تحوّل
من أقاصيص: زينة حداد
ترجمة: سمير الحداد
ذات أمسية صيف، أوان الغسق، كانت الشمس قد احتجبت خلف الأفق مُخلِّفة لونها الناري على الغيوم. كان شاطئ البحر مقفراً عندما راحت الأمواج تنطلق متتالية وتتكسر على الصخور ناثرة زبدها الأبيض.
كنت آنذاك أتنزه سعيدة في وحدتي، أتأمل بكثير من الإعجاب أعمال الخالق التي لا مثيل لها. فجأةً برزت صخرة فوق المياه تحاكي الجبل ضخامة وهامتها تعلو فوق البحر، وكانت شابة جميلة شقراء لا أعلم من أين أتت جالسة هناك على قمّتها. كان شعرها الطويل المّذهَّب المُضمّخُ بعطرٍ عذبِ الرائحة يغطي جسدها الذي يحاكي أجساد عرائس البحر. لم تكن هذه العروس فرحةً. كانت تغمر وجهها الجميل مسحة من الحزن والأسى، وتنهمر لآلئ الدموع على وجنتيها الورديتين.
أيها الصخر، يا من أبرعتك يد الله، أنت ملاذ التعساء قالت الصبية باكية، وأنت مهدهم إنها المُحيط. ها أمواجك تنسكب وتتوالى دون كللٍ طاوية في أعماقك البؤس والأسى، وفمك الهائل لا يشبع.
أيتها الغادة المُراهقة ذات الستة عشر ربيعًا، يا ظبية حزينة العينين، ما الذي دفعك للمجيء إلى هذا المكان الكئيب؟ أهجرك أمير الأحلام؟ أم هو الحب الذي يتأكل كل جمال؟ أيتها النفس البريئة الجريحة، خذني من البحر مأوى لأيامك الأفضل، هيا يا جميلتي، فصباك الغضّ ملك لنا، هيا كوني حورية مياهنا.
هل استحال هدير البحر وصخبه إلى نداء عذب في هذا الليل حتى ارتمت هذه الصبية في أحضان المحيط الذي ضمَّها بين ذراعيه الجبارتين؟
كنت وكأنني في هنيهة حلم، فقد تبدّل المحيط وتحوّلت كل موجة من أمواجه إلى حورية ذهبية الشعر وضممن جميعًا هذه الصبية وأرقدنها وواسينها. إلا أن الشفقة تملكت هذه الحوريات، فحملن الصبية واضجعنها على رمال الشاطئ الناعمة وفرشن على جسمها غطاءً من شعرها النوراني، وانطلقن ليحضرن الأمير الفاتن الذي، في غمرة ارتباكه، طبع قبلة على وجهها فاستفاقت.
كان ذلك مساءً. شاهدت محيطًا جامحًا يتحول إلى بحرٍ من الجنيّات الحواري.
كان ذلك مساءَ حُلُمٍ رأيت فيه الماتم الحزين يتحوَّل إلى موكب فرح.
أيتها الأمواج، هل أنتنَّ حَوَارٍ حقًّا، أجل أنتن كذلك، فقد رأيتكن أنا تؤدِّين دوركن الحقيقي وأنتن في جمالكنّ الباهر. غير أن أهل الأرض لا يرون فيكن سوى محيط تتبدّل أمواجه وتتغير.