أنا أؤمن بأنه توجـد عدالة سماويّة, وأن جميع ما يُصيبنا في الحياةِ الدنيا من مُنغصات انَّ هـو الاّ جـزاءٌ وفاق لِما أجترحناه في أدوارنا السابقة من آثـامٍ وشـرور.ولهـذا يجب علينا أن نستقبلَ كلّ مـا يحـلّ بنـا من آلامِ الحياةِ ومآسيها غير مُتبرّمين ولا متذمّرين , بل قانعين بعدالةِ السماء ونُظمها السامية.

Highlighter
أحبُّ الكُتُبَ حبَّ السُكارى للخمر , لكنَّني كلَّما أزددتُ منها شرباً, زادتني صَحوا
ليس مّنْ يكتُبُ للهو كمَن يكتُبُ للحقيقة
الجمالُ والعفّــة فـردوسٌ سماويّ .
لا معنى لحياةِ ألأنسان اذا لم يقم بعملٍ انسانيٍّ جليل .
اعمل الخير , وأعضد المساكين , تحصل على السعادة .
من العارِ أن تموتَ قبل أن تقـوم بأعمالِ الخير نحـو ألأنسانيّة .
الموتُ يقظةٌ جميلة ينشُدها كل مَنْ صَفَتْ نفسه وطَهرت روحه , ويخافها كلّ من ثقُلت أفكاره وزادت أوزاره .
ان أجسامنا الماديّة ستمتدّ اليها يـد ألأقـدار فتحطِّمها , ثمّ تعمل فيها أنامل الدهـر فتتَّغير معالمها , وتجعلها مهزلةً مرذولة . أمّا ألأعمال الصالحة وألأتجاهات النبيلة السّامية , فهي هي التي يتنسَّم ملائكة اللّه عبيرها الخالد .
نأتي إلى هذا العالمِ باكين مُعولين، و نغادره باكين مُعولين! فواهً لك يا عالمَ البكاء والعويل!
جميعنا مُغترٌّ مخدوعٌ ببعضه البعض.
العدلُ كلمة خُرافية مُضحكة.
أمجادُ هذا العالم وهمٌ باطل، و لونٌ حائل، و ظلٌّ زائل.
لا باركَ الله في تلك الساعة التي فتحتُ فيها عينيّ فإذا بي في مكانٍ يطلقون عليه اسم العالم .
أنا غريبٌ في هذا العالم، و كم احنُّ إلى تلك الساعة التي اعود فيها إلى وطني الحقيقيّ.
الحياةُ سفينةٌ عظيمة رائعة تمخرُ في بحرٍ، ماؤه الآثام البشريَّة الطافحة، و امواجه شهواتهم البهيميَّة الطامحة، و شطآنه نهايتهم المؤلمة الصادعة.
كلّنا ذلك الذئبُ المُفترس , يردع غيره عن اتيانِ الموبقاتِ وهو زعيمها وحامل لوائها , المُقوّض لصروح الفضيلة , ورافع أساس بناءِ الرذيلة .
الحياةُ سلسلة اضطراباتٍ وأهوال , والمرءُ يتقلَّب في أعماقها , حتى يأتيه داعي الموت, فيذهب الى المجهولِ الرهيب , وهو يجهلُ موته , كما كان يجهلُ حياته .
من العارِ أن تموتَ قبل أن تقومَ بأعمالِ الخير نحو الانسانيّة .
المالُ ميزان الشرِّ في هذا العالم .
السعادةُ ليست في المال , ولكن في هدوءِ البال .
كلُّ شيءٍ عظيمٍ في النفسِ العظيمة , أمّا في النفسِ الحقيرة فكلُّ شيءٍ حقير .
الرُّوح نسمةٌ يُرسلها الخالق لخلائقه لأجل , ثم تعودُ اليه بعجل .
الرُّوح نفثةٌ الهيَّة تحتلُّ الخلائق , وكل منها للعودة الى خالقها تائق .
الرُّوح سرٌّ الهيٌّ موصَدْ لا يعرفه الاّ خالق الأرواح بارادته , فمنه أتتْ واليه تعود .
أنا أؤمن بأنه توجـد عدالةٌ سماويّة , وأنَّ جميع ما يُصيبنا في الحياةِ الدُّنيا من مُنغِّصاتٍ وأكدارٍ انَّ هـو الاَّ جـزاء وفاق لمِا أجترحناه في أدوارنا السابقة من آثـامٍ وشـرور . ولهـذا يجب علينا أن نستقبل كلَّ مـا يحـلُّ بنـا من آلام الحياة ومآسيها غير م
الحرّيةُ منحة من السماءِ لأبناءِ ألأرض .
الموتُ ملاكُ رحمةٍ سماويّ يعطف على البشر المُتألّمين , وبلمسةٍ سحريّة من أنامله اللطيفة يُنيلهم الهناء العلويّ .
ما أنقى من يتغلّب على ميولِ جسده الوضيع الفاني , ويتبع ما تُريده الرُّوح النقيّة .
ما أبعدَ الطريق التي قطعتها سفينتي دون أن تبلغَ مرفأ السلام ومحطَّ الأماني والأحلام .
الراحة التامّة مفقودة في هذا العالم , وكيفما بحثت عنها فأنت عائدٌ منها بصفقةِ الخاسر المَغبون .
ليس أللّــه مع الظالم بل مع الحقّ.
ان الصديق الحقيقي لا وجود له في هذا العالم الكاذب.
ما أكثر القائلين بالعطف على البائسين وغوث الملهوفين والحنو على القانطين , وما أقلَّ تنفيذهم القول.
يظنُّ بعض ألأنذال ألأدنياء أنّهم يُبيّضون صحائفهم بتسويدِ صحائف الأبرياء , غير عالمين بأنَّ الدوائر ستدور عليهم وتُشهّرهم.
ما أبعدَ الطريق التي قطعتها سفينتي دون أن تبلغَ مرفأ السَّلام ومحطَّ الأماني والأحلام .
رهبة المجهول شقاء للبشرِ الجاهلين للأسرارِ الروحيَّة , وسعادة للذين تكشّفت لهم الحقائق السماويَّة .
الموتُ نهاية كل حيّ , ولكنه فترة انتقال : امّا الى نعيم , وامّا الى جحيم .
الحياةُ خير معلِّمٍ ومُؤدِّب , وخيرَ واقٍ للمرءِ من الأنزلاقِ الى مهاوي الحضيض .
حين تشكُّ بأقربِ المُقرَّبين اليك تبدأ في فهمِ حقائق هذا الكون .
مَنْ يكون ذلك القدّيس الذي لم تخطرُ المرأة في باله ؟ لو وجدَ هذا لشبَّهته بالآلهة .
المرأة هي إله هذه الأرض الواسع السُّلطان. و هي تحملُ بيدها سيفاً قاطعاً لو حاولَ رجالُ الأرض قاطبةً انتزاعه منها لباؤوا بالفشلِ و الخذلان .

