيرها. فتاريخُ العلوم حافلٌ بالنظريَّات التي ينقضُ أَو يُصحِّحُ بعضُها بعضًا. وهكذا يبقى الشعارُ في حقلِ العلوم: "ابْحَثْ وأَبقِ عقلَكَ مُنفتِحًا على تقبُّلِ الجديد."[15]

            ثالثًا— سلامة المنطق في التفكير: لا يُمكنُ الوصول إلى الحقائق الموضوعيَّة بمُجرَّدِ التفكير، فثمَّةَ أُصولٌ للتفكير السليم، بدونها يخبطُ المُفكِّرُ خبطَ عشواء، ولا يصلُ إلى الغايةِ المرجُوَّة، وعلىمعاهد التعليم العالي أن تُدرِّبَ الطلاّبَ على الأَخذِ بها ليس في أبحاثهم الجامعيَّة فحسب، بل في مختلف شؤون حياتهم. فنَقدُ الدكتور داهش للمُبالغات في رواية بعض المُعجزات الإنجيليَّة أو الأخبار التاريخيَّة الواردة في العهدِ القديم من الكتاب المُقدَّس هو مثَلٌ واضحٌ على ذلك. ومثَلٌ آخَرُ قولُه تكرارًا أمامَ أتباعِه: "إنَّ كلَّ بشرٍ مُعرَّضٌ للأَخطاء ما دام بشَرًا؛ والباباواتُ بشَرٌ، فكيف يقولون عنهم إنَّهم معصومون من الأخطاء!" ولم يكُن رجلُ الروح يقصد أَخطاءَهم الشخصيَّة فحسب، بل أيضًا أخطاءَهم في الأُمور الدينيَّة. فالبابواتُ هم الذين أَمروا بالحروبِ الصليبيَّة وكانوا وراءَ حروبٍ دينيَّةٍ كثيرةٍ غيرها، وهم الذين أَمروا بقيام محاكم التفتيش الرهيبة. وهم الذين اضطهدوا العلماءَ وسائر العباقرة وحرَّموا كتُبَهم... وقياسًا على ذلك ليس من التفكير السَّديد أَن يُؤمنَ كثيرون وبينهم مُفكِّرون بأنََّ بين الناس مَن يتمتَّعُ بقوَّةٍ فكريَّةٍ خارقة يستطيعُ بواسطتها صُنعَ المُعجزات أو معرفة الغَيب. فكلُّ مُعجزةٍ أو نبوءة هي "خَرقٌ" للقوانين الطبيعيَّة مثلما نعرفُها؛ والقوانينُ الطبيعيَّةُ يخضعُ لها كلُّ إنسان، فكيف بإمكان السجين أن يكونَ طليقًا وهو في السجن من ولادته إلى موته. إنَّ القوانين الطبيعيَّة وضعَتها القوَّةُ الموجِدة، و"اللهُ لا يلعبُ بالنَّرد"، على حَدِّ قول آينشتاين. فالمُعجزةُ التي تحدثُ على يَدِ نَبيّ ليس يصنعُها هو، بل قوَّةٌ روحيَّةٌ لا تخضعُ للقوانين الطبيعيَّة الأرضيَّة.

            رابعًا- الاعتبارُ بأَحداثِ التاريخ: "الإنسانُ مُشتَـقٌّ من النسيان"، هذا ما كان يقولُه مُؤَسِّسُ الداهشيَّة. وأَحداثُ التاريخِ قديمِه وحديثِه شاهدةٌ على صحَّةِ قوله. فالإنسانُ لم يعتبِر بما تجرُّ عليه الحروبُ من ويلات، ولا التعصُّبُ الدينيُّ من نكبات، ولا المطامعُ من قلقٍ وهموم، ولا الانجرافُ في شهواتِ اللحمِ والدَّمِ من أَمراضٍ وسُموم، ولا رَفضُ القِيَمِ الإنسانيَّةِ من نَبذٍ وشقاء، ولا الاستكبارُ والغطرسةُ من انقلابٍ وهوان، ولا البَذخُ والأَشَرُ من تحوُّلِ الحال... فمِمَّا يُضاهي دراسةَ التاريخ السياسيِّ أو الدينيِّ أو العلميّ أَهمِّـيَّةً الاعتبارُ بالأحداثِ الواقعة، والربطُ بين الأسبابِ والنتائج في كلِّ حالٍ ومآل، لتلافي الوقوع في الهوَّةِ التي وقعَ السََلفُ فيها. فالتسرُّعُ في إعلانِ الحروب وقَلبِ الأنظمة ورَفضِ القِيَم كالتسرُّع في وَصفِ الأَدوية وهندسة الجينات دونما علمٍ يقينيٍّ بالنتائج. فالتعليمُ العالي يجبُ أَلاَّ يغيبَ عنه أنَّ وراءَ القوانين الطبيعيَّة والبشريَّة قوانينَ روحيَّة يستحيلُ خرقُها.

