نزهة بحرية في الجزر الفنلندية
في الساعة السابعة والربع مساءً صعدت إلى ظهر السفينة الذاهبة الى الجزر الفنلندية.
وكانت الشمس في كبد السماء، تلقى بأشعتها على صفحة البحر فتُحيله إلى شعلة ذهبية رائعة، وترصعه بيواقيت تتلألأ في جيده الأزرق، وإذا بالسحر المُذهل يبدو أمام عينيك المبهورتين بهذا الجمال النادر.
وكان البحر مُمتدًا أمامي إلى ما لا نهاية.
والغيوم فوقي توشي السماء بألوانها البيضاء والرمادية والداكنة. وبعضها كان كندف الصوف. كما كان البعض الآخر كالقطن الأبيض المنتشر وهو يهيم في صفحة الفضاء الأبدي.
والسماء الزرقاء كنتُ أراها من خلال انفراجات الضباب المُنتشر في هذا الفضاء الفسيح وكأنها مواطن الجن وبناتُ الرؤى والأحلام.
وكانت الرياح تعصف، فيثور البحر وتضطرب الأمواج فتعلوا كالجبال، وإذا بالمركب يتمايل ويهتز اهتزازات عنيفة كأن به مسَّاً، أو كأنه يريد أن يغوص إلى مساكن الأسماك والحيتان الثاوية في الأعماق.
ثم تهدأ ثورة الريح العاتية، فيذهب اضطراب الأمواج المُصطخبة، فيسير المركب باتِّزان.
وكانت أشجار الشاطئ تظهر من بعد وكأنها الجبابرة تحرس وطنها من اعتداءات ربما تنقضُّ فجأةً عليها.
وكانت الفلوكُ تمخر البحر اللانهائي، وأشرعتها تتسامق نحو العلاء.
كما كانت القوارب البخارية تسير بسرعة محركاتها وهي تسابق الريح كما تسابق مركبنا أيضًا. وطيور البحر تتبع المركب وهي تطلق أصواتها فرحة مُبتهجة، والبعض منها يهبط حتى يصل إلى زبد البحر الثلجي الذي تخلفه الأمواج المُتلاحقة.
والنسيمُ يُداعب وجهي حينًا فأتنسمه وأملأ رئتي به.
وحينًا آخر تهبُّ الريحُ بعنف فاشيح بوجهي عنها إلى الناحية الأخرى.
وصوت محركات السفينة يُعكر صفو هذه الرحلة الجميلة التي استغرقت ساعة وخمسًا وأربعين دقيقة في الذهاب ومثلها في الإياب.
لقد نعمتُ في هذه الرحلة بجُزُر هلسنكي الفنلندية طوال ثلاث ساعات ونصف قضيتها مُمتعًا بصري، ومُسرحًا نظري في أرجاء الماء والسماء.
إنَّ هذه النزهة الجميلة هي مُمتعة حقًا. ولن أنساها كما لن أنسى هلسنكي مدينة الغابات الرائعة، مدينة البحيرات المُذهلة، مدينة الأشجار والأزهار والأطيار، مدينة النور المُشرق طوال الليل والنهار.
هلسنكي – في الباخرة الذاهبة بي إلى الجزر الفنلندية الفاتو الساعة السابعة مساءً من يوم 16/6/1972