الرحلة الرابعة

الدكتور دَاهِشْ

                                   الرحلاتُ الداهشيَّةُ

                                   حولَ الكُرَةِ الأرضيَّةِ

                                     الرحْلةُ الرابعَةُ

                                       عام 1971

                                 اليونَانْ- ليبيَا- مصْر

            

                       دارُ النَّارِ والنُّورِ للطباعةِ والنشرِ والتوزيع

                                     بيروت 1983

                                     زَوْرَقُ الأَمل

أيَّهَا الملاَّح،

دعنِي أَستقِلُّ زوْرَقكَ الذهَبيّ،

وأُبحرُ بهِ في متَاهَةِ الأُوقيانُوس الّلانهَاني،

ضارباً في فلَوَاتِهِ الفَيروزيَّةِ الرائعةِ الجَمَال،

صاعداً فوقَ أَمواجِهِ الهَادرَةِ المهيبَة،

هابطاً إلى أَعماقِهِ السَّحيقَةِ الأَغْوار،

تائهاً في أَبعادِهِ المجهُولةِ المعَالِم،

قصيّاً عن عوَالمِ الإِثمِ، ومُدُنِ الرذيلة،

وأَمكُثُ في رحْلَتي العجيبةِ أَعواماً فأَعواماً،

باحثاً عنْ (مدينةِ الأَحلام) حيثُ لا يُوجدُ أَنام.

آه؛ ما أَجملَ عالمَ الحُبِّ الحقيقيّ، ومَا أَبْهَاه!

وما أَقبحَ الأَكاذيبِ بمَا حواه!

                                                                             دَاهِشْ

                                                           منْ كتابِ"كلمات"

                                         مقَدِّمة

                                                                   بقلمِ المُحامي خَليل زَعتر

رحلةُ الدكتور داهشْ إلى اليونان فليبيَا فمصْر هي الرحلةُ الرابعةُ في سلسلةِ "الرحلاتِ الداهشيَّةِ حولَ الكُرةِ الأرضيَّةِ" التي تَنشُرُهَا، تِباعاً، "دارُ النَّارِ والنُّورِ"، بِحُلَّةٍ أَنيقةٍ فخْمةٍ، وإِخراجٍ رفيعِ المستوى، وطِباعَةٍ مُتقَنةٍ، مزيَّنةٍ بصُورٍ فوتوغرافيَّةٍ ورُسُومٍ فنيَّةٍ لمَا زارَهُ المؤَلِّفُ من أماكنَ في رِحلتِهِ التي استمرَّتْ خمسةً وسَبعينَ يوماً: يومان منْهَا في اليونانِ، وسَبعةُ أيَّامٍ في ليبْيَا، وستَّةٌ وستُّونَ يوماً في مصر.