            خامسًا- الانفتاحُ على التعدُّدِ الثقافيّ: إنَّ كُلِّـيَّاتِ العلوم لا تنظرُ إلى جنسيَّات العُلماء وهي تُدرِّسُ عِلمًا معيَّنًا، بل تنظرُ إلى العُلماء جميعًا، في أَيِّ حقلٍ كانوا، على أَنَّهم حلقاتٌ مُتَّصلة في سلسلةٍ طويلة قد تمتدُّ إلى ما لا نهاية؛ فأَبقراط وابنُ سينا وباستور ومايكل دَبَغي يُشكِّلون سلسلةً واحدة. وهكذا يجبُ أن تنظرَ معاهدُ العلومِ الإنسانيَّة والآداب والفنون، بحيثُ لا يبقى عبقريٌّ خارج خطٍّ من خطوطِ المعرفة؛ فيُدرَّسُ، مثلاً، المعرِّيّ إلى جانب دانتِه Dante وملتن Milton، ويُدرَّسُ فولتير Voltaire وروسُّو Rousseau وهيغو Hugo إلى جانب غوتِه Goethe وتولستوي Tolstoi، وهلمَّ جرًّا، على الأَقلّ كموادَّ اختياريَّة للطلاّب الذين يُجيدون أكثرَ من لُغةٍ واحدة. ويبدو أنَّ جامعاتِ الولاياتِ المُتَّحدة بدأَت تتَّجهُ هذا الاتِّجاه، في نظامِها التعليميِّ، لكنَّ خُطواتٍ كثيرة ما تزال ناقصة لاستيعاب الأفضل في سائر اللُغات. إنَّ التعدُّدَ الثقافيَّ يُخفِّفُ حدَّةَ الغُلواء القوميَّة، ويُشعِرُ الطلاَّبَ بإنسانيَّةٍ واحدة ينتمون إليها، ويدعُهم يتقاربون في الشعور والتفكير والقِيَمِ، ويُقوِّي أَواصرَ التعاطُف والأُخوَّةِ والتسامُح بينهم. وهذا من أَهداف الداهشيَّة، وقد رمَت إليه الهداياتُ الروحيَّةُ الصادقة جميعها.

            فالاستعلاءُ الثقافيُّ خطيئةٌ حضاريَّة قد ترفعُ أَصحابَها إلى حين، لكنَّها تُؤَدِّي، مع كرور الزمَن، إلى سقوطِهم المحتوم. فآدمُ وحوَّاء ما سقطا إلاَّ بعد أن داخلَهما أنَّهما سيُصبحان من الآلهة في المعرفة. فمعاهدُ التعليم العالي، في البلدان المُتقدِّمة حضاريًّا عليها أَن تُدركَ أَنَّ النعمةَ التي نالتها، إنَّما أُعطِيَتها من فوق، ولِذا فعليها، من أَجل أن تصونَ هذه النعمة، أَن تعملَ بالمبادئ التي تنـزلُ من فوق: العطف والمحبَّة ومُساعدةُ الضعيف وعدمُ الاستكبار على المُتخلِّف. فنعمةُ الثقافة كنعمة المال قد تكونُ سيفًا ذا حدَّين. وعلى الإنسان المُتفوِّق حضاريًّا أَلاَّ يغيبَ عن بالِه لحظةً أنَّ نعمةَ الحضارة التي يرتعُ فيها، إنَّما حظيَ بها لأنَّه استحقَّها في دورةٍ سابقة؛ لكنَّه قد يخسرُها إذا غابَ عنه أَنَّه ليس هو صاحبَ القدرة والنعمة، بل ثمَّةَ قوَّةٌ موجِدة هي التي تَزِنُ بميزان العدالة والاستحقاق، وهي التي تُوزِّعُ النِّعَم وفقًا لقوانينَ أزليَّة أبديَّة.

            سادسًا- الاتِّضاعُ والتسليمُ بوجود قوَّةٍ موجِدة: من أَقوال المُفكِّر الكبير فاكلاف هافِل Vaclav Havel، رئيس جمهوريَّة تشيكوسلوفاكيا: "مِن المُحتمَلأَنَّ على البشريَّة، نظرًا لطبيعتِها غير القابلة للإصلاح، أَن تمرَّ في كثيرٍ من أَمثال المجازر الرَّوَنديَّة والكوارث الشِّرنوبيليَّة قبل أَن تتوصَّلَ إلى إدراك أَنَّ الإنسانَ الذي ينسى أنَّه ليس الله هو في غايةِ قِصَرِ النَّظَر."[16]

           وفي رأيِ الدكتور داهش أنَّه إذا لم يستطع واحدٌ من أَربابِ التعليم، أو العلم والفكر والأدب، أن يهتديَ إلى أدلَّةٍ مادِّيـَّة لوجود الخالق، فعليه ألاَّ يُجازفَ فيُذيعَ رأيَه السلبيَّ غيرَ القائم على أَيِّ دليلٍ أيضًا مُدَّعيًا أنَّه الرأيُ الحقّ. فالعِلمُ ما يزالُ عاجزًا عن كشفِ ما لا يُحصى من الأسرار في الطبيعة المادِّيـَّة نفسها،[17] فكيف بالأحرى في العالَمِ الروحيّ الذي لا مجالَ للعلِم الأرضيّ في أن يبلغَ إليه. فإثباتُ خلودِ الروح وبالتالي تأكيدُ وجودِ الله بصورةٍ ملموسة لا يُمكنُ تمامُه إلاَّ بصُنع المُعجزات التي أُيِّدَ الأنبياءُ والمُرسَلون وحدَهم بالقوَّةِ الروحيَّةِ التي تصنعُها، فهي وحدَها تُقيمُ الدليلَ على وجودِ قوَّةٍ غير بشريَّة وغير أرضيَّة، لأنَّها "تخرقُ" القوانينَ الطبيعيَّة مثلما نعرفُها، وتُنبئُ بوجود قوَّةٍ خارقة غير خاضعة لنواميس المادَّة. أَمَّا العلمُ البشريُّ فمن المُتعذِّر أن يستطيعَ البرهنة المادِّيـَّة على خلود الروح ووجود الخالق، ذلك بأَنَّ طاقتَه محدودةٌ بطاقةِ الإنسان الإدراكيَّة، وهي ما تزالُ في طفولتِها. يقولُ الدكتور داهش في جوابٍ عن سؤالٍ طرحتَه مجلَّة "بروق ورُعود"، في عددها الأَوَّل، عام 1968:

