هل هناك من سرّ ؟
بقلم حليم دمّوس
إنّ جميع كتابات الدكتور داهش تجدها مُشبَّعة بالآلام النفسيّة مُفعمة بروح الأسى ، فيّاضة بالعبرات المُترعة ، جيّاشة بالكآبة الصّارخة ، زخّارة بالأتراح المُضنية ، وهذا ما يدعو إلى الغرابة والتساؤل ، إذ إنّه ما يزال في مقتبل العمر ، وعنفوان الصّبا . ولكنها في الوقت نفسه عميقة جبّارة ، عنيفة بتّارة ، فإنّك تتلمّس بين السطور روحه المُتمرّدة الثائرة على هذا الكون وما يحويه ، وعدم اطمئنانه لأيّ مخلوق فوق هذه الأرض .
كما أنّه توجد له آراء غريبة في هذه الحياة ، يجدر أن يطّلع عليها القرّاء .فليتروّ مطالع هذا الكتاب في مُحتوياته بكلِّ دقّةٍ وإمعان كي يتبيّن معانيه ، ويتفهّم مراميه .
تعريف بكتاب "الإلهات السّتّ"
حليم دمّوس
هذا التعريف مأخوذ من مقدّمة كتاب "الإلهات السّتّ"
المطبوع سنة 1943
وبعد (ضجعة الموت) (الكلمات).
وبعد (الكلمات) تصدر اليوم (الإلهات السّتّ) . فهو إذن الهمسة الثالثة في أذن أبناء الأرض من وحي السماء . بل هو أنشودة علويّة مُلهمة تطير على جناحين هما : الحقيقة والخيال . بل هو ثالث قمرين نيّرين من أنوار روحيّة لها بداية وليس لها نهاية .
تصفّحت هذه المجموعة فظننتها خيالاً في خيال . ثم بيّضتها بقلمي بعد أن امتزجت روحي بروح مؤلّفها العجيب ، فإذا هي حقيقة في خيال . ومن هذه الطرفة بل التّحفة اخترت عدّة فقرات نظمتها شعراً لتنشر في كتاب (نزوات قلب) من تأليف الدكتور داهش أيضاً . وقد أهدى كتابه هذا إلى الحقيقة ، تلك الشّعلة العظمى المنبوذة التائهة في صحراء هذا العالم . فاسمع ربّة الحبّ تجيب الشّاب بعد أن قال لها : لا تحاولي يا ربّة الحبّ إغرائي بعد ما ذقت من عذاب وقاسيت من أوصاب .
حديثك يشجيني وفيه عـذاب على أنّ ليـــــلات المُحبّ عــذاب
فقم وتمتّع يا حبيبي بصبوة بهــــا العيش حبّ والحياة شباب
واسمع جواب الشّاب لربّة الحبّ أيضاً :
يا ربّة الحبّ الجميلة قد جرت كلمات ثغرك كالنّسيم الجـــاري
أما أنا فوحق حبّك قــــد خبت شمسي وغابت منذ فجر نهاري
وكذاك قيثاري تحطّم في يدي واهــــاً لرنّــــة ذلـــك القيثــــار
على أنّ من صفت نفسه وسمت روحه إلى ما وراء الأغاني والألحان والقوافي والأوزان ، علم أنّ هذه الطّريفة البكر ليست مجرّد لكماتٍ وعبارات ، ولا مجموعة تخيّلات وتصوّرات ، بل أدرك بفطنته الشّفافة أنها وحي جديد لمرمى علويّ بعيد ، بل نافذة فريدة يطل منها على أرض جديدة وسماء جديدة .
ولن يزحزح السّتار عنها ، إلاّ من اقتربت روحه منها .
فهنيئاً لمن فهم الحقيقة وأفهم .
وسلام على من بشّر بها وعلّم .
حليم دمّوس
بيروت ، في 31 تمّوز 1943