ولعلَّ أبرزَ ما يَطبعُ أدبَ الرحلةِ عندَ الدكتور داهش الدقَّةُ في وصفِهِ لتحرُّكاتِهِ وسَكَناتِهِ. فالمؤلِّفُ، منذُ وصولِهِ إلى المطارِ، لا، بلْ منذُ مغادرتِهِ منزلَهُ حتَّى عَوْدتِهِ، ثانيةً، إليه يصفُ مشاهدتِه، ويُدوِّنُ إنطباعاتِه، ويُطلعُنَا على مقابلاتِهِ وأعمالِهِ، ويُدهشُنَا بدقَّةِ ملاحظَتِه، وسَعَةِ إطِّلاعِه. وقد خُيِّلَ إليَّ في أثناءِ قراءَتي لمخطُوطَةِ هذهِ الرحلة، أنَّني كنتُ رفيقَ الدكتور داهشْ في سَفرِه: صعدتُ معهُ إلى الطائرةِ، ورافقتُهُ في التاكسي، وساكنتُهُ في الفُندقِ، وصحِبتُهُ في تَجوالِه، وشاركتُهُ في آرائِهِ وأَفكارِهِ وتصرُّفاتِه. ولفَتَتْ نظَري طريقةُ معيشَتِهِ في بَسَاطتِهَا وقَسَاوتِهَا، واستَرعَتْ إنتباهي نوعيَّةُ إهتمامَاتِهِ وخبرَتِهِ العميقةِ في النفسِ البشريَّة، وأَذهَلَتْني ظاهراتُهُ الروحيَّة، وخشعتُ معْهُ أمامَ الأمكنةِ الأَثريَّةِ بجلالِهَا وروعَتِهَا وما ترمزُ إليهِ من حضارةِ الشُعوبِ ورُقيِّهَا، وصمَتُّ، متأَمِّلاً، معهُ، عظمةَ الفنِّ في المتاحفِ وما تَحويهِ من لوحاتٍ فنيَّةٍ ومنحوتاتٍ رائعةٍ، وكُنُوزٍ نادرةٍ، مستفيداً من تقييمهِ لهَا؛ ولا عَجَبَ! فكمَا إنَّ الدكتورَ داهشْ يَهوى السفرَ والتِرحالَ، فإنَّهُ، منذُ نُعومَةِ أَظفَارِهِ مولعٌ بالفنِّ، جامعٌ لتُحفهِ وكُنُوزِهِ، حتَّى إستطاعَ، في خلالِ نصفِ قرنٍ، وبجهدٍ شخصيٍّ تعجزُ عنهُ مؤَسَّساتٌ كبيرةٌ، أَنْ يقتَني عدداً وافراً من اللوحاتِ الفنيَّةِ والتُحفِ النفيسةِ لأَشهَرِ الفنَّانينَ العالميِّين؛ ولا شكَّ بأَنَّهَا ستكُونُ، في المستَقْبلِ القريبِ، نَواةَ المُتحفِ الداهشيّ.

ولا بدَّ لِمَنْ يُطالعُ هذه الرحلةَ منْ أنْ يُدركَ أنَّ حُبَّ المؤلِّفِ للسَفرِ وحُبَّهُ للمطالعةِ متلازمان؛ فالكتابُ رفيقُهُ الدائمُ، بلْ خدينُهُ وسميرُهُ، في حَلِّهِ وتَرحالِه؛ وقلَّمَا يمضي يومٌ لا يُنهيه بقراءَةِ كتابٍ أو صحيفةٍ؛ حتَّى أنَّهُ يُثبتُ، أحياناً، فقراتٍ من الكُتُبِ التي يُطالعُهَا في رحلتِهِ، كالفصلِ الذي أَثبَتَهُ عن الرحَّالةِ العظيمِ ماجلاَّن وكيفيَّةِ موتِهِ، وكذلكَ فقراتٍ عن موتِ الإسكندرِ الكبير. فالقراءةُ طعامُ المؤلِّف المفضَّلِ؛ فهو يقولُ :" الكتبُ هي طَعَامي المفضَّلُ، ونَهَمي لإلتهامِ مُتَنوِّعاتهَا لا يُشبعُ فُضُولي مطلقاً مهمَا طالعتُ منْهَا، فأنَا أقرأُهَا وأَتذوَّقُ حلاوتَهَا، وأَنتشي بمَا تَحويهِ من كُنُوزِ المعرفةِ التي أَودُّ فضَّ مغاليقِهَا، وإستيعابَ أَسرارِهَا المكنونةِ دوماً وأَبداً"؛ بل هي كالدِماءِ تَسري في عروقِهِ :"حُبِّي، بلْ شَغَفي الشديدُ لمطالعةِ مختلفِ أَنواعِ الكُتبِ... يسري مع الدماءِ في عروقي"(1)( من كتابِ"كلمات الدكتور داهش" في طبعتِهِ الثانية 1983، صفحة 82) . ومَنْ تسنَّى له معرفةُ الدكتور داهش وزيارتُهُ يعرفُ أنَّه يملكُ مكتبةً خاصَّةً تضمُّ زهاءَ مئتَيْ أَلفَ مجلَّد، في مختلفِ فُروعِ المعرفَةِ وشتَّى مواضيعِهَا.

