الوردة (1)
من أقاصيص: زينة حداد
ترجمة: سمير الحداد
وردة تهيم في سماء فردوسية مُستخدمة بتلاتها كأجنحة. فقد حملها نسيم بليل ووجه ارتحالها إلى هذا الفضاء اللامتناهي، ضامًا عنقها بين حناياه رغبة في تقبيلها، مُستحمًا بعطرها الذكي الذي تنثره على مسارها. كانت الوردة تصعّد نحو الأعلى يومًا بعد يوم وكانت تصبح أكبر وأكثر جمالاً، فهي كائن من نور.
وذات يوم وقد بلغت علوًّا معينًا، توقفت الوردة عن الارتفاع وجعل الله فيها كوكبة من نجوم. وراحت العوالم المُحيطة بها تدنو منها أكثر فأكثر مُتمتِّعة بجمالها دون أن تتعب أو أن تكتفي.
يا لله! كم هي جميلة! كانت العوالم تقول بعضها للبعض الآخر. يجب أن نختارها لتكون ملكة علينا.
كانت الوردة تفوق شقيقاتها جمالاً، وراحت الكواكب تقترب منها أكثر فأكثر لتنعم بلمس بتلاتها النوارنيّة الشفافة السحرية وتتنشق رحيقها العطر.
وتضرب الوردة بجناحيها مطلقة موسيقى ساحرة، تنتظم في سمفونيات ما تزال تسمع على مرّ ملايين السنين، مُضفية النشوة على الكواكب التي راحت توقع رقصات الفرح حول هذه الكوكبة الرائعة الفتنة، فسعادتها كبيرة لا وصف لها.
فضلاً عن جمالها الباهر، لم تكن الوردة موسيقية فحسب، بل كانت منبع الموسيقى والألحان والسمفونيات الخالدة. أليس أبولون، اله الشمس والموسيقى مُتحدّرًا من هذا العالم، من عالمها؟ هذه الوردة المقدَّسة هي ربّة الإلهام للموسيقيين، يتلاعب النسيم العليل ببتلاتها وتسمع من بعيد ألحان وإيقاعات الأناشيد التي تنبعث منها.
نجوم الفلك هي جماعة الموسيقيين، وعديدون هم العازفون المُبدعون الذين وقعوا وما يزالون يوقعون الألحان على بتلاتها الشفافة الحمراء. أشعّة هذه الكواكب، تمتد عوضاً عن أصابع الموسيقيين الرشيقة لتقوم بإبداع هذه المجموعات من المعزوفات الفردوسية. الصفاء والغبطة يسودان هذه الجنات التي لا بداية لها ولا انتهاء.
في الوقت عينه كانت أرضنا التاعسة خالية من الأصوات. لم يكن للموسيقى وجود عليها. لكن عندما أصدر الله ارادته، وليكن نور، فكان، واهدتنا الشمس صدى القداسة وهي تبرز للعيان في عربتها النيرانية. وإضافة إلى توهج الشمس وألقها، تنزَّلت علينا رسائل الهيّة حاملة في طيّاتها قبسات من عالم الوردة الموسيقى.
وهكذا، يا موسيقيي الكرة الأرضية العظام، شوبانن بيتهوفن، موزار وباخ، أنتم تنتمون إلى هذا العالم الرائع الذي ورثتم منه موهبة وعطيّة هذا الفن العظيم.
أنتِ أيتها الوردة، النجم، ستبقين دائمًا في ذاكرتنا وفكرنا.
1 – هناك قصة أخرى في هذا الكتاب تحمل نفس الإسم: الوردة.