الرحلاتُ الداهشيّة
حولَ الكرَةِ الأرضيَّة
أُمنيةٌ خيَاليّةٌ
سأحملُ القيثَارَ الجميلَ وأعزفُ عَليْه أنَاشيدَ حُبّي وغَرامي
وسأُردّدُ قصيدَةَ أشوَاقي فتنقلُ الأوتارُ قصَّةَ تَوْقي وهيَامي
وسيحملُ الهَواءُ أغاريدي ويُوصلُها لموطِنِ الكواكبِ فتُبلّغَهُم سَلاَمي
وسَيَسمعُ أنَّاتِها الحَزينةِ سُكّانُ المجرّاتِ فيعرفونَ أنْباءَ آلامي
لعلَّهم يستَدعُونَني إلى عَوَالِمِهم البَعيدةِ السَّعيدةِ بعدَمَا يتفهّمونَ أحزَاني وأسقَامي
تُرى, هل سيُوفدُون أحَدَهُم ليصحَبَني فأَجدهُ فجأةً أمَامي؟
الدكتور دَاهِشْ
من كتابِ المُهَنّدِ البَاتِر
ذكراكَ خالدةٌ
أيُّها الرَّاحلُ الحبيبُ(1) رسمُك الغَالي أَمَامِي
أذكُرُ نَبَالتكَ وعظيم وَفَائِك فإذا بقَلْبي دَامي
أتخيّلكَ دَوْماً ، وَلَنْ أَنسَاكَ طوَالَ أَيّامي
لقد كُنتَ نبيلاً مَعي وحافِظاً لذمَامي
وكنْتَ تُردِّدُ كلِمتَكَ قائِلاً لي: أنتَ إمامي"
سأذكرُكَ دَوماً حتّى تدنو ساعةُ حِمَامي!
الدكْتور دَاهِش
من كتابِ المُهَنّدِ البَاتِر
1- هو الدّكتُور جُورج خَبْصا الدّاهِشيّ
كم أتوقُ للقيَاك
عَليكَ السَّلامُ أيُّها العَالَمُ الحَالِمُ الّذي أَتُوقُ لِلقيَاه!
عَليكَ السَّلاَمُ أيُّها الكوكبُ المُنير الذي لا أُريدُ سِوَاه!
عَليكَ السَّلامُ أيُّها النَّجمُ المتألّقُ الذي لا وَلَنْ أَسلاَهْ!
عَليكَ السَّلاَمُ أيُّها البَدرُ الذي تُردِّدُ الشِّفَاهُ ما أروَعَهُ وأَبهاهْ!
عَليكَ السَّلامُ أيُّها الفَريدُ بمَفاتِنكَ، يَا مَنْ لاَ أَنْسَاهْ!
عليكَ السَّلامُ أيُّها الرَاتعُ بسَلامٍ إلهيّ هُو مَا أتمنَّاهْ!
الدكتور دَاهِش
من كتابِ المهنَّدِ البَاتِر
تَوطِئَة
بِقلم الدكتور فريد أبو سليمان
في الثاني منْ آب 1969 غادرَ الدكتورُ داهشُ لبنانَ، برفقةِ الدكتور جورج خبصا أَخيه الحبيب وطبيبِ الأمراضِ الجلديَّةِ الأشهر، للقيامِ برحلةٍ حولَ العالم.
وكانَ الدكتورُ داهشُ منذ 28 آب 1944- ذلكَ اليوم المشؤومِ الذي اعتُديَ فيه على حريّتهِ ظلماً وعدواناً- متوارياً عنْ العيان. وكانتْ الصحفُ اللبنانيّةُ تتخبَّطُ في ما تذكرهُ عنهُ منْ أخبار، وما ترويهِ من أمورٍ، وما تنشرُه من اختلاقاتٍ ما أنزلَ اللهُ بهَا مِن سلطان.
لقد حجزَ الطاغيةُ حريّتَهُ بطريقةِ التعسُّفِ الرهيبِ والظلمِ الهائلِ دون ذنْبٍ أو وِزْرٍ ارتكبَه. وبأَسفٍ عظيمٍ أَقولُ إنّه لم تَشجُبْ أيّةُ صحيفةٍ يوميّةٍ أو أسبوعيّةٍ أو شهريّةٍ هذا الظلمَ الهائلَ الذي أوقعَهُ به بشارة الخوري رئيسُ الجمهوريةِ يومذاك، ولمْ يُحرّكْ أيُّ صحفيٍّ قلمَه ليُناصرَ المظلومَ البريء.
