أين جمشيد وداريوس
والشمسُ التي أشرقت على قصور الأكاسرة,
وذُكاء التي سطعت على عروش القياصرة,
اذا بها تتألَّق فتغمر بأشعتها قبورهم وقد توسدوها ورؤوسهم حاسرة,
أينَ جمشيد وداريوس وسواهما؟ - انَّهم أصبحوا عظاماً نخرة بالية!
أين أنطونيوس وكليوباترا التي كانت بكلمتها آمرة ناهية!
أين هانيبال وقيصر وما كان يحيطهما من أُبَّهة وعظمة
لأنتصار جيوشهما الظافرة!
أينَ بونابرت والأسكندر؟ لقد أصبحا اسطورة يرويها راوية!
أينّ بلاط سليمان الفخم الضخم؟
فقد أصبح مرتعاً لبوم الخرائب والذِئاب الهائمة!
أينّ الأُلى حكموا وتكبَّروا , وظلموا وتجبَّروا
فسيقوا الى جهنَّم المُرعبة بنيرانها الخالدة!
أينّ الملوك الطُغاة, والأباطرة البُغاة بعد أنْ زلزل الموت عروشهم الآفلة!
فالموت أسكنهم اللحود بعد القصور المنيعة اذ أنشبَ فيهم فولاذ أظافره!
تُرى, هل اعتبرَ مخلوقٌ ما فترك الرذيلة وتمسَّك بالفضيلة الناصحة الناهية؟
انَّني واثقٌ بأنَّ الجميع سيمكثون غائصين برذائلهم الساقطة السافلة,
ولن تردعهم كلماتي, فهي بشرعهم كخيوط العناكب الواهية.
ميلانو, في 6\3\1974
الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر
موسوليني
لقد سقط الجبَّار وأمله تردَّم وانهار
أيُّها الدكتاتور الجبَّار!
أيُّها العِصامي الذي بنى مجده بيده !
يا من بوتقتَ ايطاليا ببوتقتك الموسولينيَّة الفولاذيَّة !
لقد انقاد لك الشعب الأيطالي مثلما تنقاد الخِراف لراعيها !
لقد ابرقتَ وأرعدتَ وهدَّدت وتوعَّدت !
وكانت خطبةٌ ناريَّة من خِطبكَ المُزلزلة
تدع الأسطول البريطاني القويّ يمخر عارضاً عضلاته في البحر المتوسّط,
تحسُّباً للطوارىء.
هدَّدتَ الحبشة وتوعَّدتها, ثمَّ ارسلت جيوشك اللجبة
فاجتاحت بلاد النجاشي.
وأسَّست أمبراطوريَّة شامخة وأنف مُعارضيك في الرغام,
اذْ كانت كلمتك قانوناً لا يُنقض.
ثمَّ أعلنتَ الحرب العالميَّة الثانية,
فزأرت المدافع , ولعلعت طلقات البنادق,
وألقيت القنابل الجهنميَّة ففتكتْ بالجماد والعِباد.
وزلزلت الأرض زلزالها, وأخرجت الأرض أثقالها,
فاذا بالعواصم العالميَّة قد أصبحت خراباً بلقعاً,
يُشيح المرء بوجهه عن أطلال خرائبها الحزينة,
التي كانت تبكي ماضيها الشامخ.
ثمَّ انتهت الحرب الضروس, وانتصر الحلفاء ,
وانكسارك مع الفوهرر الألماني أطفاء أوار هذه الحرب الجهنَّمية.
خَسِرَ الحرب بعد أن تألَّبت عليه جميع دول أوروبا وأمريكا,
اذ خرجوا عليه بأساطياهم وجيوشهم الجرَّارة ودباباتهم المُرعبة,
فكانت النهاية المُحزِنة المُبكية.
وأنت يا من أصبحتَ مهيض الجناح, كسير الفؤاد التاعس الحظ,
لقد انكفأ ميزانك كما انفضَّ عنّك جميع أعوانك.
فالجميع يُصبِحون مع المنتصر, ويولُّون وجوههم عن المُنكسر.
خسيء هؤلاء الزعانف! ما أشدَّ حقارتهم,
وما أبعد الشهامة وعزَّة النفس عنهم!
ويا أيُّها الدوتشي العظيم!
لو كنت انتصرت لكان العالم مجَّدك تمجيداً عظيماً,
ولعقدوا على رأسك أكاليل الغار علامة الظفر والأنتصار.
أمَّا وقد سقطت فقد أصبحتَ ( بعرفهم)
المُجرم والذي يستحقّ العِقاب المُزلزل!
