عِشْ حُرًّا أبيًّا أو فمتْ جبانًا دنيًّا
فإن استطعت... تملِكْ وإلا فتهلك
فكرة هذه القطعة وجدتها بمجلة أدبيَّة فصغتُها بأسلوبي
إن استطعت الثبات كمردة الأطواد الراسخة
وجبابرة الصخور الصلدة،
وتملَّكتَ صوابكَ بجرأة جارفة،
وكنتَ نادر الجنان بجبروتكَ العاصف،
بينما جميع من يحتاطون بك يتساقطون
كتساقط أوراق الخريف أمام العاصفة الثائرة،
وهم يخورون من الجبانة والرعب والطاغيين،
إذ فقدوا صوابهم من يوم الهول،
وإذْ ذاك ينحون عليك باللوم المُدمِّر،
بينما أنتَ ضاحكُ السنّ، وضّاح الجبين،
مُشرقُ المُحيّا، مُتَهلِّل الأسارير؛
وإن استطعت أن تمنح نفسكَ الثقة المُطلقة،
بينما الجميع بكَ يشكُّون، وأنتَ لا تحسبُ لشكِّهم حسابًا؛
وإن استطعتَ أن تسوق الأعوام المُملَّة بسيرها البطيء
بعَصا إرادتك الفولاذية التي لا تُصهر،
وسوطِ عزيمتكَ الذي لا يُقهَر،
دون أن ينال روحكَ الجبَّارة
من هذا الانتظار المُمل كللٌ أو ملل؛
وإن طوقتكَ بغضاءُ مُتعدد الشعوب،
واحتل كيانك ازدراءُ مختلف الأمم،
وامتزج بروحكَ استخفاف الصعاليك المفاليك
من قبائل الأرض الفاسقة،
دون أن تابه لمثل هذه السفاسف
من البغضاء والاستخفاف والازدراء؛
وإن امتطيت أجنحة مورفيه
ربِّ الأحلام وسلطان عالم التخيلات والرؤى،
فيجوب بك جبال تلك العوالم السحرية،
ويهبط بك على قمم تلالها العجيبة؛
وإن شاهدتَ نفسك مُتوجًا بتيجان أرباب الأولمب
وربات البرناس،
دون أن يحملك الغرور
على ارتكاب الدنيء من الأمور من فسقٍ وفجور؛
وإن استطعت تأبط ذراع الظفر التامّ باليمين،
والمحنة المُنقضة باليسار،
وجعلتَ المساواة تسود بين هذين النقيضين المُقضقضين؛
وإنْ أصختَ السمع للحق المُبين،
وقد مثَّلَ باشلائه الصريعة طغمةُ المنافقين،
ليصيدوا به معشر المرائين؛
وإن أنتَ أضعتَ، بلحظة خاطفة،
جميعَ أموالك التي كنزتَها منذ نعومةِ أظفارك،
حتى يوم كلَّل المشيبُ الثلجيُّ هامتكَ،
وكنتَ قد جمعتها بعد مشقاتٍ هائلة،
وأتعابٍ رهيبة، ومجازفاتٍ مُروّعة،
فإن أضعتها دون أن تفقد البسمة
التي تُكلّل ثغرَكَ المُفترّ بها أبدًا؛
وإن شاهدت بأمّ عينيك المُنذهلتين
ذلك الصرح الجبّار الذي أقمتَه طوال سني حياتك
وهو يتردَّم ويُدَكُّ وينهار؛
وإن استطعتَ أن تُعيدَ ذلك البناء الشامخ المُشمخر،
وأنتَ مُتمنطقٌ بصبرِ أيوب البَّار،
دون أن تتذمَّر حتى بنأمة واحدة،
وأن تُثابر على عملكَ ليلَ نهار؛
وإنْ أنتَ سيطرتَ على نفسك،
وأقحمتَ فؤادك،
وشددت أوتارَ أعصابك،
ووترتَ قوسَ عضلاتك،
وأمرت إرادتكَ الجبَّارة كي تندفع كالقنبلة المُزلزِلة
للقيام بدورٍ بناءٍ جديد
لا تنالُ منه حوادثُ الزمان وعوادي الأيام؛
وإن استطعت أن تندمجَ بالجماهير،
وتحتفظ بأخلاقك مثلما براها الباري منذ الأزَل؛
أو رافقتَ الأمراءَ والملوك
دون أن تأبه ببهارجهم الخيالية،
وزبارجهم السرابيَّة،
ودون أن تسيطر هذه المظاهر التافهة
على إرادتك الجبَّارة الهازئة بالارادات الوهمية؛
وإن التفَّ حواليك، وتآزر عليك اللؤماءُ الأدنياء
والخصومُ الألداءُ المُدعونُ كذبًا ورياءً بالصداقة والولاء،
وحاولوا الايقاع بكَ لإزالتكَ من عالم الوجود،
فقارعتهم وقارعوكَ، ونازلتهم، ونازلوك،
دون أن تنالَ منكَ محاولاتُهم المُجرمة منالاً،
ودون أن تلين لكَ قناةٌ صلْدة،
وكأنها قُدَّتْ من فولاذ ربّ الأبالسةِ الطغام
القاطنين في أسحق دركات الجحيم المُظلم الدّجنات؛
وإن أنتَ استطعت أن تشغل ثواني أيامك
بالعمل المُثمر والمُجدي في مستقبل الأيام الزاحفة...
إن استطعت كل هذا...
فاعلم أيها البطل الغضنفر، والمُحارب المُظفّر
أنَّ الأرض بما تحمله على ظهرها،
وما تختزنه في أعمق أعماقها،
هي لك ملكٌ حلال،
هي لك دون بقية البشر أجمعين.
بيروت، في 6- 4 – 1947