الكاهِنُ المَنافِق
واحتشد الجمع الكبير مُصغيًا إلى خطيبٍ مُصقعٍ في الحفلهْ
قال اصدقوني، ويحكمْ، من منكُ يفوقني في كذْبِهِ ولؤمه؟
مَنْ يستطيع فإنني أُهديه - خنزيرا بكل شحمه ولحمِهْ
وما انتهى الخطيب من كلامه الحاذق حتى صفقوا لقوله
ثم انبرى للحال قسٌّ ماكرٌ مثقلاً لسانه بدجلهْ
قال: حلالٌ ليَ ما تهبه فهاكَ قصتي، تراها سهلَهْ
دَجّلتُ في الكون على الورى وقد سرتُ وجبتُ وَعْرَه وسَهْلَه
أعظهم حينًا لكي يرتدعوا ويرجعوا كلهم للتوبه
وأترك الناس، بفسقي غارقًا منشرحًا من رجع عزف النوبه
واحتسي بنت الدنان مُترعًا بالخمر كوبةً بإثر كوبهْ
أقضي ليلاي وحيدًا، جائبًا منازل الرجس بكل دقه
وأعتدي على اليتامى هازئًا وأطرق الرؤوس بالمدقَّة
لعلني آتي على أموالهم بسرعة ودونما مشقّهْ
وأنثني، يا سامعون، راقصًا رقصًا خليعًا ماجنًا برقّهْ
وأدخُلُ البيوت زائرًا لكي أحظى بمالٍ مُودَعٍ بِصُرَّهْ
فإن رايتُ المال نَزْرًا تافهًا صحتُ بمن يهبه: ما نفعُهْ؟
وأُطلق القبيح من شتائمي فشَتمةٌ خرقاء تلو شتمهْ
أسرقُ كلَّ ما تطالُه يدي من مأكلٍ أو خِرْقة أو نِكلَهْ
وذات يوم.. قرويٌّ زرته، غافلتُه ثم سرقتُ بغلهْ
ولم يفَتني ابدًا يا قوم أن أخدعه وأحتذي بنعلِهْ
أحبُّ نهب العالمين كلهم من كلّ واحد سلبتُ شغلهْ
وكم تمنيتُ على الشيطان أن يحول الدنيا أجيجَ شُعْلهْ
سافرتُ يومًا في البعيد قاصدًا لبلدة تُقالُ: لاذقيه
وقد أتاني رجلٌ – يا بؤسه!- يسألني بلهفة عن ابنه
قلت له: واهًا عليه سيدي قد قتلوه، آه، شر قتلهْ
فانخلع المسكين مذعورًا، وإذ به يشكُّ قلبه بنصلهْ
فررتُ كي لا يعلموا بأنني سبتُ هذا، بعد أن سرقتُ ثوبه
والآن، فلتنزلْ عليكم لعنةُ - السماءِ إنْ أظهر كلٌّ بُخْلَهْ
إنّ الكريم مَنْ أراهُ مغدقًا والوَغْد مَنْ يمنعُ عني فِجْلَهْ
إن أنتم؟ُ أرضيتموني، أو إذا دفعتمُ ما أنا استحقُّهْ
أُثني عليكمُ، ولا أنثني أقول، هازئًا، بكم: زَهْ.. زَهْ..ز زَهْ
وصرخ الجمهور: ويح أُمِّكَ فأنتَ صِلٌّ نافثٌ لِسمِّهْ
فإن يكنْ أمرك ذا بيدنا كنَّا شنقناكَ بشرِّ حبلهْ
خسئًا لبطنٍ قد حواك زمنًا جبلَّة... لعنتِ من جبلهْ
فلم يكنْ أبوك إلا ضبَعًا وَلَم تكنْ أُمُّك إلا فحلَهُ
يا أكذب القسوس يا أدجلهم ممثلٌ أنتَ لهذي الطغمهْ
وصرخ الخطيبُ قائلاً لهم: ما بكمُ يا قوم زغتمْ، لَهْ... لهُ...
الشرط كان واضحًا جدًا وقد فاز عليَّ، ساحقًا، بوهلهْ
فهاك خنزيرك خُذهُ يا أبي لا شك أنت قد جُبلتَ مِثلَهْ
وشمَّر (القديس) عن ساعده وحمل الخنزير فوق ظهرهْ
ثمَّ مضى منتشيًا بفوزه وفوقه الخنزيرُ غاط بَعْرَهْ
أول كانون الثاني 1946