أنا أؤمن بأنه توجـد عدالة سماويّة, وأن جميع ما يُصيبنا في الحياةِ الدنيا من مُنغصات انَّ هـو الاّ جـزاءٌ وفاق لِما أجترحناه في أدوارنا السابقة من آثـامٍ وشـرور.ولهـذا يجب علينا أن نستقبلَ كلّ مـا يحـلّ بنـا من آلامِ الحياةِ ومآسيها غير مُتبرّمين ولا متذمّرين , بل قانعين بعدالةِ السماء ونُظمها السامية.

Highlighter
أحبُّ الكُتُبَ حبَّ السُكارى للخمر , لكنَّني كلَّما أزددتُ منها شرباً, زادتني صَحوا
ليس مّنْ يكتُبُ للهو كمَن يكتُبُ للحقيقة
الجمالُ والعفّــة فـردوسٌ سماويّ .
لا معنى لحياةِ ألأنسان اذا لم يقم بعملٍ انسانيٍّ جليل .
اعمل الخير , وأعضد المساكين , تحصل على السعادة .
من العارِ أن تموتَ قبل أن تقـوم بأعمالِ الخير نحـو ألأنسانيّة .
الموتُ يقظةٌ جميلة ينشُدها كل مَنْ صَفَتْ نفسه وطَهرت روحه , ويخافها كلّ من ثقُلت أفكاره وزادت أوزاره .
ان أجسامنا الماديّة ستمتدّ اليها يـد ألأقـدار فتحطِّمها , ثمّ تعمل فيها أنامل الدهـر فتتَّغير معالمها , وتجعلها مهزلةً مرذولة . أمّا ألأعمال الصالحة وألأتجاهات النبيلة السّامية , فهي هي التي يتنسَّم ملائكة اللّه عبيرها الخالد .
نأتي إلى هذا العالمِ باكين مُعولين، و نغادره باكين مُعولين! فواهً لك يا عالمَ البكاء والعويل!
جميعنا مُغترٌّ مخدوعٌ ببعضه البعض.
العدلُ كلمة خُرافية مُضحكة.
أمجادُ هذا العالم وهمٌ باطل، و لونٌ حائل، و ظلٌّ زائل.
لا باركَ الله في تلك الساعة التي فتحتُ فيها عينيّ فإذا بي في مكانٍ يطلقون عليه اسم العالم .
أنا غريبٌ في هذا العالم، و كم احنُّ إلى تلك الساعة التي اعود فيها إلى وطني الحقيقيّ.
الحياةُ سفينةٌ عظيمة رائعة تمخرُ في بحرٍ، ماؤه الآثام البشريَّة الطافحة، و امواجه شهواتهم البهيميَّة الطامحة، و شطآنه نهايتهم المؤلمة الصادعة.
كلّنا ذلك الذئبُ المُفترس , يردع غيره عن اتيانِ الموبقاتِ وهو زعيمها وحامل لوائها , المُقوّض لصروح الفضيلة , ورافع أساس بناءِ الرذيلة .
الحياةُ سلسلة اضطراباتٍ وأهوال , والمرءُ يتقلَّب في أعماقها , حتى يأتيه داعي الموت, فيذهب الى المجهولِ الرهيب , وهو يجهلُ موته , كما كان يجهلُ حياته .
من العارِ أن تموتَ قبل أن تقومَ بأعمالِ الخير نحو الانسانيّة .
المالُ ميزان الشرِّ في هذا العالم .
السعادةُ ليست في المال , ولكن في هدوءِ البال .
كلُّ شيءٍ عظيمٍ في النفسِ العظيمة , أمّا في النفسِ الحقيرة فكلُّ شيءٍ حقير .
الرُّوح نسمةٌ يُرسلها الخالق لخلائقه لأجل , ثم تعودُ اليه بعجل .
الرُّوح نفثةٌ الهيَّة تحتلُّ الخلائق , وكل منها للعودة الى خالقها تائق .
الرُّوح سرٌّ الهيٌّ موصَدْ لا يعرفه الاّ خالق الأرواح بارادته , فمنه أتتْ واليه تعود .
أنا أؤمن بأنه توجـد عدالةٌ سماويّة , وأنَّ جميع ما يُصيبنا في الحياةِ الدُّنيا من مُنغِّصاتٍ وأكدارٍ انَّ هـو الاَّ جـزاء وفاق لمِا أجترحناه في أدوارنا السابقة من آثـامٍ وشـرور . ولهـذا يجب علينا أن نستقبل كلَّ مـا يحـلُّ بنـا من آلام الحياة ومآسيها غير م
الحرّيةُ منحة من السماءِ لأبناءِ ألأرض .
الموتُ ملاكُ رحمةٍ سماويّ يعطف على البشر المُتألّمين , وبلمسةٍ سحريّة من أنامله اللطيفة يُنيلهم الهناء العلويّ .
ما أنقى من يتغلّب على ميولِ جسده الوضيع الفاني , ويتبع ما تُريده الرُّوح النقيّة .
ما أبعدَ الطريق التي قطعتها سفينتي دون أن تبلغَ مرفأ السلام ومحطَّ الأماني والأحلام .
الراحة التامّة مفقودة في هذا العالم , وكيفما بحثت عنها فأنت عائدٌ منها بصفقةِ الخاسر المَغبون .
ليس أللّــه مع الظالم بل مع الحقّ.
ان الصديق الحقيقي لا وجود له في هذا العالم الكاذب.
ما أكثر القائلين بالعطف على البائسين وغوث الملهوفين والحنو على القانطين , وما أقلَّ تنفيذهم القول.
يظنُّ بعض ألأنذال ألأدنياء أنّهم يُبيّضون صحائفهم بتسويدِ صحائف الأبرياء , غير عالمين بأنَّ الدوائر ستدور عليهم وتُشهّرهم.
ما أبعدَ الطريق التي قطعتها سفينتي دون أن تبلغَ مرفأ السَّلام ومحطَّ الأماني والأحلام .
رهبة المجهول شقاء للبشرِ الجاهلين للأسرارِ الروحيَّة , وسعادة للذين تكشّفت لهم الحقائق السماويَّة .
الموتُ نهاية كل حيّ , ولكنه فترة انتقال : امّا الى نعيم , وامّا الى جحيم .
الحياةُ خير معلِّمٍ ومُؤدِّب , وخيرَ واقٍ للمرءِ من الأنزلاقِ الى مهاوي الحضيض .
حين تشكُّ بأقربِ المُقرَّبين اليك تبدأ في فهمِ حقائق هذا الكون .
مَنْ يكون ذلك القدّيس الذي لم تخطرُ المرأة في باله ؟ لو وجدَ هذا لشبَّهته بالآلهة .
المرأة هي إله هذه الأرض الواسع السُّلطان. و هي تحملُ بيدها سيفاً قاطعاً لو حاولَ رجالُ الأرض قاطبةً انتزاعه منها لباؤوا بالفشلِ و الخذلان .

عوالمُ النَّعيم والجحيم والحضاراتُ الكونيَّة

 

بقلم الدكتور غازي براكس

       لا بُدَّ من أَنَّكَ وقَفتَ مرَّةً تحت السماءِ القمراءِ وصعَّدْتَ نظرَكَ رانيًا إِلى رِحابِ القبَّة المَهيبةِ المتأَلِّقةِ فيها ملايينُ النُّجوم؛ ولكنْ هل ساءَلْتَ نفسَكَ إِذْ ذاكَ: تُرى، ما عُمرُ الإِنسانِ بالنِّسبةِ لعُمرِ الكون؟ وما قَدْرُ الأَرض بالنِّسبةِ لأَبعاد الكون السَّاحقة وأَعداد مجرَّاته الهائلة؟ وتاريخُ البشريَّة الملآن بالمآسي والمصائب والحروب ماذا يعني في تاريخ الكون؟ وهل خطرَ في بالِكَ أَن تسأَلَ لماذا وُجِدَ الكونُ قبلَ أَن يوجدَ الإِنسان ببلايين السنين تبعًا لِما يُؤكِّدُه العلم؟ ولماذا سيبقى حتّى بعد أَن تفنى الحياةُ على هذه الأَرض التَّاعسة بل حتَّى بعد أن يضمحلَّ كوكبُ الأرض، شأنُه شأنُ الكواكب الأُخرى؟ تُرى، أَلَيسَ من غايةٍ لخَلْقِ الكونِ أَبعدَ جدًّا من وجود الإِنسان؟ وعقلُ ابنِ آدَم نفسه ماذا يُمثِّلُ وماذا يعلمُ من أَسرارِ تلكَ المجاهيل الكونيَّة اللانهائيَّة؟ وهل مرَّ في خاطرِك أَنَّ النَّعيمَ والجحيمَ قد يكونان في تلكَ الملايين من النُّجومِ والكواكب؟

1-الكَونُ والنَّعيمُ والجحيمُ في الأَديان التقليديَّة:

       شاءَتِ الحكمةُ الإِلهيَّةُ أَن يبقى مفهومُ الكَون (المُنطوي على مئاتِ الملايين من العوالم) مجهولاً تمامًا في الأَديانِ الموحاةِ السَّابقة. فلم ترِدْ في العهد القديم ولا في العهد الجديد ولا القرأن أَيَّةُ إِشارةٍ واضحةٍ إِلى تركيبِ الكَونِ المادِّيّ وفْقًا للمفهومِ العلميِّ الحديث. أَمَّا الكنيسةُ الكاثوليكيَّةُ فقد أَدخلَت في معتقداتها مفهومَ توما الأَكويني (1274-1225) للكونِ المبني َّعلى آراءِ بطليموس (تُوُفِّيَ حوالى 165 م.)؛ وهو يُلخَّصُ على الصورة الآتية:

       الأَرضُ هي مركزُ الكون الثَّابت في الفضاء. وفي الجهة الشماليَّة المسكونةِ منها، وبوسطها، يقومُ جبلُ الجلجُلة حيثُ صُلِبَ السيّد المسيح. وحول الأَرض أَفلاكُ السماوات التِّسع: سماءُ القمر، فعُطارد، فالزهرة، فالشمس، فالمرِّيخ، فالمُشتَري، فزُحَل، ثمَّ سماءُ النُّجوم الثَّابتة، فالسَّماء البلَّوريَّة. ويُحيطُ بها جميعًا ويخرجُ عنها، مكانيًّا وزمانيًّا، سماءُ السماوات وهي بصورةِ وردةٍ يتوسَّطُها اللّه، وبحفُّ به الملائكةُ والقدِّيسون.

        هذه الصُّورةُ الوهميَّةُ البائدةُ للكون التي نقضَها العلمُ الحديثُ استنَدَت إِليها محاكمُ التَّفتيش الكاثوليكيَّة لتُصدِرَ أَحكامَها التَّعسُّفيَّة على العالِمَين العظيمَين كوبرنيكُس وغاليلِه اللذين أَعلَنا أَنَّ الأَرضَ ليست مركزَ الكون الثَّابت، بل هي مُجرَّدُ كوكبٍ صغيرٍ يدورُ في النِّظامِ الشمسيّ وفي مُحيطاتِ الكون اللانهائيَّة.[1]

       أَمَّا عُمرُ الكون -إِذا قصَدنا به الشمسَ والقمرَ والسيَّارات الستّ والنُّجومَ الثَّابتة- فهو يقلُّ عن عُمر الأَرض بيومٍ واحدٍ في المُعتَقَداتِ الدينيَّةِ التَّقليديَّة،[2] وفي أَي ِّحالٍ حدثَ خَلقُ الكون في السنة 4004 ق.م تَبعًا للاعتقاد الدينيِّ المبنيِّ على حِسابِ أَعمارِ آدَمَ وذراريه والذي بقِيَ سائدًا في الأَوساط المسيحيَّة وخاصَّةً الكاثوليكيَّة، حتّى القرن العشرين!

       أَمَّا الجحيمُ فكانت تعني غالبًا، في ”العهد القديم“، مقرَّ الموتى في باطن الأَرض.[3] وغلَبَ عليها، في”العهد الجديد“، معنى العقاب المُعَدّ للأَشرار.[4] ثمَّ أَكَّدَ القرآنُ الكريمُ أَنَّها مقرُّ عذابٍ رهيبٍ للخَطَأَة، وشدَّدَ على أَهوالها.[5] لكنَّ الكتُبَ المقدَّسةَ في الأَديان الثَّلاثة لم تذكُر أَيَّ تفصيلٍ عنها.

       أَمَّا النَّعيم -أَو الفردوس- فقد عنى في “العهد القديم” الجنَّةَ الأَرضيَّة التي عاشَ آدَمُ فيها مع حوَّاء قبلَ سقوطهما في المعصية، واقتُصِرَ عليها، ثمَّ شمَلَ معناه مقرَّ الأَبرار من الموتى. وفي”العهد الجديد“ غمضَ مدلولُ الكلمة، فالتَبَسَ بالسماء في شُروح المُفسِّرين.[6] وزادَ القرآنُ إِشاراتٍ جديدةً قليلةً إِلى معنى النَّعيم، فإِذا هو جنَّاتٌ طافحةٌ بالعيشِ الهنيء،”عَرضُها السَّموات والأَرض“،[7] فيها أَنهارٌ من ماءٍ عَذبٍ ومن خمرٍ ولَبَنٍ وعسَل، كما فيها ريحانُ وفاكهةٌ وظلالٌ وعيونٌ، وأَزواجٌ مُطهَّرة وحُورٌ عِين.[8]

       والجديرُ بالذِّكر أَنَّ جميعَ الأَوصاف المُفصَّلة للجحيمِ والنَّعيم التي انتشَرَت في المسيحيَّة والإِسلام إِنَّما ولَّدَتها مُخيِّلاتُ الأُدباء أَو عامَّةُ المؤمنين، فليس فيها ما أُوحِيَ إِلى الأَنبياء.[9] أَمَّا سَبَبُ خُلُوِّ الأَديان المُنزَلة من إِيضاحاتٍ مُفصَّلة عن النَّعيم والجحيم فمردُّهُ إِلى أَن حقيقتَيهما لا تنفصِلُ عن حقيقة الكون، ولم يكن العقلُ البشريُّ قادرًا في العصور البعيدة الماضية على استيعاب أَسرار الكون الطبيعيَّة لأَنَّ العلمَ لم يكن بعدُ مُهَيَّئًا لذلك.[10]

2- النعيمُ والجحيم في الداهشيَّة:

       استنادًا إِلى الوَحْيِ الإلهيِّ وكتابات الهادي الحبيب المُلهَمة عرفنا أَن النَّعيمَ والجحيمَ يشملان الكونَ المادِّيَّ كلَّه ببلايين نجومه وكواكبه وأَجرامه، بسُدُمه ومجرَّاته. ولا بدَّ من أَن أُلمِعَ، في هذا السياق، إلى أَنَّ القوَّةَ الإِلهيـَّةَ الموجِدة، بعد أَن خلقَت الأَرواحَ القُدسيَّة الكاملة، وهبَتْ كُلاًّ منها ستَّمئة سيَّالٍ روحيّ، وأَخضعَتها لتجربة الحرِّيَّة والاختيار وتحمُّل المسؤوليَّة، وذلك لسببٍ علمُه لدُن اللّه وحدَه. فكانت النتيجةُ أَنَّ سيَّالاتٍ روحيَّةً كثيرةً ابتعدَت بها رغباتُها الُحرَّة وحبُّها لِخَوضِ المجهول عن مُحيط العوالِم الروحيَّة الأَبديَّة السعيدة، وعن أَنوار المعرفة الإِلهيَّة الكاملة، فكان الهبوطُ الأَوَّل. وخلقَ اللّهُ العناصرَ الأَوَّليَّة التي هي نهاياتُ اللطافة المادِّيَّة والتي ستُكوَّنُ منها جميعُ أَشكال المادَّة المعروفة والمجهولة،[11] كما أَوجَدَ النواميسَ الروحيَّةَ والقوانينَ الطبيعيَّةَ التي ستُهَيمِنُ على المادَّة. وعرف اللّهُ بعلمِه الكامل الشامل للمُستَقبل اختلافَ درجات الهبوط، في آتي الأَزمنة، بين السيَّالات، والتمايُز الكبير الذي ستكونُ عليه، والحدودَ والقيودَ التي يستحقُّها كلٌّ منها، فأَوجَدَ بعدالته الإِلهيَّة 150 دَرَجة نعيميَّة و 150 دَرَكة جحيميَّة. وهذه الدرجاتُ والدركاتُ الثَّلاثُمِئة تُقابلُ عدَدَ السيَّالات الثَّلاثِمِئة التي تعرَّضَت للسُّقوط في بعض الأرواح القُدسيَّة، بعد خضوعها للتجربة.

       وجعلَ الخالقُ في كلِّ دَرَجةٍ أَو دَرَكة 20 مرتبة -أَو”شحطة“- بحيثُ يُصبحُ التَّدرُّجُ مُوزَّعًا في 6000 مرتبة روحيَّة. وفي كل مرتبةٍ مئةُ مُستوًى -أَو”حبَّةُ قمح“- بحيثُ يُصبحُ الكونُ ذا 600،000 مُستوًى روحيّ. وفي كل مستوًى جعلَ اللّهُ أَلفَ”رملة“; و”الرملة“ تعني عالَمًا مُستقلاًّ بذاته، له أَنظمتُه الخاصَّةُ وطبيعتُه المعيَّنة وسُكَّانُه المتميِّزون. ففي كلِّ دَرجةٍ نعيميَّةٍ أَو دَرَكةٍ جحيميَّة يكونُ مليونا عالَم. والعالَمُ قد يشمَلُ مجرَّةً كاملةً أَو أَكثر. فالكونُ المادّي يشتملُ إِذًا على 600 مليون من العوالم المُستقلَّة المُتمايزة.[12] وتخضعُ هذه العوالمُ لقوانين التطوُّر الطبيعيّ التي أَوجدَها اللّه عَزَّ وجَلَّ . وتحوُّلاتُها التي تتمُّ وفقَ تحوُّلات سيَّالاتها الروحيَّة وتبعًا لاستحقاقها يضبطُها ويُشرِفُ عليها الآبُ السماويّ بواسطة القِوى الملائكيَّة الروحيَّة المُجنَّدة في خدمته. فالكونُ المادِّيُّ وما فيه من ملايين العوالم المُتمايزة ليس في حالةٍ جامدة، فهو في تطوُّرٍ وتحوُّلٍ مُستمرّ. وعندما أَبدَعَتهُ القوَّةُ الموجِدةُ منذُ بلايين السنين، وبإِبداعِه بدأَ الزمن،[13] لم يكنِ الكونُ على حالتِه المادِّيَّة الحاليَّة. فالمجرَّاتُ ونجومُها وكواكبُها -بما فيها الأَرض- مرَّت في عهودٍ وأَدوارٍ كثيرةٍ قبل بلوغها الوضع الحاليّ؛ ومظاهرُ الحياة التي فيها كما أَشكالُ المادَّة جميعها ستستمرُّ في تطوُّرها وتحوُّلها تبعًا لاستحقاق سيَّالاتها الروحيَّة.

       والعدالةُ الإِلهيَّةُ هي التي أَوجَبَت التعدُّدَ والتنوُّعَ الهائلَين للعوالِم؛ ذلك لأَنَّ مجالَ فِعل الخير أَو الشرِّ يكادُ يكونُ بلا حدود حتّى على الصَّعيد البشريّ، فكيفَ على أَصعدةٍ أُخرى تقوى فيها نزعاتُ الكائن للشرِّ أَو للخير! وما دامَ كلُّ سيَّالٍ روحيّ يجبُ أَن يلقى الجزاءَ الذي يستحقُّه، وإِن يكنْ مِثقالَ ذرَّةٍ خيرًا أَو شرًّا، فقد كان لا بُدَّ من وجود عوالمَ نعيميَّة أَو جحيميَّة مُتمايزة تمايُزًا يكادُ يكونُ لا نهائيًّا.

