[ 86 ]
ومن خطبة له عليه السلام
وفيها بيان صفات الحق جلّ جلاله ثمّ عظة الناس بالتقوى والمشورة
قَدْ عَلِمَ السَّرائِرَ، وَخَبَرَ الضَّمائِرَ، لَهُ الْإِحَاطَةُ بِكُلِّ شَيْءٍ، وَالْغَلَبَةُ لِكُلِّ شَيْءٍ، وَالْقُوَّةُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ.
عظة النّاس
فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُ مِنْكُمْ فِي أَيَّامِ مَهَلِهِ، قَبْلَ إِرْهَاقِ أَجَلِهِ (1) ، وَفِي فَرَاغِهِ قَبْلَ أَوَانِ شُغُلِهِ، وَفِي مُتَنَفَّسِهِ قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ بِكَظَمِهِ (2) ، وَلْيُمَهِّدْ لِنَفْسِهِ وَقَدَمِهِ، وَلْيَتَزَوَّدْ مِنْ دَارِ ظَعْنِهِ لِدَارِ إِقَامَتِهِِ. فَاللهَ اللهَ أَيُّهَا النَّاسُ، فِيَما اسْتَحْفَظَكُمْ مِنْ كِتَابِهِ، وَاسْتَوْدَعَكُمْ مِنْ حُقُوقِهِ، فَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَخْلُقْكُمْ عَبَثاً، وَلَمْ يَتْرُكْكُمْ سُدىً، وَلَمْ يَدَعْكُمْ فِي جَهَالَةٍ وَلاَ عَمًى، قَدْ سَمَّى آثَارَكُمْ (3) ، وَعَلِمَ أعْمَالَكُمْ، وَكَتَبَ آجَالَكُمْ، وَأَنْزَلَ عَلَيْكُمُ (الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيءٍ)، وَعَمَّرَ فِيكُمْ نَبِيَّهُ (4) أَزْمَاناً، حَتَّى أَكْمَلَ لَهُ وَلَكُمْ ـ فِيَما أنْزَلَ مِنْ كِتَابِهِ ـ دِينَهُ الَّذِي رَضِيَ لِنفْسِهِ، وَأَنْهَى إِلَيْكُمْ ـ عَلَى لِسَانِهِ ـ مَحَابَّهُ (5) مِنَ الْأُعْمَالِ وَمَكَارِهَهُ، وَنَوَاهِيَهُ وَأَوَامِرَهُ، فَأَلقَى إِلَيْكُمُ الْمِعْذِرَةَ، وَاتَّخَذَ عَلَيْكُمُ الْحُجَّةَ، وَقَدَّمَ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ، وَأَنْذَرَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَديدٍ. فَاسْتَدْرِكُوا بَقِيَّةَ أَيَّامِكُمْ، وَاصْبِرُوا لَهَا أَنْفُسَكُمْ (6) ، فَإِنَّهَا قَلِيلٌ فِي كَثِيرِ الْأَيَّامِ الَّتِى تَكُونُ مِنْكُم فِيهَا الْغَفْلَةُ وَالتَّشَاغُلُ عَنِ الْمَوْعِظَةِ; وَلاَ تُرَخِّصُوا لاَِنْفُسِكُمْ، فَتَذْهَبَ بِكُمُ الرُّخَصُ مَذَاهِبَ الْظَّلَمَةِ (7) ، وَلاَ تُدَاهِنُوا (8) فَيَهْجُمَ بِكُمُ الْإِدْهَانُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ. عِبَادَ اللهِ، إِنَّ أَنْصَحَ النَّاسِ لِنَفْسِهِ أَطْوَعُهُمْ لِرَبِّهِ، وَإِنَّ أَغَشَّهُمْ لِنَفْسِهِ أَعْصَاهُمْ لِرَبِّهِ; وَالْمَغْبُونُ (9) مَنْ غَبَنَ نَفْسَهُ، وَالْمَغْبُوطُ (10) مَنْ سَلِمِ لَهُ دِينُهُ، وَالسَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ، وَالشَّقِيُّ مَنِ انْخَدَعَ لِهَوَاهُ وَغُرُورِهِ. وَاعْلَمُوا أَنَّ يَسِيرَ الرِّيَإِ (11) شِرْكٌ، وَمُجَالَسَةَ أَهْلِ الْهَوَى مَنْسَاةٌ لِلْإِيمَانِ (12) ، وَمَحْضَرَةٌ لِلشَّيْطَانِ (13) . جَانِبُوا الْكَذِبَ فَإِنَّهُ مُجَانِبٌ لِلْإِيمَانِ، الصَّادِقُ عَلَى شَفَا مَنْجَاةٍ وَكَرَامَةٍ، وَالْكَاذِبُ عَلَى شَرَفِ مَهْوَاة وَمَهَانَة. وَلاَ تَحَاسَدُوا، فَإِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الْإِيمَانَ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ، وَلاَ تَبَاغَضُوا فَإِنَّهَا الْحَالِقَةُ (14) ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْأَمَلَ يُسْهِي الْعَقْلَ، وَيُنْسِي الذِّكْرَ، فَأَكْذِبُوا الْأَمَلَ فَإِنَّهُ غُرُورٌ، وَصَاحِبُهُ مَغْرُورٌ.
1.( إرْهاق الأجل): أن يُعْجِلَ المُفَرّط عن تَدَارُكَ ما فاته من العمل، أي: يحول بينه وبينه.
2. الكَظَم ـ بالتحريك ـ : الحلق، أو مخرج النّفس; والأخذ بالكَظَم كناية عن التضييق عند مداركة الأجل.
3. سَمّى آثاركم: بين لكم أعمالكم وحَدّدها.
4. عَمّرَ نبيّه: مدّ في أجله.
5. مَحَابّه: مواضع حبّه، وهي الأعمال الصالحة.
6. (اصبروا أنفسكم): اجعلوا لأنفسكم صبراً فيها.
7. الظّلَمة: جمع ظالم.
8. المُداهَنَة: إظهار خلاف ما في الطّوِيّة، والإدهان مثله.
9. المَغْبون: المخدوع.
10. المَغْبُوط: المستحق لتطلّع النفوس إليه، والرغبة في نيل مثل نعمته.
11. الرياء: أن تعمل ليراك الناس، وقلبك غير راغب فيه.
12. مَنْساةٌ للإيمان: موضع لنسيانه، وداعية للذهول عنه.
13.( مَحْضَرةٌ للشيطان): مكان لحضوره، وداع له.
14. فانّها: أي المباغضة. الحالقة: أي الماحية لكلّ خير وبركة.
1. إرْهاق الاجل: أن يُعْجِلَ المُفَرّط عن تَدَارُكَ ما فاته من العمل، أي: يحول بينه وبينه.
2. الكَظَم ـ بالتحريك ـ : الحلق، أو مخرج النّفس; والاخذ بالكَظَم كناية عن التضييق عند مداركة الاجل.
(3) 3. سَمّى آثاركم: بين لكم أعمالكم وحَدّدها.
4. عَمّرَ نبيّه: مدّ في أجله.
5. مَحَابّه: مواضع حبّه، وهي الاعمال الصالحة.
6. اصبروا أنفسكم: اجعلوا لانفسكم صبراً فيها.
7. الظّلَمة: جمع ظالم.
8. المُداهَنَة: إظهار خلاف ما في الطّوِيّة، والادهان مثله.
9. المَغْبون: المخدوع.
10. المَغْبُوط: المستحق لتطلّع النفوس إليه، والرغبة في نيل مثل نعمته.
11. الرياء: أن تعمل ليراك الناس، وقلبك غير راغب فيه.
12. مَنْساةٌ للايمان: موضع لنسيانه، وداعية للذهول عنه.
13. مَحْضَرةٌ للشيطان: مكان لحضوره، وداع له.
14. فانّها: أي المباغضة. الحالقة: أي الماحية لكلّ خير وبركة.