ومَا يُضفي على رحلةِ الدكتور داهشْ طابعاً موضُوعيّاً علميّاً إعتمادُ المؤلِّفِ التصويرَ الفوتوغرافيّ والسينمائيّ للأَمكنةِ التي زارَهَا، فتَقْترنُ الكلمةُ المكتوبةُ عندهُ ببرهانٍ حسِّيٍّ تصويريّ، ممَّا يُشكِّلُ تُراثاً حيّاً للأَجيالِ الآتيةِ، يَستندُ إليه الباحثونَ في دراساتِهِم أَحوالَ تلكَ الشُعُوبِ وعاداتِهَا وتقاليدَهَا؛ وتُصبحُ هذهِ الأفلامُ مع مُرورِ الوقتِ دليلاً حاسماً على دقَّةِ ما وردَ في هذهِ الرحلةِ.

وأخيراً قدْ تجدُ في كُتبِ الرحلاتِ التي وضَعَهَا الأُدباءُ الآخرونَ وَصْفاً دقيقاً لعاداتِ الشُعُوب، والأماكنِ الأَثريَّةِ والمتاحفِ وحدائقِ الحيواناتِ والأَسواقِ التجاريَّةِ، والعُماراتِ السكنيَّةِ والملاهي والأَنديةِ والفنادقِ والمطاعِم، وبإختصارٍ لكلِّ ما تقعُ عليهِ عينُ الكاتبِ؛ ولكنَّكَ، بالتأكيدِ، لنْ تجدَ رحَّالةً- ولا يُمكنُكَ أنْ تجدَ رحَّالةً- يقومُ بأعمالٍ تخْرقُ نواميسَ الطبيعةِ كالدكتور داهش. وغايتُهُ من هذهِ الأَعمالِ أَو الظاهراتِ الروحيَّةِ هيَ إثباتُ وجُودِ الله وقُدرتِهِ ووجودِ عوالمَ روحيَّةٍ تسمو بدرجاتٍ عن عالمِنَا المادّي. فقدْ جرَتْ على يديْهِ أثنَاءَ وُجودِهِ في ليبْيَا ومصْر ظاهراتٌ روحيَّةٌ إثباتاً وتدليلاً على وُجُودِ الروح أَمامَ أَشخاصٍ عديدينَ ذوي ثقافةٍ عاليةٍ، ومراكزَ إجتماعيَّةٍ راقيةٍ، وقدْ شاهدوا عظَمةَ الرُّوحِ تتجلَّى على يدَي الدكتور داهشْ وتجترحُ الخوارقَ والمُعْجِزاتِ في عصرٍ غارقٍ في مادِّياتِهِ.

وهكذا يخرجُ القارئُ اللبيبُ من المُتعةِ والفائدةِ إلى شيءٍ يفوقُهُمَا سموًّا، ويبدأُ رحلةً في ذاتِهِ لإكتشافِ مجاهلِهَا، وإستقراءِ ميولِهَا، والبحثِ عنْ مصيره، والسؤالِ عن معنى وجودِه...

وعلى الجُملةِ، فإنَّ هذهِ الرحلةَ دليلٌ حيٌّ يَرجعُ إليهِ كلُّ إنسانٍ يعشقُ السَّفرَ، ويُحبُّ الإطِّلاعَ على المعالمِ الحضاريَّةِ للشعُوبِ التي قصدَهَا المؤَلِّفُ في رحلتِهِ؛ وهذهِ الرحلةُ هي، أيضاً، سِفرٌ حيٌّ لعالِمِ الإجتماعِ، بمَا تضمَّنتهُ من ملامحَ عنْ عاداتِ الشعوبِ وحياتِهَا وطُرُقِ معاشِهَا؛ ومرجعٌ لا غنًى عنهُ للمؤّرِّخِ المدقِّق، ولرجلِ الإقتصادِ إذْ يجدُ فيهَا فائدةً عندَ دراستِهِ تقلُّباتِ الأَسعارِ وتطوُّرَهَا وإرتفاعَهَا المّذهل في سنواتٍ معدودةٍ. والرحلةُ فوقَ كلِّ هذا وذاك، غذاءٌ للروحِ بمَا حوَتْهُ منْ دعوَةٍ صريحةٍ مدعومةً بالبراهينِ الحسِّيَّةِ الملموسةِ إلى الإيمان بعالمِ الروحِ والرجوعِ إلى جوهرِ الأديانِ السماويَّةِ المُنزَلةِ.

وفي نهايةِ المطافِ ركبتُ معهُ الطائرةَ في إيابِهِ إلى لُبنان مختصراً خمسةً وسبعينَ يوماً من التَجوالِ والسَّفرِ والمتعةِ والفائدةِ بساعاتٍ معدُودةٍ غبرَ صفحاتِ هذهِ الرحلةِ المُشَوِّقة.