       وتَبعًا للوَحي الداهشيِّ تنتشرُ الحياةُ في جميعِ أَرجاء الكون،[14] في ملايين الكواكب المُماثِلة للأَرض بعناصرها المادِّيَّة، كما في ملايين الكواكب الأُخرى المُختلفة عن الأَرض بعناصرها، بل في ملايين النُّجوم المُتأَجِّجة بالنيران. فوجودُ الحياة العاقلة هو مُبرِّرُ وجود أَيِّ جُرمٍ فضائيّ، باردًا كان أَم حارًّا، إِذْ يستحيلُ أَن يوجَدُ جرمٌ فضائيّ من غير أَن يكونَ سيَّالٌ روحيٌّ عاقلٌ في جوهره.[15] وهذا الأَمرُ يَدَعُ كثيرين يتعجَّبون ويستغربون وقوعَه، لأَنَّهم تعوَّدوا وأَلِفوا الحياةَ في مظاهرَ وأَشكالٍ ومُقَوِّماتٍ بُنِيَت الحياةُ الأَرضيَّةُ عليها، بل إِنَّ البشرَ حصروا الحياةَ العاقلةَ، طوالَ آلاف السنين في أَنفسهم فقط، وهذا أَمرٌ سيتَّضحُ خطأُه وبُطلانُه في الفصول القادمة.

       فالحياةُ ذاتُ أَشكالٍ ومُقوِّماتٍ لانهائيَّة. وطبيعتُها وخصائصُها تتبدَّلُ بحيثُ تأتلفُ مع طبيعة العالَم الذي هي فيه ومع خصائصه. فبعدَ أَن كان العُلماءُ يستبعدون وجودَ أَيَّةِ حياةٍ في أَيِّ مكانٍ تتدنَّى حرارتُه كثيرًا تحت الصِّفر أَو تعلو إِلى ما فوق درجة الغَلَيان، فإِنَّهم فوجِئوا بوجودِ حياةٍ غنيَّةٍ في القُطب الجنوبيّ كما في قيعان المُحيطاتِ المُظلمة، حوالى مسارب الحياة الشديدة الحرارة التي ينفُثُها جوفُ الأَرض حيثُ يتحمَّلُ أَيُّ كائنٍ حَيٍّ يعيشُ هُنالك ضغطًا مائيًّا يبلغُ مئات أَضعاف ضغط الجوِّ على سطح البحار.[16]

كذلك اكتشفَ العلماءُ على عُمق ميلَين في جوف الأَرض حيثُ ينعدمُ الأُوكسيجين تمامًا عالَمًا من الجراثيم التي سمَّوها ا”لجراثيم الجحيميَّة“ Bacillus Infernus؛ ذلك بعد أن كان العُلماءُ يعتبرونَ مجرَّد افتراض الحياة في مِثلِ هذه الأَعماق افتراضًا غيرَ علميّ وجِدَّ واهٍ.[17]

       إنَّ تحديدَ الحياة التقليديَّ تحديدٌ قاصر. فبعدَ كشف الحقيقة الروحيَّة الداهشيَّة التي تُعلنُ أَنَّ مصدرَ الحياة كامنٌ في السيَّالات الروحيَّة المُنبثَّة في كل مظهرٍ من مظاهر الطبيعة الحيَّة أَو الجامدة، أَصبحَ تحديدُ خصائص الحياة بقُدُرات النُّمُوِّ والتمثُّل الغذائيّ والتَّوليد والتكيُّف فقط تحديدًا غير صحيح، إِذْ إِنَّهُ يقصرُ نشاطَ الحياة على أَشكالٍ أَرضيَّةٍ مألوفةٍ لا غير.[18] فحيثما تكونُ طاقة مُنظَّمة تكونُ حياة. وقد تكونُ الطاقةُ المُنظَّمة في بيئةٍ صخريَّةٍ أَو غازيَّةٍ أَو جليديَّةٍ أَو ناريَّة.[19]

       فالأَرواحُ القُدسيَّةُ الإِلهيَّةُ التي هي مصدرُ الحياة وأُمَّهاتُ الكائنات إِنَّما هي شموسٌ عظيمةٌ ذاتُ إِشعاعٍ غير مرئيّ. وفي الأَناجيل أَنَّ الأَشرار، بعد أَن يُدانوا، سيعيشون بأَجسادهم في نيران جهنَّم”حيثُ لا يموتُ الدودُ ولا تُطفَأُ النار.“[20] وفي القرآن”أَنَّ شجرةَ الزَّقُّوم طعامُ الأَثيم في نيران الجحيم،“[21] وأَنَّ”الجانَّ من مارجٍ من نار.“[22] والإِنسانُ والدودُ والشَّجرُ كما الجِنُّ كائناتٌ حيَّة. لكنَّها في النيران تتبدَّلُ طبيعةُ الحياة وخصائصُها فيها.

       وقد وردَ في أَسفار العهد الجديد كما في القرآن الكريم ما يؤَكِّدُ وجودَ كائناتٍ حيَّةً في رِحابِ الكون. فيسوعُ الناصريُّ خاطبَ تلاميذَه قائلاً: ”لا تضطرِبْ قلوبكُم، آمِنوا باللّهِ وآمِنوا بي أَيضًا. إِنَّ في بيتِ أَبي منازلَ للإقامة كثيرة، ولو لم تكنْ لَقُلتُ لكم؛ لأَنِّي مُنطلقٌ لأُعدَّ لكم مكانًا. ولئن ذهبتُ وأَعدَدتُ لكم مقامًا أَرجع إِليكم وأَستصحبُكم لتكونوا حيثُ أَكون.“ [23]

       وفي القرآن: “ومن آياته خَلقُ السموات والأَرض وما بثَّ فيهما من دابَّة، وهو على جمعهم إِذا شاءَ قدير.”[24]

       لكنَّ مثلَ هذه العبارات ما كانت لتُفهَمَ حقَّ الفَهم إِلاَّ في ضوء الداهشيَّة والتقدُّم العلميّ الحاصل في القرن العشرين.

       فبدءًا من العِقد الثامن من القرن العشرين، أَخذَ العلماءُ يؤَكِّدونَ إِمكانَ وجود الحياة والحضارات في ملايين الكواكب الدائرة في أَفلاك الفضاء. وأُطلِقَت مركباتٌ فضائيَّةٌ خصِّيصًا للبحثِ عن الحياة ومظاهرها خارج الأَرض. كما أُقيمَت عدَّةُ مُؤَسَّساتٍ لرَصد الإِشارات اللاسلكيَّة الصَّادرة من أَبعاد الفضاء الكونيّ وتحليلها.[25] وانتشارُ الحياة والحضارات في مُختَلِف أَرجاء الكون حقيقةٌ أَعلنَها مؤَسِّسُ الداهشيَّة مُؤَكَّدةً بمعجزات التجسُّد الباهرة منذُ إِعلان رسالته الروحيَّة سنة 1942 .[26] وعام 1964 أَعلنَ أَمامَ بعض الصِّحافيِّين وجودَ كائناتٍ حيَّة على سطحِ المرِّيخ والقمر.[27] كما علمتُ منهُ، يومئذٍ، أَنَّ على سطحِ القمر مِسلاَّت مأَخوذة من مصر، وأَنَّ المرِّيخَ تصعَدُ المياهُ من جوفه إِلى جوِّه لتهبطَ على سطحه.[28]

       فضلاً عن ذلك فالداهشيَّةُ تؤَكِّدُ أَنَّ للحياةِ أَنواعًا لا تقومُ على الدَّورة البيوكيميائيَّة المعروفة في الأَرض،[29] وأَنَّ من العوالمِ والكائناتِ ما لا يقعُ تحت مُتناوَل حواسِّ البشر وأَجهزتهم العلميَّة. فليستِ المادَّةُ المعروفةُ في الأَرض هي المادَّةَ الوحيدةَ المُنتشرةَ في الكون؛ ففي رِحابِه أَصنافٌ من المادَّة غير الأَرضيَّة بل غير المعروفة في النظامِ الشمسيِّ كلِّه، وسُرعةُ اهتزازها الذَريِّ أَعلى جدًّا مِمَّا يعرفُه الإِنسان. ولذلك من المُستحيل أَن يكتشفَ العُلماءُ وجودَها بصورةٍ حسِّيَّةٍ ملموسة.

       إِنَّ المادَّةَ الخفيَّة -أَو المادَّة “المُظلمة” مثلما يُسمِّيها عُلماءُ الفيزياء الفَلَكيَّة- أَخذَت تجتذبُ اهتمامَ العُلماء في العقود الأَخيرة من القرن العشرين، حتّى إنَّهم يُقدِّرونَ أَنَّها تؤَلِّفُ حوالى 90 بالمئة من المادَّة الكونيَّة. والبحثُ فيها وفي”الثقوب السوداء“ أَدَّى ببعض العُلماء إِلى افتراض وجود عوالمَ مادِّيَّة مُتوازية، لكنَّ نظريَّاتهم لم تتمخَّض بعدُ بأَيِّ برهانٍ مادَّيّ أَكيد.[30] وهكذا تكونُ الداهشيَّةُ، منذُ أَوائل الأَربعينات، قد أَعلَنَت حقيقةً روحيَّةً تَنبَّهَ العُلماءُ مؤَخَّرًا لوجودها وما زالوا حائرين أَمامَ أَسرارها.

       وفي ضوء الإيضاحات السابقة يتحصَّلُ أَنَّ عوالمَ الجحيم كما عوالم النَّعيم جميعها مادِّيَّة، لكنَّها تختلفُ جدًّا بأَنواعِ مادَّتها المنظورة أَو غير المنظورة. أَمَّا الحياةُ الروحيَّةُ الصِّرف والعوالمُ الروحيَّة المحض المُنزَّهة عن كلِّ أَثرٍ مادِّيّ فلا وجودَ لها إِلاَّ في السماوات حيثُ مَلأُ الأَرواح الإِلهيَّة القُدسيَّة.[31]

      ولكلِّ عالَمٍ من عوالم الكونِ المنظورةِ وغير المنظورة، عُلويًّا كان أَم سُفليًّا، قوانينُه الطبيعيَّةُ الخاصَّةُ التي تحكمُه، من مِثلِ الجاذبيَّة، وبِنْيَةِ الكائنات وهيئاتها، واستعداداتها النفسيَّة، وقُدراتها الجسديَّة والفكريَّة، وطريقة معيشتها، وكيفيَّة استمرار وجودها، وطول أَعمارها، وتبدُّل أَحوالها عندما يحلُّ بها ما يُسمَّى”الموت“ في الأَرض، علمًا بأَنَّ طريقةَ التناسُل البشريّ غير موجودة إِلاَّ في العوالم التي مستوياتُها الروحيَّة وقوانينُها الطبيعيَّة وبنية كائناتها قريبة بعض الشيء من مستوى الأَرض الروحيّ وقوانينها الطبيعيَّة وبِنيَة البشر.[32]

       كذلك لكلِّ عالَمٍ تجاربُه الخاصَّةُ من الخير والشرِّ التي تخضعُ لها كائناتُه، والتي تُناسبُ خصائصها الجسديَّة ومرتبتها الروحيَّة. واجتيازُ هذه التَّجارب بنجاحٍ أَو فشلٍ يكونُ سببًا في ارتقاء تلك الكائنات أَو انحطاطها روحيًّا. وبقَدر ما تنحطُّ دركاتُ العوالم بقَدرِ ما يتفاقمُ الجهلُ والشَّقاءُ والذلُّ وقسوةُ الحياة ومصائبُها وآلامُها الرهيبة، وبقَدر ما تسمو درجاتُ العوالم بقَدر ما يتعاظمُ العلمُ والهناءُ والمجدُ والغبطةُ والسلامُ والهناء.

       وفي ما يأتي إِيضاحاتٌ وأَمثلةٌ عن العوالم الفردوسيَّة وحضاراتها وأَشكال الحياة وأَنماطها فيها تبعًا للتَّعاليم الداهشيَّة.

 

3- العوالمُ الفردوسيَّةُ وحضاراتُها:

       لنتخَيَّلْ أَنَّ في أَقصى تللك اللانهايات من المجرَّات، حيثُ تبلغُ المادَّةُ حدَّها النهائيَّ من التلاشي، فلا تبقى إِلاَّ لطافاتٌ نورانيَّةٌ منها لا تقعُ تحت أَنظار البشر ولا تلتقطُها أَجهزتُهم - لِنَتَخَيَّلْ أَنَّ في تلك التُّخوم الكونيَّة البالغة حدَّها الأَقصى تقومُ”مدينةُ الر سُل والأَنبياء،“ تلك المدينة العظيمة المجيدة التي زارها الهادي الحبيبُ في رؤياهُ المُلهَمة. فكيف السبيلُ إِلى بلوغ مثل هذا الكوكب العجيب الكائن في الدرجة المئة والخمسين من عوالِم الفراديس؟

       لِنستَمِعْ، أَوَّلاً، إِلى الهادي الحبيب كيفَ أَوصَلَهُ سيَّالُه السامي إِلى هنالك.

مدينةُ الرُّسُل والأَنبياء

هُناكَ، هُناكَ وراءَ المجرَّات الهائلةِ الأَبعاد،

وفي تلكَ المسافاتِ الموغلةِ في أَعماقِ السماوات،

وبعدَ أَن أَجتازَ ملايينَ الكواكبِ

المُنتشرةِ في أَقاصي الفلَوات،

قاطعًا موطنَ الشُّهُب المُنيرة والنجومَ المُشعَّةَ المُثيرة،

أَتلهَّفُ لبلوغِ مدينة الرسُل والأَنبياء،

موطنَ الأَبرار والمُتبتِّلين...

واستمرَّ اختراقي الروحيُّ لأُوقيانوسات الفضاءِ القصيّ،

ومضَتْ ملايينُ الأَعوام تتلوها بلايينُ السنين،

وسلسلةُ مشاهد العظمة الإِلهيَّة لا تنتهي،

فخرَرتُ على وجهي ضارعًا إِلى المُكوِّن الموجِد

أَن يزيدَني علمًا ويزيدَني معرفةً ويُلهمَني أَسرارَ الأَبد.

وبعد بلايين الأَعوامِ من الإيغالِ في أَعمقِ أَعماقِ الفضاء،

لاحَ لي شبَحُ مدينةٍ سحريَّةٍ

كوَّنَها اللّهُ في بُقعةٍ روحيَّةٍ مُذهِلة،

وزادَ اقترابي منها،

فإِذا جمالُها تعجزُ الأَقلامُ عن وصفِ مفاتنه المبهِرة،

وموسيقاها تُشنِّفُ الآذانَ

وتأخذُ العقولَ لرَوعَتِها الإِلهيَّة.

وإِذْ ذاكَ سكِرَت نفسي وانتشَتْ روحي

وغرقَتْ في سُباتٍ سماويّ.

 

وعندما عُدتُ إِلى نفسي، أَعلَمَني ملاكُ المدينةِ المُقدَّسة

أَنَّ نشوَتي استَغرَقَت مليونًا من الأَعوام،

وتبدَّى أَمامَ ناظري السيِّدُ المسيح وبوذا ومُحمَّد وموسى النبيّ

وإِيليَّا وأَشعياء وناحوم وداوود ودانيال وسُليمان وهوشَع

وجمهرةٌ كبيرةٌ من الرُّسُلِ والأَنبياء.

وتكلَّمَ الأَنبياءُ وكأَنَّهم فمٌ واحدٌ

ولسانٌ واحدٌ قائلين لي:

أَيُّها القادِمُ إِلينا

من العالَمِ الذي سبقَ أَن أُوفِدْنا إِليه،

إِذا بلَّغْتَ رسالتَكَ مثلما يجب

وتحمَّلْتَ الاضطهادَ من أَبناءِ الأَرض،

واتَّهَموكَ بكلِّ فِريةٍ كاذبة،

فإِنَّكَ بعدَ انتهاءِ أَيَّامِكَ الأَرضيَّةِ

تبلغُ هذا الكوكبَ الإِلهيَّ

وتحيَا معنا برعايةِ خالقِ الكائناتِ طُرًّا.[33]

 

       ولنَرَ، الآن، ماذا يقولُ العلمُ الحديثُ عن الوصول إِلى مثلِ هذا الكوكب.وكب.

       لِنَتَخيَّلْ أَنَّنا ننطلِقُ في سفينةٍ فضائيَّةٍ بسُرعةِ النور -وهو أَمرٌ يستحيلُ تحقيقُه على القُدرةِ العلميَّةِ البشريَّة- باتِّجاه الطرَف الأَقصى من الكون. فنبلغُ القمرَ في حوالى ثانيتَين، ثمَّ الشمس (التي تبعدُ عن الأَرض حوالى 150 مليون كلم) بعدَ 8 دقائق، ثمَّ نصلُ إِلى بلوتو (أَبعد كوكبٍ في النظامِ الشمسيّ ) بعد حوالى 320 دقيقة، بعدئذٍ نصلُ إِلى النجمة المُسَمَّاة بروكسيما سَنتوري Proxima Centauri (أَقرب نجمةٍ إِلينا) بعد نحو 4 سنوات نوريَّة وثُلث السنة. وإِذا داوَمنا على انطلاقِنا في مجرَّتنا، فعلينا أَن نُمضِيَ عشرات الآلاف من السنين الضوئيَّة لاجتيازها؛ فإِذا قطعناها، وجبَ علينا أَن نقطعَ حوالى مليون سنة ضوئيَّة لنبلغَ المجرَّةَ التالية، وهكذا دوالَيك من مجرَّةٍ إِلى أُخرى عبرَ ملايين المجرَّات. فإِذا اعتبَرنا أَنَّنا، عندَ نُقطة انطلاقِنا من الأَرض، كنَّا قريبين من وسط الكون، فعلينا أَن نقطعَ مسافةً تُقَدَّرُ بعدَّة بلايين من السنين النوريَّة لنبلغَ طرفَ الكون الأَقصى ونصلَ إِلى كوكبنا المنشود.[34]

إِ      ذًا ما ذكرَهُ الهادي الحبيب عن بُعد”كوكب الأَنبياء والر سُل“ الهائل الذي استَغرَقَ قطعُه بلايينَ السنين يُصدِّقُه العلمُ الحديث. لكنَّ العلمَ الحديثَ يقفُ هنا. فما هي طبيعةُ الحياة في مثلِ هذا الكوكب أَو غيره من ملايين العوالم الفردوسيَّة؟ وما هي أَعمارُ الكائنات فيها؟ وما هو مجالُ معرفتهم؟ كلُّ ذلك وغيره من الأُمور ليس إِلاَّ الوحيُ الروحيُّ بإِمكانه أَن يُعلمَنا عنه.

       مِمَّا علمتُه أَنَّ مُختَلِفَ العوالم المادِّيَّة مُقسَّمة إِلى عدَّةِ دوائر كونيَّة، أَعظمُها ”الدائرة النورانيَّة العُظمى“ التي تشملُ الدرجاتِ العُليا من الفراديس. وهذه الدائرةُ المجيدةُ مركزُها الدرجة العشرون في العوالم الروحيَّة. وإِلى هذه الدائرة ينتمي عالَمُ السيَّال العشرين وعوالمُ شخصيَّات الهادي الحبيب الستّ. ودون الدائرة النورانيَّة العُظمى دوائرُ نورانيَّة مُتتالية آخرُها باتِّجاهنا”دائرةُ النور الصُّغرى“ التي مركزُها الروحيُّ في الدرجة 15 من العوالم الروحيَّة. لكن بيننا وبين هذه الدائرة دوائرُ أُخرى تضمُّ كثيرًا من العوالم.