            ... هذا العصرُ بقدرِ ما يُحيطُ العِلمَ والعقلَ بالأَمجاد، يملأُ الأرضَ بالإلحادِ والفساد. فالعلومُ والاختراعاتُ التي أَصبحَت بمُتناوَلِ الجميع بدلَ أَن توقِظَ نفوسَ الناس على الحقيقة، زرعَت الشكَّ فيها من الناحية الدينيَّة. وتبَعًا لذلك تلاشَت القِيَمُ الروحيَّة، فما عاد يُؤمنُ بها أَحَد، وأَصبحَت الأَكثريَّةُ الساحقة من أَبناءِ البشر تقول إنَّ الإنسانَ أَشبهُ بسيَّارةٍ ما إن يتقادمُ عليها العهدُ حتَّى تُلقى بين أَكوامِ النفايات لا يأبهُ بها أَحَد... كما تتفكَّكُ هي يتفكَّكُ هو وينحلّ، إذْ لا روحَ فيه تكونُ مسؤولةً عمَّا ارتكبَته من موبِقات وحسنات... فلا يوجَد إذًا ثوابٌ وعقاب، كما ليس من جحيمٍ أو نعيم. ونتيجةً لهذا المنطق الفاسد أَصبحَ هؤلاءِ الكُفَّار، في عصرِنا الحاليّ، يجحدون الكُتُبَ السماويَّة المُنـزَلة ويُجرِّدونها من كلِّ قيمة. في هذا الوقت الذي أصبحَ الشكُّ والإلحادُ فيه دينَ مُعظمِ الناس، ظهرَت الداهشيَّة لتُبرهِنَ للجميع مِمَّن لا يُؤمنون بوجود الروح وبالقِيَمِ الروحيَّة عكسَ ما يعتقدون تمامًا.

وسائطُ الإعلام: دورُها ومسؤوليَّـتُها

دَورُ وسائطِ الإعلامِ ومسؤوليَّـتُها َخطيران، لا سيَّما ونحن على مشارفِ قرنٍ جديدٍ اتَّسعَت فيه الوسائطُ الإعلاميَّةُ اتِّساعًا مُدهِشًا ما كان لِيخطرَ في بالِ الأجيالِ السالفة. فبعد أَن أَحدثَ اختراعُ الطباعةِ بالحروفِ المتنقِّلة ثورةً أَسهمَت إسهامًا كبيرًا في تعميم الثقافةِ ونهضة أُوروبَّا وبالتالي العالَم، إذا بالصِّحافةِ تظهر، تعقبُها أَجهزةُ الإذاعة فالتلفزة ثمَّ شبكةُ الإنترنيت العالَميَّة التي سرعانَ ما تهيَّأَت فيها الترجمةُ الفوريَّةُ بين معظمِ اللُغات.

لكنَّ المعلوماتِ التي تنهمرُ علينا دونما توقُّف من كلِّ حَدبٍ وصَوب ليست، في الغالب، معرفةً حقيقيَّة، أَي وقائعَ صحيحةً موزونةَ القيمة. وإنْ يكُن بعضُها معرفةً صحيحة، فبينه وبين الحكمة الهادِية بَونٌ شاسع. ومجتمَعٌ يُصيبُه على الدوام طوفانٌ من المعلوماتِ الهوجاء بدون سُورٍ من الحكمةِ يَعصمُه عن التصدُّع أو الغرَق، أو منارةٍ تَهدي سُفنَه إلى شاطئ الأمان لَمُهدَّدٌ من كلِّ جانب.

في هذا الخِضمِّ الجديد الهاجِمِ مَدُّه على كلِّ مُجتمَع، يترتَّبُ على وسائطِ الإعلام عدَّةُ واجبات لكي يكونَ دَورُها بنَّاءً هادِيًا لا هدَّامًا مُضلِّلاً:

أَ- أَن يُدرِكَ المسؤولون عنها أنَّهم أَصحابُ رسالةٍ فكريَّةٍ اجتماعيَّةٍ خُلُقيَّة، وأَنَّهم مسؤولون أمام ضمائرهم وأمام الله والناس عن تأديتِها بنـزاهةٍ وإخلاص. وفي رسالتِهم أَن يذودوا عن ذِمارِ الحُرِّيـَّاتِ العامَّةِ والخاصَّة، كما عن العدالة وحقوقِ الإنسان الطبيعيَّة التي ناضلَ من أجلها كِبارُ المُفكِّرين طوالَ قرون. يقولُ مُؤَسِّسُ الداهشيَّة في رسالةٍ له نشرَتها صحيفةُ "الأَسواق" البيروتيَّة بتاريخ 14/2/1953، وذلك بعد استردادِه لجنسيَّتِه اللبنانيَّة التي كان رئيسُ لبنان، بشاره الخوري، قد جرَّدَه منها اعتِسافًا:

إنَّ الحُرِّيـَّةَ مِنحةٌ سماويَّة يَهَـبُها اللهُ لمخلوفاتِه، ولا توجَدُ قوَّةٌ أَرضيَّة تستطيعُ حجبَها عن أَيِّ مخلوق. وإنْ أَعجَبْ لأَمر، فعجَبي هائلٌ لوقوفِ الصِّحافة موقفَ اللامُبالاة وعدمِ الاكتراث حولَ أَمرِ نَزعِ جنسيَّتي، مع أَنَّ واجبَ الصَّحَفيِّـين والصَّحَفيُّون أَصحابُ رسالةٍ ساميةأَن يُدافعوا عن الحُرِّيـَّات دفاعًا جبَّارًا، ويُزلزِلوا بأَقلامِهم الناريَّة ارتكاباتِ أَيِّ وُصوليّ يبغي على الحُرِّيـَّة.[18]

ثمَّ يُعلِّقُ بأَنّ سيفَ الطاغية الذي خشيَه أَو مالأَه الصَّحَفيُّون لا بدَّ من أَن يهويَ على رؤوسِهم في أَيَّةِ لحظة ينتهزُها الباغية، وبأَنَّ أُوروبَّا اختبرَت هذه المحنة مع قامعي الحُرِّيـَّات، فأَسقطَت شعوبُها الحكوماتِ ودكَّت العروش؛ والثورةُ الفرنسيَّةُ هي الدليلُ الصارخُ على ذلك.