                                                                             خليل زعتَر

                                                                   بيروت في 20نيسان 1983

                                        21شباط 1971

                                  التأهُّبُ للسَّفرِ إلى أثينَا

نحنُ اليومَ في 21 شباط عام 1971، وقدْ مضى على وجودي في بيروتَ خمسةَ عشرَ يوماً منذُ قَدِمتُ من روما في 7شباط 1971.

نهضتُ من فراشي في الساعةِ الخامسةِ، ورتَّبتُ حقائبي لأنَّني مُزمعٌ السفرَ، اليومَ، إلى أثينَا (اليونان) مع الأَخْ سليم قمبرجي.

وما وافتْ الساعةُ الثامنةُ حتَّى ابتدأَ الإخوةُ والأَخواتُ بالمجيء إلى منزلي بقصدِ تَوْديعي.

وفي تمامِ الساعةِ الثانيةَ عشرةَ والنصفِ، استقلَّيْنَا السيَّاراتِ ووجهتُنَا مطارُ بيروت، فبلَغناهُ في الواحدةِ إلاَّ رُبعاً بعدَ الظُهر، وكُنَّا عشرَ سيَّاراتٍ استقلَّهَا خمسونَ أخاً وأُختاً من الداهشيِّين. ووجدتُ في المطارِ رتلاً من الإخوةِ ينتظرونَ قُدُمي، فشكرتُهُم على عواطِفِهِم. وبعدَ أنْ أُخِذَتْ لنَا بضعةُ مشَاهدٍ سينمائيَّةٍ ودَّعتُهُم فرْداً فرْداً، ودخلْنَا إلى صالونِ المطارِ؛ وإذا بالميكروفون يُذيعُ وجوبَ توجُّهِنَا إلى الطائرةِ؛ ففعلْنَا، ودخلنَاهَا.

                                   الطائرةُ تُحلِّقُ بنَا

واشتعلَتْ مُحرِّكاتُ الطائرةِ، ثمَّ دَرَجَتْ بِنَا؛ وكانتْ الساعةُ الثانيةَ إلاَّ 12 دقيقة؛ واستمرَّتْ تسيرُ خمسَ دقائقَ كاملة، ثمَّ أطلَقَتْ لنفْسِهَا العنانَ بأقصى ما لديْهَا من قوَّةٍ؛ وبعدَ نصفِ دقيقة، كنتُ أنظرُ في خلالِهَا لساعتي اليدويَّة، ارتفعَتْ في الفضاء، وراحتْ تشقُّهُ بجَبَروت؛ وكانتْ الساعةُ، إذْ ذاكَ، الثانيةَ إلاَّ سبعَ دقائق تماماً. وأعلنَ الميكروفون أنَّ الطائرةَ ستُحلِّقُ على إرتفاعِ 31 ألفَ قدم، وستَصلُ إلى أثينَا في ساعتين.

نظرتُ من نافذةِ الطائرةِ، فإذا بالغيومِ تملأُ صفحةَ السماءِ، والرياحُ تدفعُ السُحُبَ الكثيفةَ بعكسِ سيرِ الطائرة. وكانتْ الرؤيةُ غيرَ جيِّدةٍ. وفي الساعةِ الثانيةِ و6 دقائق، أصبحتْ الطائرةُ كريشةٍ في مهبِّ الرياحِ العنيفةِ، تتلاعبُ بهَا مثلمَا يتلاعبُ الصِّبيةُ بالأُكَر. وفي تمامِ الساعةِ 3 إلاَّ ثلثاً، انقشعتْ الرؤيةُ نوعاً، وأُذيعَ أنَّ الطائرةَ تهبطُ من إرتفاعِهَا الشاهق رويْداً رويْداً، لأنَّهَا ستصلُ إلى مطارِ أثينَا.

وما لبثتُ أنْ شاهدتُ أبنيةَ الضواحي في أثينَا؛ وكانِ لسانُ البحرِ ممتداً، ومياهُهُ الزرقاءُ كأنَّهَا الفيروز. وحلَّقَتْ الطائرةُ فوقَه؛ وكانتْ الأبْنيةُ تحتَنَا؛ نشاهدُهَا، ونشاهدُ السيَّاراتِ وهي تسيرُ في الطرقاتِ الملتويةِ التواءَ الأَفاعي. وكانتْ الغيومُ تضربُ سرادِقَهَا فوقَ المدينةِ، والأمطارُ تتساقطُ... إنَّه فصلُ الشتاء.

وفي تمامِ الساعةِ 4 إلاَّ رُبعاً، هبطتْ بنَا الطائرةُ، فخرجْنَا منْهَا، والأمطارُ تغمرُنَا، وشعرْنَا بلذعةِ بردِ شباطَ الحزين.

                             إلى دائرةِ الجوازاتِ والجمارِك

كنتُ أوَّلَ من هبطَ من الطائرةِ، والأخ سليم بعدِي. كذلكَ كُنَّا أوَّلَ منْ وصلَ إلى دائرةِ الجوازاتِ؛ فأشَّرَ موظَّفُ الأمنِ على جوازيْنَا، ثمَّ انتقلْنَا إلى موظَّفِ الجُمركِ الذي طلبَ مِنَّا أنْ نفتحَ له حقائبَنَا، ففعلْنَا؛ وكذلكَ طلبَ من جميع رُكَّابِ الطائرةِ.

