الأرض ستُدمَّر
ما شاهدته ليل الأمس لا يُصدَّق!
ما شاهدته في حندُسِ الليل هو رهيبٌ كلَّ الرهبة!
ما شاهدته يدلُّ على انحطاط الجنس البشري.
انَّه أول الويلات التي ستُحيق بالأرض دونما ريب.
انَّ الفحشاء التي مثَّلت بأرقى مُدن الأرض لا تصدّق وقائعها.
انَّ الدعارة التي حبَّذها المُشاهدون تدل على تدهور الأخلاق نهائياً.
انَّ الفسق الذي تسمح به الدولة يدلُّ على الرعب المزلزل.
انَّ الأخلاق ديست تحت سنابك الدعارة الوقحة.
مشاهد يخجل القلم أن يدوّنها لأنها لوثة العار وعنوان الشنّار.
رجالٌ ونساء – نعم ونساء- كانوا يشاهدون الدعارة بأعينهم.
ثمَّ يصفِّقون لما يشاهدونه من أثمِ بأيديهم!
لا كنت أيَّتها المدنيَّة المُلطَّخة بأنتن الأقذار,
كيف تسمح الحكومة بمثل هذه اللوثات الفاضحة؟!
ألا يوجد رجال فضيلة ونساء قيم أخلاقيَّة في البلاد؟!
كيف يسمح الأخ لأخته أن تحضر موكب الفسق؟!
وكيف يسمح الزوج لزوجته أن تذهب لدار الفجور؟!
انَّ الجبال ستتفكك أوصالها !
والآرض ستُفكُّ من عُقالها !
وستعصف بدنيانا صواعق الغضب الألهيّ المُبيد.
اذ ستنطلق القنابل الذريَّة فتُباد كلُّ ذريّة,
لأنَّ صبر اللّه طويل... ولكن غضبه الهائل سبنصبُّ علينا.
فزلزلي أيَّتها الأرض زلزالك,
وأخرجي أيَّتها الصخور أثقالك,
فدنيانا أصبحت بحاجة ماسّة لأن تُدمَّر تدميراً نهائياً.
فمدينتا سدوم وعامورة اللتان أمطرهما الله ناراً وكبريتاً,
ومحاهما من عالم الوجود لفسقهما ودعارتهما
لا تُذكر مخازيهما
اذا قيست بما يجري اليوم في أرقى عواصم الدنيا.
فألهم يا الهي, ألهم يا خالقي ويا موجدي
المسؤولين في أمريكا وروسيا
أن يطلقوا القنابل الذريَّة من عقالها,
فتتفكَّك ذرَّات دنيانا وتُباد فنُباد,
عقاباً لِما يجري من دعارة مُرعبة لم تشاهد البشريَّة نظيرها
منذ خلقتها يا ربَّ العالمين.
وبعد فناء أرضنا وما كانت تضمَّه في ربوعها من البشر,
ضعهم في جهنَّمك المتأجِّجة بنيرانها الخالدة , يا الله,
جزاءً وفاقاً لِما ارتكبوه من فسقٍ مُعيب,
فيعرف الجميع اذ ذاك أنَّ الجزاء من نوع العمل,
ويُخلَّدون حينئذٍ في جحيمهم الأبديّ,
تمزِّقهم كلاليب الشياطين,
وتشطرهم سيوف الأبالسة,
ويُسقون الحنظل, ويُطعمون الزقّوم,
ويُحرمون من النوم,
ويغوصون في أوقيونسات القلق الأيديّ,
ويُهيمن عليهم الخوف المُرعب,
ويقطن في قلوبهم الجزع المروّع,
وهم في أهوالِ مخاوفهم خالدون.
ستوكهولم- أسوج في 20-6-1972
الساعة السابعة والثلث صباحاً.
الوردة الجوريَّة
أيَّتها الوردة العجيبة! انَّ وجهك الضاحك هو الجمال المتجسّد,
وعبيرك الناعم المنعش هو روحك الشفافة,
ولغتك يا وردتي الجوريَّة هي الشعر المنمَّق,
انَّ يد اللّه هي التي كوَّنت رداءك السماويَّ !