وبالعكس، راحتْ هذه الصحفُ ترشقُ داهشاً بألسنةٍ حِداد لتنال إعجابَ الحاكمِ الطاغية، مع أنَّ الصحفيَ صاحبَ رسالةٍ مقدَّسةٍ واجبُهُ أن يُناصرَ العدالةَ ويُهاجمُ الباطل، وإنْ يكنْ هذا الباطلُ متربِّعاً بدسْتِ الأحكام.
ثلاثةَ عشرَ عاماً قضّاها وراءَ أربعةِ جدرانٍ لم يُشاهدْ خلالها سوى إخوانِه المُجاهدين المخلصين، هؤلاءِ الذينَ هاجموا الباغيةَ بكُتُبِهم السوداءَ التي زَلزَلتْ عرشهُ وهدَّمتْ كرسيَّه، وحطَّمتْ كبرياءَه، وردّمَتْ عُنفوانَه، وكشَفَتْ أسرارَه، وهتكَتْ مخبَّآته.
وإذْ ذاكَ أعلنَ الشعبُ ثورَته على هذا الباغيةِ طارداً إيّاه من الحكم. فقبعَ في منزلهِ بالكسليك، والأَلمُ يعتصرُ قلبه، والحزنُ يفري كبدَه، والشَّجنُ يُؤرِّق جفَنَه، وذكرياتُ السلطةِ تُبعدُ الكرى عنه. وهكذا انتصرَ الحقُّ وزُهِقَ الباطلُ، إنَّ الباطلَ كان زهوقاً.
وليته وُجِدَ صحفيٌّ أو نائبٌ أو وزيرٌ أو أديبٌ يشجبُ جريمةَ الإعتداءِ التي ارتكبَها الباغيةُ الطاغيةُ بشارة الخوري بنزعِهِ جنسيَّة رجلٍ بريء، مثلما وُجِدَ في فرنسا، إذْ هبَّ الكاتبُ الكبيرُ إميل زولا يُدافعُ عن دريفوس، مُتطَوِّعاً لمناصرةِ الحقِّ، مهاجماً حكومةَ بلادهِ وقضاءَها لينصرَ الحقيقةَ التي يجبُ أن تكونَ ظافرة. وقدْ اضطُرَّ بعدما نشرَ دفاعه "أنا أَتَّهمُ" لمغادرة فرنسا، فإذا هو شريدٌ طريدٌـ يجوبُ مُدُناً عديدةً بسببِ دفاعهِ عن رَجُلٍ ظلَمَتْه حكومةُ بلاده، متحمِّلاً شظفَ العيشِ في هذا السبيلِ النبيل. وأخيراً، انتصرَ الحقُّ وخرجَ دريفوس من سجنهِ ظافراً منصوراً، وأُعيدتْ كرامتُه إليه. وعادَ إميلْ زولا إلى بلادهِ محمولاً على الأعناقِ. فقد قدَّر الشعب الإفرنسي هذا البطلَ المغوار الذي لا يُشَقُّ له غبار وذلك بعدَ أنْ تأكّدَ للفرنسيين أنهُمْ وحكَّامهُم كانوا أجمعين مخطئين بظلّمهِم لدريفوس، بينَما كانَ إميل زولا هو الوحيدُ على صواب. وهكذا انتصرَ حقُّه على باطلهم. فأقامتْ فرنسا له عيداً تكريميًّا يُحتفَلُ به كلَّ عامٍ لأجلِ مناصرتهِ العدالة. أمّا في لبنانَ فلم يوجَدْ أيُّ شخصٍ دافعَ عنْ الدكتور داهش واستنكرَ الظلمَ الرهيبَ الذي أوقعَهُ بشارة الخوري به. وهذه وصمةُ عارٍ ستبقى خالدةً ما خلدَ الزمانُ، تُذكَرُ وتُعلَنُ وتُنشرُ كلّما ذُكِرَتْ قضيّةُ ظلمِ داهش.
وبعد فالقارئ سيجدُ في كتابِ الرحلة العالميِّةِ هذه لذَّةً فريدةً. فإنّه سيجوبُ مع الكاتب المدنَ والعواصمَ، ويخترقُ السهولَ والفيافيَ، ويرتقي الجبالَ، ويهبطُ إلى الأوديةِ، وسيزور المتاحفَ والمخازنَ، ويطوفُ في المعابدَ والملاهي، ويرودُ كلَّ مكانٍ وطئتهُ أقدامُ داهش وخبصا.