وقدْ لفتَ نظري فخامةُ البناءِ وإتِّساعُه، والنورُ الذي كانَ يغمرُه، والنظافةُ التي كانتْ تعمُّه؛ فهو كالحمامةِ المستحمَّةِ في ينبوعٍ من الماءِ الزلال.

                                   إلى فُندقِ آستور

استقلَّيْنَا تكْسيّاً أوصلَنَا إلى المدينة، ونزلْنَا في فُندقِ آستور؛ والمدينةُ تبعدُ عن المطارِ رُبعَ ساعة، تقاضى السائقُ 100 دراخما؛ والدراخما تُساوي 10 غروش لُبنانيّة أيْ يكونُ المبلغُ الذي تقاضاهُ عشرَ ليراتٍ. وقدْ أُعطينَا في الفُندقِ غرفةً في الطابقِ الرابع رقمهَا 413. وبعدَ أنْ وضعْنَا حقائبَنَا فيهَا، أَحبَبْنَا أنْ نقومَ بجولةٍ في المدينةِ لنتفحَّصَ معالمَهَا.

                                       في أسواقِ آثينَا

كانتْ الساعةُ الخامسةَ مساءً، عندمَا رُحنَا نتجوَّلُ في أسواقِ آثينَا، ونضربُ شوارعَهَا بأقدامِنَا، جائبينَ أزقَّتَهَا، متفحِّصينَ متاجرَهَا المغلقةَ الأبوابِ، لأنَّ اليومَ هو الأحد، وفيه تُغلِقُ آثينَا متاجرَهَا. وكانتْ الأمطارُ تتساقطُ منهمرةً، فابتَلَلْنَا، لكنَّنَا، رُغماً عنْ هذا، أَكمَلْنَا تَجوالَنَا في شوارِعِهَا قاصدين رؤيَتَها تحتَ وابلِ الأَمطارِ وهزيمِ الرياح.

كُنَّا نقفُ وراءَ زُجاجِ الواجهاتِ، ونُشاهدُ ما عُرِضَ فيهَا منْ بضائع. وقدْ لاحظتُ أنَّ الأثمانَ مرتفعةٌ للغاية؛ إذْ شاهدتُ محفظةً رجَّاليّةً صُنْعَ إيطاليا مطعّمةً بزخرفةٍ ذهبيَّةٍ، وقدْ سُعِّرَتْ بـ50 ليرة لبنانيَّة أَي 500 دراخما، ومحفظةً نسائيَّةً تُزخرفُهَا حجارةٌ رائعةٌ. وهي من صُنعِ أَلمانيَا، وقدْ سُعِّرتْ بـ250 ليرة لبنانيّة.

أَمَّا المعطفُ الرجَّالي فأثمانُهُ كانتْ تتراوحُ بين الـ250ليرة و750 ليرة لبنانيَّة؛ وهذا ثمنٌ فادحٌ، استغربتُ منه. وقلْ كذلكَ عن سائرِ البضائع. وغداً عندمَا تفتحُ المتاجرُ أبوابَهَا، سأرى بقيَّةَ البضائع وأثمانَهَا؛ إذْ لا بدَّ أنْ تكونَ السِّلَعُ التي تُصنَعُ في آثينا رخيصةً، وهذا ما سأعرفُهُ غداً. أمَّا البضائعُ الأجنبيَّةُ فأثمانُهَا فادحةٌ، وأظنُّ أنَّ السُّلطةَ تتقاضى رُسُوماً جمركيّةً مرتفعةً عليهَا.

                                   في أحدِ مطاعمِ آثينَا

بعدمَا قطعْنَا شوطاً كبيراً من سيرِنَا في شوارعِ آثينَا، وكانتْ الأمطارُ ما تزالُ تُطارِدُنَا، دخلْنَا إلى مطعمٍ مُتواضعٍ، وتناولْنَا فيه العشاءَ. أحببْنَا أنْ نجرِّبَ أَطعمةَ آثينَا، فطلبْنَا (نيفه) أي رأسَ خروف- وهذهِ أكلةٌ أشتُهِرَتْ بهَا آثينَا- فأمسكَ الطاهي الرأسَ، وشطرَه بساطورِهِ إلى نصفين، وقدَّمَ لكلٍّ منَّا شطراً. ولمْ نرَ في هذا الرأس إلاَّ اللسانَ والنخاعَ وما تبقَّى فلا شيء. وقدْ تقاضى ثمناً لطعامِنَا عشرَ ليراتٍ لبنانيّة أيْ 100 دراخما.

