أهلاً بالقلب المُحطّم المُلهم !
مقدّمة الشاعر حليم دمّوس لكتاب "القلب المحطّم"
بقلم حليم دمّوس
يا أخي !
أرأيت الروض الناصع الزاهر بأزهاره ؟!
والبحر الواسع الزاخر بتيّاره ؟!
والفضاء الشاسع الباهر بأنواره ؟!
هذا هو الدكتور داهش الرائع الساحر بأسراره !
فمن بساطة متناهية إلى عبقريّة لا متناهية !
ويشهد عليّ هذا القلم الجاري على هذه الصفحة
يسوّدها كما تسوِّد فحمة (الليل) وجنة (النهار)،
أنني ما دخلت مرّة على هذا الأخ العجيب ، والإنسان الغريب ،
وهو في سرّ خلواته ،
إلا خرجت من غرفته حائراً مدهوشاً
لما أراه وألمسه من عجائبه وآياته !
فمن مُطالعاتٍ دائمة ، ومُراجعاتٍ ملازمة ،
وظاهراتٍ روحيّة علويّة ،
إلى مباحثٍ أخلاقيّة ،
إلى نشرِ آثارٍ قلميّة ، وألوانٍ أدبيّة فنيّة ،
هي بالإعجاب والدهشة حريّة !
وأمامي الآن مخطوطة (القلب المُحطّم)،
من نتاج ذلك القلم (السحريّ) والفكر(المُلهم)،
وهي صفحة من صفحاته ، ولمحة من لمحاته ، ونفحة من نفحاته !
وفيها الشعر والنثر ، والمعنى العميق الدقيق ، والمبنى الرصين الرشيق !
وفيها العناوين الفريدة ، والمباحث المفيدة ،
وكلّها ترمي إلى المرامي البعيدة ، والأهداف السديدة .
وأنت إذا طالعت هذه المجموعة من الألف إلى الياء
كما طالعتها أنا ، خشعت نفسك مثلي
لمثل هذه الرسائل البعيدة ،
والتأمّلات الرفيعة ، والأحلام الصريعة ،
والصرخات الداوية ، والكواكب الهاوية ، والآمال الذاوية ،
إلى ما هنالك من نفثات صادقة ، وقلوب خافقة ، ودموع دافقة ،
وذكريات مُؤلمة ، وثورات مُهدّمة ، وأجنحة مُحطّمة ،
ونفوس جائعة ، وحوادث رائعة ، وتنبّؤات واقعة ،
إلى غير ذلك من روائع بدائع الأقوال ،
حيث يتعانق الخيال بالحقيقة والحقيقة بالخيال !
وعندئذ تخشع الروح النقيّة فترتفع إلى العلياء ،
وتسمو إلى أسمى سماء !
* * *
فيا أخي !
إنّ كتاب (القلب المُحطّم ) تحفة ! بل طرفة !
وهو عندي همسات إلهام ، ولمسات أقلام ،
وإن كان في نظر سواي عصارة يأس ودموع وآلام !
وإذا كان (الألم واليأس) ينبثق منهما
مثل هذه النظرات الأدبيّة المُذهّبة ،
والخطرات الروحيّة المُهذّبة ،
فمرحباً باليأس وأهلاً بالآلام !
ومرحى لنوائب الزمان ومصائب الأيّام !
لم أشكّ من وقع المصائب مرّة إنّ المصائب هذّبت أخلاقي !
هذا بيت من أبيات قلتها من سنوات ،
واليوم جاءت هذه المجموعة الفريدة تؤيّد هذا (البيت) وتقوّيه ،
وتدعمه بأدلّتها البالغة البليغة وتُعليه !
نعم ! هذا ما لمسته وشعرت به
بعد أن طالعت بلذّة روحيّة هذه المجموعة الفنيّة الرائعة ،
وبعد أن أتيت على آخر كلمة من آخر سطر
من آخر صفحة من صفحات هذا المؤلّف العجيب !
* * *
أهلاً بالقلب المُحطّم المُلهم !
أهلاً بالقلب الخافق الدافق !
فمنه ستتفجّر مياه الرحمة والحبّ والحنان !
... وحبّذا صخرة (اليأس)
تغالبها الرياح الهوجاء ،
وتشقّها عواصف الأرض والسماء ،
فتحيينا بمثل هذه الينابيع الروحيّة الصافية ،
وتنعشنا وتقوّينا بالأسرار الإلهيّة الشافية !
حليم دمّوس
بيروت ،12 حزيران 1942