وسيُدهَشُ مِنَ الوصفِ الدقيقِ والتدوينِ الأمينِ اللذَيْن يلمسهُمَا في كلِّ ما خطّه الكاتب، وهما من المزايا التي تفوَّق بها الدكتور داهش على أكثرِ الرحَّالةِ العالميين، وخصوصاً رحَّالةَ العربِ الأقدمين.
لكنّ هذه الرحلةَ اللذيذةَ المُثيرةَ المُفرحةَ في مختلفِ تنقّلاتِها ومحطّاتِهَا، مُحزنةُ مُفجعةُ في نهايتها. ذلك بأنَّ الدكتور خبصا أُصيبَ بتسمُّمٍ في الدم بأثناءِ هذهِ السفرةِ، ممّا نغَّصَ عيشَه وأبعدَ النومَ عن عينيه، وبعثَ الألمَ العميقَ في نفسِ رفيقِ رحلتِهِ الدائم: الدكتور داهش. فإذا بهِ يرسلُ نفثاتِ صدرهِ الحزين، وأنّاتِهِ وتأوّهاتِه على الذي رافقَهُ من بيروت إلى طهرانَ، فالهند فبنوم بن، عاصمةُ كمبوديا، فبانكوك، فهونغ كونغ، فكيوتو، فطوكيو، فنارا، فأوزاكا، فنيكّو، فكماكيرا، فشيكاغو، فلندن، فباريس، فروما، فغيرِها وغيرِها من البُلدانِ، حتَّى عادَ أخيراً معه إلى بيروت بتاريخ 19 تشرين الأول 1969 وهو أقربُ إلى الهيكلِ العظميّ منه إلى الإنسانِ الحيّ. وفي 23 تشرين الأوّل أُدخِلَ الدكتور خبصا إلى مستشفى أوتل دييه، فمكث فيه 16 يوماً، ولم تنفع فيه حِيَلُ الأطبّاء، فماتَ في الساعةِ الخامسةِ والثلثِ من فجرِ 8 تشرين الثاني 1969 مأسوفاً عليه، مبكيّاً على أخلاقهِ العاليةِ وخلالهِ النبيلة. ولا شكَّ في أنَّ القارئ سيلقى في مطالعةِ هذهِ الرحلةِ العجيبةِ الطريفةِ المتعةِ والفائدة.
بيروت ، في 16/1/1979 الدكتور فريد أبو سليمان
السَّبتْ في 2 آب 1969
في يَوْمِ سَفَري استَيْقَظْتُ مَريضاً
فورَ يقظتي صباحَ اليوم، بادرتُ إلى ترتيب حقيبَتيْ سفري، مع أنني استيقظتُ وأنا شاعرٌ بأنّني مريضٌ، إذْ كنتُ أُحسُّ بدُوارٍ شديد يتملّكني تملّكاً تامّاً. كنتُ أرى اللوحاتِ الزيتيّةِ تدورُ، والغرفةُ تنطوي جدرانُها على نفسِها، وكلُّ أثاثِها يعلو ويهبِطُ، فاستعذتُ بالله من شرِّ الشيطانِ الرجيم، وقلتُ في نفسي: تُرى، هل أستطيعُ السفَر وأنا بهذهِ الحالةِ الفظيعةِ! وسرعانَ ما انتابني الغَثَيان، فاستعنتُ عليه بكوبٍ من عصير الليمون.
وفي تمامِ الساعةِ السابعةِ والنصف، وصلَ الدكتورُ جورج خبصا رفيقُ رحلتي حولَ العالم. وعندما علمَ ما بي، قال لي: لنعدِلْ عن السَّفَر، لأنك بهذه الحالةِ لا يمكنكَ أن تتحمَّل مشاقّ الرحلة. فأجبتُه: سأسافرُ مهمَا كلَّفني الأمر، ولنْ أَعدلَ عن هذهِ الرحلةِ، خصوصاً أنَّ تذاكر البان أميركان PAN AMERCAN قد أُنْجِزَتْ، وهي بحوزتي، وقد بلغَتْ كلفةُ السفرِ بالطائراتِ ذهاباً وإياباً ثلاثة آلاف دولار، أيْ نحو عشرةَ آلافِ ليرةٍ لبنانيّةٍ. وأسرعَ بعضُ الإخوةِ فدلّكوا لي جسمي بالعطورِ، وتنشَّقتُ منها مراراً وتكراراً، متناولاً بعضَ المُنْعِشات، حتى شعرتُ بأنَّ حالتي قد تحسَّنت ولله الحمد!