       وقد وصلَ إِلى دائرة النور العُظمى ستَّةٌ من الداهشيِّين، بينهم الأَديبة المُجاهدة ماري حدَّاد وزوجها جورج حدَّاد، عديل الرئيس اللبنانيّ الطاغية بشاره الخوري، وابنتهما الشَّهيدة ماجْدا، والدكتور جورج خبصا. أَمَّا المُجاهِدُ الداهشيُّ الشاعر حليم دمُّوس،[35] فِممَّا عرفتُه في السبعينات أَنَّ سيَّالاً روحيًّا له اجتازَ دائرة النور العُظمى وولجَ”دائرة النور الإِلهيّ المُتأَجِّج“ التي تفصلُ بين العوالم الفردوسيَّة المادِّيَّة والعوالم الروحيَّة، وفيها يتمُّ تطهُّرُ السيَّال الروحيِّ من كلِّ أَثرٍ مادِّيّ قبل السماح له بدخول العوالِم الروحيَّة الإلهيَّة.

***

       في النُّبَذِ المنشورةِ من كتاب”النَّعيم“ [36] يبدأُ الهادي الحبيبُ رحلتَهُ الفردوسيَّة باختراقِ روحه لبُروج السماء، وإِذا بالأَنوار تتأَلَّقُ وبملاكٍ يُحيِّيه ويقودُه بين الأَفلاك مُنتقلاً إِلى الكوكب العُلويِّ الأَوَّل فالثاني حيثُ شاهدَ في كِلَيهما”الأَطفال الأَبرياء“ وهم”يرتدونَ حُلَلاً نورانيَّةً ويُرنَّمونَ مع الملائكة“ أَو ”يخوضون نهرَ الكوثر... وينهلونَ من نَهلةِ الخلود وقد تلاشَت سائرُ أَتراحهم... ويبقونَ على هذا كالملائكةِ طوالَ قُرون!“ أَمَّا الكوكبُ العُلويُّ الثالث فكان عالَمَ “الحوريَّات الفاتنات” الراقصات في دلال و”الخافضات الطرْف بخَفَرٍ وكمال،“ والجانيات الأَزاهير مدى الآجال.

       ومثلُ هذا الوصف الموجَز للفراديس نجدُه أَيضًا في عدَّةِ قِطَعٍ وجدانيَّةٍ في سلسلَتَيْ”حدائق الآلهة“ و”فراديس الإِلاهات“،[37] كما في عدَّةِ أَقاصيص أُدرِجَت في”قِصص غريبة وأَساطير عجيبة“.[38] وجميعُها تشتركُ في وصفٍ سريعٍ للسلام ولهناءَة العيش وجمال الطبيعة الأَخَّاذ في تلك المواطن النعيميَّة. ومن أَدلِّها على ذلك قطعة ”المدينة المقدَّسة“. يقولُ الهادي الحبيبُ فيها:

حلمتُ أَنَّني أَجوسُ جنَّةً قُطوفُها دانية،

وطيورُها الجميلةُ الأَلوانِ تشدو بأعذبِ الألحان،

ومروجُها عامرةٌ برياحينَ عجيبةٍ وورودٍ مُذهلة،

وحدائقُها الغنَّاءُ فيها أشجارٌ ذاتُ أثمارٍ شهيَّة،

فجستُ ربوعَها وتذوَّقتُ ثمارَها العجيبة،

ثمَّ تخلَّلتُ شوارعَها، فإذا هي آيةٌ في الروعة.

ولِعجبي العظيم شاهَدتُ الذئبَ يُداعبُ الحَمَل،

والنمرَ يُلاعبُ الظبيَ الأَهيف ويُلاطفُه،

والأَسدَ يمرَحُ بسرور مع بَقَر الغاب المُسمَّن،

والثعلبَ يتناوَلُ طعامَه مع الدجاج المُطمئنّ.

ففي هذه المدينة السحريَّة لا توجَدُ قوانينُ ودساتير.

فالسجونُ لا يعرفُها أهلُ هذه المدينة المُبارَكة،

إذِ العدالةُ سائدةٌ بين جميع قاطنيها السُّعداء.

وفي هذه البقعة الهنيئة لا تجدُ قويًّا وضعيفًا،

ولا ظالمًا ومظلومًا، ولا غنيًّا أو فقيرًا.

فالجميعُ سواسية، وهم يُحبُّونَ بعضَهم بعضًا،

والحقدُ لا يجرؤ أن يجوسَ ربوعَ هذه المدينة السماويَّة... “ [39]

وكأنَّما الهادي الحبيبُ يصفُ أورشليمَ الجديدةَ التي وصفَها أَشعيا النبيُّ إذْ قال:

       ”ها أَنذا أَخلقُ أُورشليمَ ابتهاجًا وشعبَها سرورًا، وأبتهجُ بأُورَشليم وأُسَرُّ بشعبي، ولا يُسمَعُ فيها من بعد صوتُ بكاء ولا صوتُ صُراخ... قبلَ أن يدْعوا أُجيب، وفيما هم يتكلَّمونَ أستجيب. والذئبُ والحمَلُ يرعيان معًا، والأَسدُ كبقرٍ يأكلُ التِّبن...“[40] كذلك قال أَشعيا النبيّ:”فيسكنُ الذئبُ مع الحَمَل، ويربضُ النمرُ مع الجَدْي، ويكونُ العِجلُ والشبلُ والمعلوفُ معًا وصبيٌّ صغيرٌ يسوقُها. ترعى البقرةُ والدبُّ معًا ويربضُ أولادُهما معًا، والأَسدُ يأكلُ التِّبنَ كالثَّور، ويلعبُ المُرضَعُ على جُحر الأَفعى، ويضَعُ الفَطيمُ يدَهُ في نَفَقِ الأَرقم. لا يُسيئون ولا يُفسدونَ في كلِّ جبلِ قُدسي لأَنَّ الأَرضَ تمتلئُ من معرفة الربِّ كما تغمرُ المياهُ البحرَ.“ [41]

       غيرَ أنَّ التمايُزَ في خصائص الحياة والطبيعة كما في القُدرة والمعرفة والحضارة بين مُختلِف العوالم العُلويَّة يظهَرُ واضحًا في عدَّةِ قِصَصٍ قصيرةٍ أُلهِمَها الهادي الحبيب. وسأَقفُ عندَ أبرزها.

أوَّلاً- كوكبُ الإمبراطور بورباليون:

       بين الكواكب العُلويَّة الواضحة الصورة هو الأَقربُ إلى الأرض من حيثُ الحضارة، ذكرَهُ الهادي الحبيب في سياق قصَّة”رحلةُ وردةٍ جوريَّة“، وجعلَ السردَ على لسان وردةٍ كانت قد سقطَت إلى مياه اليَمِّ من يَدِ فتاةٍ مُبحِرة، فتقاذفَتها الأَمواجُ، وأصبحت شاهدةً على الأَحداث الجارية. يقولُ مُؤسِّسُ الداهشيَّة على لسان الوردة:

       ”وابتدأَتِ الظلمةُ تُخيِّمُ على الأَرجاء شيئًا فشيئًا. وأنا كنتُ أسيرُ على غير هُدًى وتبعًا لرغبة المياه المتحرِّكة. ثمَّ زحفَ الليلُ بجيوشه الجرَّارة، فإذا بحِندِس الظلُمات يغمر المُحيطَ الهائل. وفجأةً سطعَ نورٌ باهرٌ في السماء أنارَ البحرَ وكأنَّ الشمسَ قد أشرقَتْ!...

       واقتربَ هذا النورُ المُبَدِّدُ للظلمات، ثمَّ جسمٌ مُتحرِّكٌ جعلَ يهبطُ من الفضاء، ثمَّ هوى بسرعةٍ وخفَّةٍ عجيبَين، فإذا هو كالصَّحن باستدارته التامَّة. وكان قُطرُه حوالى 40 مترًا. وسُمِعَ لمُحرَّكاته دَويّ خفيف، وكان الدَّوِيُّ موسيقيًّا. وكانت النوافذُ تملأُ استدارتَه. وقد شاهَدتُ من خلال زجاج هذه النوافذ رجالاً بطول القَلَم الرصاصيِّ وهم زُرْقُ اللَون، وكانوا في حركة ذهابٍ وإيابٍ مُتواصلَين.

       وفجأةً انتشرَ نورٌ برتقاليّ غطَّى مساحةً من البحر، وإذا بي أُشاهدُ أفواجًا أفواجًا من مختلفِ أنواع الأَسماك تملأُ المساحةَ المُغطَّاة بالنور البرتقاليّ. وامتدَّ وعاءٌ معدنيّ طولُه ليس أقلَّ من ثلاثين مترًا؛ وهو مُستديرٌ كالبرميل. وكانت الأَسماكُ تُرفَعُ إلى هذا الوعاء بقوَّةٍ خفيَّةٍ قادرةٍ وبيَدٍ غير منظورة، وتزحَفُ في هذا الوعاءِ المعدنيّ داخلةً إلى جوف الصَّحن الجاثم على الماء حتّى تبلغَ داخلَ السفينة.

       واقتَرَبتُ نحوَ هذا الصحنِ العجيبِ حتَّى ارتطَمتُ بحافَّتِه، فإذا بي أُشاهدُ نساءً بحجمِ القلم لونُهنَّ أزرق، تتخلَّل زرقتَهنَّ خطوطٌ حمراء. وكُنَّ يتحدَّثنَ معًا. فأَرهَفتُ السمعَ، وإذا بإحداهُن تقول:

       إنَّ بحرَ أبناء الأَرض لا يُشابهُ بحرَنا، فإمكانِ أيِّ مخلوقٍ أن يسيرَ على صفحةِ بحرنا دون أن يغرق، أمَّا بحرُهم فلا يستطيعُ أحدٌ ما السيرَ عليه إذْ إنَّ الهلاكَ يكونُ من نصيبه. وقد أمرَنا إمبراطور كوكبنا المُطاع الكلمة (بورباليون) أن نُحضرَ له كمِّيَّةً من الأَسماك الأَرضيَّة ليرى إذا كانت تستطيعُ الحياةَ في كوكبنا الموغِل في القصاء بمجاهل الفضاء.

       فأجابتها رفيقتُها:

       لقد مكثَت رحلتُنا ثلاثةَ أعوامٍ نوريَّة حتّى بلَغنا كوكبَ الأَرض، ونحتاجُ إلى ثلاثة أعوامٍ لنعودَ إلى كوكبنا ثانيةً. ولكن يجبُ علينا، أوَّلاً، أن نجوبَ كلاًّ من اليابان وأمريكا والصين والأَفغان، فضلاً عن ألمانيا وإسبانيا وفرنسا، لنُقدِّمَ تقريرَنا لإمبراطورنا العظيم عن أحوال سُكَّان الأَرض وميولهم، وكيفيَّةِ بناءِ منازلهم، وأنواع المواصلات التي استطاعوا أن يتوصَّلوا لاختراعها، وما هي سرعتها القصوى. كذلك علينا تقديم شرحٍ وافٍ عن حياة المرأة والرجل والعلوم التي أدركَها البشر، وكَم من الأعوام تمتدُّ حياةُ سُكَّان كوكب الأَرض. فمعلوماتُنا التي حصَلنا عليها ودوَّنَتها تقاريرُنا تُفيدُ أنَّ حياةَ أبناء الأَرض مهما امتدَّت فلا تزيدُ عن مئةِ عام، وهذا العمرُ لا يبلغُه إلا النادرون من المُعمِّرين. أمَّا الحياةُ في كوكبنا فتمتدُّ لأَلفِ عام، وذلك بنسبةِ النظام والأَحوال الطبيعيَّة الموجودة فيه.

      وأكملَتْ قائلةً:

       - وأنتِ، يا شقيقتي، تعرفين أنَّ مركبَنا الكونيَّ إذا أُصيبَ بضَررٍ فادحٍ لأَيِّ سببٍ من الأَسباب، فإنَّ قائدَهُ يُسلِّطُ عليه (المارْكريدام) فيذوبُ ويتلاشى فورًا هو ومَن فيه، دونَ أن يتركَ أيَّ أَثَرٍ يؤَكِّدُ وجودَه.

       فمن هذه الناحية نحنُ بمأمَنٍ من اكتشاف أمرنا إذا شاهَدَنا أيُّ مخلوقٍ بشريّ -هذا إذا أوقَفنا مركبَنا على رقعةٍ من الأَرض- فإنَّ الصحنَ يتبخَّرُ بمُجرَّد مُشاهدته لنا، ولا يعودُ ليُرى، إذْ إنَّ القائدَ أو مُرافقَهُ أو أيَّ ملا حٍ يُسلِّطُ عليه أشعَّة (فوبوماران)، فيختفي عن العيان. فيظنُّ الناظرُ أنَّه ارتقى بسرعةٍ خارقةٍ نحو الفضاء، والحقيقةُ هي ما ذكَرتُ.

       ثمَّ لم نجدْ أيَّ اختراعٍ خطيرٍ في الكُرَة الأَرضيَّة كاختراعاتنا المُذهِلة، فمركبتُنا هي بسرعة النور أي 300 ألف كيلومتر في الثانية، في حين أنَّ أعظمَ سرعةٍ بلغَها اختراعُ البشر هو 40 ألف كيلومتر بالساعة، ولبضع دقائق فقط؛ وهذه السرعة تسيرُ بها المركبةُ الفضائيَّةُ التي صعدَ بها رُوَّادٌ أمريكيِّون إلى القمر، وذلك عند عودة الروَّاد للأرض بعد مُغادرتهم القمر، وحينما يُريدون الدخولَ في جوِّ الأَرض من الفُتحة الفضائيَّة التي يلِجونَ منها إلى الكوكب الأَرضيّ؛ وإن أخطأُوها يفقدون الطريقَ ويتيهونَ في الفضاء إلى الأَبد.

       والآن سنذهبُ إلى هيروشيما وناجازاكي لنُقدِّمَ تقريرًا عن تأثيرِ مفعول القنبلة النَّوَوِيَّة التي أَفنَتْ أكثر من 100 ألف نسمة عام 1945 .

       وسيأتي يومٌ نُظهرُ فيه أنفسَنا لأَبناء الأَرض. ويومذاك سيأمرُنا إمبراطورنا إمَّا باستعمار أرضهم، أو بتدميرها على رؤوسهم، فهم أشرار وفُجَّار لا يُصطَلى لفُسقهم بنار.

       وأنا ما زلتُ أذكرُ أنَّ جدِّي قد أعلمَني بحادثِ تدمير سادوم وعامورة بعدما بلغَتْ أنباءُ شرورهم جَدَّ إمبراطورنا -وكان إمبراطورًا أيضًا- فأَرسلَ يُنذرُهم بأن يُقلِعوا عن رذائلهم أو يُبيدَهم، فلم يأبهوا.

       حينذاك أرسلَ رسولَين بمركبةٍ نوريَّةٍ وأفناهم. وقد ظنَّ لُوط الصَّالح أنَّهما ملاكان، وما كانا إلاَّ رسولَي الإمبراطور، وهما من سُلالة العمالقة. فالعمالقةُ في كوكبنا يتساوَونَ بالطول مع أبناء كوكب الأَرض.

       وقد شاهَدتُ -أنا الوردة- أكثر من 15 رجلاً كوكبيًّا وقد جلسوا على مقاعدَ صغيرة تُناسبُ أجسامَهم، وكان أمامهم أزرارٌ عديدةٌ ضغطوا عليها، وإذا بالصَّحن يُحلِّقُ بسرعةٍ مُذهلةٍ نحو الأَعالي، ثمَّ تُغيِّبُه الأَبعادُ السحيقة. فعرَفتُ بأنَّهم ذاهبون إلى هيروشيما وناجازاكي اليابانيَّتَين.“[42]

 

ثانيًا- الكوكب فومالزاب:

       سأُدرجُ للقارئ أهمَّ فقرات هذه القصَّة مثلما دوَّنَها قلَمُ الهادي الحبيب المُلهَم. قال:

       ”واقترَبَ الكوكبُ فومالزاب من الكُرَة الأَرضيَّة التي يقطنُها البشرُ، وأصبحَ على مسافةِ عام من النور منها. وهذا الكوكبُ بلغَ من الحضارةِ الشأوَ الأَعلى. وهو يقتربُ من الأَرض كلَّ مليارَيْ عام. ويمكثُ بمركزه الجديد عامًا كاملاً ثمَّ يعودُ إلى مركزه السابق.

       وقد أمرَ إمبراطور الكوكب أن تُجهَّزَ السفُنُ الكونيَّةُ الثلاث لتذهبَ إلى الأَرض. فالكوكبُ عندما تنتهي مُدَّةُ اقترابه من كوكب الأَرض ويعودُ إلى مركزه الكونيّ، تحتاجُ المركبةُ التي تسيرُ بسرعة النور لتصِلَ إليه مليارًا ونصف مليار عام...

       وجُهِّزَت المراكبُ الثلاث. فالأُولى تحملُ على متنها 200 رجل. والمركبةُ الثانيةُ وُضِعَت بداخلها الآلاتُ الالكترونيَّة التي يُمكنُ أن يتَّصلَ بواسطتها رجالُ السفينة بكوكبهم الحبيب، كما يستطيعون أن يُشاهدوا بعضهم بعضًا بأثناء المُخابرة الكونيَّة. كما وُضِعَت بها آلاتٌ مُعقَّدةٌ تُستَخدَمُ لدَكِّ الجبال وترديمها، إذا لزِمَ الأَمر، ولِحَفرِ أعماقٍ سحيقة، وغيرُها من الآلات الصغيرة بحجمها الكبيرة بفعلها؛ فهي تستطيعُ أن ترفعَ أثقالاً هائلةً بينما هي بعيدة عن هذه الأَثقال، إذْ تكفي لَمسةٌ على الجهاز العجيب ليتمَّ رَفعُ تلك الأَثقال لارتفاعاتٍ شاهقة.

       أمَّا المركبةُ الثالثة فقد وُضِعَت فيها الأَجهزةُ التي تُصنَعُ بها الأَطعمة بمُختَلِف أنواعها. فهذه الآلاتُ العلميَّةُ الدقيقةُ بإمكانها أن تُحيلَ ما يوضَعُ في داخل الأَوعية من قشورٍ ونفاياتٍ لطعامٍ لذيذٍ بدقيقةٍ واحدة، إذ تتحوَّلُ النِّفاياتُ إلى كُتلةٍ كالعجين يُكيِّفُها الجهازُ لأَرغفةٍ جاهزةٍ للطعام تتَّخذُ طعمًا لذيذًا للغاية. كما يستطيعُ هذا الجهازُ الإلكترونيُّ أن يُنوِّعَ مذاقَ الأَطعمة حسبما يُرادُ لها أن تكون. وقد ثُبِّتَ بهذه المركبة أيضًا جهازٌ يجعلُ الطقسَ حارًا أو باردًا، كما يستطيعُ أن يُبقِيَ الطقسَ صحوًا أو مُمطرًا. وكذلك وُضِعَ فيها جهازٌ كعربةٍ تستوعِبُ ستَّةَ رجالٍ كوكبيِّين، وتسيرُ بهم بسرعةٍ على الأَرض أو الماء أو بالفضاء.

       وجُهِّزَت المركباتُ الفضائيَّةُ الثلاث، وأُديرَتْ مُحرِّكاتُها دونَ أن يصدُرَ عنها صوتٌ، وكلٌّ منها بطوابقَ ستَّة...

       وكلُّ مركبةٍ كونيَّةٍ يقودُها أربعةُ قباطنة، إذْ هي مُستطيلةٌ كالقَلَم، لكنَّ داخلها لولبيّ...

