كلمتي لعام 1944
يا عام!
اشرفتَ على عالمنا المُهدَّد بالدمار والفناء،
استقبلناك بوجوه حزينة يعلوها اكتئابٌ ووجوم راسخان،
ولم ترحب بك موسيقانا.
وما هزجنا لك أهازيجنا التي كنا نستقبل بها أسلافك.
ولم نطرب لقدومك، أيُّها العام المسكين!
فدخلتَ إلى عاصمة مُلككَ الشاسع الأطراف...
تتقدمك بروقُك ورعودك، وتحفُّ بك أمطارك وثلوجك،
وتعلو من فوق رأسك زمجرةُ الرياح ودمدمتها الكدراءُ،
فترجعُ الطبيعةُ صدى أنينها الثاكل!...
حتى طيورُ الشتاء التي اعتادت أن تزورنا ما نشاهد لها ظلاً!
فتلك الأيام التي طواها الزمان في لججه لن تعود،
والبهجة، ثانيةً، لن تسود!...
وها أنتَ ترى أن المسوح تُجلل الكون والكائنات،
من إنسان وحيوان وجمادات.
وإن أستغرب فإن استغرابي هو لقبولك المُلك
في دنيا حالكة السواد، رهيبة الجلباب.
وأنت أنت اليافع في مطلع عهدك، وابتداء أيام خلقك!
ستشهد، أيها العام، في أيامك المقبلة،
الحوادث الجسام من الطبيعة... ومن هؤلاء البشر اللئام!
هؤلاء الذين تدعوهم أبناءك،
وهم الذين سيردِّمون ركامك ويصدعون بناءك!
أيها العام المسكين!
كان الله في عونك، وأخذ بيدك، وسدَّد خطاك.
فإنَّك مُقبل على عهدٍ (عجيبٍ غريب)!
إذْ كلُّ من هم حولك ذئاب خاطفة وأعداءُ ألدَّاءُ
لا يجدي معهم ترياق ولا ينجع فيهم دواءّ
أما أنا، يا عام، فأنت خبير بنفسيتي وبها عليم.
لقد قطعتُ من مراحل حياتي مرحلة اقتسرها مني شقيقُك الذاهب،
وها أنت أتيتَ لتنتزع مني مرحلة أخرى.
فهل أُلام إذا حاربتُك وناضلتُ في سبيل بقائي؟
ولكن، مهلاً مهلاً، أيها العام الجديد! بل عفوًا عفوًا!
لِتَمضِ أيامك، ولتتصرم حبال حياتك، فبفناء حياتك فناءٌ لحياتي!
علِّي عندما تدنو ساعةُ مماتي،
أجتازُ نطاق هذه الدنيا القاسية الظالمة،
وأرتقي بروحي بروج السماء الحصينة،
حتى أبلغ الفراديس العجيبة الخالدة!
ومن تلك الأعالي السامية تتراءى لي الأرض
وما قاسيته عليها من آلام موجعة،
كحلمٍ رهيبٍ مخيف تبدَّد واضمحلَّ،
حتى أبدِ الآبدين!
آه ما أجمل ذلك العالم وما أبهاه!
وما أتعس عالمنا وأقساه!
جونيه، أول كانون الثاني 1944