وإذْ ينظرُ الدكتور داهش إلى موقف الصِّحافة الشرقيَّة من قامعي الحُرِّيـَّات، آنئذٍ، يحزنُ ويسخطُ عليها لتجاهُلِها بل تدنيسِها رسالتَها، وبَـيعِها نفسَها في سوق النخاسة. يقولُ في كتابه "بريء في الأَغلال": "أَلا لا بارَكَ اللهُ بكلِّ صحيفةٍ تبيعُ ذمَّتَها ودينَها وشرفَها في سبيلِ بعضِ دُرَيهماتٍ بل وُرَيقات لا تُغني ولا تُسمِن."[19]

لكنَّ الصَّحَفيِّـين العربَ عامَّة واللبنانيِّـين خاصَّةً، عهدئذٍ، شَذّ عنهم في موقفِهم المُخزي من مُمالأَة رئيس الجمهوريَّة اللبنانيَّة في اضطهاد مُؤَسِّس اللداهشيَّة، أو مُمالأَة رجال الدين وبخاصَّةٍ الكاثوليك منهم، صحافيٌّ جريءٌ ونبيلٌ واحد كان قد أَنشأَ صحيفةً في المهجر الأرجنتينيّ هو جبران مَسُّوح. فبعد أن اطَّلعَ هذا الصَّحَفيُّ الشريف على تفاصيل المُؤامرة الرهيبة ضدَّ مُؤَسِّسِ الداهشيَّة وزَجِّ أتباعِه في السجون، وبينهم أَديبةٌ ورسَّامةٌ كبيرة هي السيِّدة ماري حدَّاد، شقيقة زوجة الرئيس الطاغية نفسها، تطوَّع للدفاع عن الحُرِّيـَّات المُضطَهدة وانقضَّ على رأس الرئيس وزبانيتِه انقِضاضَ النسر الكاسر، فنشرَ سلسلةَ مقالاتٍ في أعدادٍ مُتوالية من مجلَّته "المُختصر" دحضَ فيها الظلمَ والباطل وناصرَ الحقّ. وقد أرسلَ رسالتَين إلى كلٍّ من بشاره الخوري ورئيس وزارته يومئذٍ، رياض الصُّلح، يضعُهما فيهما أمام مسؤوليَّاتِهما وأمام محكمة التاريخ. مِمَّا يقوله في رسالته إلى بشاره الخوري المُؤَرَّخة في 2/9/1946:

... تمرُّ بالحادث شخصيَّاتٌ كثيرة، ولكنَّ الشخصيَّةَ التي تطفو على الجميع هي ماري حدَّاد، تلك الباسلة التي مثَّلَت دورَ إميل زولا في حادث دريفوس وفولتير في دفاعِه عن الذين ظلمَتهم محاكمُ التفتيش؛ بل هي بزَّت الاثنَين معًا في تقديس عقيدة والنضالِ لأجلِ حُرِّيـَّةِ الفكر والكتابة والاجتماع. ومن عجائب الأقدار أَن لا يوجَدَ في لبنان مَن يُدافعُ عن حُرِّيـَّةِ الإنسان غيُر امرأَة، على كثرةِ الذين يتبجَّحون في الكتابةِ والخطابةِ والشعر...[20]

ويزيدُ قائلاً في رسالته إنَّه سيُؤَلِّفُ كتابًا في هذا الموضوع يُفصِّلُ فيه هذه الجريمة التي وقفَت فيها ماري حدَّاد "وقفةَ أسد تألَّبَت حوله جميعُ أنواع الحيوان، وهي تُحاربُ وحدَها لأجلِ حُرِّيـَّةِ الفرد في الشرقِ كلِّه، بينما جميعُ كُتَّابِنا ومُفكِّرينا يتفرَّجون عليها كأَنَّهم شرذمة من القُرود... وسيكونُ صاعقةً على أَعصابِ جميع حمَلَةِ الأقلام في الشرق، ليُفيقَ شعبُنا ويسأَلَ: هل عنده كُتَّاب وأُدباء؟ أم عنده زُمرة عبيد موجودين دائمًا تحت الطلَب في أَسواق المَزاد؟"

والمُؤسِفُ أنَّ هذا الصَّحَفيَّ النبيل الفريد توفَّاه اللهُ قبل إتمامه كتابَه. وقد صدقَ في قولِه بمُقدّمة رسالته هذه إلى بشاره الخوري بصَدَد حادث اضطهاد الدكتور داهش: "من رأيي أن تتناولَه أقلامُ الكُتَّاب بشيءٍ من الصراحة والغَيرة على الحقّ ليكونَ خُطوةً إلى الأمام في كلِّ الأقطار العربيَّة. أمَّا إذا لم يقُم المُفكِّرون بواجبِهم نحوه، فهو بدون شكّ خُطوة إلى الوراء. ومعلوم أنَّ كلَّ خُطوة من هذا النوعسواءٌ كانت إلى الأمام أَم إلى الوراء تجرُّ وراءَها خُطواتٍ من جنسها."