       الرجالُ أقزام، فارتفاعُ الطويل منهم 35 سنتيمترًا. لكنْ لديهم طاقةٌ مُذهلة. فالقزمُ منهم يستطيعُ أن يرفعَ أثقالاً يعجزُ عنها عشرةُ رجالٍ من رجال الأَرض!

       أمَّا حديثُهم فيتمُّ بواسطة النَّفخ. فعندما يتحدَّثونَ ينفخونَ حينًا بأفواههم وحينًا بأنوفهم، وهذه النفخات تُؤَلِّفُ لُغتَهم الكوكبيَّة. ومنها الصفير المُتنوِّع، فهو تتمَّة اللُغة الفومالزابيَّة.

       أمَّا عيونُهم فحجمُها كرأس المسمار. وسرعتُهم بالركض والقفز خارقة. وآذانُهم مُستطيلة، وبقَدر استطالة الأُذن يكونُ ذكاءُ المرءِ أو عدَمُه؛ فمَنْ تستطيلُ أُذنُه حتّى تبلغَ الأَرض -رجلاً كان أم امرأة- فذكاؤُه عجيب، وهو مُحترَم للغاية.

       امرأةٌ واحدةٌ فقط رافقَتهم، وهي زوجةُ رئيس الحَملة، وقامتُها 30 سم. وهي تُعتَبَرُ من المُلسِنات، فحديثُها النَّفخيُّ لا يُجارى، وهي مُثقَّفةٌ رغمَ صِغَر سنها، فهي في عامها الأَلفيّ، أي في ربيعِ عمرها وزهرةِ صِباها; فسُكَّانُ فومالزاب يُعمِّرُ كلٌّ منهم 6000 عام. ومديدو الحياة -وهم قلَّة- تمتدُّ أعمارُهم حتَّى السبعة آلاف من الأَعوام.

       والمرأةُ بطبيعتها تُحبُّ الزينة. لهذا كانت زوجة قائد الحملة تنفثُ بفمِها من جهازٍ صغيرٍ بطول الإصبَع، فتخرجُ منهُ مادَّةٌ تتَّخذُ شكلَ دائرةٍ تستطيعُ أن تُشاهدَ فيها وجهها. ثم تذوبُ هذه الدائرة في الفضاء وتتلاشى المرآة.

       أمَّا زوجُها فعمرُه 2000 عام، وهو أقلُّ ثقافةً منها.

       عامًا كاملاً أَمضَتْهُ السُّفُن وهي تقطعُ مُحيطات الفضاء وأوقيانوساته بسرعة النور. وكانوا بأجهزتهم الدقيقة المُذهِلة يُشاهدونَ الأَرضَ وما يجري فيها من خيرٍ وشرّ.

       كما كانت أجهزتُهم العلميَّة الخارقة تُتيحُ لهم أن يأخذوا نُسَخًا عن الصُّحف اليوميَّة والأُسبوعيَّة والكُتُب التي تُصدرُها المطابع. وكان جهاز إلكترونيّ يُترجمُها لِلُغَة كوكبهم فومالزاب، فيُطالعونَ ما خطَّتهُ أقلامُ أهل الأَرض، وهو لا يُضارعُ آدابَهم الرفيعة وثقافتَهم العالية...

       كان الاتِّفاقُ قد تمَّ على المكان الذي سيهبطون فيه، وقد اقتربوا منه، وكانوا على ارتفاع عشرين مليونًا من الأَميال فوقه. وإذ ذاكَ أوقفَ القائدُ مُحرِّكات السفينة، وكذلك السفينتَين الأُخرَيَين، وأشعلوا مُحرِّكاتٍ أُخرى سُرعتُها عاديَّة، وابتدأوا بالهبوط. أخيرًا، استقرُّوا في سهلٍ ممتدِّ المسافات.

       وصادفَ دقيقةََ هبوطهم مرورُ قافلةٍ من الجِمال، ففغرَ رجالُ القافلة أفواههم عجَبًا ممَّا شاهدوه، واقتربوا من مكان المركبات، وإذا بهم يتطايرون بالفضاء.

       وشاهدوا رجالاً قِصارَ القامة ينفخون باستمرارٍ بقوَّةٍ وعصبيَّة، وفهموا من نفخهم وإشاراتهم اليَدَويَّة أنَهم يطلبون منهم الابتعادَ فورًا. فولَّوا الأَدبار والخوفُ قد هزَّهم هزًّا.

       وتوقَّفَت المُحرِّكاتُ، وضغطَ قائدُ المركبةِ الأُمِّ على جهازٍ داخليّ، وإذا بقبَّةٍ كالخيمة من المعدن تُظلِّلُ المركبة، وكذلك فعلَ القائدان الآخران بمركبتَيهما.

       وتجمهرَ أهلُ القرية لمُشاهدة أعجبِ ما يُمكنُ أن تُشاهدَهُ العيون، والدهشةُ مرسومةٌ على وجوههم. وذهبَ عددٌ من رجال السفينة إلى غابةٍ تبعدُ عن مكان استقرارهم نصفَ ساعة. ورافقَتهم جماهيرُ من أهل القرية. وقد ارتقى رجالُ الكوكب الأَشجار، وامتشقوا أوراقَها، وطلبوا، بالإشارة، من الجمهور أن يفعلَ فعلَهم. فصعدوا الأَشجار، وجرَّدوا الأَغصانَ من أوراقها، ووُضِعَت الأَوراقُ ضمنَ أوعيةٍ عميقة. ثمَّ سلَّط الأَقزامُ عليها أشعَّةً خضراء من آلةٍ صغيرة، فتحوَّلَت أوراقُ الأَشجار إلى عجينٍ قُطِّعَ كأرغفة. فأكلوا منها وأطعموا أهلَ القرية الذين ذُهِلوا من هذه الخارقة، كما استطابوا ما أكلوه للغاية.

       أمَّا الماءُ فكانوا يضعونَ الوعاء، ويُسلِّطون عليه أشعَّةً صفراء، فيمتلئُ بماءٍ صافٍ، مذاقُه كماء الينابيع الجبليَّة. وبإمكان هذا الجهاز أن يدعَ الماءَ باردًا جدًّا أو في غاية السُّخونة.

       وكان كلُّ قزمٍ يحملُ بيده عصا طولُها 31 سم، وثخانتُها 20 سم، وبأعلاها فُتحةٌ صغيرة، وفي أسفلها ثُبِّتَت عجلاتٌ كَكِلَل الأَولاد. وهذه العِصِيُّ المعدنيَّةُ مُجوَّفة. وقد دخلَ كلُّ قزمٍ في عصاه، فإذا بهذه العِصِيّ تُسابقُ الريح، فهي مراكبُ عجيبةٌ غريبة، وعادوا بها حيثُ تقفُ مركباتُهم الفضائيَّةُ، مُخلِّفين أهلَ القرية والعَجَبُ الشديدُ قد استبدَّ بهم أيَّما ا ستبداد.

       واختارَ رجالُ الكوكب فومالزاب سهلاً شاسعًا في تلك القرية، وركَّزوا آلاتهم الالكترونيَّة، ثمَّ باشروا في الأُسبوع الأَوَّل من وصولهم إلى كوكب الأَرض بناءَ هيكلٍ عظيم تخليدًا لزيارتهم للأرض. وقد حوَّلوا أكوامًا هائلةً من تلال الرمال والحجارة إلى معجونةٍ بواسطة آلاتهم الالكترونيَّة. ثمَّ قطَّعوها بقياساتٍ مُختلفةٍ اختاروها، ونفَّذوا فكرتَهم فجعلوا منها أعمدةً ضخمةً للغاية، ومنها حجارةٌ مختلفة الأَحجام. ورفعوا هذه الأَعمدة بآلاتهم العجيبة، فإذا هي مُنتصبةٌ شامخةٌ تُناطحُ السَّحاب. وثبَّتوا على قمَّةِ كلِّ عمودٍ منها تاجًا حجريًّا هائلَ الضخامة والثِّقل.

       ثمَّ سَقَفوهُ بحجارةٍ مُتداخلةٍ بعضها ببعض، فأصبحَت كأنَّها قطعةٌ واحدةٌ لا انفصامَ فيها. كما أقاموا سورًا مُرتفعًا حول الهيكل العظيم، ووضعوا أعلاه بضعة حجارة هائلة الطول والعرض، وتركوا حجرًا ضخمًا للغاية من المعجونة التي صيغَت من الرمال والحجارة، وأبقوهُ بمكانه، وهو يُعرَفُ الآن بحجر الحامل، إذْ لا يزالُ مُلقىً منذُ ذلك العهد السحيق. وقد أنهَوا بناءَ الهيكل بخلال شهر. فآلاتُهم الالكترونيَّة تقوم بالعجائب والخوارق.

       كذلك تزوَّجَ عددٌ منهم من بنات الأَرض. وبعد رحيلهم وُلِدَ لهم بنون وبنات.

       وبعد مُضِيِّ ستَّة أشهر على وصولهم، صعد الرجالُ الأَقزامُ إلى مركباتهم الفضائيَّة الكونيَّة، واجتمع أهلُ القرية بأكملهم لوداعهم وكانوا قد تعلَّموا طريقةَ حديثهم النَّفخيّ لكثرة الاستمرار. كما تعلَّمَ رجالُ الكوكب بضعَ كلماتٍ أرضيَّة.

       واشتعلَت مُحرِّكاتُ المركبات الكونيَّة، وبلمحةٍ خاطفة اعتلَتِ الفضاء، ولسرعتها الهائلة غابت عن الأَنظار.

       ذهبوا عائدين إلى كوكبهم الموغِلِ في الأَبعاد اللانهائيَّة مُخلِّفين وراءَهم قلعة بعلبكّ[43] الشهيرة شامخةً تتحدَّى الزمان. وهي كشاهدٍ على زيارتهم لكوكبنا الأَرضيّ.“ [44]

***

       هاتان صورتان جانبيَّتان لحضارتَين مُتفوَّقتَين جرى اتِّصالُهما بالأَرض. وهذا الاتِّصالُ يطرحُ سؤالاً ما زالَ يُقلقُ كثيرين.: هل حقًّا يهبطُ إلى الأَرض من حينٍ إلى آخر كائناتٌ من حضاراتٍ مُتفوِّقة؟ ولماذا؟

       لقد عرفتُ من الهادي الحبيب أنَّ عدَّةَ كواكب مُتفوِّقة في حضاراتها ومُختلفة في مستوياتها وأشكال كائناتها سُمِحَ لسُكَّانها بأن يهبطوا إلى الأَرض لغاياتٍ ومهمَّاتٍ مختلفة؛ منها الكوكب فومالزاب، وكوكب الإمبراطور بورباليون، وكوكب يبعدُ عن الأَرض أربع سنواتٍ نوريَّة وثلث السنة لم يُفصحِ الهادي الحبيبُ عن اسمه. لكنَّ المُرجَّح عندي أنَّه من الكواكب التي تدورُ في فلك النجم المُسَمَّى”بروكسيما سنتوري“ Proxima Centauri، أقرب نجمٍ إلى الأَرض خارج النظام الشمسيّ، إذْ إنَّه يقعُ على مسافةٍ تبعدُ عن الأرض أربع سنوات نوريَّة وثُلث السنة.

       هذه الكواكبُ تقعُ في المُستَوَيات الروحيَّة الأُولى من الدرجة الفردوسيَّة الأُولى التي تشتمل -ككلّ درجةٍ أُخرى- على 2000 مستوًى روحيّ فيها مليونا عالَم، كلٌّ منها مُستقلٌّ بذاته. أمَّا سُكَّانُها فتختلفُ أعمارُهم من كوكبٍ إلى آخر. فبينما يعيشُ سُكَّانُ كوكب بورباليون ما يُعادلُ ألف سنة أرضيَّة، وسُكَّان فومالزاب 6000 سنة وأحيانًا قليلة 7000، تصلُ أعمارُ الكوكب الثالث المُشار إليه ما يُعادلُ مئةَ ألف سنة أرضيَّة.

       ومِمَّا أكَّده لي الهادي الحبيب أنَّ سُكَّانًا من هذا الكوكب الأَخير قد هبطوا إلى الأَرض أيَّامَ أَخنوخ النبيّ[45] ورفعوهُ إلى كوكبهم بمركبتهم الكونيَّة، كما هبطوا ثانيةً أيَّامَ إيليَّا النبيّ[46] ورفعوهُ كذلك إلى كوكبهم، ثمَّ هبطوا أمام حزقيال النبيّ[47] الذي وصفَ مركبتهم العجيبة، وقد لقَّنوهُ ماذا عليه أن يُنذرَ به شعبَ إسرائيل. وقد عاشَ إيليَّا النبيُّ في الكوكب الذي نُقِلَ إليه ألفَ سنة أرضيَّة، ثم هبطَ سيَّالُه الروحيُّ الرئيسيُّ إلى الأَرض قُبَيل ولادة يسوع المسيح، ووُلِدَ في يوحنَّا المعمدان. وحجمُ هذا الكوكب عشرة آلاف ضعف حجم كوكب الأَرض.

       وقد عرفتُ أنَّ المركبةَ الفضائيَّةَ التي بنى سُكَّانُها قلعةَ بعلبكّ وهياكلها في لبنان هبطَت منذُ ثلاثين ألف سنة.

       وهذه الكواكبُ الثلاثة الآنفةُ الذ كر بلغَت شأوًا بعيدًا في الحضارة، فتوصَّلَ سُكَّانُها إلى بناءِ مركباتٍ كونيَّةٍ يستطيعونَ تحويلها إلى نورٍ محصور، فتنطلق بسرعة النور نفسِه، كما توصَّلوا إلى اختراع أجهزةٍ باستطاعتها أن تتحكَّمَ بذَبذَبة المادَّة الذريَّة، فترفعُها إلى حدٍّ يُخفيها عن الأَبصار، وهكذا بوسعِهم إخفاءُ أنفُسهم كما إخفاء مركباتهم الكونيَّة عن الأَنظار. كما توصَّلوا إلى اختراعِ أجهزةٍ يتحكَّمونَ بواسطتها بالأَرض، ويرصدون ما يحدثُ فيها من اختراعاتٍ واكتشافات، ويُراقبونَ ما يجري من أحداثٍ وحروبٍ وأساليب تعامُل، وينقلونَ فورًا إلى كوكبهم كلَّ ما يُطبَعُ في الأَرض من صُحُفٍ وما يُبَث من برامج إذاعيَّة وتلفزيونيَّة وما يُسَجَّلُ على الكمبيوتر. ورُقيُّهم العلميُّ هذا رافقَهُ رقيٌّ روحيٌّ جعلَهم أكثرَ فهمًا للقِيَم الروحيَّة وأكثرَ تعلُّقًا بها. ولذا فقد سُمِحَ لهم روحيًّا بأن يتدخَّلوا في ظروفٍ مُختلفة بشؤون الأَرض، ويقوموا بأعمالٍ تأديبيَّة حاسمة أو بأعمالٍ رادعة. فكوكبُ بورباليون هو الذي أرسلَ مركبةً كونيَّةً إلى الأَرض في عهد لوط، فقضى رسولان منه على سادوم وعامورة، بعدَ أن أنذَرا سُكَّانهما ليُقلِعوا عن رذائلهم فلم يرتدعوا. وقد ظنَّهما لُوط ملاكَين. وكانا بشكليهما أشبه بالبشر. كما إنَّ رجالاً من الكوكبِ نفسِه بُعِثوا إلى الأَرض في مركبةٍ نوريَّةٍ في أواسط القرن العشرين فتحكَّموا بعقول زعماء الولايات المتَّحدة والاتِّحاد السوفياتيّ في أواخر تشرين الأَوَّل عام 1963، ومَنعوا نشوبَ حربٍ ذَرِّيَّة كانت ستقضي على الحياة في الأَرض لو وقعَت، ومن المُحتمَل جدًّا أن يقوموا بعملٍ تأديبيّ كبيرٍ لأَبناء الأَرض إذا لم يرتدعوا عن الشرور، ويُغيِّروا مسلَكَهم المادِّيَّ في قِيَمِه وتوجُّهاتِه إلى مسلكٍ روحانيِّ النـزعات والقِيَم.

       ومِمَّا عرفتُه من أعمال الذين هبطوا إلى الأَرض من سُكَّان هذه الكواكب الثلاثة وغيرها أنَّهم زاروا الأَرضَ مرارًا، لكنَّهم أُمِروا بألاَّ يتدخَّلوا في شؤونها إلاَّ في ظروفٍ قليلة نفَّذوا فيها مَهمَّاتٍ مُحدَّدةً أُوعزَ إليهم بأن يقوموا بها، وأنَّ هذه المهمَّات تندرجُ في خطٍّ يُتمِّمُ ويُعزِّزُ الرسالات السماويَّة المُرسَلة إلى الأَرض، إذْ إنَّ القُوى الروحيَّة نفسها التي تُهيمن على البشر تُهيمن عليهم أَيضًا، وهم أعمَقُ إدراكًا لهذه القِوى الروحيَّة من أبناء الأَرض.

       كذلك فقد سُمِحَ لهم بأن يُجروا اختباراتٍ على الأَرض، على إنسانها وحيوانها ونباتها وجمادها. فتزوَّجوا من بنات النَّاس منذ ثلاثين ألف سنة، فوُلِدَ لهم بعد رحيلهم أبناء وبنات تميَّزوا بقُدُراتٍ جسديَّةٍ ومواهبَ علميَّة غير عاديَّة، فكان منهم العباقرةُ والأَبطال الذين نُسِجَت الأَساطيرُ حولهم ممَّا دخلَ في الميثولوجيات القديمة. وقد ذُكِرَت إشاراتٌ عنهم في سِفر التكوين حيثُ جاء:

       ”ولمَّا بدأَ الناسُ يتكاثرونَ وينتشرونَ على وجه الأَرض، ووُلِدَ لهم بنات، رأى أبناءُ الآلهة أنَّ بنات الناس حسنات، فاتَّخذوا لأَنفسهم نساءً ممَّا اختاروا... وفي تلكَ الأَيَّام، عندما دخلَ أبناءُ الآلهة على بنات الناس فولَدْنَ لهم أولادًا، كان الجبابرةُ على الأَرض، هؤلاء أَبطال الزمن القديم ذوو الشهرة الذائعة.“[48]

       وليس مُستَبعَدًا أن يقومَ أصحابُ المركبات الكونيَّة التي بدأَت تزورُ الأَرضَ بعد انتهاء الحرب العالميَّة الثانية بتَلقيح بعض النساء البشريَّات من أجل غاياتٍ مُختلِفة.

       وفي نطاق تجاربهم ودراساتهم عن البشر في القرن العشرين، نقلوا عدَّةَ أشخاصٍ من مختلف أنحاء العالَم بطريقة التسلُّط على مداركهم وجَذبهم إليهم. وقد روى الهادي الحبيب أمامي أنَّ الباخرةَ ”ماري-سسيلِست“Marie-Celeste وُجِدت في عُرض البحر فارغةً من ملاَّحيها ورُكَّابها، وكان الشايُ ما يزالُ ساخنًا في الفناجين، والأَطعمةُ جاهزةً في الصحون لمَّا تؤكَل. كما روى حادثةَ نقلِ كتيبةٍ مُدرَّعةٍ إيطاليّة كانت في الحبشة مع معدَّاتها. كذلك روى الهادي الحبيب أنَّهم أسقطوا على الأَرض عدَّةَ أشخاصٍ مِمَّن كانوا قد اعتُبِروا من المفقودين مدَّة سنواتٍ عديدة، بينهم واحد أُسقِطَ قرب منـزل الرسالة في بيروت.