والنسيم الشفَّاف يطربه قربك,
لهذا ترينه ـبداً يترنَّح امام معبد جمالك المُذهل للعقول,
والشمس تبتهج عندما تراك أبداً تبسمين لها,
فتحيِّيك بدورها اذ تغمرك بأنوارها الألهيَّة المُحيية,
وعندما تتفتَّح براعمك الدقيقة, يغمرك فرحٌ عجيب,
للمشاهد التي كوَّنتها يدُ المُبدع المُهيمن.
فيا مليكة الأزهار,
أنت فينوس المروج,
وحبيبة الشموس,
بل عشيقة الأقمار,
أنتِ تشمخين غلى غصنكِ الأملود بجمالٍ فائق
وافتخارِ من ظفر بالأنتصار.
لقد خلقتِ وردةً بهيَّة, ولكن واأسفاه!
سريعاً ما يطالكِ الموت يا مليكة الرياحين.
وأذْ ّاكَ تحزن المروج لفراقك.
وتنوح الحدائق لبُعدك المُرجَّى,
وتندِبُ شقائق النعمان عيابك المُحزن,
وتغرِّدُ الأطيار أغاريد الحُزنِ لفراقك المُشجي,
وأوراقك الخضراء الغضَّة تتطاير مُتناثرة,
موغلةً بعيداً بعيداً مع الرياح الغضوب,
وأريجك العجيب, وعبيرك الغريب يتضوَّع في الأرجاء الفسيحة.
وهكذا تتجسَّدين في عالمٍ آخر وردةً سماويَّة.
تغرسها فينوس على شعرها الألهيّ العجيب,
كرمزٍ لها يُمثّل الجمال الخالد,
فيا وردتي ذات الفتنة الفردوسيَّة!
أسكبي عليَّ عبيرك لأتنسَّم منه رائحة جنَّات الخلد
المترعة باللذاذات اللانهائيَّة.
حدِّثيني عن عالمك الموشَّى بالأزهار العجيبة
حدِّثيني عن الحيِّ الألهيّ,
حدِّثيني عن الكواكب والسُّدم والمجرَّات,
حدِّثيني عن الجمال والفتنة والروعة,
حدِّثيني عن عالمك السحريّ الذي لا يبلغ اليهِ
الاَّ كلُّ من صفت نفسه وسمت روحه,
وعرف معنى الجمال الخلاَّب والفتنة التي تضلُّ فيها العقول
حدِّثيني , حدِّثيني يا وردتي العجيبة
حدِّثيني يا ربَّة شعري حدِّثيني !
الدكتور داهش
المال والله
عندما صمَّمت أن أقوم برحلةٍ حول العالم، ذهبت إلى شركة الطيران وقلت لها:
-إذا منحتني تذكرة سفر مجانية فإن الله سيزيد دخل الشركة.فنظر إليّ المدير نظرة تهكّمية،وقال لي:
- ليس عندنا وقت نضيّعه، فادفع تجد دفتراً يخوّلك القيام برحلةٍ ترى فيها الكرة الأرضية بأسرها.
واضطررت أن أدفع،لأن اسم الله لم يكن جوازاً صالحاً لمنحي دفتراً مجانياً. وكانت أول مدينة نزلت فيها روما.
وعندما غادرت فندق الهلتون الذي نزلته عند وصولي إلى روما، قلت للمسؤول:
-إن الله سيعوّضكم أضعافاً إذا لم تتقاضوا مني أجرة منامي. فقال لي:
-الوقت لا يسمح لي بمبادلتك المُزاح، فادفعْ وارحلْ.
فدفعت صاغراً ثم رحلت.
وفي مدينة نابولي ابتعت سلعة من متجرٍ كبير، وقلت لمن باعنيها:
-أنا مؤمن بالله فلا تأخذ ثمنها منّي.
أجابني:
-آمن بالله أو بالشيطان، فهذا أمر يخصك.أما ثمن السلعة فيخصني.
فدفعت الثمن و خرجت.