                                         إلى الفُندق

كانتْ الساعةُ تُشيرُ إلى السابعةِ والنصفِ، عندمَا استقلَّيْنَا تكسيّاً عُدنَا بهِ إلى الفُندق؛ وكانتْ ثيابُنَا مبتلّةً من الأمطارِ التي تساقطَتْ علينَا طوالَ تجوالِنَا في المدينة؛ فخلعْنَاهَا. وفركتُ رأسي بكولونيَا لأمنعَ الرشحَ عنِّي، ثمَّ جلستُ في فراشي، وطالعتُ بكتابِ (أصدقائي الوحوش)، تأليف بوريس أدر، وترجمةُ فؤاد كامل. والمؤلِّفُ يروي عنْ نفسِهِ كيفَ أصبحَ مُروّضاً للوحوشِ المفترسةِ في السيرك.

                                مخابرةٌ تلفونيَّةٌ إلى بيروت

في الساعةِ الثامنةِ مساءً، طلبتُ من إدارةِ الفُندقِ أنْ تصِلَني ببيروت؛ فقالَ لي الموظَّفُ:" المخابرةُ تتأخَّرُ لمُدَّةِ ساعتين أو أكثر"، فأجبتُهُ: لا مانع، سجِّل لي هذه المخابرةَ.

ولدهشتي قُرِعَ جرسُ التلفون، بعدَ دقيقتين قرعاً متواصلاً؛ فرفعتُه. وإذا بالمخابرةِ قدْ أتتنِي، فدهشتُ، إذْ أَعلَمَني الموظَّفُ أنَّ المخابرةَ تستغرقُ ساعتين لتُعطى لي، وإذا بِهَا تأتيني بعدَ دقيقتين. فتكلَّمتُ معْ (أُختٍ عزيزةٍ)، وأعلمتُهَا أنَّ الأمطارَ تعمُّ آثينَا، وأنَّنَا وصلْنَا إلى آثينَا، بعدَ ساعتين منذُ ودَّعنَاهَا بمطارِ بيروت؛ وقدْ اتَّفقْنَا أنْ تطلبَني غداً في الساعةِ التاسعةِ ليلاً.

                                    كنتُ تعِبًا فنمتُ

شعرتُ برغبةٍ للنومِ، لأنَّ السيرَ الطويلَ تحتَ الأَمطارِ أتعَبَني. وإذْ ذاكَ ألقيتُ الكتابَ من يدي، ثمَّ أطفأتُ الأنوارَ الكهربائيَّةَ، وما لبثتُ أنْ أسلمتُ نفسي لسُلطانِ النومِ الذي يُهيمنُ على جميعِ مخلوقاتِ كُرَتِنَا الأرضيَّةِ.

                                  22شباط 1971

نهضتُ من النومِ في فُندقِ أَستور بآثينَا؛ وكانتْ الساعةُ قدْ بلَغَتْ السابعةَ. فجلستُ، ودوَّنتُ حوادثَ الأمسِ وما تمَّ فيه، منذُ ذهابِنَا إلى مطارِ بيروت، حتَّى وصولِنَا إلى آثينَا، وسَيْرَنَا تحتَ الأمطارِ في شوارِعِهَا، لمُشاهدةِ حوانيِتِهَا المُغلقة.

وما وافَتْ الساعةُ الثامنةَ والنصف، حتَّى ارتديتُ ثيابي، وذهبتُ برفقةِ الأخ سليم إلى أحدِ المطاعم، فتناوَلْنَا فيهِ وجبةَ الصباحِ بيضاً مقليّاً مع صحنِ سلاطة. ولمْ يكنْ في المطعمِ سوى امرأةٍ تتناولُ قهوةَ الصباح، وكانتْ تُخالسُنَا النظراتِ إذْ عرَفَتْ أنَّنَا غُربَاء.

                                 إلى المُتحفِ المُغلَقِ

ثمَّ استقلَّيْنَا سيّارةً ذهبْنَا بهَا إلى المُتحفِ، إذْ قيلَ لنَا إنَّ فيه لوحاتٍ زيتيّةٍ، فضلاً عن الأثريَّاتِ التي يضمُّهَا.

وعندمَا بلغناه، قيلَ لنَا إنَّ المُتحفَ مُغلقُ الأبوابِ يومَ الإثنين. فاستقلّيْنَا سيّارةً توجَّهنَا بهَا إلى المدينةِ لنجوبَ متاجرَهَا وشوارعَهَا، وطلبْنَا من سائقِهَا أنْ يتوجَّهَ بنَا إلى سوقِ اللحُوم.

                                   إلى سوقِ اللحومِ

وصلْنَا إلى السوقِ الذي تُباعُ فيهِ اللحومُ بمختلفِ أنواعِهَا، وهو سوقٌ مسقوفٌ تُضيئُهُ الأنوارُ الكهربائيَّةُ. وهذا السوقُ مديدٌ إذْ يبلُغُ طولُهُ حوالي 300مترٍ، وتقومُ الحوانيتُ على جانبيه، وقدْ اكتظَّتْ باللحومِ المعلَّقة.

فأَنتَ ترى القراقيرَ الصغيرةَ، وقدْ تدلَّتْ برؤوسِهَا الصغيرة، والخنازيرَ المسمَّنَة وقدْ شُطِرَتْ إلى نصفين، ثمَّ لحمَ الخرافِ، والبقرِ، والعجولِ المسمَّنة، والماعز الخ الخ...

