حزمة من سنابل القمح
من أقاصيص: زينة حداد
ترجمة:سميرالحداد
وبزغ الفجر مطلقًا سهام الضوء في أرجاء السماء التي ارتدت حلّة حمراء لوّنها اللهبُ المتأجج. وها حقل قمح على مدّ النظر يؤرجح أعناق السنابل التي كانت ترفع رؤوسها نحو السماء من وقت إلى آخر يحدو بها حنين إلى ماضٍ مجيد. ثم تروح ترقص فرحة تحت أنظار نجمة النهار المتأجحة.
يعرف القمح أهميّته لهذا العالم، أوليست حبيباته بذورًا للحياة؟ أليست سنابله حاجة وضرورة لا غنىً للجنس البشري عنها؟ القمح، شبع الجائع، تباركه الشعوب وتعرف كينونته المقدسة.
ماذا لو اخبرتكم قصته؟
منذ أوائل الأزمنة، لم يكن القمح السماوي سوى لعوالم الله. كان القمح غذاءً للروح وكل حبّة تتغلغل في أحد العوالم اللاأرضيّة تفعمه بالفرح والسعادة والمعرفة.
يا حبّات القمح، أنت نبات المجهول وانتماؤك هو إلى سماوات غامضة تكتنفها الأسرار. أبدعك الله بقصد إضفاء السعادة على النفوس المترقيّة التي في زمن بعيد، طلبت إليه أن يمنّ عليها بالمعرفة.
وسبرت عين الله اللانهاية بنظرة ثاقبة، وبهرت عظمته المحيط والجوار، واتّضعت النجوم السماوية وامّحت من أمام وجه الله الفائق السمو، وهي تتأمل وتتمعّن بأعمال نعمته ورحمته، ممجّدة اياه، لا طاقة لنا على تحديد جمال هذه الأمكنة!
الأنوار تنسكب شلالات متعددة الألوان وتتشابك في القباب العديدة، مساكن الملائكة ورؤساء الملائكة والشيروبيم. وتسمع زمجرات صمّاء كعلامات ودلائل على القوّة القادرة.
ودون أن يرى، يروح الله يتكشف مطارحه وأملاكه ويدخل محبته في أسرار الأكوان العميقة. الله هو معرفة الجميع، لا شيء يفوقه، والكواكب والنجوم تطلب بحرارة وخشوع بعضًا من ذلك العلم الذي لا يملكه أحد سوى الله.
هذه العوالم التي هو السيّد المُطلق الأوحد عليها، هي ملكٌ له. هو يحضنها بشغف وعناية، فهو المسؤول عنها وعن معرفتها. الله يحبّها ويُنعم عليها بحسب استحقاقها، ومن عينه الساهرة، اليقظة ينبثق عددٌ لا حد له من الشعاعات المتلألئة ذهبًا حاملة حول رؤوسها حبوبًا من القمح بلون النجوم، وهذه الحبوب تكبر مع مرور الوقت وتصبح كل حبة منها فردوسًا كبيرًا حيث توجد هبة رائعة تختزن معارف مقدّسة.
أطلق الله على هذه الباقة من الشعاعات إسم حُزمة من سنابل القمح، حزمة النعم هذه المتأتية منه مباشرة لا يمكن أن تكون إلا مقدسة، مباركة ومليئة بالرحمة والرأفة. هذه العطايا تتوزع في كل مكان. يتمتع سكان عوالم الله، وهم يمارسون ويطبقون الحكمة والخير، بقدرتهم على إبداع سنابل أخرى مليئة وغنية بمثل هذه الحبوب الرائعة من القمح.
هكذا امتلأت القبة السماوية من هذه الحبوب الرائعة من القمح التي هي في أساس المعرفة والغذاء السماوي الذي تحصل عليه العوالم الأخرى. كل حبّة قمح هي عالم لا حدود له، حيث يعيش أولى العدل في غبطة دائمة. ومع مرور الزمن، وفيما هم يعملون على تحسين مداركهم، يرتقي هؤلاء المغبّطون من حبّة قمح إلى أخرى حتى يبلغوا بنهاية المطاف أسمى الدرجات السماوية.
وبينما تنعم السماوات بغبطة دائمة، كان الله يوجد الأرض، وبعدها الفردوس الأرضي حيث أحلّ آدم وحوّاء ليعيشا في جنّة جديدة.
إلاّ أن الخطيئة سادت وطغت في الأرض، وأُبعد آدم وحوّاء من فردوسهما وراحا يجهدان لتأمين قوتهما الذي يُبعِد عنهما شبح المجاعة.
كانت السماء في هذا الوقت تبكي آدم وحوّاء، وتبذل المحاولات أمام الله لاستجداء الرحمة لأبي البشر الذي حكم عليه بالبؤس الذي فرضته عليه السماء وعلى حوّاء.
وتتملك الله الرأفة فبكى رثاؤ لحال آدم. عندئذٍ وبناءً على أمر منه، من الأزلي الخالد أذنت الكواكب السماوية التي كانت تكاثرت إلى ما لا نهاية، أذنت بانهمار شرارات مجتمعة في حزمة ضخمة، وأصبحت هذه الشرارات حبيبات من القمح.