وفي باريس أعجبت بلوحة زيتية، وقلت لصاحب المتجر:
-حلمت أن الله قال لي أن لا أدفع لك ثمنها، إذ يجب أن تهبني إيّاها مجاناً، فيكافئك الله على عملك.
فأجابني:
-انا لا يهمني ما قاله الله لك, وما يهمني هو قبض ثمن لوحتي.أما مكافأته لي فأنا بغنى عنها لأنها وهمية وسفسطة كلامية.
فأجبرت على ان أدفع له وأهرول خارجاً.
وفي بلجيكا استبد بي العطش الشديد، فشربت زجاجة من عصير البرتقال، وقلت لصاحبة متجر المبردات:
- لقد نسيت محفظتي في الفندق فسامحيني بالزجاجة التي شربتها بوجه الله.
فاستشاطت غضباً وقالت :
-لن تغادر مكانك قبل أن تدفع ثمن ما شربته.
أما وجه الله فدعه لك لترى وجهك فيه كالمرآة.أما أنا فدعني أشاهد وجه الفرنك، فهو انفع لي من وجه إلهك المزيّف.
وفي أمستردام - هولندا- تناولت طعام الصباح بأحد مطاعم المدينة.
وعندما نهضت لأخرج مثلت دوراً، إذ جعلت أبحث في جيوبي ثم أخرجها فارغة.
وقلت لمن أحضر لي الطعام:- لقد فقدت محفظتي،فتأكيداً لوصية السيد المسيح الذي قال"إن جاء عدوّك فأطعمه، وإن عطش فأسقيه"، وأنا لست عدواً لك: وأنت تدين بدين المسيح، فتنفيذاً لوصيته تجاوز عن ثمن الغذاء.
فأجابني:
- ولكنك ستجد محفظة نقودك في السجن.
فقلت له:
- هل هذا هو تكريمك لكلام مسيحك؟
أجابني:
- أنا أكرّم الدينار لا المسيح، وجميع أبناء البشر مثلي، فنحن متساوون.
وفي ديسلدورف- ألمانيا- لم أجد مكاناً في أي فندق ذهبت إليه لأن معرض المطابع الدولي كان معقوداً آنذاك . وقد وجد لي مكتب الإستعلامات مكاناً أنزل فيه عند عائلة.
فمكثت عندهم ثلاثة أيام. وعند انقضائها قلت لرب المنزل:
- إن الله أمر بإكرام الغريب.فتنفيذاً لوصيته الإلهية، وتكريماً لأقواله السرمديَّة، أطلب أن تعفيني من أجرة الغرفة، وعند عودتي إلى بلادي أسدّد لك الحساب.
وإذ ذاك احمرّت عيناه وانتفخت أوداجه، وكاد أن يلقيني من النافذة. وقال لي:
- حقائبك عندي حتى تدفع لي إستحقاقي. أما خرافة الله فنحن اليوم في القرن العشرين. وكلامك كان يصدق في العصور المُظلمة لا اليوم. إذ إننا نعيش في عصر العلم، عصر النور والمعرفة.
وفي كوبنهاكن – الدانمارك - قصصت شعري و قلت للمزيّن:
- ما هي ديانتك ؟ أجابني:
- مسيحي.
قلت له :
- المسيح قال"من أخذ رداءك فأعطه أيضاً قبعتك".لهذا أطلب منك أن لا تأخذ ثمن إصلاحك لشعري.
أجابني:
- أنت ومسيحك أغربا عني، بعد أن تريني وجه الكرنات العشرين أجرة عملي.
وفي هلسنكي – فنلندا- ركبت الباخرة النهرية، وقمت فيها مع سواي من السيَّاح بنزهةٍ حول الجزر الفنلندية. وقبل أن أدخل الباخرة قلت لقاطع التذاكر أن يعفيني من دفع ثمن التذكرة لأن الله يحب عمل الخير. فقال لي:
- نحن الغربيين عمليون. أما أنتم الشرقيون فخياليون فادفع أو دع الله يدفع عنك.
وفي ستوكهولم بآسوج أحببت أن أقوم برحلةٍ في أوتوبيس مع غيري من السياح إلى الكرة الآسوجية.