       وفي صيف عام1970، بينما كان الهادي الحبيب في طريقه إلى مطار بيروت، في سيَّارة الدكتور فريد أبو سليمان، ارتعشَ بالروح العَلِيِّ فجأةً، وأشارَ إلى الفضاء، فأوقفَ الطبيبُ السيَّارة وخرجَ منها هو والهادي الحبيب ونظرا إلى أعلى، فإذا بقعةٌ تلمَعُ عاليًا في الفضاء فقال له الروحُ العَلِيّ: “هذه مركبةٌ فضائيَّةٌ قادمةٌ من كوكب خارج النظام الشمسيّ.”[49]

 

ثالثًا - كوكبُ الماهيا هوبال:

       هذا الكوكبُ ذكرَهُ الهادي الحبيب في قصَّةٍ مزجَ فيها الواقعَ بالخيال، ولذا سمَّاها”قصَّة خياليَّة كوكبيَّة.“[50] لكنِّي لن أدخلَ في تفاصيلِ وقائعها المُتَخَيَّلة -وقد تكونُ رؤيا صحيحة- بل سأقتصِرُ على ذكرِ ما أكَّدَ الهادي الحبيبُ لي صحَّته، وهو يُختَصَرُ بالنِّقاط التالية:

أ - كوكبُ الماهيا هوبال”يجذبُ كل شيءٍ من الأَرض عندما يتحوَّلُ إلى نور. فالأَوراقُ التي تُحرَقُ، والأَخشابُ التي تُلقى طعمةً للنيران، والأَمواتُ الذين يحتمُ عليهم دينُهم حرقَ جثمانهم، جميعُ هؤلاء يتحوَّلونَ إلى نور، ويصعدونَ في الفضاء بسرعة النور حتَّى يبلغوا هذا العالَمَ العجيبَ الغريب.“

ب - لا وجودَ للماء والهواء في هذا الكوكب، لكن يُمكنُ الحصولُ عليهما بطُرُقٍ غريبةٍ عن المألوف في الأَرض.

ج - عددُ سُكَّان الكوكب مليون شخص. ونظامُ الكوكب الروحيّ يُحظِّرُ عليهم مُغادرةَ الكوكب”إلاَّ بعد أن يقضوا عشرة آلاف من الأَعوام... ثم يأتيهم التغيُّرُ الذي يُطلَقُ عليه اسم الموت، وإذْ ذاكَ يذهبُ كلٌّ منهم إلى الكوكب الذي أوصلَ سيَّالَه بأعماله إليه.“

د - سرعةُ الزمن في الكوكب تجعل العشرة آلاف عام تُقابل بضع عشرات من الأَيَّام في الزمن الأرضيّ.[51] ولذا فالإقامةُ فيه مؤَقَّتة.

ه - التنقُّلُ في رحاب هذا الكوكب يحدثُ بسرعة الفكر بمجرَّد التفكير فيه.

 

رابعًا - كوكب إسمانديون:

       هذا الكوكب ذكرهُ الهادي الحبيب في قصَّته المُلهَمة”مدينةٌ سُكَّانُها لا يموتون فهم خالدون“.[52] وبطلُ هذه القصَّة المُلهَمة شابٌّ أديبٌ ذكيّ وشُجاع اسمُه أسدُ اللّه. وقد كان يعيشُ في”مدينة الأَنوار الساطعة“ الكائنة في كوكبٍ آخر تُنيرُه سِتُّ شموس. ومُكافأةً له على حُسنِ دفاعه عن مدينته ضدَّ سُكَّان كوكب السادلاييم الذي حاولوا اجتياحَها، ”أَرسَلَ كوكبُ إسمانديون أشعَّتَه البنفسجيَّة فأحاطَت بأَسد اللـّه تأكيدًا لبطولته. وقد تنسَّمَ رائحةَ أنوار هذا الكوكب فانتشَت روحُه. وجذبَه هذا النورُ عندما تنسَّمَه، فإذا هو قد ولجَهُ ولوجَ المنتصرين الظافرين.

       ”والمسافرُ من ’مدينة الأَنوار الساطعة‘ إلى كوكب إسمانديون يحتاجُ إلى مركبةٍ بسرعة النور، وإلى زمنٍ يستغرقُ مليون عامٍ نوريّ. ولكن مَن يُرسلُ هذا الكوكبُ أشعَّتَه البنفسجيَّةُ إليه، فيتنسَّمُها، فإنَّه يُجذَبُ إلى الكوكب بلحظةٍ واحدة،[53] فيجدُ نفسَهُ وقد أصبحَ يجوسُ هذه المدينةَ الخلاَّبةَ التي زيَّنَها اللّهُ بفتنةٍ فردوسيَّةٍ مُذهلة.“

       وخصائصُ هذا الكوكب السامي، مثلما وردَت في القصَّة، يُمكِنُ إيجازُها في النِّقاط التالية:

أ - يعيشُ سُكَّانُه، رجالاً ونساءً، عشرة آلاف عامٍ من أعوام الأَرض.

ب - يقتضي النظامُ الروحيُّ في هذا الكوكب البنَفسجيِّ الأَشعَّة مِمَّن ارتبَطَ بوثاق الحبِّ”المقدَّس أن تلدَهُ مَن أحبَّها وأحبَّتهُ... وإذْ ذاكَ تُصبحُ والدتُه زوجتَه الحبيبة مدى الأَدهار الزاحفة.“ ولكن عليها أن تنتظرَهُ خمسمئة عامٍ بعدَ ولادته ليشتدَّ عودُه، وإذْ ذاكَ تُصبحُ قرينتَه.

ح - سُكَّانُ هذا الكوكب السامي بفنِّه ”لا يعرفون النَّومَ على الإِطلاق. والليلُ لا يعرفون منه سوى اسمِه، فالنورُ يغمرُهم دائمًا، والضياءُ يُرافقُهم أنَّى ساروا أو رحلوا.“

د -”عندما يسيرونَ يرسمونَ نجمةً بإصبعهم على جبينهم، فإذا بهم يرتفعونَ في الفضاء، ويسيرون فيه كأنَّهم يمشونَ على اليابسة.“

هـ - أشجارُ الحدائق في هذا الكوكب”كلُّ ورقةٍ من أوراقها الغضَّة ذاتُ لونٍ يختلفُ عن الآخر، فهي مجموعةٌ غريبةٌ من آلاف الأَلوان الباهرة، وأثمارُها الجَنِيَّة مُتعدِّدة، فكلُّ شجرةٍ تحملُ آلافًا من مختلف أنواع الأَثمار. وعندما يضعُ المرءُ ثمرةً في فَمِه تذوبُ فورًا، ومذاقُها العجيبُ اللذَّة يدَعُهُ مسرورًا ومُبتهجًا، فيشيعُ الفرحُ في أطرافه ويحتلُّ أعصابَه.

”وإذا حاولَ اقتطافَ ثمرةٍ أبهَجَهُ منظرُها، وكانت ذاتَ سيَّالٍ مؤذٍ له، فإنَّها تُنبِّهُه بصوتها الرخيم قائلةً له: ’إيَّاكَ أن تقطفَني، فأنا لسواك مِمَّن يستحقُّونَ العقابَ بالنسبةِ لأَعمالهم السيِّئة.‘

”والجزاءُ في هذا الكوكب السامي يقعُ على كلِّ مَن لا يتقيَّدُ بنظامه السرمديّ.“

و - بما أنَّ أعمارَ قاطني ”كوكب الأَنوار الساطعة“ محدودة بألفِ عام، [54] فلا يستطيعُ أيٌّ منهم”أن يقترِنَ بأيَّة فتاةٍ مدينتُها كوكب إسمانديون العظيم إلاَّ بعدَ أن تتصر مَ أعوامُه الأَلف؛ وبعد انقضاء حياته ينتقلُ إلى كوكب إسمانديون، وبمُجرَّد انتقاله تتغيَّرُ سيَّالاتُه فتُصبح مُنسجمةً مع هذا العالَم، وإذْ ذاك يُمكنُه الاقترانُ بحبيبته -هذا إذا كان قد أوصلَ سيَّالاتُه لتوجَدَ في هذا العالَم الفريد.“

 

خامسًا - عالَمُ الفردوس البهيّ:

       هذا العالَمُ ذكرَهُ مؤَسِّسُ الداهشيَّة في قصَّة ”أسرار الموت والحياة“[55] التي تكشَّفَت له وقائعُها في رؤيا مُلهَمة في أثناء نومه. وموجَزُ القصَّة أنَّ الهادي الحبيبَ وجدَ نفسَه يرودُ فردوسًا بهيَّا ويستمتع بمفاتنه الطبيعيَّة الخلاَّبة، وإذا به يُفاجَأُ بفتاةٍ أسرَهُ جمالُها الخارق. فكان بينهما حبٌّ عميق. وكان اسمُه سوديام واسمُها جوداميا.

       ”وأثمرَ هذا الحبُّ الأُسطوريُّ غادةً غيداء أطلقَ عليها أبواها اسم راهاديا...

       ”وكان منزلهم من الورود المُخمليَّة تُوشِّيها أزهارُ الفردوس النَّضِرة. فمنازلُ الفردوس تُبنى من الأَزهار. فالربيعُ في الفردوس أبديّ.

       ”والشتاءُ لا يطرقُ أبوابَ الفردوس إطلاقًا. والشيخوخة لا تعرفه...

       ”وكلُّ سُكَّان هذا الفردوس سُعداء لا يعرفون للهمِّ اسمًا...

       ”وطعامُهم من أثمار الفردوس الشهيَّة. ففيه من كلِّ شجرةٍ توأمان. وما تكادُ الأَيدي تقتطفُ الثمارَ الجَنِيَّة حتَّى تمتلئَ الأَغصان، ثانيةً، بها دونَ أن ينتقصَ منها ثمرةٌ ما.

       ”أمَّا أنواعُ الخُضَر والبقول العجيبة فحَدِّثْ عنها ولا حَرَج، فالفردوسُ غَنيُّ بها، وحقولُه مملوءةٌ بشتَّى الأَنواع اللذيذة وهي لا تنتضبُ أبدًا.

       ”فكلُّ نوعٍ من الأَنواع إذا قُطِف يعودُ إليها ثانيةً فورًا.

       ”والإخاءُ يشملُ عالَمَ الفردوس بأكمله، فالجميعُ عائلةٌ واحدةٌ يسودُها الحبُّ ويغمرُها الولاءُ الدائم.

       ”هنا لا يُعرَفُ الحسدُ إطلاقًا، والغيرةُ لا وجودَ لها في هذا العالَم السعيد.

       ”والتكالبُ على المال لا يُعرَفُ في هذا العالَم البعيد عن أطماع الأَرض الدنيَّة.

       ”فسعيدٌ مَن أوصلَ سيَّالَه إلى هذا العالَم الغارق بالبَهَجات اللانهائيَّة. “ [56]

       ومن خصائص الحياة في هذا الفردوس أنَّ حوريَّاتِه لا يستطعْنَ الاقترانَ بشُبَّانٍ من الفردوس نفسه، بل على كلٍّ منهنَّ أن تنتظرَ حبيبَها الذي في الأَرض. فإذا كان قد رقَّى أَحدَ سيَّالاته فأصبحَ في مستوى هذا الفردوس وجاذبيَّته، فإذْ ذاكَ فقط يُمكنُ سيَّالَه الروحيَّ أن يلجَ الفردوسَ في أثناء حُلمه، فيجتمع مع مَن تُحبُّه مدَّةً مُعيَّنةً ثمَّ يعود إلى الأَرض حالما يستيقظ.

       و”الحلم الذي يراهُ الحالِمُ في عالَم الأَرض لمُدَّة دقائق، يحياهُ في عالَم الفردوس هذا أعوامًا عديدةً وسنينَ مديدة.“

       وحالَما صمتَ سوديام، شعرَت جوداميا أنَّه سيستيقظ في عالَم الأَرض، فقطعَت بسَيف النور السيَّالَ المُتَّصلَ بجسده، فإذا به يجدُ نفسَه في الفردوس البهيِّ ثانيةً، ليحيا فيه زمنًا مديدًا.

       وأُتيحَ لسوديام أن يرى جثمانَه في الأَرض، وأن يشهدَ المأتمَ الذي أُقيمَ له.”وقد أُعطِيَ بعد انفصامِ سيَّاله عن جسده المعرفةَ الروحيَّة، فتكشَّفَت له حقيقة “ الكهنة البشعة وفضائحُ البشر وقبائحُهم.

        وفورَ عودته إلى الفردوس البهيّ، ”هرعَت جوداميا إلى بُحيرة النسيان، وطلبَت منه الاغتسالَ بمياهها المقدَّسة، ففعَل، وإذا به ينسى ما شاهَدَه في أثناء الاحتفال بمراسيم دفنه. كما نسِيَ أنَّه ماتَ وانتقلَ إلى عالَم الفردوس. نسِيَ كلَّ ذلك لكي لا يتعذَّبَ نفسيًّا من توارُد أفكاره المُخيفة، عندما يتذكَّر ما شاهدَهُ من خَتْل البشر واحتيالهم، ومن فُسق النساء وتدنيسهنَّ لشرفهنَّ ...

       ”وظنَّ سوديام أنَّه خُلِقَ في هذا العالَم الفردوسيّ، بعدما نسِيَ أنَّه كان في عالَم الأَرض، مثلما يظن كلُّ بشريّ أَنَّه وُلِدَ في عالم الأَرض، ولم يسبقْ ولادتَه أيُّ وجودٍ له، غيرَ عالِمٍ أنَّه كان في عالَمٍ آخر غير العالَم الذي وُلِدَ فيه، ولكن بمُجرَّد ولادته ينسى كلَّ شيء عن عالَمه الذي غادرَه، وذلك لحكمةٍ أَرادَها الخالقُ للخلائق.“ [57]

 

سادسًا - كوكبُ الطُّمأنينة السعيد:

       هذا الكوكبُ يذكرُهُ الهادي الحبيب في قصَّة”حُلُم مَهيب رهيب“[58] الذي تكشَّفَت له وقائعُه في رؤيا مُلهمة. وموجَزُ القصَّة أنَّه يرى نفسَه يجوبُ”الأوقيانوسات الفضائيَّة... مأخوذًا بما يُشاهدُه من مُكوَّناتٍ إلهيَّةٍ مُذهلة... “ وكانت سُرعتُه”مُضاعفة مرارًا عن سُرعة النور.“ أخيرًا وجدَ نفسَه في”كوكب الطمأنينة السعيد“ الذي لا تغيبُ شمسُه، وفوجئَ بغادةٍ جمالُها”فوق الوصف البشريِّ المحدود،“ فأسرَهُ حبُّها.

        من خصائص الطبيعة والحياة في هذا الفردوس النِّقاط التالية:

أ - يمتازُ بوجود”شجرة هائلة الضخامة، مُترامية الأَطراف، أغصانُها الخضراءُ تُعَدُّ بمئات الآلاف. وكانت هذه الدوحةُ الباديةُ الجبروت تحملُ آلافَ الأَنواع من جميع ما خلقَه الباري -جلَّت قدرتُه- من الفواكه التي توجَدُ في كوكب الأَرض... أمَّا ارتفاعُها فحَدِّثْ عنه ولا حَرَج... وكلُّ غصنٍ منها يحملُ نوعًا من الفاكهة الأَرضيَّة... وكانت طيورُ الأَرض بأسرها تتنقَّلُ على الأَغصان... كلُّ نوعٍ منها معًا... “

ب - الانتقالُ في الكوكب وإلى أغصانِ دوحته العجيبة يكونُ بمجرَّد التفكير فيه.

ج - اكتمالُ الحبّ يكونُ بتحوُّل المُحِبِّ إلى سيَّالٍ روحيّ تخترقُ أشعَّتُه الشخصَ المحبوبَ وتندمجُ بكيانه. وثمرةُ الحبِّ تكونُ بتجسُّد طفلٍ ينفصِلُ عن أُمِّه مع والده إذا كان حبُّ الرجل لزوجته يفوقُ حبَّها له، وبتجسُّد طفلةٍ تنفصلُ عن أبيها مع والدتها إذا كان العكسُ حاصلاً؛ أمَّا إذا كانا مُتساويَين في التحابّ، فيتجسَّدُ طفلٌ وطفلة. وهذا ما حصلَ في هذه القصَّة.

د - لا يندمجُ الرجلُ إلاَّ بسيَّاله الذي يكونُ قد أوصَلَه سابقًا إلى هذا الفردوس. وكذلك المرأة. ويقولُ الهادي الحبيب مُعلِّقًا:”هذا ما عناهُ السيِّدُ المسيحُ عندما قال: ’لهذا يتركُ الرجلُ أباهُ وأُمَّه ويندمج بامرأته.‘ “

ه - المعرفةُ والقُدرةُ الخارقتان تشملانَ سُكَّانَ هذا الكوكب. فكلٌّ منهم بإمكانه أن”يحصلَ على كلِّ ما يتمنَّاهُ فورَ إبدائه رغبته بذلك،“ سواءٌ كانت رغبتُه في بناءِ قصرٍ عظيمٍ من الجواهر أم في بَسطِ حديقةٍ عجيبة الأزهار والثمار، أو في نَشر الفراش والطيور البديعة الألوان في الفضاء، أو بَعثِ موسيقى خلاّبة...

       ومن هذا الكوكب السعيد أمكَنَ الهادي الحبيب أن يرتقيَ بروجَ السماء برفقة سيَّاله المُتجسِّد غادةً فردوسيَّةً،‎ ويصلُ إلى”كوكب الأَنبياء العِظام.“[59]

        إضافةً إلى هذه الكواكب الستَّة البارزة في قِصَص الهادي الحبيب، يجدرُ بالذكر أسماءُ سبعة كواكب أُخرى ذُكِرَت في كتاباته دونما تفصيل لصفاتها وخصائصها، وهي:

أ - كوكبُ المتاهة الكبرى ذو الطبيعة الخلاَّبة. تقطنُ فيه مؤَقَتًا السيَّالاتُ الروحيَّةُ التي لم يمضِ على موتِ أصحابها أكثرُ من عام، ولم يتجسَّدوا بعد في الكوكب الذي يستحقُّونه، شرطَ أن تكونَ درجةُ سيَّالاتهم مُلائمة لدرجة الكوكب الروحيَّة.[60]

ب - جزيرةُ الأَحلام السعيدة”المُجاورة للمجرَّة... هذه الجزيرةُ الغارقةُ في الطمأنينة والهاجعة في سكينةٍ عجيبة، والراتعة أبدًا في نعيمٍ مُقيم.“[61]

ج - كوكبُ النور الوضَّاء المُجاوِر للسُّدُم”حيثُ تقطنُ أرواحُ عباقرة الموسيقيِّين الذين تركوا لعالَم الأَرض تُراثًا إلهيًّا من الأَنغام، تفنى الأَجيالُ دونَ أن يزولَ خلودُه المُستمَدُّ من السماء.“ من سُكَّانِ هذا الكوكب الذين ذكرَهم الهادي الحبيب بتهوفن، وفاجنر، وشوبان، وكْريك، وليسْت، وبرليوز، وجان سيبستيان باخ، وأُوفِنباخ، ومِندِلسون، وشومان، وهَندِل.[62]

د - كوكبُ الخلود الباهر”حيثُ تقطنُ أرواحُ الأُدباء والشعراء.“ وقد ذُكِرَ منهم اسم لامرتين.[63]

ه - كوكبُ الفتنة والبهاء الذي هبطَت منهُ مُمتاز مَحَلّ ثمَّ عادَت إليه بعد وفاتها. ومُمتاز مَحلّ فيها سيَّالٌ من فينوس.[64]

و - مدينة الأَحلام التي هي ما وراء المجرَّات والسُّدُم، وفيها”جنَّةُ الحب“ّ التي لا مثيلَ لفتنتها الطبيعيَّة.[65]

ز - جنَّةُ جنَّات الخُلد السعيد حيثُ”الأُولَمب المقدَّس... والبارناس المُذهِل الفتنة.“[66]

***

ومِمَّا عرفتُه من الهادي الحبيب أنَّ من العوالم العُلويَّة ما تكونُ كائناتُه سيَّالاتٍ من العطور، أو سيَّالاتٍ من الأَنغام تتعايشُ وتتحاكى، ولها إدراكُها ومشاعرُها ونزعاتُها وأنظمتُها الروحيَّةُ الخاصَّة.