إنَّ التاريخَ صدَّقَ قولَ مسُّوح. فالصحافةُ العربيَّة اعتادت السكوتَ عن الحقِّ المهضوم حتَّى استطابت وِقفةَ المهانة وأَدمنَتها، فإذا هي اليوم، بعد أكثر من نصف قرن، ما تزالُ لا تجرؤ على رَفعِ الصوتِ بوجهِ الظالمين، وعلى مُناشدتِهم بإعادة الحقوق والحُرِّيـَّات إلى مَن سُلِبوها. بل إنَّ الصحافةَ العربيَّة أصبحَت رهينةَ السلطات إلاَّ في ما ندَر. وهذا الوضعُ المُزري ساعدَ على تخلُّف المُجتمعات العربيَّة بدلَ تقدُّمِها. فالخطوةُ المَهينةُ الأُولى جرَّت "وراءَها خُطواتٍ من جنسها."

            لكنَّ المُشكلةَ في البلدان العربيَّة وكثيرٍ غيرها، خاصَّةً في العالَم الثالث، لا تنحصرُ في الصِّحافة نفسها، بل تمتدُّ إلى أَنظمةِ الدُّوَل وأَوضاعِها الداخليَّة. فكثيرةٌ هي الدُوَلُ التي ما تزالُ تقمعُ الحرِّيـَّةَ الإعلاميَّة إمَّا مُباشرةً أو غير مُباشرة. تقول السيِّدة أَليس شازان Alice Chasan، رئيسة تحرير مجلَّة World Press Review، في افتتاحيَّةٍ لعدد أَيَّار (مايو)، عام 2000: "إنَّ أَعداءَ الصِّحافة الحُرَّة يتنكَّرون بأقنعةٍ مُختلفة: حكوماتٍ قَمعيَّة، عصاباتٍ إجراميَّة، مُوظَّفين رسميِّـين فاسدين، ميليشياتٍ عسكريَّة. والعوائقُ التي تعترضُ الصَّحَفيِّـين تشملُ أَساليبَ أَدقَّ من شطبة المُراقبِ السوداء أو اعتساف السجَّان: فعشراتٌ من الدوَل تستخدمُ قوانينَ جنائيَّة ضدَّ التشهير، وإجراءاتٍ مُتعرِّجة للترخيص، وصِيَغًا أُخرى من التنغيص القانونيّ بهدَفِ السيطرة على أَخبار الصِّحافة."

            ب- واجبٌ ثانٍ يقعُ على وسائطِ الإعلام هو أَن يرتدعَ القَيِّمون عليها عن إساءةِ استعمالِ الحُرِّيـَّة التي مُنِحوها، فيتحاشَوا عن نشرِ كلِّ ما يُمكنُ أَن يُعزِّزَ النـزعاتِ السُّفليَّة في البشر، ولا سيَّما تشجيعُ الرذيلة والانجرافُ بتيَّار الشهوات الجنسيَّة، أو تمجيدُ العُنف، أَو نشر ُالتعصُّب الدينيِّ أو الإتنيّ الأعمى. فمُؤَدَّى كلِّ ذلك دَفْعُ الإنسان إلى اقترافِ الجرائم والاعتداء على كرامةِ الآخَرين واغتصابِ حقوقِهم، وبالتالي انتهاكُ وسائطِ الإعلام لرسالتها النبيلة، والإسهامُ بتفكيك المجتمع والعودة به القهقرى. وبذلك تقعُ مسؤوليَّةٌ روحيَّةٌ ضخمة على عاتق وسائط الإعلام، لأَنَّها باتت أَكثرَ اتِّصالاً وتأثيرًا بالناس، حيثما وُجِدوا، من أَيَّةِ جهةٍ فكريَّةٍ أُخرى.

            وقد أَظهرَت عدَّةُ استطلاعاتٍ ودراسات أَنَّ أفلامَ العُنف والجنس المعروضة على شاشات التلفزة تُحدِثُ تأثيرًا سيِّئًا في نفوس الأحداث يستمرُّ فِعلُه في شبابِهم، وأَنَّ للقُدوةِ دورًا خطيرًا في تشجيع الناشئة على العُدوانيَّة أو توجيهِهم إلى طريقِ الاغتصابِ الجنسيّ.[21]

            ج- واجبٌ آخَر يترتَّبُ على وسائط الإعلام هو أَن يُخلِصَ المسؤولون عنها للحقيقة، فيتقصَّوا الوقائع دونما تحيُّز، ولا ينشروا أَخبارًا مُختلَقة. وهم إذا فعلوا ذلك في مواضع التعنيت والتهديد أو الخطر، أَكسَبوا أنفسَهم فضلاً، ومهمَّتَهم شرفًا وسُمُوًّا.[22] كما عليهم أَلاَّ يجعلوا من وسائل إعلامِهم أدواتِ تهديدٍ وتَجَنٍّ ابتزازًا للمال أو كَسبًا للنفوذ؛ وأَن يُميِّزوا بين الحقائق العلميَّة والعلومِ الكاذبة، فلا يُروِّجوا للأَوهام والخُرافات والشعوذات على أَنَّها حقائق من أَجل مغانمَ تُدنِّسُ شرفَ مَهمَّتِهم؛ فبعملِهم الوضيعِ هذا يُساعدون في شَلِّ العقلِ بمجتمعهم، ويعملون على تخلُّفِه.