وقلت للشركة المُولجة بإعطاء التذاكر أن تهبني تذكرة مجانية تخوّلني القيام بهذه الرحلة.وأكملت - أن الله لا يضيّع أجر المُحسنين.
فأجابني المسؤول:
-أنا لا أؤمن بالله أو بالشيطان، فكلاهما عندي سيّان. فإذا كنت مؤمناً بأحدهما فدعه يعطيك تذكرة الرحلة، وإلاّ فدعنا نرى عرض أكتافك.
وعند ذاك نقدته ثمن التذكرة.فابتسم وقال لي:
-هذا هو الله الذي يعرفه أهل هذا العصر،أما الله الذي تعنيه فقد دفنه العلم ولن تقوم له بعد اليوم قائمة.
وبعد غد سأذهب إلى أوسلو بالنروج، ثم اغادرها بعد أيام إلى لندن، ثم إلى النمسا، وأخيراً إلى اليونان.
ولكنّي لن أجرّب ما جرّبته في العواصم التي ذكرتها لأن الأجوبة ستكون واحدة.
فيا أيها الدينار،
يا صاحب المجد والقوة والإقتدار،
يا صاحب المقدرة الفذّة العجيبة،
يا من يحبك جميع سكان الكرة الأرضية.
لقد تفوقت على الخالق تجاه الخلائق.
فالخالق قد خلقك فتعاظمت عليه...ونجحت.
وهنا أعجوبة الكون الكبرى.
أمخلوق ويتفوق على الخالق فيتمسك به الجميع، ويطلبه الجميع، ويتوسّل إليه الجميع، ويعبدونه دون الله؟!
والشعوب تراها تزحف حيث يكون ،ضارعة إليه أن يزورها لتتبارك به، وملوك الأرض يطلبونه بشوقٍ عظيم!
وحكَّام المعمورة يلجّون في طلبه، ودكتاتورو دنيانا يقلبون الأرض ويقبّلونها في سبيل الحصول عليه!
وغيد هذه الدنيا وصباياها، وأجمل الجميلات فيها يبذلن ما حباهنّ الله به من جمالٍ في سبيلِ الحصول على بعضه!
فالخالق فشل من حيث انتصرت أنت!
أتوجد قوة تعلو على قوةِ هذا الدينار الجالس على عرش القوة والإقتدار.
إن الله أصبح عند البشر مجهولاً، والدينار أصبح هو المعروف والمُعترف به.
إن هذا إلا لغز عجيب غريب لا يستطيع أي مخلوق بشريّ أن يفكَ طلاسمه ويرفع الأختام عن رموزه ليهتك أسراره.
إنَّ مُخترعك أيها النضار إن هو إلا الشيطان الرجيم بعينه. لقد أوجدك ليوجد الشر في الدنيا.
أوجدك لتعم الخطايا، وتعظم الرزايا، وتطغى البلايا.
أوجدك كسلاحٍ يحارب به الله عز و جل، وقد نجح هذا الشيطان الأثيم.
فالبشر قد عبدوا النضار، وتخلّوا عن الله خالق الليل والنهار.
أوجدك ليوجد الشقاق، وليعمّ الكذب ويعظم النفاق.
أوجدك ليضمّ كل أهل الكرة الأرضية إلى جهنمه المتَّقدة بالنيران ذات التأجّج الأبديّ.
فيا الله!يا خالق الاكوان، وموجد العوالم المعروفة والمجهولة!
أما آن لقدرتك الإلهيَّة أن تبطشَ بهذا المال الأثيم؟
فببطشك به تكون قد بطشت بإبليس اللعين.
إن صبرك، يا الله، هو عظيم وعظيم جداً.
فعندما ترغب إرادتك الإلهيَّة أن تُنهي سلطة المال في أرضنا الشقية بوجوده، إذ ذاك يعمّ الصلاح أهل الأرض.
وعوض أن يضمهم إبليس إلى مملكته الجهنمية المتأجِّجة بالنيران الخالدة الأبديَّة، تستضيفهم السماء في جنَّاتها العجيبة ذات البهجات السرمديَّة.
مدينة أوبالا الأسوجية،في 18/6/1972
الساعة الثانية بعد الظهر