عزرائيل
يا ملاك الموت!
أيها الحاصد للأرواح!
أيها المخيف لقوافل البشرية،
هذه القوافل التي كوَّنها الباري!
يا من ترتجف أوصال أُمم الأرض من رهبوتك،
وتصطكُّ أسنان الجبابرة الصناديد عند ذكر اسمك!
أيُّها المحتجب عن الأنظار!
ويا حاصدًا أرواح الأبرار والفُجَّار!
أيها المسيطرة على الكائنات والخلائقّ
ويا من يبسط سلطانه على قاطني الغبراء!
أيّها المهيمن على جميع مخلوقات الكرة الأرضية!
إن خيالك لبطّاش،
ومقدرتك تعنو لها جباه أُمم المعمورة،
وتنحني أمام جبروتها رقاب الأكاسرة باتّضاع وتذلّل؛
يا من بطشت بعنفوانك بآلاف الملايين،
خلال آلاف من الأحقاب والدّهور المضروبة ببلايين البلايين!
إن مدافن عواصم كرتنا الأرضية قد أُتخِمَتْ بمن قصفتَ أرواحهم، ومقابر الأرض بقضِّها وقضيضها.
قد اجتحتها وقضقضت عظامها وعصفت بها،
وجمعتِ القبور أجساد فقرائها فاندمجت بعظمائهم!
إن صلصلتك المروّعة قد صلصلت وجلجلت فحصدت ما شاء لها الحصد،
فإذا بهم جميعهم وقد ضمهم لحدٌ إثرَ لحد.
لقد أصبح الجميع صرعاك وضجيعي رغبتكَ وهواك،
فتكأكأت عظامهم في أعماق أوديتكَ وهُواك.
أيّثها الموت الجبار المقتدر!
لقد هابكَ الملوكُ والقياصرة،
وتضرَّع أمام موطئ قدميك السّلاطين والمهارجة،
وخنع لك أبطال المحاربين المجلّين،
وأنتَ أنت في صلفك وجبروتك العنيفين؛
إذ لم يلنْ لك قلب أو ترقّ عاطفة،
ولم يطرقْ لك جفن أو ترحم طاغية باغية.
ويا أيّها المنفّذ لإرادة العلي القدير!
إن عمري قد امتدّ،
وعودي قد وهن بعدما كان قد اشتدّ،
وها إني قد قاربتُ النهاية،
وكلُّ بداية، أيّها العليم، لا بد لها من نهاية.
فادنُ مني أيها الرّمز البطاش!
واستلَّ مني روحي،
فإنّي – وأيم الحق – لا أخافك،
ولن أرتجفَ أمام جبروتك،
ولن تنحني هامتي أمام غطرستك،
راجيًا إياك أن تسرع
بوضع حدٍّ لحياتي؛
إذ بتُّ أرجو مماتي!
لقد ضقْتُ ذرعًا من شرور أرض الشقاء،
وبتُّ راغبًا عنها، إذ لا يوجد في ربوعها غير البلاء.
فأسرعْ، أسرعْ أيّها الملاكُ الحبيب الحبيب،
وخُذني معك إلى عالمٍ غير عالمنا المادي الدنيء،
لعلني أُشاهدُ فردوسًا سحريًا،
ينسيني بمباهجه السماوية
ما عانيته في عالم الأثم من منكهاتٍ رهيبة.
آه، ما أجمل جنّات عدن وما أبهى ربوعها!
وما أشقى عالمَ الأرض وما يزخر فيه من آلامٍ جسام!!
كتبتها في القطار الذاهب من بلتيمور إلى واشنطن
الساعة 9 من ليل 28/9/1977