باطلٌ ثم باطل
قطنتُ القصور الشماء، الشامحة الذرى، ذات الهندسة السحرية، وامتلكت الثروات الضخمة الطائلة الخيالية،
واكتنزتُ الذهب الوهَاج ملأتُ به خزائني الحديدية،
والحجارة الكريمة سحرتني ألوانُها الحمراءُ والزرقاءُ والخضراء والبنفسجية، فتختمتُ ببعضها، وصغتُ الآخر بصور رائعة فنية، وأخيرًا مللتُ هذه الأحابيل والأضاليل، فما هي إلا أوهامٌ سرابية!
***
والجياد العربية الأصيلة حزتها وافتخرتُ بامتلاكها، والمُطهمات اقتنيتها وامتطيتها فظننتني سأجوب بها النجوم بأفلاكها، والمهور اعتليتُ ظهورها متفاخرًا بعنجهية بأنني من ملاكها،
وتباهيتُ بعدِّها وعديدها، وكنت حقًا من أشد عشاقها،
فراحت تنهب بي الفلوات والسهوب، فالأمر حقًا قد شاقها،
وفجأة تأكد لي أنني كنتُ أخوض وادي الغرور
وأنهبُ مفاوز الخداع بآفاقها.
***
والثيابُ الفاخرةُ اقنيتها واختلتُ بها فرحًا،
والعطورُ الفادحة الأثمانِ سكبتثها على رأسي مَرِحا
والخزُّ والديباج زيَنتُ بهما غرفتي وكنتُ مُنشرحا،
والفراء الثمين كسوتُ به مقاصيري، وكم كنتُ طربا!
فاختلتُ كبرياءً بما يحتويه قصري من كنوزٍ طرتُ بها حُبَّا،
وتجلَّتْ لي الحقيقة فإذاني واهمٌ مسكين، ومُتخيلٌ، حزينٌ نفسًا وقلبا!
***
والحفلاتُ الصاخبة الضاجة بأُناسها خضتُ معامعها،
والملاهي المُنتشرة بعواصم الكرة الأرضية زرتُها وجبتها،
ودُعيتُ لولائم أحياها أُمراءُ الألقاب واشتركتُ بأفراحها ومدامعها،
وانخرطتُ بما تزخرُ به دنيانا واندمجتُ بمباهجها ومفاجعها،
وفي النهاية تأكد لي إنما هي أضاليلُ تافهةٌ وسخافاتٌ مُخزية ما أفظعها!
****
السيارات الفخمة جبتُ بها السهولَ واخترقتُ الجبال والسدودْ،
والقطارات السريعة قطعتُ بها المفاوزَ واجتزتُ بواسطتها الحدودْ،
ومخرتُ بالسفن الجبَّارة عباب المُحيطات مغادرًا أرض الجدودْ،
ثمَّ امتطيتُ الطائرات وحلقتُ بها فوق الرواسي والصرودْ،
والكرة الأرضية لففتُها شرقًا وغربًا وشمالاً وجنوبًا،
وسماتُ القنصليات لديَّ شهود،
وبعد هذا وجدتني أسير الشقاء، سميرَ العناء،
فباطلٌ تجوالي ولو كنتُ أسد الأسودْ.
***
والغيدُ الصيدُ احتطنني إحاطة الجند للقلاع الحربية،
فمنهنَّ العربية السمهرية، ومنهن الدعجاءُ الغربية،
ومنهنَّ الكاعبُ التونسية، ومنهنَّ السمراءُ المغربية،
ومنهنّ اللعوب الباريسية، ومنهن الفاتنة الفارسية،
ومنهن الكحلاءُ الصينية، ومنهنَّ المغناج المصرية،
ولكني وجدتُ في النهاية أن الوهم يحيط بي وتترصدني الأبدية!
***
مروجٌ غناء أصبحتْ ملكي أرتع بين أشجارها وأثمارها!
الحدائق توشيها ورود ملونة يعطر الفضاء عبقُ شذاها،
ومئات من اللوحات الزيتية امتلكتها فبهرتُ بروعة فنِّها،
وكنوز عاجية وفضية وذهبية ثمينة ابتعتُه وسُحِرتُ بروعتها،
ولكن هذه الكنوز النادرة عجزت أن تمنح نفسي الطمأنينة، وتزيل تعاستها
وبنهاية المطاف وجدتُ أن كل شيء باطل الأباطيل،
فما نحنُ إلا حفنة من تراب والريح قد ذرتْها!
وليس شيء سوى الله فقط، فهو الحقيقة الأزلية الخالدة!
بنسلفانيا، الساعة 12 ونصف من فجر
أول كانون الأول 1977