وقد تقاطرَ الإخوةُ والأخَواتُ الذي عرفوا أنني سأسافرُ مساءَ اليوم، منْ أجلِ توديعي. وقدْ عَدَدْتُهم، فكانوا ستةً وأربعين شخصاً بينَ رجلٍ وامرأة. وسرعانَ ما أَزفَ الوقتُ، إذ أشارتْ الساعةُ إلى الخامسةِ والنصفِ مساءً، فنزلتُ للحالِ، يرافقُني رهطٌ من الإخوةِ والأخواتِ، قاصدينَ المطارَ.
في مَطَارِ بيروت
بَلَغْنا المطارَ في الساعةِ السادسة إلاَّ رُبْعاً مساءً. وقد استقلَّيتُ سيارةَ الأخِ الكريمِ فريد فرنسيس، ورافقني بها ليلى إبنةُ شقيقتي أنتوانِت، وإِلين ضاهر، والأخُ الحبيبُ الدكتور فريد أبو سليمان. أما الدكتور خبصا فقدْ استقلَّ سيّارة الأخ هادي حجَّار، ورافَقَتْهُ زينا حدّاد وشكري وجورج شكُّور. واستقلَّ سيارة إيليَّا حجّار الأستاذ الأديب أسعد علي وغازي براكس. وكذلك واكبْنَا الأخَ العزيزَ سليم قمبرجي وشقيقه عليّ. وفي سيّارةِ الأخ سِرْج رافقَتْنا السيّدة رباب المقدّم وابنتها سهيَّلا.... وغيرهم من الأخوة والأخوات الداهشيّين عددٌ كبير.
وعندما بَلَغَ رَتْلُ السيّارات محطَّة الطيران، ترجَّلنا جميعاً. وبعدَ أن قبَّلتُ كُلاَّ منهم قبلة الوداع، غادرتُهم مع أخي الدكتور خبصا، ونزلنَا إلى صالونِ الإنتظارِ قبلَ أنْ نستقلَّ الطائرة الجبَّارة الجاثمة على أرضِ المطارِ.
ودَوَّتِ المُحَركَات
ثمَّ شَقّتْ أجوازَ الفَضَاء
في تمامِ الساعةِ السابعةِ إلاّ رُبعاً منْ مساءِ 2-8-1969، دوَّتْ مُحرِّكاتُ الطائرةِ الجبّارةِ بوينغ 707، ثمَّ درَجَتْ على أرضِ المطارِ، وأقلعَتْ وهي ترعدُ بجبروتٍ وتهدرُ كالطاغوت.
وأخذت تعلو رويداً رويداً حتَّى بلغَ ارتفاعُها اثني عشرَ ألفَ متر. نظرتُ من عَلُ إلى أسفل، فماذا رأيتُ؟
شاهدتُ بساطاً ممتدّاً لا نهايةَ له: بساطاً نسجَتْهُ يَدُ الطبيعة من الغيوم المتّخِذة لها شتّى الأشكال والرسوم. تالله! ما أَروعَ ما أُشاهدُ، وما أروعَ ما أُشاهد، وما أَوقعَهُ في النفسِ! ثمَّ أليسَ عجيباً أن يبلغَ التقدّمُ العلميّ والميكانيكي هذهَ الدرجةَ منَ العظمةِ؟! وأيّةَ عظمةٍ تعلو عليها؟!
مئتا مسافرٍ ومسافرةٍ يجلسُ كلٌّ منْهُم على مقعدِهِ المُريح، وأمامَهُ فسحهٌ رحبةٌ يستطيعُ أن يضَعَ فيها حقيبةَ سفره. كما بإمكانِهِ أن يفتحَ أمامَهُ طاولةً صغيرةٌ يُخرجُها من ظهرِ مقعدِ زميلهِ الماثلِ أمَامَه- وكلُّ مُسافرٍ يستطيعُ عملَ هذا- فيضعُ عليهَا كتاباً ليطالعَهُ، وفي ساعاتِ الأكلِ، يتناولُ عليها طعامَه براحةٍ تامَّةٍ لا تشوبُها أيَّةُ مُنغِّصات مهما كانتْ طفيفة. والأغربُ من كلِّ هذا، ورغمَ ارتفاعِ الطائرةِ العظيمِ، فإنّ أيًّا منّا لم يشعرْ بأيّ ارتجاج، حتَّى الطعامَ وأكوابَ الماءِ لا تتحرّكُ على الإطلاق لشدّةِ الإتقانِ البادي للعيان.