            د- إنَّ وسائطَ الإعلام تعكسُ باتِّجاهِها وآرائها موقفَ الذين يُقبِلون عليها وتأييدَهم، بصورةٍ عامَّة. فهي بذلك تُمثِّلُ دورًا ديمُقراطيًّا في البلدان التي يسودُها مُناخٌ من الحُرِّيـَّة. لكنَّ لوسائط الإعلام دورًا آخَر، هو تعميمُ الإنارة والإرشاد، ذلك بأَنَّها أكثرُ شيوعًا وأَسرعُ إعلامًا من الكتاب. فمواقفُ العامَّة وآراؤُهم يُمكنُ استطلاعُها، خصوصًا في أيَّامنا هذه، بواسطة مُؤَسَّسات الاستطلاع التي باتت تعمُّ الغرب، ولا سيَّما الولايات المُتَّحدة. لكنَّ آراءَ المُواطنين، سواءٌ في الأُمور الكُبرى كالقضايا المصيريَّة، أَو في الأُمور الصُّغرى كالسِّلَعِ الاستهلاكيَّة، ليست بالضرورةِ آراءً صحيحة، لأنَّه من المُحال، في أَكثر الأحيان، أَن يستطيعَ المُواطنون رَبطَ الأَسباب بالنتائج في الأُمور المجهولة التي لا تظهرُ نتائجُها إلاَّ بعد وقتٍ طويل، كهندسة الجينات، مثلاً، أو الاختراعات المتطوِّرة الجديدة، أو غير ذلك من الأُمور المُعقَّدة.[23]

            أَخيرًا، لا تقومُ لوسائط الإعلام قائمة، وإن تكُن جريئة، نزيهة، حُرَّة، إلاَّ إذا قام رأيٌ عامٌّ مُثقَّفٌ مُستنير يدعمُها. وقد نوَّهَ الدكتور داهش بيقظةِ الرأيِ العامّ في الغرب، بينما أَسِفَ للرأيِ العامّ العربيّ. وفي معرضِ تنديدِه بجريمةِ اضطهادِه، في رسالتِه الأُولى إلى الدكتور حُسين هيكل باشا، يقول:

            فلا العالَمُ الإسلاميُّ تحرَّك، ولا اهتزَّ قلمٌ واحدٌ من صِحافتِه... كما إنَّ الرأيَ العامَّ اللبنانيَّ الهزيل الذي تنقصُه الثقافةُ التحرُّريَّة لم يأبهْ للأَمر، مع العِلم إذا أُصيبَ أَيُّ مُواطنٍ لبنانيّ بظُلمٍ فادِحٍ كهذا، فكأَنَّ الجميعَ أُصيبوا به.[24]

***

            من خلال بحثي في الرُّقيِّ الحضاريّ يُستَخلَصُ أَنَّ رُقيَّ المُجتمَع، في ضوءِ المفاهيم الداهشيَّة، رَهنٌ بدرجة السيَّالات الروحيَّة التي تُحيي أَبناءَه (أَي بمُستوى الإرادة والنـزعات والمدارك والمواهب العقليَّة التي فيهم)، كما بمدى التأثيرِ الخلاّق والخَيِّر الذي تُحدِثُه هذه السيَّالاتُ في مجرى الحضارة عالَميًّا. فجوهرُ الحضارة ليس المُؤَسَّسات السياسيَّة والإداريَّة والاقتصاديَّة والثقافيَّة والعسكريَّة بما فيها من تنظيمٍ وتحديثٍ وقوَّةٍ مادِّيـَّة، بل هو الروحُ الراقي الذي يُحرِّكُها، وليس النُّموَّ الأدبيَّ أَو الفنِّيَّ أو العلميَّ أو التكنولوجيَّ أو العُمرانيَّ، بل الروحُ المُبدِعُ الذي وراءَه والدوافعُ الإنسانيَّةُ التي تُحييه. إنَّه الحُضورُ الروحيُّ في جسدِ المَدَنيَّة المُتمثِّل في العلاقاتِ القائمة بين المُواطنين أفرادًا وجماعات، وبين الحاكمين والمحكومين، على أُسُسِ الاحترام المُتبادَل والعدالةِ والحُرِّيـَّة والتساوي أَمام القانون، كما على مبادئ الشفقة والتسامُح والتحابّ والتآخي. وفي تحديدٍ خُلُقيّ، الحضارةُ، على حَدِّ تعبير المهاتما غاندي:

            هي هذه الطريقةُ في الحياة التي تُبيِّنُ للإنسان ما هو واجبُه، وأنَّ امتثالَ المَرءِ لتعاليم الأَخلاق يعني توصُّلَه إلى السيطرة على نفسه وعلى عواطفِه، وهكذا نتعلَّمُ كيف نعرفُ أَنفسَنا؛ وفي لُغةِ "الكوجاراتي" يُقالُ للحضارة "حُسنُ السلوك".[25]

            وفي الخَطِّ الخُلُقيِّ نفسِه يقولُ لكونت دي نوي Lecomte Du Noüy:

            إنَّ التقدُّمَ الإنسانيَّ الصحيح، ذلكَ التقدُّمَ الذي يُمكنُ أَن يتَّصلَ بالتطوُّر ويمدَّ فيه، لا يتوقَّفُ إلاَّ على إكمالِ الإنسانِ نفسَه وتحسينِه، لا على تحسين ما يستخدمُه من الآلات أَو على زيادة رفاهيتِه المادِّيـَّة. وهذا الموقفُ الأَخير، موقفُ المادِّيِّـين، مُهينٌ بالإنسان لأنَّه يتجاوزُ عن أَنبلِ ما في الإنسان من صفات هي وحدها التي تستطيعُ أَن تُؤَمِّنَ له سعادةً تليقُ به أَرفعَ من سعادة البقرةِ المُجترَّة... أَمَّا أُولئك المُقتنعون من العكس أَو الذين يدَّعون الاقـتـناعفإنَّهم يستحقُّون الشفقة إذا كانوا مُواطنين عاديِّـين، ويستحقُّون الخَشية من شرِّهم إذا كانوا أَسيادًا. إنَّهم لَيعملون ضدَّ التطوُّر وضدَّ المشيئة الإلهيَّة... وفي كلِّ الحالات من الواضح أَنَّ الغايةَ الحقيقيَّة من الحضارة يجبُ أَن تكونَ مُساعدةَ الإنسان على التحسُّن من كلِّ النواحي لا اختراعَ آلاتٍ يُقصَدُ منها الإنقاصُ من الجُهدِ الجسديّ. وفي هذه الحالة وحدها تبقى متانتُها مُرتكزةً على قوى جميع الأَفراد المُتضافرة. ومن الضروريّ أَن تُشادَ من الداخل لا من الخارج."[26]