       ومن السيَّالات العُلويَّة ما يُشكِّلُ نجومًا وضَّاءةً أو كواكبَ سيَّارة أو أقمارًا. فقد رأى الهادي الحبيب نفسَه في رؤيا مُلهَمة وقد تشكَّلَ كوكبًا وضَّاء.[67]

       ومن الكواكب ما لهُ مَهمَّاتٌ خاصَّةٌ يتفرَّدُ بها. وهي تمتازُ بعضُها عن بعض.[68] فالقمرُ، مثلاً، درجتُه الروحيَّة ثلاث، في حين أنَّ الشمسَ درجتها الروحيَّة خمس؛ علمًا بأنَّ الدرجةَ الروحيَّةَ تعني درجةَ المثال الروحيّ الحقيقيّ للكوكب في العوالم الروحيَّة، إذْ إنَّ القمرَ والشمسَ هما أشبهُ بظلَّين للقمر الروحيِّ والشمس الروحيَّة. وعمرُ الشمس بضعة بلايين من السنين. يقول الهادي الحبيب:

      ”عجِبْتُ للشمسِ كيف لم يُدركْها التعبُ وتُصَبْ بالمَلَل،

      فمنذُ بلايين الأَعوام تسطعُ بأنوارها علينا دونَ كَلَل.“ [69]

       وما ذكرَهُ مؤَسِّسُ الداهشيَّة عن عُمر الشمس يؤَكِّدُه العلم.[70] وهو يُناقضُ ما كانت تؤَكِّدُه الكنيسةُ الكاثوليكيَّة وغيرُها من الكنائس من أنَّ الشمسَ -كالأَرض- كُوِّنَت منذُ 4004 أعوام قبل المسيح.

       وللشمسِ مهمَّةٌ روحيَّةٌ خاصَّةٌ علاوةً على مُهمَّتها الحيويَّة التي اكتشَفَها العلمُ البشريّ،[71] وهي أنَّها تُسجِّلُ أحاديثَ الناس وتُصوِّرُ أعمالَهم وتختزنُها وتُرسلُها إلى عالَمٍ خاصّ لتكونَ شاهدةً عليهم في يوم الحساب.[72]

       وقد علمتُ أنَّ في الشمس كما في سائر النجوم كائناتٍ عاقلة تأتلفُ طبيعتُها مع طبيعة الأَجرام الوضَّاءة.

***

       أمَّا أعمارُ الكائنات العُلويَّة القاطنة في الفراديس فتبدأ بما يُعادلُ ألفَ عامٍ أرضيّ، وتزدادُ تدريجيًّا مع ارتقاء الدرجات الروحيَّة حتَّى تصلَ إلى ما يُعادلُ مليونَي عامٍ أرضيّ في الدرجة العُلويَّة المئة والخمسين مثلما في العالَم الذي تحيا فيه شخصيَّةُ الهادي الحبيب الستّمئة.

       كذلك فالمعرفةُ تزدادُ رُقيًّا بازدياد ارتقاء السيّالات في الدرجات الفردوسيَّة، لكنَّها تبقى مُقَيَّدةً غير مُطلَقة ما دامت في عوالم الأَحياء المادِّيَّة بدرجاتها النعيميَّة المئة والخمسين جميعها. مثالُ ذلك أنَّ لامرتين القاطن في “كوكب الخلود الباهر” يقولُ وهو يُودِّعُ (أحلام) القاطنة في”جزيرة الأحلام السعيدة“:”نعم، سيرحلُ حُلمُنا عن جزيرة الأَحلام، ولا يعلمُ إلاَّ اللـّه متى تكونُ ساعةُ عودتها إلى جزيرتها...“[73] وانحصارُ علمِ ذلك في اللّه -عَزَّ وجَلَّ- يعودُ إلى أنَّ هبوطَ سيَّال أحلام إلى الأَرض سيُعرِّضُه إلى شتَّى التجارب البشريَّة، وستكونُ أحلام مُتمتِّعة بملءِ الحرِّيَّة والاختيار بين التغلُّب عليها أو السقوط في أشراكها، ثمَّ بحسب درجتها الروحيَّة التي ستبلغُها في الأَرض عند وفاتها، سيكونُ العالَمُ الذي ستستحقُّ الذهابَ إليه. وفي كلِّ عالَمٍ تتجسَّدُ فيه ستعودُ فتخضع لتجارب الكوكب... فثَمَّةَ سلسلةٌ من الحَيَوات التي ستعيشُها وتتفاعلُ سيَّالاتُها في أثنائها مع سيَّالات الكائنات الأُخرى دورًا بعد دور، الأَمرُ الذي يقتضي علمُه معرفةً شاملةً مُطلَقة، وهذه لا يبدأُ ظهورُها إلاَّ في العوالم الروحيَّة حيثُ السيَّالاتُ امتداداتٌ للذات الإلهيَّة العُظمى التي لا يُقيِّدُها أيُّ قَيدٍ مادِّيّ، أي زمانيّ ومكانيّ.

       وبازدياد المعرفة الروحيَّة مع الارتقاء التدريجيّ في درجات الفراديس، تزدادُ القدرةُ الروحيَّة. فبينما تقومُ القُدرةُ في الدرجات النعيميَّة التي تضمُّها دائرةُ النور الصُّغرى على تطويرٍ هائلٍ للأجهزة العلميَّة وعلى اختراعاتٍ مادِّيَّةٍ مُذهِلة، تُصبحُ القُدرةُ في الدرجات النعيميَّة التي تشتملُ عليها دائرةُ النور العظمى قائمةً على قوَّة السيَّالات الروحيَّة الذاتيَّة. فإذْ ذاك تَصَوُّرُ الشيء مع الرغبةِ في إيجاده يُكوِّنان الشيء، سواءٌ أكان قصرًا عجيبًا أم غابةً أخّاذة أم سربًا من الطيور أم غير ذلك، مثلما مرَّ في أثناء الكلام على”كوكب الطمأنينة السعيد“.

       وقياسًا على هذه القدرة الخارقة التي تتمتَّعُ بها كائناتٌ عُلويَّةٌ ما تزالُ في نطاق الكون الماديّ، يُمكنُ القارئ أن يتخيَّلَ عظمةَ القدرة التكوينيَّة التي تتمتَّعُ بها الأَرواحُ القدسيَّةُ الإلهيَّة.

       واستنادًا إلى المعرفة والقُدرة شبه الإلهيَّتَين اللتَين تمتازُ بهما كائناتُ الدائرة النورانيَّة العُظمى، فإنَّ أربابَ العوالم في هذه الدائرة أو أرباب القوى الطبيعيَّة الكونيَّة أو القوى الروحيَّة المُتخصِّصة المختلفة كالموسيقى والأَدب وسائر الفنون أو أرباب المهمَّات الكُبرى المصيريَّة كمُحاكَمَة الموتى -يسوغُ أن يُطلَقَ عليهم اسمَ “الآلهة” مجازًا. وفي هذا الضوء يُمكنُ أن تُسمَّى شخصيَّاتُ الهادي الحبيب القاطنة في دائرة النور العُظمى”آلهة“ بالمعنى المجازيّ.[74] وبالمعنى المجازيِّ نفسِه ذكرَ مؤَسِّسُ الداهشيَّة أنَّ بنديا هي إلاهةُ الموتى في”كوكب المتاهة الكبرى“، وأنَّ ماساتي حبيبها هو المُولَّج بمحاكمة سيَّالات الذين بلغوا هذا الكوكب،[75] كما ذكر أسماء آلهة وإلاهات معروفة في الميثولوجيا القديمة.[76]

       بهذا أختمُ الكلامَ على العوالم العُلويَّة المجيدة لأُتابعَه على العوالم السُّفليَّة الشقيَّة.

 


[1] انظُر غازي براكس: الدكتور داهش الأَديب المُعجِز: مُقارَنةٌ بين كتابَين عملاقَين “جحيم داهش” و “جحيم دانتي” (دار النِّسر المُحلِّق، بيروت، 1981)، ص 22-23 .

[2] انظُر سِفر التكوين 1: 1-19 . الداهشيَّةُ تعتقِدُ أَنَّ الوَحيَ الروحيَّ كان في أَساسِ سِفْر التكوين، لكنَّ التحريفَ طرأَ عليه في سِياقِ العصور. انظُر الفصلَ السابعَ عشرَ من هذا الكتاب.

[3] “الجحيم” بمعنى مقرّ الموتى ترجمةٌ للكلمة العِبِريَّة “شئول” Sheol وللكلمة اليونانيَّة “هادِس” Hades؛ وبهذا المعنى استُخدِمَت أَغلَب الأَحيان في أَسفار العهد القديم. انظُر على سبيل المِثال سِفْرَ التكوين 37: 35؛ وسِفرَ العَدَد 16: 20-33 .

[4] درَجَ كُتَّابُ العهد الجديد على استخدام كلمة “جهنَّم” بَدَلَ كلمة “جحيم”. انظُر متَّى 5: 22 و 29 و 30؛ 18: 8 و 9؛ مرقُس 9: 43 و 46؛ لوقا 12:5؛ رسالة يعقوب3: 6. ولفظةُ “جهنَّم” مُقتَبَسةٌ من الكلمةِ العِبريَّة “جيهنُّوم” التي تعني “وادي هِنُّوم”؛ وهذا الوادي كان يقعَ جنوبيَّ غربيِّ مدينة القُدس (أُورشليم)، وفيه كان يُحرَقُ الأَطفالُ قرابينَ للإله الوثَنيّ مُولُك، فسُمِّيَ مكانُ الهلاك باسمِه (سِفْر يشوع 15: 8؛ 18: 16؛ سِفرُ الملوك الثاني 23: 10).

[5] أَطلَقَ القرآنُ تسمياتٍ مُختلفة على الجحيم؛ منها الهاوية والسعير ولَظى وسَقَر والحُطَمَة والنار وجهنَّم. انظُر سورة القارعة:8-11؛ الملك: 5؛ المعارج: 15-18؛ المُدَّثِر: 26 و 30؛ الهُمَزة:4-9؛ التحريم: 6؛ سورة ق: 30 إِلخ.

[6] انظُر سِفرَ التكوين 3: 22-24؛ كورنثس الثانية 12: 4 . لكنَّ السيِّدَ المسيحَ وهو على الصليب استَخدَمَ كلمة “الفردوس” بمعناها الحقيقيّ. (انظُر لوقا 23: 43).

[7] سورةُ آل عمران: 133؛ انظُر أَيضًا سورة الحديد: 21 .

[8] كثيرةٌ هي الآياتُ القرآنيَّة التي ترِدُ فيها الكلماتُ المذكورةُ مُنتثرة. من أَهمِّها: “أُولئكَ المُقرَّبون في جنَّات النعيم، ثُلَّةٌ من الأَوَّلين وقليلٌ من الآخِرين، على سُرُرٍ موضونة مُتَّكئينَ عليها مُتقابلين، يطوفُ عليهم وِلدانٌ مُخَلَّدون بأَكوابٍ وأَباريقَ وكأسٍ من مَعين لا يُصَدَّعونَ عنها ولا يُنزِفون، وفاكهةٍ مِمَّا يتخيَّرون، ولحمِ طيرٍ مِمَّا يشتهون؛ وحُورٌ عِيْنٌ كأَمثالِ اللؤلؤ المكنون جزاءً بما كانوا يعملون.” (سورة الواقعة: 10-24)؛ كذلك: “مَثَلُ الجنَّة التي وُعِدَ المُتَّقونَ فيها أَنهارٌ من ماءٍ غير آسِنٍ من لبَنٍ لم يتغيَّر طعمُه، وأَنهارٌ من خمرٍ لذّةٍ للشاربين، وأَنهارٌ من عسَلٍ مُصَفًّى، ولهم فيها من كلِّ الثمَرات ومغفرةٌ من ربِّهم” (سورة مُحمَّد: 15).

[9]من أَهمِّ الرُّؤى والتخيُّلات التي شاعَت بعد نشأَة المسيحيَّة مِمَّا يشتملُ على وصف النعيم أَوالجحيم وأَحيانًا المطهَر (مقرّ تطهير النفوس المؤَقَّت) رُؤَى بطرس الرسول، وبولس الرسول، وغوريغوريوس الكبير Gregory the Great، وفرسيوس Furseus، ودرَيثلم Drythelm، وويتّي Wetti، وسانت بْرندان St. Brendan، وشارل السمين Charles the Fat، وسانت باتْريك St. Patrick، وتندال Tundale، وناسك إِيفشام The Monk of Evesham، وثوركِلْ Thurkill ثمَّ تخيُّلات دانتي أَليغايري في “الكوميديا الإِلهيَّة”، وهي تُعتَبَرُ أَهمَّها. انظُر:

Eileen Gardiner, Visions of Heaven and Hell before Dante, N. Y. , Italica Press, 1989.

كذلك غازي براكس: الدكتور داهش الأَديب المُعجِز: مُقارَنة بين كتابَين عملاقَين -“جحيم داهش” و “جحيم دانتي”. كما تحسنُ مُراجعةُ الكتب التالية، وهي دراساتٌ تاريخيَّةٌ عن النعيم والجحيم:

Colleen McDannell & Bernhard Lang.Heaven: A History, Vintage Book ( Random House), N.Y., 1988.

Bernstein.The Formation of Hell, Cornell University Press, Ithaca & London, 1993.

Alice Turner.The History of Hell, Harcourt Brace & Co, 1993.

أَمَّا الأَدبُ العربيّ فأَهمُّ ما ورَدَ فيه من أَوصافٍ للنعيم والجحيم نلقاهُ في “رسالة الغُفران” و “رسالة الملائكة” لأَبي العلاء المعرِّي، وقصَّة المِعراج، وكتاب “التوهُّم” للحارث بن أَسد المحاسبي، و“يوم القيامة” لرسلان البنبي، وقصيدة الزَّهاوي المُطوَّلة “ثورة في الجحيم”.

[10] صورةُ الكون الحديثة لم تبدأ خطوطُها العريضة بالاتِّضاح إِلاَّ مع غاليلِه في القرن السابع عشر؛ أَمَّا خطوطُها الدقيقة فلم تبدأ الإِشارةُ إِليها إِلاَّ في القرن العشرين، وهي آخذةٌ بالاتِّضاح أَكثرَ فأَكثر.

[11] أَعني كثافات الطاقة التي هي نهاياتُ اللطافة المادِّيَّة والتي منها تتركَّبُ كلُّ ذرَّة. وقد أَفضَتِ الأَبحاثُ العلميَّةُ إِلى أَنَّ ذرَّةَ الهدروجين، مثلاً -وهي أَبسَطُ العناصر المادِّيَّة- تتكوَّنُ من 12 جُزَيئًا: 6 جُزَيئات سُمِّيَت “كْوارْكس” Quarks (وكان الفضلُ الأَو لُ في ذلك للعالِمِ الفيزيائيّ موراي جيلمان Murray Gell-Man الذي نالَ جائزة نوبل على عمله عام 1969)؛ ثلاثٌ منها تُكوِّن البروتون، وثلاث أُخرى تُكوِّن النوترون - و”الكواركس” ذاتُ تفاعُلاتٍ نَوَوِيَّةٍ قويَّة؛ و6 جُزَيئات أُخرى ذاتُ تفاعُلاتٍ ضعيفةٍ سُمِّيَت “لِبْتَنْز” Leptons، وهي تشتملُ على الإِلكترونات. وقد سُمِّيَت “الكواركس” الستَّة: Up، Down، Charm، Strange، Top، Bottom. وقد أَمضى العلماءُ سنواتٍ كثيرةً وهم يُحاولونَ التحقُّقَ من وجود “الكوارك” المُسمَّى، Top Quark حتّى أُعلِنَ عن اكتشافه في أَواخر نيسان عام 1994 . (انظر: New York Times, April 26, 1994, p. A1). لكن هل هذه الجُزَيئاتُ الاثنا عشر هي المُقوِّماتُ النهائيَّة الأُولى لكلِّ ذرَّةٍ مادِّيَّة? أم ثَمَّةَ ما هو أَلطفُ منها؟

[12] يُقدِّرُ علماءُ الفَلَك أَنَّ الكونَ يضمّ بلايينَ المجرّات، وأَنّ كلَّ مجرَّةٍ تضمُّ بلايينَ النجوم، بصورةٍ عامّة؛ ومن النجومِ ما هو أَكبرُ جدُّا من شمسنا، ومنها ما هو أَصغر، ومنها ما تفوقُ حرارتُه حرارةَ الشمس ملايينَ المرّات، ومنها ما هو أَضعفُ حرارة. انظر:

Burnham’s Celestial Handbook, Vol. 1 (Dover Pub,N.Y. ,1978), pp. 13-97.

[13] يُقدِّرُ علماءُ الفلك أَنَّ التكوينَ المادِّيَّ الأَوَّلَ حدثَ منذُ زمنٍ يتراوَحُ بين 10 بلايين و 15 بليون سنة؛ وقد سمَّوا هذا الحدثَ بالانفجار الكبير Big Bang. وكان لروجر بنروز R. Penrose وسْتيفن هوكنغ S. Hawking فَضلُ إِثباتِ هذه النظريَّة سنة 1970 . ومع بداية هذا التكوين المادِّيّ بدأَ الزمن. والعِلمُ عاجزٌ عن البحثِ في ما هو قبل هذا التكوين المادِّيّ لأَنَّه يستحيلُ أَن يقعَ تحت مُلاحظاته وتجاربه. انظر:

Stephen Hawking. A Brief History of Time (Bantam Books, New York,1988), pp. 8-9, 46-47, 50.

[14] كثيرًا ما يكتشفُ العلماءُ آثارَ الحياة العُضويَّة في النيازك والشُّهُب التي تسقطُ إِلى الأَرض من الفضاء الخارجيّ. وعام 1986، اكتشفَ العلماءُ وجودَ مُركَّباتٍ عُضويَّةٍ في مُذَنَّب هالي Halley، كما عثروا على حوامضَ دهنيَّةٍ وأَمينيَّةٍ مِمَّا تقومُ عليه البروتينات في بعض الرُّجُم الساقطة إِلى الأَرض. حتّى إِنَّ بعضَ العلماء يفترضونَ أَنَّ بذورَ الحياة الأَرضيَّة إِنَّما أَتَتها من خارج فضائها، ورُبَّما من حضارةٍ مُتفوِّقةٍ خارج مجرَّتنا. انظر:

Time-Life Editors, Life Search (Alexandria, VA, 1988), pp. 44-45, 60-61.

[15] عشراتٌ همُ الفلاسفةُ والأُدباءُ والعُلماءُ الذين كانوا منذُ عهد طاليس يستَلهمونَ حدسَهم ومنطقَهم ليؤَكِّدوا أَو يُرجِّحوا وجودَ حياةٍ وكائناتٍ في كثيرٍ من الكواكب. حسبي أَن أَذكرَ منهم: لوكْريتيوس Lucretius (القرن الأَوَّل قبل المسيح) في قصيدته المُطوَّلة “في طبيعة الأَشياء” De rerum natura ، وفونْتنيل Fontenelle في كتابه “أَحاديث حولَ تعدُّد العوالم” mondes (1686) Entretiens sur la pluralite des، وهويكنز C. Huyghens (1629-1695( في مؤَلَّفه “النظرُ في الكون” Cosmotheoros، وإِيمّانويل كانط Emmanuel Kant (1724-1804) في “تاريخ الطبيعة العامّ ونظريَّة السماء” Allgemeine Naturgeschichte und Theorie des Himmels، وكميل فلاماريون C. Flammarion في كتابه “تعدُّدُ العوالم المسكونة” La Pluralite des mondes habites . انظر:

Biraud & J.-C. Ribes. Le dossier des civilisations extra-terrestres (Fayard, Paris, 1970), pp. 25-28.