خسِئت هذه القوانين الكاذبة, قوانين البشر التافهة,
فسواء أنتصر الديكتاتور أو انكسر فالأمران سيَّان عند الحقيقة,
الحقيقة الحقَّة التي لا يأتيها الباطل من الوراء أو من الأمام,
اذ انَّ ما يهمُّها انَّما أعماله.
فأعماله وسلوكه هي التي ترفع درجته أو تخفِّضها.
ثمَّ يا للعار الأبدي , ويا للشنَّار السرمدي!
اذ أطلق عليك النار أحدهم فأرداك قتيلاً.
ولكن لا تحزن, لا تحزن,
فالأسد أو النمر تجندلهم أيضاً رصاصة صغيرة.
والمسيح, أيضاً, ألم يصلبوه, وبعد انطلاقه بأعوامٍ مجَّدوه!
وغاندي, غاندي القديس ونبيّ القرن العشرين قتلوه, أيضاً, ثمَّ بكوه!
هؤلاء هم البشر, هؤلاء البشر الأشقياء الأشقياء.
ومقتلك أيُّها الدوتشيّ لن يذهب بعظمتِكَ, ولن يمحو عصاميَّتك.
فالكرة الأرضيَّة بأسرها تعرف أنَّك ما كدتَ تُغمِضَ عينيكَ,
وتنطلق من عالم الأرض,
حتى تفكَّكتْ تلك الأمبراطوريَّة التي بنيتها,
كما تبدَّد جميع ما أنجزته لمجدِ ايطاليا أيَّام حكمك.
وأن أُمجَّد فأنّي أُمجّد ( كلارا بيتاتشي)
التي أبت الاَّ مرافقتك برحلتك الأبديَّة.
هذه هي البطولة الحقَّة, ويا لها من بطلة لا يُشقَّ لها غُبار.
وممَّا يدعو الى امعان التفكير والتأمّل مثواك الأخير الذي لا يعرفه أحد.
فأفقر الفقراء تواريه الحفرة , ويُهال على جثمانه التُراب.
أمَّا أنت أيُّها الفولاذيّ الأعصاب ! ويا من أحرقت أعصابك
وبذلت حياتك في سبيل عظمة ايطاليا,
فقد ضنّوا عليك حتى بحفرةٍ صغيرة تحنو على جثمانك.
فما أشرّ هؤلاء الجاحدين الناكرين لأفضالك.
أيُّها الدوتشيّ الذي دوى اسمه حقبة من الزمان,
وردَّد اسمه كلّ انسان.
سواءٌ أمجَّدك الناس أم أبوا ذلك,
فما أنت الاَّ بطلٌ صنديد أرغمتَ التاريخ أن يسجّل اسمك
في صفحاته حتى يوم يُبعثون.
روما, يوم السبت في 9\3\1974
والساعة الثامنة الاَّ ثلثاً ليلاً.
زينـــا
زنبقة الرسالة
أنتِ ملاكٌ سماويّ,
يحيا في عالم الشياطين والأبالسة.
لقد أوصلتِ سيَّالاتك لأعتناق الداهشيَّة,
وسرتِ على تعاليمها الروحيَّة.
اذاً, ثقي بأنَّكِ قد ضمنْتِ لنفسكِ عالماً خلاَّباً
لا يستطيع قلم بشريِّ أنْ يصِفَ مفاتنه الألهيَّة.
وهناكَ حيثُ لا حزنٌ أو شقاء,
ستحيين مع ملائكة الله الأطهار الأبرار,
مدى الآجال والأدهار.
في 29\ 3\ 1974
الساعة الخامسة والنصف بعد الظهر
ليلةٌ ليلاء
كانت ليلة رهيبة لا مثيل لهاّ
فصواعق السماء كانت تنقضُّ انقضاضاً مُدمِّراً,
فيتعالى صدى زمجراتها الهائلة المخاوف!
والأمطار كانت تتساقط بعنفوانٍ هائل!
ووميض البروق الساطعة يُبهر النواظر!
وعلا عواء الذئاب الجائعة
الهائمة بين الثلوج المُنهمرة بجنونٍ مُثير,
فرجَّعت الأودية صدى عوائها المُؤسي.
وفجأةً زلزلت الأرضُ زُلزالها,
وأخرجت أهوال أثقالها,
وانشطرت الأرض الى نصفين,
واذا بهوَّةٍ لا نهائيَّة الأسحاق
تبتلع البشر المُعوّلين بخوفٍ جبروتيّ صارم!
انَّها ليلة تاريخيَّة مُفعمة بالأهوال المُحيقة
انقضَّت على دُنيانا فنشرت فواجع الهولِ المُدمّر.
بيروت 10\5\1974