            وكان أَفلاطون، قبل حوالى أَلفَين وأربعمئة سنة، قد أَكَّدَ في كتابه "الجمهوريَّة" أَنَّ رُقيَّ الفرد كما المُجتمَع يُقاسُ بقَدرِ ما يُهَيمنُ عليهما من نظامِ العدالة النفسيَّة الذي يقضي بأَن يُسيطرَ حُكمُ العقلِ النَيِّر وسلطانُ الفضيلة على ما يعتلجُ فيهما من أَهواءَ دُنيَويَّة ورغباتٍ دنيئة. وبعدَه أَعلنَ تلميذُه أَرسطو في كتابه "السياسة": "الإنسانُ بدون فضيلة هو أَضرى الحيوانات وشرُّها، وأَسوأُها في الدعارةِ والنَّهَم. وفضيلةُ العدالة هي الميزةُ التي تُعرَفُ بها دولةٌ ما..."[27] لكنَّأَفلاطون تداركَ في أكثر من موضع في كتابه الشهير فأَكَّدَ أَنَّ مدينتَه الفاضلة ليست في الأرض، بل في بعض مواطن السماء. وبعد انقضاء ما يُناهِزُ أربعةً وعشرين قرنًا ظهرَت في خلالها المسيحيَّةُ ثمَّ الإسلام، وتقدَّمَ العقلُ البشريُّ أَشواطًا بعيدة، وظهرَت الأَنظمةُ الديمُقراطيَّة، وبرزَ مئاتُ المُفكّرين والعُلماء والأُدباء والفنَّانين، وأُنجِزَت اختراعاتٌ واكتشافاتٌ مُذهِلة، يقومُ مُؤَسِّسُ الداهشيَّة، ذو التعاليم الموحاةِ والمُعجزاتِ المُذهِلة، بجولةٍ حول الكُرةِ الأرضيَّة مُستطلِعًا أَحوالَ شعوبِها، مُختبِرًا أَخلاقَهم وعاداتِهم، بعد أَن اكتنهَ روحيًّا حقيقتَهم، فتكونُ حصيلةُ اختبارِه الطويل العميق قولُه في 4 كانون الثاني (يناير) 1979:

            الغُشُّ هو السائد، والباطلُ سوقُه رائجة، والاعتداءُ لا يُنكِرُه مُنكِر، والفسادُ مُتفشٍّ في عواصمِ الكُرةِ الأرضيَّة بأَسرِها، والفُسقُ والفجورُ مُسيطران على الجنسِ البشريِّ بأَسرِه، والأَطماعُ حَدِّثْ عنها ولا حرَج، وكَسبُ المال، ولو بطريقِ الحرام، غايةٌ وليس وسيلة، والرذيلةُ صرعَت الفضيلة، والشرُّ بسَطَ جناحَيه وراح يرودُ أَرجاءَ الكُرةِ الأَرضيَّة نافثًا فيها سُمومَه الرهيبة، وقد استجابَ له أَبناءُ الغبراء بقضِّهم وقضيضِهم.[28]

            بعد ذلك يبقى السؤالُ المُؤسي: أَين ذهبَت جهودُ البشَرِ المُضنِية وكفاحُهم الطويل في سبيل التقدُّم البشريّ؟

            إنَّ الأدلَّةَ التاريخيَّةَ تُؤَكِّدُ أَنَّ الرُّقيَّ الحضاريَّ بمعناه الثقافيِّ الروحيّ تنحصرُ بواعثُه ومصادرُه، في كلِّ زمانٍ ومكان، في نُخبةٍ من الفاضلين مِمَّن يُحكِّمون عقولَهم النَّـيِّرة وضمائرَهم الحيَّة في مواقفِهم ونزعاتِهم وسلوكِهم الشخصيّ كما في مُعاطاتِهم مع الآخَرين، وذلك التـزامًا لمبادئَ روحيَّة وضعَها الأنبياءُ والهُداةُ الروحيُّون، وكذلك في نُخبةٍ من العباقرة، قادةً ومُفكِّرين وعُلماءَ وأُدباءَ وشُعراءَ وفنَّانين مُبدِعين تتجلَّى ملامحُ من إبداعِ القدرةِ الموجِدة في أَعمالِهم. فالرُّقيُّ الحضاريُّ يُقيم حيثُ تُقيمُ القِيَمُ الروحيَّة والإنسانيَّة الكُلِّـيَّة، قِيَمُ الحقِّ والخيرِ والجمال مُجتمعةً غيرَ مُتفرِّقة. فهذا الثالوثُ بعثَ أُوروبَّا بعد عُصورِ الظلام، وهو الذي سيُقيلُ العالَمَ من كبوتِه الحاليَّة. إنَّ الأَديانَ متى بدأَت تخلو من جوهرِها الروحيِّ الحالِّ في سيَّالاتِ المُؤمنين بها، فإنَّه يشعُّ في العباقرةِ بكلِّ مجال؛ حتَّى إذا حانت الساعةُ ظهرَ هادٍ جديد بعثَ الروحَ الساميةَ مُجدَّدًا في الجسدِ المريضِ الذي نَهَكَته وأَذبلَته وخدَّرَته خمرةُ الدُّنيا بما تحملُه من شهواتٍ ونزعاتٍ سُفليَّة، وأَعاد الأملَ إلى فاقديه، لأنَّ "الحياةَ بدون القِيَمِ الروحيَّة السامية جحيمٌ مُخيفٌ رهيبٌ بنتائجِه المُزلزلة،"[29] على حَدِّ تعبير مُؤَسِّسِ الداهشيَّة.



