حديث بين زهرتين
كان أصيص زُرعت فيه زهور صفراء موشاة بنقط حمراء؛ وقد وُضع على طاولة بصالون المنزل. وجلس عشرون شخصًا بين رجلٍ وامرأة يتحدثون بشتى الشؤون والشجون.
وإذا بعادلة تشكو دنياها وتتأسف على ماضيها...
وقالت أوديت: "الحياة كلها شقاء، فهي غارقة بالعناء، وليس فيها ما يسرُّ المرء ويشرح خاطره...".
وأعلنت توفيقه أن الحياة بمشاغلها وما تحويه من بؤسٍ مُقيم هي مُملة ومتعبة.
وقال حسن: "بالأمس كدتُ أفقدُ حياتي، إذْ مرت رصاصة أمام أذني! فلو أصابتني لكنتُ الآن في عالمٍ آخر".
وراح كل منهم يشكو أيامه، وينحي باللوم على دنياه وما تزخر به من شقاء وتعاسة... فليس فيهم إلا كل شاك وباك، وليس من أحد سعيد!...
وقال يوسف: "كلكم تشكون ما أصابتكم به الأيام من شرور وويلات..." وأكمل قائلاً: "وحقيقة الأمر ليس في دنيانا ما يُبهج ويدع المرءَ محبورًا.
فعندما توفي الاسكندر الكبير فُتِحتْ وصيتهُ، فإذا فيها هذه الجملة القصيرة العظيمة المغزى:" أطلب أن لا يسير في جنازتي إلا كل مسرور ومبتهج (الاسكندر)". وفهم الجميع أن الاسكندر ترك هذه الوصية ليخفف وقع موته على والدته؛ إذ من المؤكد أنه لا وجود لأي شخص لم ينكبه الدهر بحادث ما".
وكثرت الشكاوى من جميع الحضور، وتعال تذمرهم من مرارة الحياة. كما تمنى بعضهم لو لم ير نور الحياة.
وإذا بزهرة من زهرات الأصيص تقول للزهرة ربيبتها:
"تحمد الله على أننا خلقنا أزهارًا جميلة ندية، فليس لنا ما نشكوه. وليس من مُنغصات تقضُّ علينا مضجعنا. فما يكاد ماؤنا يجفّ حتى يسرعوا ويمدونا بالماء. وكل من يُشاهدنا يُبدي كلمات الإطراء والإعجاب لجمالنا.
وعلينا أن نرفع صلاتنا لخالقنا ونرجوه أن يسمح لنا فنعود نتقمص أزهارًا فاتنة جميلة ونضمخ الأرجاء بعبقنا المحيي لكل من يتنسمه".
واقتربت صباح من الأصيص، واقتطفت الزهرة المتكلِّمة، وشبكتها بصدرها. وإذا بزينا تدعو ضيوفها لتناول طعام العشاء.
وعندما ابتعدت صباح جعلت زهرةُ الأصيص تنادي شقيقتها وتودعها بلوعة وحزنٍ بالغ.
واستمدت الزهرة قوة من ضعفها، وقفزت من صدر صباح، فسقطت أرضًا تريد العودة لأصيصها، ولكن أقدام الذاهبين لتناول العشاء سحقتها.
وهكذا كانت نهايتها.
بيروت، الساعة الرابعة والنصف من مساء أول نيسان 1979