[16] اكتشفَ العلماءُ حديثًا حشراتٍ وجراثيمَ وكائناتٍ حيَّةً أُخرى تعيشُ في القُطب الجنوبيّ. وقد تأَكَّدَ لهم أَنَّ دِبَبَةَ الماء (حيوانات مائيَّة صغيرة دقيقة) Tardigrades تستطيعُ العيشَ في بيئةٍ ترتفعُ حرارتُها حتّى 200 درجة فارنهايت أَو تتدنَّى إِلى 400 درجة تحت الصفر. كما اكتشفوا أَنَّه في قيعان المُحيطات، حوالى مسارب المياه الساخنة المُنبجِسة من جوف الأَرض والتي تبلغُ حرارتُها مئات الدرجات، تزدهرُ حياةٌ غنيَّةٌ من الديدان الأُنبوبيَّة الطويلة إِلى الحلازين إِلى أَنواعٍ من الأَسماك إِلى غيرها من أَشكال الحياة الغريبة والجراثيم التي تتحمَّلُ ضغطًا مائيًّا يبلغُ 8 أَطنان في كلّ إِنشٍ مُربَّع، أَي ما يُعادلُ أَلفَ ضعف ضغط الجوّ الأَرضيّ عندَ سطح البحار، وتعيشُ في بيئةٍ تصلُ حرارتُها أَحيانًا إِلى 700 درجة فارنهايت.

والجديرُ بالذ كر أَنّ مجموعاتِ الأَغذية في الأَرض تُحوِّلُها العُضويَّات الحيَّة إِلى أَنسجةٍ حيَّةٍ عن طريق الاستعانةِ بطاقة الشمس الإِشعاعيَّة، وهو ما يُعرَفُ بالتركيبِ الضوئيّ Photosynthesis. لكنَّ شبكةَ الأَغذية في قيعان المُحيطات المُظلمة بُنِيَت على الطاقة والإِمدادات المعدنيَّة المُستمدَّة من كيمياء المسارب المائيَّة الحارَّة ولا سيَّما مُركَّبات الكبريت. انظر المصدر السابق، ص66-73 . كذلك:

New York Times: Science Times, December 29, 1993; Novembert 16, 1993; November 2, 1993.

[17]New York Times, Oct. 4, 1994. p. C1: Drillers Find Lost World of “.Ancient Microbes”.

من سُخريات القدر أنَّ العلماءَ كانوا قد أدخلوا في تحديد خصائص الجرثومة المعروفة بالباسيل bacillus أنَّها لا تنشطُ إلاَّ في وجود الأُوكسجين، فإذا “الجراثيم الجحيميَّة” تنقضُ تحديدهم.

[18] حتَّى على الأَرض للحياةِ مظاهرُ كثيرةٌ لا ينطبقُ عليها تحديدُ الحياة المعروف. فدِبَبَةُ الماء Tardigrades تكونُ جامدةً كرُفات الأَموات، عندما تكونُ في حالةِ سُبات dormant؛ وإِذْ ذاكَ لا تنمو ولا تتمثَّلُ غذاءً ولا تُوَلِّد. والبِغالُ المعروفةُ لا تُنتِج إِذْ إِنَّها عقيمة. انظر: Time-Life Editors, Life Search , p. 61 .

[19] ذهبَ بعضُ العُلماء إِلى أَنَّ الحياةَ يُمكنُ أَن تنشأَ حيثُ ثمَّةَ مادَّة وطاقة يُمكنُ أَن تتفاعلا من أَجلِ إِنشاءِ نظامٍ مُعيَّنٍ في بيئةٍ مُعيَّنة. ورُبَّما تنشأُ الحياةُ في الصخور المصهورة وتُبنى على السليكون. وقد تكونُ ذاتَ أَشكالٍ هُلاميَّة plasma داخل النجوم نفسِها، بل قد تكونُ عضويَّات مُشعَّة تقطنُ في عجاج الغُبار الكونيّ ما بين النجوم. انظر:

Gerald Feinberg & Robert Shapiro, Life Beyond Earth, William Morrow, NY, 1980.

وفاينبرغ عالِمٌ في الفيزياء النظريَّة وأُستاذٌ في جامعة كولومبيا بنيويورك. وشابيرو أُستاذٌ في الكيمياء والتولُّد الوراثيّ في جامعة نيويورك.

[20] مرقُس 9: 42-43 . ومن أَقوال السيِّد المسيح: “إِنْ شكَّكَتكَ يدُكَ أَو رجلُكَ فاقطَعْها وأَلقِها عنك، فخيرٌ لكَ أَن تدخلَ الحياةَ وأَنتَ أَقطَع أَو أَعرج من أَن يكونَ لكَ يدان أَو رجلان وتُلقى في النار الأَبديَّة.” (متّى 18: 8).

[21] سورة الدخان: 43 . انظر أَيضًا الصافَّات: 62 والواقعة: 52 .

[22] سورة الرحمن: 15 . وفي سورة الحِجْر، الآية 27: “والجانّ خلَقناهُ من قبلُ من نار السّموم.” وفي القرآن أَنَّ الجنَّ كالبشر، فيهم المؤمنون والكافرون. ومع أَنَّ طبيعتَهم من نار، فهم يُعذَّبونَ كالبشر بالنار. من آياته: “ولقد ذرَأْنا لجهنَّمَ كثيرًا من الجنِّ والإِنس، لهم قلوبٌ لا يفقهون بها ولهم أَعيُنٌ لا يُبصرونَ بها ولهم آذانٌ لا يسمعونَ بها، أُولئكَ كالأَنعام بل هم أَضلُّ، أُولئكَ هم الغافلون" (الأَعراف: 179). وفي الفصل القادم سأعود إلى البحث في الجنِّ مفصَّلاً.

[23] يوحنَّا 14: 1-3 .

[24] سورة الشورى: 29 . والسموات، في الآية، تشملُ الأَجرامَ الفضائيَّة الكونيَّة جميعًا. والدابَّةُ هي كلُّ حَيّ فيه دبيبٌ وحركة. وكلمة “فيهما” تشملُ السَّموات والأَرض معًا.

[25] في المؤتمر الذي عُقِدَ في بورياقان بأَرمينيا السُّوفياتيَّة سنة 1971، وضمَّ أَكاديميَّات العلوم في الاتِّحاد السوفياتي والولايات المُتَّحدة الأَمريكيَّة، صرَّحَ أَحدُ العُلماء أَنَّه “قد يكونُ من جنون العَظَمة أَن نعتقدَ أَنَّنا الكائناتُ العاقلةُ الوحيدةُ في الكون.”

Patrice Gaston. Disparitions Mysterieuse: Le Cosmos nous Observe (Robert Laffont, Paris, 1973),p. 319.

وفي الواقع ينصرفُ علماءُ كثيرون في العالَم إِلى التقاط الإِشارات اللاسلكيَّة الصادرة من أَرجاء الكون المُختلفة، ويُحاولونَ تحليلَها ليُميِّزوا بين ما هو صادرٌ عن أَجرامٍ وأَحوالٍ طبيعيَّة وما هو صادرٌ عن أَجهزةٍ مصنوعةٍ تدلُّ على قدرةٍ علميَّةٍ فائقةٍ وراءَها. من المؤَسَّسات المُهتمَّة بذلك: SETI(Search for Extraterrestrial Intelligence) و META (Megachannel Extraterrestrial Assay).وما تقوم به وكالة الفضاء الأمريكيَّة القوميَّة.

وعام 1976 أُطلِقَت إِلى سطح المرِّيخ فايْكنغ Viking أُولى المركبات الفضائيَّة الباحثة عن الحياة خارج الأَرض. انظر:

Angelo JR.. The Extraterrestrial Encyclopedia (Facts on File Inc, NY, 1991), Art. Exobiology, Extraterrestrial Civilisations, Interstellar Contact, Mars, NASA, Panspermia, Seti.

انظر كذلك: New York Times, Oct.13, 1992, C1.

من بين العلماء الذين يؤَكِّدون وجودَ حياةٍ وحضاراتٍ في أَرجاء مُختلفة من الكونِ العلماءُ الأَمريكيُّون فْرانْك دونالْد دْرايْك F. D. Drake، وملفن كالْفِنْ M. Calvin الحائز جائزة نوبل، وكارْل ساغان C. Sagan، وأُوتو ستروف O. Struve، وفيليب موريسون P. Morrisson، كذلك الفرنسيَّان فرانسوا بيرو F. Biraud وجان كلود ريب J.C. Ribes، والسوفياتيَّان يوسيب شْكلوفسكي I. Chklovski، ونيقولاي كَرداشِف N. Kardachev .

[26] راجع الفصلَ السادسَ عشر: معجزات التجسُّد، في “معجزاتُ داهش في ضوء العقل والدين”. من تلكَ التجسُّدات تجسُّدُ شخصيَّات الهادي الحبيب الستّ، وتجسُّدُ كائنٍ هبطَ من أَحد الكواكب، وتجسُّدُ ندى التي وُلِدَت في الأَرض بعد 19 عامًا من تجسُّدها وزارَت الهادي الحبيب بالعُمر نفسِه، وكان الشُّهودُ عند تجسُّدها هم أَنفسهم عند زيارتها.

 

[27]انظر عددَ "اللواء" الخاصّ بالمرِّ يخ والقمر عام 1964.

[28]مع أَنَّ أَكثريَّةَ العُلماء الذين درسوا نتائجَ التحليلات التي أُجرِيَت في مُختَبَرات المركبة الفضائيَّة فايْكِنْغ رجَّحوا عدمَ وجود حياة في المرِّيخ، فإِنَّ جلبَرْت ليفن G. Levin رجَّحَ أَنَّ الحياةَ كائنةٌ على هذا الكوكب، وذلك استنادًا إِلى اختباراتٍ أَجراها في الأَرض عقبَ نتائج تحليلات فايكنغ. انظر:

Time-Life Edition, Life Search, p. 28.

[29] إِنَّ المادَّةَ البروتينيَّة التي هي أَساسيَّة في عمليَّة نُمُو الكائنات الحيَّة وإِصلاح أَنسجتها هي شبيكةٌ من سلاسل البِبْتايْد Peptides التي تتكوَّنُ بدورها من الحوامض الأَمينيَّة Amino Acids المترابطة بعضها ببعض بطرُقٍ مُختلفة. وفي الأَنسجةِ الحيَّة في الأَرض لا وجودَ إِلاَّ لحوالى 20 منها؛ لكن لا شيءَ يمنعُ أَن تكونَ مئاتٌ أُخرى من أَنواع الحوامض الأَمينيَّة موجودة في أَرجاءَ مُختلفة من الكون. كذلك فالحياةُ التي تقومُ في الأَرض على الكربون والهدروجين بدرجةٍ أُولى يُمكنُ أَن تقومَ على عناصرَ كيميائيَّة أُخرى، كالنيتروجين والسيليكون أَو الكبريت مثلاً. انظر المصدر الس ابق، ص 30-31 .

[30] يُقدِّرُ علماءُ الفيزياء الفلكيَّة أَنَّ المادَّةَ المُظلمة تؤَلِّفُ حوالى 90 بالمئة من مجرَّتنا كما من الكونِ كلِّه. واستنادًا إِلى هذه النسبة الهائلة، يرَونَ أَنَّهُ لا يسوغُ اعتبارُ الكَون المنظور -بملايين مجرَّاته المُشتمِلة على بلايين النجوم- هو القسمَ الأَهمّ من الكون. فربَّما يكونُ القسمُ المنظورُ من السُّدُمِ والمجرَّاتِ وسائر الأَجرام الفضائيَّة أَشبَهُ بمعالِم الطريق التي تؤَدِّي إِلى حقيقة الكون الخفيَّة.

لكن ما هي المادَّةُ المُظلمة؟ إِنَّ العُلماءَ ما يزالونَ حائرين أَمامَ سرِّها، فيهم يفترضونَ فيها شتَّى الافتراضات؛ ومن افتراضاتهم أَنَّها قد تكونُ من الجُزَيئات الأَصليَّة التي تتأَلَّفُ منها العناصرُ الماِّيَّةُ المعروفةُ، وهي جُزَيئاتٌ لا تُرى بالعين ولا تلتقطُها الأَجهزةُ الإِلكترونيَّة، وهم يُرجِّحونَ أَن تكونَ من الجُزَيئات الكمِّيَّة الضعيفة التفاعل WIMPS (Weakly Interactive Massive Particles) . انظر على سبيل المثال:

Trefil. The Dark Side of the Universe (Charles Scribuer’s Sons, N.Y.,1988), pp. 83-192.

Roger Taylor. The Hidden Universe, Ellis Horwood, N.Y., 1991.

Fred Alan Wolf. Parallel Universes, Simon and Schuster, New York., 1988.

ويُرجِّح جماعةٌ من العُلماء أَن يكونَ الكونُ بثُلثَيه مؤَلَّفًا من مادَّةٍ غريبةٍ عمَّا هو معروف. انظر مجلَّة:

, April 14,1994Nature.

[31] بسبَب غموض مفهوم “النَّعيم” في أَسفار العهد الجديد، التبَسَ معناهُ بمعنى “السماء” لدى اللاهوتيِّين المسيحيِّين. لذلكَ نزَّهوا النَّعيمَ عن المادَّة. غيرَ أَنَّ بولسَ الرسول تحدَّثَ عن “الأَجساد السَّماويَّة والأَجساد الأَرضيَّة” (الرسالة الأُولى إِلى أَهل كورنتس 15: 40)؛ وذكرَ يوحنَّا في رُؤياه “المدينة المقدَّسة أُورشليم نازلةً من السَّماء من عند اللّـه ولها مجدُ اللّه” (رؤيا 21: 9-27)، ومع ذلك نسَبَ إِليها صفاتٍ مادِّيَّةً لكن مَجيدة. كما ذُكِرَ في “الرؤيا” أَيضًا أَنَّ السيِّدَ المسيحَ يُعطي المُستحقِّين الغالبين الأَرض “كوكب الصُّبح” (رؤيا 2: 27). أَمَّا القرآنُ الكريم فقد أَضفى على جنَّات النَّعيم صفاتٍ ماِّيَّةً مَجيدة ذكرتُ أَهمَّها في ما سبق من هذا الفصل.

[32] لهذاا السبَب أَجابَ السيِّدُ المسيحُ مَن سأَلَه لأَيِّ من الإِخوة السبعة الذين ماتوا تكونُ المرأَةُ التي تزوَّجَتهم تِباعًا، يومَ القيامة: “أَنتُم في ضلالٍ لأَنَّكم تجهلونَ الكُتبَ وقُدرةَ اللّه، فلا الرجالُ في القيامة يتزوَّجون ولا النساءُ يُزَوَّجن؛ ولكن يكونونَ كالملائكة في السماوات.” (متّى 22: 29-30). والقيامةُ تعني هُنا بعثَ السيَّالات الصالحة مِمَّن ماتوا ودخولَها عوالَم النعيم.

والقرآنُ ذكرَ أَنَّ الذين يرتعونَ في جنَّات النعيم “لهم فيها أَزواجٌ مُطهَّرة” (سورة البقرة 25، والنساء 57، وآل عمران 15). و”المُطهَّرة”، هنا، لا تعني مُطَهَّرة من القذارة والَحيض فحسب -حسبما يذهبُ بعضُ المفسِّرين الدينيِّين- بل من شهوة الأُنثى الأَرضيَّة والتجربة الجنسيَّة البشريَّة أَيضًا.

[33] الدكتور داهش: قصائدُ مُجنَّحة (حدائق الآلهة)، ص 46-48 . وقد أُلهِمَ النبيُّ كتابتَها في بيروت، عند الساعة 11 قبل ظهر 12/4/1974 .

[34] يُقدِّرُ عُلماءُ الفَلَك أَن قُطرَ مجرَّتنا يبلغُ حوالى 100.000 سنة ضوئيَّة، وأَنَّ نظامَنا الشَّمسيَّ يقعُ على بُعد حوالى 30.000 سنة نوريَّة من وسط المجرَّة; علمًا بأَنَّ السنةَ النوريَّة تُعادلُ نحو5.900 بليون ميل أَو 9.500 بليون كلم أَو 63.000 وحدة فَلَكيَّة (بُعدُ الأَرض عن الشمس). انظُر على سبيل المثال:

Burnham, Burnham’s Celestial Handbook, Vol.1 (Dover Pub, New .York, 1978), pp. 13-97.

[35] ماري حدَّاد (1889-1973) أَديبةٌ ورسَّامةٌ لبنانيَّة، خلَّفَت عدَّةَ لوحاتٍ فنِّيَّةٍ معروضةٍ في “مُتحف داهِش” في نيويورك، وعدَّة مؤَلَّفات باللغة الفرنسيَّة. كانت رئيسة لنقابة الفنَّانين في لبنان. تعرَّفَت إِلى مُؤَسِّس الداهشيَّة هي وزوجها جورج وبناتها ماجْدا وآندره وزينا عام 1942، وسرعانَ ما آمَنوا به، بعدَ استماعهم إِلى تعاليمه الروحيَّة ومعاينتهم عدَّةَ مُعجزاتٍ تمَّت على يدَيْه. ولمَّا كانت ماري شقيقةً لِلُور، زوجة الرئيس اللبنانيّ بشاره الخوري (1943-1952)، ولمَّا كانت الرئاسةُ اللبنانيَّة، عهدئذٍ، خاضعةً لتأثير الإِكليروس المسيحيّ وخاصَّةً الكاثوليك، فقد تآمرَ رجالُ الدين الكاثوليك مع بشاره الخوري وزوجته وأَعوانهما على الضَّغط الشديد، أَوَّلاً، على ماري حدَّاد وأُسرتها، ليتخلَّوا عن إِيمانهم بالنبيِّ الجديد، ثمَّ على اضطهاد رجل الروح وأَتباعه اضطهادًا رهيبًا. وقد تسبَّبَ هذا الطغيان بسجنِ ماري أَشهرًا كثيرةً وبتعذيبها، كما باستشهاد ابنتها ماجْدا في 27/1/1945 انتحارًا احتجاجًا على اضطهاد النبيّ. أَمَّا زوجُها جورج (1886-1969) فقد عاشَ حياةً مُتقشِّفةً مُتواضعةً وصنَعَ نعشَه بيدَيْه. والدكتور جورج خبصا (تُوفِّيَ سنة 1969) عُرِفَ بثَباتِ إِيمانه وإِنسانيَّته وأَخلاقه المُثلى وجهاده أَيَّامَ الاضطهاد. وحليم دمُّوس سُجِنَ شهورًا كثيرةً في سبيل معتقده; ولم يثْنِهِ السَّجنُ والتهديدُ عن مُتابعة تبشيره بالرسالة المُقدَّسة في قصائدَ ومقالاتٍ كثيرةً كان ينشُرُها في الصُّحُف الحُرَّة في البلاد العربيَّة والمهاجر الأَمريكيَّة. راجع الفصلَين الثالث والرابع من الجزء الأَوَّل من “الكتاب الداهشيّ”. كذلك انظُر ماري حدَّاد “صواعقُ داهشيَّة” (مجموعةُ رسائلها وعرائضها وبياناتها أَيَّامَ الاضطهاد)، و”دفاعُ الرئبالة” (قصَّةُ محاكمتها); و “نهر الدموع” (مجموعةُ مراثٍ ووقائع كتبَها الدكتور داهش في خبصا)، وكتاب “الحمامةُ الذ بيحة أَو الشهيدةُ الأُولى ماجْدا حدَّاد” (يضمُّ كتاب “روح تنوح للدكتور داهش وهو مراثٍ فيها، ووقائع عن كفاحها واستشهادها ومراثيَ أُخرى). أَمَّا حليم دمُّوس فدراسةُ نجوى سلام براكس “حليم دمُّوس والاتِّجاهُ الروحيُّ في أَدبه” (دار النسر المُحلِّق، بيروت، 1984) نُعطي فكرةً شاملةً عن شعره وحياته.