Paul Davies. The Mind of God: The Scientific Basis for a Rational World (New York: Simon And Schuster, 1992). 1.

أنظر له أيضًا: God and the New Physics

2. Paul Davies. The Mind of God, pp. 231-232.

Albert Einstein. The World As I See It. Tr. By Alan Harris (NJ, Secaucus: Citadel Press/Lyle Stuart Inc., n.d.), p.27 3.

4. Ibid., p. 29.

  1. 5.   Ibid., pp. 26-28.

6. الدكتور داهش: "ابتهالات خشوعيَّة" (بيروت: دار النار والنور، 1983)، ص 73.

7. الدكتور داهش: "ذكرياتُ الماضي"، من سلسلة "حدائق الآلهة" (بيروت: دار النسر المُحلِّق، 1980)، ص 52.

8. الدكتور داهش: "ابتهالات خشوعيَّة"، ص 33.

David Noble. The Religion of Technology. The Divinity of Man and the Spirit of Invention (New York: A. Knopf, 1997). 9.

                        أَنظر مقالاً يشرحُ ما تعرَّضَ له دايفِد نوبِل من مُضايقات واضطهاد من جرَّاء فضحِه هذا الارتباط: Jill Neimart, “Noble Aims” in Science &

Spirit, March/April 2002, pp. 13-14.

Max Otto. Science and the Moral Life (New York: The New American Library of World Literature/Mentor Books, 1952), pp. 165-17110.

Hanbury Brown. The Wisdom of Science (London/NY:   Cambridge University Press, 1986), “Science and Values”, pp. 131-135 11.

12. الدكتور داهش: "كلمات" (بيروت: دار النار والنور، 1983)، ص 93.

13. الدكتور داهش: "الرحلاتُ الداهشيَّة حول الكُرةِ الأرضيَّة" ج 1 (بيروت: دار النسر المُحلِّق، 1982)، ص 388.

Science & Spirit, March/April, 2002, p. 3.. 14. أُنظر:

  1. Michael Shermer, “Skepticism as a Virtue”, in Scientific American, April 2002, p. 37

First Things, March 1995. 16.

17. ما تزالُ مئاتُ الأسئلة مطروحة على العلماء، وهم لا يعرفون لها جوابًا، وذلك في جميع المجالات العلميَّة. خُذْ مثالاً على ذلك البحثَ الرصين المنشور في مجلَّة "ديسكوفر" العلميَّة تحت عنوان "الأَسئلة الكُبرى الأحدَ عشرَ التي لم يُجَب عنها في Eric Haseltine. “The 11 Greatest Unanswered Questions in الفيزياء":

Physics” in Discover, February 2002, pp. 37-42.

18. "الرسائل المُتبادَلة بين الدكتور داهش مُؤَسِّس الداهشيَّة والدكتور حُسَين هيكل باشا" (بيروت: دار النسر المُحلِّق، 1981)، ص 201.

19. الدكتور داهش: "بريء في الأغلال أو سجينُ الغَدرِ والخيانة" (مخطوطة).

20. "الرسائل المُتبادَلة..."، ص 162-165.

21. أنظر: Time, April 8, 2002, p. 19; Sep. 25, 2000, pp. 44-47; July 6, 1998, p. 62;

Scientific American, Sept. 1998, pp. 15-16.

22. كثيرًا ما يتعرَّضُ الصَّحَفيُّون والمُخبِرون الإعلاميُّون للقَتل أو الأسر في الدُّوَل المُضطربة الأوضاع؛ وهذا يزيدُ مَهمَّتَهم شرَفًا إذا كانت غيرَ مُتحيِّزة. أنظر عدَدَي أَيَّار (مايو) 2000، وأيَّار (مايو) 2002 من مجلَّة World Press Review.

Karlyn Bowman, “Knowing the Public Mind”, in Wilson Quarterly, Spring 2002, pp. 90-98. 23.

24. "الرسائل المُتبادَلة..."، ص 41.

25. المهاتما غاندي: "هذا مذهبي"، نقلَه إلى العربيَّة لجنةٌ من الأساتذة الجامعيِّـين (بيروت: منشورات المكتب التجاريّ، 1959)، ص 78.

26. لكونت دي نوي: "مصيرُ الإنسان"، نقلَه إلى العربيَّة الدكتور خليل الجُرّ (بيروت: المنشورات العربيَّة، 1967)، ص 217، 218، 222.

Aristotle. The Politics. Translated by T. A. Sinclair (London/New York: Penguin Books, 1992), p. 61. 27.

28. الدكتور داهش: "قِصَص غريبة وأَساطير عجيبة"، ج 1 (بيروت: دار النسر المُحلِّق، 1979)، ص 6.

29. الدكتور داهش: "الرحلاتُ الداهشيَّة..."، ج 18، ص 403.

 

   التعاليم الداهشيَّة بقلم الدكتور غازي براكس Back to

Developed by Houssam Ballout        Copyright 2019 This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.nfo All Right Reseved This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.