حقّاً إنَّ الإنسانَ قدْ بَلَغَ الشأْوَ الأعلى في مضمارِ العلومِ والاختراعاتِ العظيمةِ التِي تعودُ جميعُها بالنفعِ العميمِ للجنسِ البشريّ.
الوُصُولُ إلى طَهْران
وفي تمامِ الساعةِ الحاديةَ عشرةَ إلاَّ رُبعاً ليلاً- أي بعدَ أربعِ ساعاتٍ طَيَرانٍ متواصلٍ- وصلنَا إلى طهران. فهبَطَتْ بنا الطائرةُ، ومكثتُ ساعةً وربعاً في هذهِ المدينةِ، وهكذا أُتيحَ لي أن أزورَ، في هذا الليل، المخزنِ الموجودِ ضمنَ المطارِ. وقد ابتعتُ منه أوانيَ من الميناءِ الجميلِ الزخارفَ وذي البراعةِ في نقوشهِ الفنِّيةِ التي تأخذُ بالألبابِ.
وعندما انتهتْ الطائرةُ بنَا إلى طهران، كانتْ الساعةُ الحاديةَ عشرةَ إلاَّ ربعاً، بينمَا كانتْ في بيروتَ التاسعةَ والرُبعِ ليلاً، لأنَّ الفرقَ هو ساعةٌ ونصفٌ بينَ بيروت وطهران.
ثمَّ أقلعتْ الطائرةُ بنَا في تمامِ الساعةِ الثانيةَ عشرةَ منتصفِ الليل، بتوقيتِ طهران، بينمَا كانتْ الساعةُ في بيروت، حينذاك، العاشرةَ والنصفِ ليلاً. وبعدَ طيرانٍ متواصلٍ ثلاثَ ساعاتٍ كاملةٍ، بلغْنَا مدينةَ نيودلهي في الهند، وكانتْ الساعةُ، آنذاك، فيها الخامسةَ صباحاً، بينمَا كانتْ في بيروتَ الواحدةَ والنصف.
وفورَ خروجي منَ الطائرة، شعرتُ بموجة حرٍّ شديدة تلفحُني، كما كانتْ الأمطارُ تتساقطُ رذاذاً. وقد أسرعتُ إلى صالونِ المطارِ أُنقِّلُ بَصَري في المسافرين سواءَ القادمين منهُم أم الذاهبين إلى أوطانِهِم أو إلى رحلاتِهِم في أرجاءِ كُرَتِنا الأرضيِّة. وبعد مُضيّ ساعة كاملة، عدتُ فاستقلَّيتُ الطائرة، فأقلعَتْ بنا في تمامِ السادسةِ صباحاً، بتوقيت نيودلهي، الثانية والنصف بعدَ منتصفِ الليلِ بتوقيتِ بيروت. واستمرَّتْ الطائرةُ الجبّارةُ في سَيْرها الهائل، قاطعةً في الساعةِ نحوَ 950 كيلو متراً، حتى وصلتُ أخيراً، وبعد طيرانِ أربعِ ساعاتٍ كاملةٍ، إلى مدينةِ بانكوك. وحالَ خروجي من الطائرةِ، نظرتُ إلى ساعةِ المطارِ في بانكوك فإذا بِهَا تُشيرُ إلى الحاديةَ عشرةَ والنصفِ صباحاً، لأنَّ الفرقَ بين المدينتين هو خمسُ ساعاتٍ كاملةٍ.
إلى الفُنْدُق
بعدَ وَعْثاءِ السّفَر
بعدَ الإجراءَاتِ القانونيِّة من قِبَلِ السُّلُطاتِ الرسميِّة في المطار، والتأشيرِ على جوازَيْ سَفَرنا، استقلَّينا سيّارة أوصَلَتْنا إلى فندقِ سيام أنتركونتنتال. وقدْ كنتُ منهوكَ القوى لسَهري المتواصلِ طوالَ ساعاتِ الطيران، أي إحدى عشرة ساعةٍ كاملة. وللحالِ استغرقتُ أنا والدكتور خبصا في نومٍ عميقٍ مدّةَ ساعتين كاملتين، ثمَّ استيقظنا وصَمَّمْنا على أن نقومَ بجولةٍ استطلاعيّةٍ في مدينةِ بانكوك التِي نزورُها للمرَّةِ الأولى.