[36] نُشِرَت في “ناثر وشاعر”، الجزء الثاني (دار النار والنور، بيروت، 1983)، ص 207-210 . و “ناثر وشاعر” يتأَلَّفُ من ثلاثة أَجزاء تضمُّ مختاراتٍ من كتُب الدكتور داهش نظمَها حليم دمُّوس شعرًا.

[37] انظر في “حدائق الآلهة” قطعة “شجرةُ معرفة الخير والشرّ” (التائه في بيداء الحياة، ص 87) و “قُبلةٌ تحملُ سعادةً أَو هلاكًا” (قصائدُ مُجنَّحة، ص 43) و “سعادة خياليَّة” (قيثارة الحبّ، ص 67)؛ وانظُر في “فراديس الإِلاهات” قطعة “سعادةٌ فشقاء” (يُنبوعُ السعادة، ص 68).

[38] انظر في “قِصَص غريبة وأَساطير عجيبة”، الجزء الأَوَّل، “وهبطَت فينوس إِلى الأَرض”، ص 170-171، الجزء الثاني، “مدينة الأَحلام”، ص 177، و“حُلُم مُذهِل”، ص 185، والجزء الرابع، “في جنَّة النعيم المُقيم”، ص 119-121 .

[39] الدكتور داهش: قيثارة الحبّ (حدائق الآلهة)، ص 26 .

[40] أَشعيا 65: 17-25 .

[41] أَشعيا 11: 6-9 .

[42] الدكتور داهش: قِصَصٌ غريبةٌ وأساطيُر عجيبة، الجزء الثاني، ص 224-226 .

[43] تقع قلعةُ بعلبكّ في سهل البقاع بلبنان.

[44] الدكتور داهش: قِصَصٌ غريبةٌ وأساطيرُ عجيبة، الجزء الأَوَّل، ص 212-217

[45] سِفْرُ التكوين: 5: 24 .

[46] سِفْرُ الملوك الثاني 2: 11 .

[47] سِفْر حزقيال 1-11 .

[48] سِفْرُ التكوين 6: 1-4 .

جميعُ الذين ترجموا الكتابَ المقدَّس أو درَسوه لم يفهموا هذه الفِقرة، حتَّى إنَّ كثيرين منهم ترجموا أبناء الآلهة بـ”أبناء اللّه”، وحسبوهم أبناء شيت، بينما حسبوا بنات قايين “بنات الناس”.

[49] في النصف الثاني من القرن العشرين وُضِعَت كتبٌ كثيرةٌ في لغاتٍ مختلفة عن ظهورٍ مُتكرِّر لمركباتٍ فضائيَّةٍ غير أرضيَّة . Unidentified Flying Objects (UFOS)

ابتداءً من عام 1947 . وقد أُقيمَت مؤَسَّساتٌ رسميَّةٌ لمُتابعة هذه الظاهرة الغريبة في عدَّة بلدان، منها الولاياتُ المتَّحدة وكنَدا، كما عُقِدَت عدَّةُ مؤتمَراتٍ علميَّةٍ للبحث فيها؛ لكنَّها جميعًا لم تتوصَّل إلى إصدار أيِّ بيانٍ علميّ جَماعيّ أو أيِّ بيانٍ رسميّ تأكيدًا لوجود المركبات الفضائيَّة الغريبة، باستثناء بيانٍ رسميّ أصدَرَتهُ الحكومةُ البلجيكيَّة، في ربيع عام 1990، عن ظهور مركبة فضائيَّة غريبة في سماء البلاد، بعد أن التقطَ الرادار وجودَها، كما طارَدَتها طائرتان حربيَّتان، لكنَّ المركبةَ الفضائيَّةَ اختفَت فجأةً من أمامهما كما توارَت صورتُها من على شاشة الرادار. انظر:

Time-Life Books Editors, Alien Encounters, 1992, pp. 80-81.

وبين شهود المركبات الفضائيَّة أسماءُ عسكريِّين كبار وأسماءُ سياسيِّين بارزين بينهم الرئيسان الأَمريكيَّان جيمي كارتر ورونالد ريغان الذي نُسِبَ إليه أنَّه صر حَ أمام الرئيس ميخائيل غورباتشوف بضرورة تعاوُن قُوَّات الولايات المتَّحدة والاتِّحاد السوفياتيّ فيما إذا حدثَ غزوٌ للأرض من قِبَل كائناتٍ غير أرضيَّة. انظُر:

Timothy Good. Alien Contact: Top-Secret UFO Files Revealed. (William Morrow & Co., N.Y., 1993), pp. 79-81.

والذين يهتمُّون بهذه الظاهرة الغريبة من جمعيَّاتٍ خاصَّةٍ ومُراقبين وباحثين يتَّهمون الحكومةَ الأَمريكيَّة بإخفاءِ معلوماتٍ تؤَكِّدُ هبوطَ مركباتٍ فضائيَّةٍ إلى الأَرض، في الولايات المتَّحدة نفسِها.

ومن مُراجعة أهمّ ما وُضِعَ من كُتُبٍ حول هذا الموضوع، يتَّضحُ أنَّ كثيرًا من الأَوصاف التي أطلَقَها الشُّهودُ على المركبات الفضائيَّة ورجالها مُطابقٌ لما ذكرَهُ مُؤَس \ِّسُ الداهشيَّة عنها وعنهم استنادًا إلى الوحي الروحيّ. فالمركباتُ، في الغالب، هي بشَكلِ أطباقٍ مُستديرةٍ أو بشكلٍ أُسطوانيّ مُستطيل، وهي ذاتُ سرعةٍ خارقةٍ، وتتمتَّعُ بالقُدرة على الاختفاء عند الضرورة. كذلك وصفَ الشهودُ رجال المركبات ونساءَها بأنَّهم قِصارُ القامات عادةً، وقد يكونون طوالاً، ولديهم قُدرةٌ على جَذبِ ما يُريدونَه من بشرٍ أو حيوانٍ أو غير ذلك إليهم، كما نَسبوا إليهم أنَّهم قاموا بتَلقيح عدَّةِ نساءٍ بشريَّات. لكنَّ الحقيقةَ الأَكيدةَ تضيغُ تفاصيلُها بين تخيُّلات الأُلوف من الشُّهود واختلاقاتهم أو هلوساتهم. انظُر المصدرَين السابقين، كذلك انظُر:

John Mack. Human Encounters With Aliens, C. Scribner’s Sons, 1994.

Whitly Strieber. Communion, Morrow, 1987.

Budd Hopkins. The Incredible Visitations at Copley Woods, Random .House, 1987.

Gary Kinder. Light Years, Atlantic Monthly Press, 1987.

[50] الدكتور داهش: قِصَصٌ غريبةٌ وأساطير عجيبة، الجزء الثاني، ص 107-116 .

موجَزُ القصَّة أنَّ العلاَّمة ماندال أخذَ يُفكِّرُ باختراعِ مركبة سرعتُها سرعةُ النور، ولكن تأكَّدَ له أنَّ ذلك مُحال، لأنَّ المركبة -إذا أمكنَ اختراعُها- سيكبرُ جرمُها ويتَّسعُ وفقًا لنظريَّة النسبيَّة، وبقَدرِ ما توغِلُ في البُعد سيزدادُ اتِّساعُها حتّى تملأَ الفضاءَ الكونيّ. فشرعَ، إذْ ذاك، يُفكِّرُ في طريقةٍ أخرى حتَّى اهتدى، بعد تجارب عشرة أعوام، إلى طريقةٍ كيميائيَّة يُحوِّلُ بها المادَّةَ إلى نور. فأجرى تجاربَه على عدَّةِ حيوانات، ثمَّ على خادمته، فوجَدَ أنَّها نجحَتْ في تحويلهنَّ إلى نورٍ محصور لا يتسرَّبُ إلى الفضاء ثمَّ في إعادتهنَّ إلى أشكالهنَّ الطبيعيَّة. بعدئذٍ طلبَ إلى خادمته أن تُجريَ التجربة عليه، ولكن بطريقةٍ جديدةٍ تهدفُ إلى انطلاقه، بعدَ أن يتحوَّلَ إلى نور، إلى رِحاب الفضاء. ونجحَت التجربة، فانطلَقَتِ الأَشعَّةُ “تجوبُ الآفاق، فمرَّت بكواكبَ وأفلاكٍ وسُدُمٍ ومجرَّاتٍ ومتاهاتٍ كونيَّةٍ مُذهِلة. واستمرَّت في انطلاقِها المُدهِش للعقول حتَّى بلغَت كوكب الماهيا هوبال. فقد كان هذا النورُ مُنسجمًا مع هذا الكوكب العظيم، وكانت جاذبيَّةُ الكوكب مُوافقة لهذا الإشعاع المُنطلِق من عالَم الأَرض، فجذَبَه إليه. وفورَ دُخوله إلى فلَكه، تجسَّدَ العلاَّمةَ مثلما تجسَّدَ الجهازُ أيضًا.” وأمضى ماندال عامًا كاملاً في هذا الكوكب، شاهدَ في خلاله كائناتٍ عجيبة، منها أشجارٌ تنتقل، ومنها أشجارٌ تحملُ عيونًا، وأُخرى ألسنة، وغيرها أيادي، وسواها أرجُلاً؛ ومنها فتاة ذاتُ عشر عيون ويدٍ واحدةٍ تنتهي بعشرين إصبعًا... كما اطَّلَعَ على طريقةِ حياة السكَّان، وطريقة سَكَنهم وأكلهم وشُربهم واستحمامهم وحُبِّهم وتوالُدهم. وعند انقضاء العام، عادَ إلى الأَرض بالطريقة الكيميائيَّة نفسِها، لكنَّه سرعانَ ما قضى نحبَه.

[51] إنَّ انهماكَ خادمة ماندال في تنقيبها عن مفعول الأَدوية وعدم اشتداد قلقِها على حياة العالِم يدلاَّن على أنَّه لم يغبْ عن نظرها إلاَّ بضعَ دقائق. فلو افترَضنا أنَّ غيابَه استَغرقَ ستَّ دقائق، فيكونُ العامُ الذي أمضاهُ ماندال في الكوكب يُقابلُ 6 دقائق أرضيَّة، أي تكونُ مدَّة العشرة آلاف عام التي يُمضيها في الكوكب من يُحرَقون في الأَرض تُقابلُ حوالى 42 يومًا أرضيًّا.

[52] المصدر السابق نفسُه، ص 85-90 .

[53] عند انطلاق السيَّال الروحيِّ من الأَرض في رِحاب الكون، تكونُ سرعتُه في الثانية تُعادلُ ما يقطعُه النورُ في 100.000 سنة. لكنَّ السيَّالَ الروحيَّ الذي ينتقلُ من كوكب “مدينة الأَنوار الساطعة” إلى كوكب إسمانديون تزدادُ سرعتُه عشرة أضعاف، فتُصبحُ مليونَ عامٍ نوريّ في الثانية الواحدة. وهذا يدلُّ على أنَّهُ في دائرةٍ نورانيَّةٍ سامية.

[54] عن الموت في “مدينة الأَنوار الساطعة” يقولُ الهادي الحبيب:

"سُكَّانُ هذه المدينة العجيبة لا يُمكنُ أيًّا منهم أن ينتحر؛ ولو ألقى امرؤٌ نفسَه من قِمَّةِ أيِّ جبلٍ شامخ، وهوى إلى الحضيض، لانتصَبَ واقفًا دونَ أن يُخدَشَ له ظُفر. فالموتُ لا يأتي أيَّ قاطنٍ في هذه المدينة حتَّى تنتهي أعوامُه الأَلف... فعندما يبلغُ المرءُ عامَهُ الأَلف يكونُ قد شاخ، وتوتَّرَت أعصابُه، وانحنى ظهرُه لِثِقَلِ الأَيَّام، وضعفَ بصرُه، واخشَوشَنَ صوتُه، وثقُلَت خطواتُه، وأخذَ يترنَّحُ يُمنةً ويسرة.

“وعندما ينقضي يومُه الأَخيرُ من عامه الأَلف، يتغيَّرُ فجأةً، فيولَدُ طفلاً رضيعًا، ويروحُ ينمو مع الأَيَّام، ويُعيد سيرتَه الأُولى، أي يحيا ألفًا من الأَعوام، ثانيةً، وبنهايتها يولَدُ مرَّةً أُخرى، وهكذا دواليك...

“وانقضى الأُسبوعُ الأَخيرُ، وأصبحَ عمرُ أسد اللّه 1000 من الأَعوام، وبانتهاء آخر دقيقة من عامه الأَلف اختفى أسدُ اللّـه بغتةً وهو جالسٌ مع زُمرةٍ من أصدقائه. فعرفوا بأنَّه قد وُلِدَ في كوكب إسمانديون ذي الأَشعَّة البنفسَجيَّة. فسُكَّانُ “مدينة الأَنوار الساطعة” علموا جميعًا بحبِّ بطلهم لـبهاء الربيع الفاتنة. فأُقيمَت الأَفراحُ بهجةً وحبورًا لولادته منها.

“وبالدقيقة نفسها التي توارى فيها جسَدُ أسد اللّه عن العيان، وَلَدَت بهاء الربيع طفلاً جميلَ الصورة متين التركيب. وفورَ ولادته أَطلقَ ضحكةً رنَّانةً عرفَتْ منها بهاءُ الربيع أنَه كان مُتلهِّفًا للُقياها” (المصدر السابق نفسُه، ص 88-89 ).

[55] المصدر السابق نفسه، ص 188-195 .

[56] المصدر السابق، ص 190 .

[57] المصدر السابق، ص 194-195 .

[58] الدكتور داهش: قِصَص غريبة وأساطير عجيبة، الجزء الثالث، ص 75-92.

[59]ذكَرتُ في الفصل السابق أهمَّ الوقائع والتعاليم الروحيَّة التي عرضَها النبيُّ الحبيبُ على لسان السيِّد المسيح في “كوكب الأَنبياء العِظام.”

[60] قِصَص غريبة وأساطيرُ عجيبة، الجزء الثاني، ص 70-72 .

[61] المصدر السابق، الجزء الأَوَّل، ص 29: “الحُلُمُ الهابطُ إلى أرض البشر”.

[62] المصدر السابق نفسه، ص 30-32 .

[63] المصدر السابق نفسه، ص 32-33 .

[64] المصدرُ السابقُ نفسُه، ص 162 و 170 و 172 . وفي الفصل السابع عشر سيُعالَجُ موضوعُ الميثولوجيا والحقيقة.

[65] المصدرُ السابق، الجزءُ الرابع، ص 120 : “في جنَّة النعيم المُقيم”. وقد ذكرَ النبيُّ أنَّهُ شاهدَ فيها فوته يُحتَفَلُ بعيد مولدها، وقد أحاطَ بها “سربٌ من بنات الغاب وقِيان الفردوس وعرائس الجداول. وكانت أفتنُهنَّ جمالاً تُنشدُها قصائد عجيبة الأَلحان...”

[66] الدكتور داهش: غاب البنَفسَج (سلسلة فراديس الإلاهات)، ص 110: “في عيد مولد غازي براكس.”

[67] الدكتور داهش: المُهنَّدُ الباتر (الدار الداهشيَّة، نيويورك، 1991)، ص 167.

[68] هذه الحقيقةُ أدركَها بولس الرسول إذْ قال: “مجدُ الشمسِ شيء، ومجدُ القمر آخر، ومجدُ النجوم آخر، لأنَّ نجمًا يمتازُ عن نجمٍ في المجد.” (رسالةُ بولس الرسول الأُولى إلى أهل كورنثوس 15: 41).

[69] المهنَّد الباتر، ص 180 .

[70] يُقدِّرُ العلماءُ أنَّ عمرَ الشمس -وبالتالي عمر المجموعة الشمسيَّة- حوالى أربعة بلايين ونصف البليون عام.”

[71] يُقدِّرُ العلماءُ أنَّ الشمسَ تُحوِّلُ، في كلِّ ثانية، أربعة ملايين طنّ من المادَّة إلى طاقة.

[72] من شَرح الملاك الرقيب لي. وقد قال الهادي الحبيب في أواخر قصَّة “الكونتينار وصناديقُه الـ25” (قصص غريبة وأساطير عجيبة، ج ،1 ص 156)، وذلك بلسان الشجرة: “إنِّي لا أستطيعُ التحدُّثَ بعدما أرسَلَت الشمسُ أنوارَها الساطعة، إذ إنَّها ابتدأَت بنَقلِ أعمال البشر وأحاديثهم، وكذلك الجماد، وهي تختزنُ ما تُصوِّرُهُ من أعمال وما تُسجِّلُه من أقوال، ليكونَ شاهدًا على الجميع عندما يأتي اليومُ الذي يُقدِّمُ فيه كلُّ مخلوقٍ حسابًا عن أعماله...” وقد جمعَ الهادي الحبيب مهمَّةَ الشمس الحيويَّة ومهمَّتَها الروحيَّة في قوله مُخاطبًا الشمس:

"إنَّكِ سيَّالٌ عُلوي يهبُنا الحياةَ ويبعثُ فينا الحيويَّة،

لولاكِ لَكانت أرضُنا ظلامًا دامِسًا،

ولولاكِ لاحتلَّت كُرتَنا ثلوجٌ أبديَّة،

ولولاكِ لماتَ كلُّ مخلوقٍ ذي نسمةٍ حيَّة،

ولأَصبحَت أرضُنا بلقعًا خرابًا وقفرًا يبابًا...

أيُّتها الشمسُ الدائبة منذُ بلايين السنين

على مَدِّنا بطاقَتِكِ الهائلة المُحيية...

إنَّكِ من أعاليكِ تُراقبين أعمالَنا، وتُصغينَ لأَقوالنا،

وتصبرين على جرائمنا، وتُشاهدين تهتَّكَنا وتبذُّلَنا...”

(آمالُنا أوهام، سلسلةُ فراديس الإلاهات، “أيُّتها الشمس”، ص 46-47.)

[73] الدكتور داهش: قِصَص غريبة وأساطير عجيبة، الجزء الأَوَّل، ص 33 .

[74] من شرح الهادي الحبيب لي. مثالُ ذلك ما يقولُه الهادي الحبيب في أثناء كلامه على الموسيقى: “إنَّها إكسيرُ الآلهة، الأَرباب العظامِ الراتعين في الفردوس.” (قِصَصٌ غريبة وأساطير عجيبة، ج 1، ص 31 .

[75] المصدر السابق، ج 2، ص 71 .

[76] أسماءُ الآلهة والإلاهات المعروفة في الميثولوجيات القديمة، ولا سيَّما اليونانيَّة والرومانيَّة (نسبةً إلى روما) والمصريَّة، مبثوثة في كثيرٍ من مؤَلَّفات النبيِّ الحبيب القَصَصيَّة والوجدانيَّة. وسيُعرَضُ رأيُ مُؤَسِّس الداهشيَّة في مدى صحَّة الميثولوجيا في الفصل السابع عشر.

  Back to التعاليم الداهشيَّة بقلم الدكتور غازي براكس 

Developed by Houssam Ballout        Copyright 2019 This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.nfo All Right Reseved This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.