وهذا السوقُ غايةٌ في النظافةِ؛ إذْ لمْ يقَعْ بصري على أيَّةِ ذبابةٍ تُهوِّمُ على هذهِ الأطنانِ المُكدَّسةِ من اللحوم، بمَا فيهَا منَ الفِشَش، والمعاليق، والقلوب، والمقادم، الخ...

فالنظافةُ سائدةٌ بأتمِّ معانيهَا، وأبعدِ مراميهَا.

                                       في سوقِ الأَسماكِ

ودخلْنَا إلى سوقِ الأسماكِ، فإذا بهِ مكتظٌّ بشتَّى أنواعِ الأَسماكِ كبيرِهَا وصغيرِهَا. فأنتَ ترى سمكَ سُلطانِ إبراهيم بلونِهِ الأحمر وهو مكدَّسٌ بعضهُ فوقَ بعض، ثمَّ السمكَ البوري، فاللقّس، وسواهَا...

ولفَتَتْ نظري أكوامٌ هائلةٌ من الإخطبوط الهلاميّ اللزِج؛ وكانَ الناسُ يتسابقون لشرائِهِ. كما وُضِعَتْ أكوامٌ من القريدس، وسلاطعين البحر، ومن ذواتِ الأصداف، ثمَّ التوتياء، وغيرِهَا وغيرها...

                                إلى سوقِ الفواكهِ والخضَارِ

وخرجْنَا من سوقِ الأَسماكِ، لندخلَ إلى سوقِ الفواكهِ والخضَارِ. وأَوَّلُ ما لفَتَ نظري التُفَّاحُ الأحمرُ الشهيّ، وهو كبيرُ الحجمِ، ثمَّ الإجاصُ السائغُ المذاق، وسعرُهُ في آثينَا رخيص، والبندورةُ (الطماطم)، فمنْهَا الصغيرُ، ومنْهَا ما هو ضخمٌ بحجمِ طماطمِ لبنان، والباذنجانُ والبازلاَّءُ، والفولُ الأخضرُ. ولفتَ نظري، بصورةٍ خاصَّةٍ، الخيارُ، وهو مستطيلٌ، فالحبَّةُ منه قدْ تبلغُ حوالي الـ40 سنتمتراً طولاً، وطعمُهَا جيِّدٌ، وثمنُهَا يتراوحُ بينَ الـ4 دراخما والـ5 والـ6والـ7 دراخما؛ والدراخما تُساوي عشرةَ غروشٍ لبنانيّةٍ. أمَّا الموزُ فحجمُه صغيرٌ وعاديّ. لكنَّ بصلَهم صغيرُ الحجمِ، وطعمُهُ غيرُ حرِّيف، ولونُهُ أحمر.

                                وتِهْنَا في شوارعِ آثينَا

خرجْنَا من سوقِ الفواكِه، وسرْنَا نذرعُ الشوارعَ على غيرِ هُدى، وندخلُ إلى متجرٍ لنعودَ فنخرجَ منه، لندخلَ إلى آخر، ونساومُ بالبضائع، ونقلِّبَ السِّلَع، ودأَبْنَا على هذا العملِ في عشراتِ العشراتِ من المتاجر. وقدْ ابتعْنَا الكثيرَ من السِّلعِ التي اختصَّتْ اليونانُ بصنعِهَا، كاللُعَبِ الثمينة، ذاتِ الأَثوابِ المزركشةِ بالخرزِ الملوَّن، والبرقِ اللامع، والثيابِ الملوَّنة؛ وأسعارُ هذه اللُعَب التي تزينُ المنازلَ مرتفعةُ الأثمان؛ ولا عجَب، إذْ إنَّ الزركشةَ التي صُنِعتْ بهّا هذه اللُعَبُ مُتعبَةٌ، وتحتاجُ إلى وقتٍ، واليدُ العاملةُ غاليةٌ.

وكذلكَ ابتعتُ صُحُوناً اختصَّتْ اليونانُ بصُنْعِهَا، وهي من المعدنِ الأصفر، وبوسطِ الصحن رسمٌ يونانيّ قديمٌ يمثِّلُ أبطالَ الأساطير، كفطرقل، وعُوليس، وهكتور، وآخيل، أيْ أبطالَ الإلياذة التي أتحفَ بهَا العالمَ الشاعرُ العظيم هوميروس.

كمَا ابتعتُ لوحةً تُمثِّلُ مقتلَ هكتور وقاتلَهُ آخيل وقدْ شدَّ قتيلَهُ إلى عرَبَتِهِ وسارَ بهَا، وجسدُ هكتور ورأسُهُ يرتطمان بالأرض؛ وهي لوحةٌ جميلةٌ رُسِمَتْ على قطعةٍ كبيرةٍ من الخشبِ.

Developed by Houssam Ballout        Copyright 2019 This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.nfo All Right Reseved This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.