ذوب عاطفة وعصارة روح
بقلم الكاتب الكبير سامي السرّاج
رأي الكاتب الكبير والصحفيّ المعروف سامي السرّاج بكتابِ الدكتور داهش "أسرار الآلهة". والأستاذ السرّاج حرّر في كبريات صحف مصر الأسبوعيّة واليوميّة ، ثم ترأس تحرير جريدة "الجامعة الإسلاميّة "، وحرّر بجريدة "فلسطين" و"الدفاع" وعدد من الصحفِ المُختلفة .
ليس الشعر مُلكاً للمُجيدين من رجالِ القوافي والأوزان ، ولا حكراً لأساطين البديع والبيان ، إنّما الشعر فيضٌ وجدانيّ ونبعة روحانيّة يؤتاهما كلّ من استغرقت "الشاعريّة" حواسّه ، ولقد ينحدر منه سيلها انحداراً ، فتجيء بالمقاطع والأوزان ، في اتّزان وغير اتّزان .
لكنّه في كلّ حال هو "الشعر" منظوماً كان أم منثوراً ؛ ولكنّه هو الفيض الذي يقذف به الإحساس الرقيق والتفكير الدقيق ، وتأتي به العاطفة المصقولة والذهن المجلوّ . وإنّ شعراً من هذا الطراز المُتكامل ، لمن حقّه أن يجد إلى الروعة طريقه ، وإلى الإعجابِ سبيله . فلئن فاتته الصّناعة الشعريّة ، لن تفوته "الشاعريّة" ، التي هي ملك للناظم والناس على السواء ، فهي توحي إليه ، وتمدّه بالإلهام والبيان ....
ذلكم هو الشعر بمعناه ، أو بما يقرب منه .
* * *
لقد أطلعني صديقي الدكتور داهش على كتابه الذي أسماه "أسرار الآلهة" فاجتليت فيه صوراً لما إليه أشرت . إنّه عالج الحبّ ، علاج من يحسّه إحساساً في شغافات قلبه ، لا علاج من يتخيّله تخيّلاً ، ويتوهّمه توهّماً . إنّه ألمّ بالنجوى الساحرة ، في سكون الليل وهدأة السحر ، فأحسن النجاء ما شاء له الإحساس وأسعفه البيان . إنّه طاف بأنحاء البؤس ، فتمثّله فناء وتلاشياً في خضمّ الحياة ، وأبدع في نعته ، وفي تلوين صوره ما شاء له الإبداع .
وفي كتابه هذا ، لذاذات من النوع الذي يبعث بها الخيال ، فتملأ أحاسيس القارئين مُتاعاً وطرباً .
ومُتصفّح الكتاب ، يرى للمؤلّف آراء خاصّة في الحياة ، والمرأة ،والزواج ، والمال ، وجمال النفس – ممّا لا يبرح موضوع تتبّع ذوي الفكر وأولي النهى ؛ وفي أرائه مرارة وأسىً ، وفيها ثورة على الوجود ، وتمرّد على الموجود !
فمن إرادة ترنو إلى النسف والشجب ، إلى فكرة ترمي للتشذيب والتهذيب ، إلى رغبةٍ في صلاح المُجتمع ، وجعله "إنسانيّاً" صرفاً ، إلى نزعةٍ صوفيّة تنظر إلى ما يحيط بها نظرة زراية واحتقار !
فالكتاب ، على الجملة ، مجموعة نظرات ذات صور وألوان ، ومحصول فكر شتّى ومُجتمعة، تتناول موضوعاً إثر موضوع ، وتنفي عن قارئها كلّ ملالة وسأم ، فهي ذوب عاطفة مؤلّفها ، وعصارة روحه ، وخلاصة تجاريبه .
وقصارى ما أنعت به هذا الكتاب ، أنّه مرآة إحساس كاتبه ، وصورة نفسه ، التي تعتلج فيها رغبات شتّى من تقديس المحبّة والجمال ، والحرارة والأسى ، والتصوير والخيال .
سامي السرّاج
القدس 1933