الى ابنتي في عالم الغيب
يا ابنتي،
أيتها البُنية التي لن تكتحل عيناها بمشاهدة كرتنا الأرضية،
أيتها الموجودة في عالم الغيب،
يا من تحيين في عالم لا يمتّ بصلة لعالمنا الماديّ،
أيتها المجهولة عندي والمجهول لديكِ!
يا من ترفلين بثوبٍ روحاني لم تلوثه أرضنا أرضُ المعاصي.
أيتها القاطنة في مدينة الأبرار،
وليس في عالمنا موطن الفساق والكفار
أيتها المعروفة المجهولة، الظاهرة الخفية!
يا ابنتني امكثي في عالمكِ ولا تُغادريه.
امكثي فيه طاهرة نقية، لا عاهرة دنية.
امكثي فيه، وإياكِ أن تغادريه،
ففي مكوثكِ فيه سعادتُكِ وهناؤكِ،
وفي مغادرتكِ لعالمكِ تعاستُكِ وشقاؤُكِ.
وأيقني بأن الشهوة لن تستبدَّ بي
كي أدعكِ تزورين عالم الرذيلة والفجور.
ولن أدع قدمِكِ تطأ دنيانا، دنيا الدِّنس والثبور.
ولن أعدَكِ تتخطَّرين بقوامكِ الأهيف،
فتسلبين العقول، وتستولين على القلوب.
لا، ولن أدعكِ تسيرين الخيلاء لتلفتي الأنظار إليكِ.
ولن أدعكِ ترمقين أحد الشبان،
فتصمِّينه بسهام عينيكِ ودعج مُقلتيكِ.
ولن أدعك تستهوين الرجال بمحاسنكِ.
ولن أدعك توقعين المُراهقين بشبكة مفاتنك.
لا، لا يا ابنتي. ولن أدعك تقضين عليَّ مضجعي
فتحرميني النوم خوفًا من تدنيس شرفكِ،
وإذْ ذاك أُضطر لأن أقتلكِ بيدي،
مُفضِّلاً الدخول إلى السجن لأقضي فيه حياتي،
أو يُحكم عليَّ الاعدام،
فأموت وأنا مُلتحفٌ بجيوش الأحزان،
وتواريني الحفرة، والأسى ملء ضلوعي لرهبة الأشجان.
كلا كلا، لن أدعدك تزورين أرضنا على الاطلاق.
وإذ ذاك سأنام ملء جفني طوال الليل الدجوجي،
لأنني موقن بأنني لن أقذف بكِ لعالمنا الرجس،
لتنصبَّ المكاره على رأسي صبًّا حميمًا.
امكثي في عالمكِ، يا ابنتي، ولا تغادريه،
ففي مغادرتكِ إياه سقوطُكِ الهائل،
وفي تركه تدنيسكِ وأنتِ الزنبقة الطاهرة.
وعندما تدنو ساعتي الأخيرة،
وأُغادر عالم الموبقات الملونة،
إذ ذاك سألتقي بك وستلتقين بي،
وساعتذاك سأضمّكِ إلى صدري المُشتاق لعناقكِ.
وفي تلك اللحظة سيتأكد لكِ.
أن عدم رغبتي بمولدكِ في عالم الأرض
هو لكي تحتفظي بطهارتكِ الروحية؟
يا زهرة السماءِ العطرة النقية.
ديسلدورف – المانيا – في 6/6/1972
الساعة التاسعة ليلاً